قضية الأحواز العادلة: لم تعد قضية منسية بل إنها عصية على الضياع – جمال عبيدي

قد لا يختلف اثنان إذا ذهبنا بالقول إن جغرافية إيران السياسية الحالية رسمت بناءً على المصالح البريطانية والفارسية، في الربع الأول من القرن المنصرم، دون النظر إلى مصالح ورغبة السكان الأصليين في الأقاليم غير الفارسية، ومنهم عرب الأحواز الذين احتُلت أرضهم وسقط حكمهم العربي في مثل هذه الأيام من شهر نيسان/أبريل عام 1925.

وقد يكون الطموح السياسي للأمير خزعل الكعبي، والذي تجلّى في عدة مناسبات، ومن أهمها: الاجتماع الذي عقد في قصر الفيلية في المحمرة في آذار/مارس عام 1918 والذي حضره زعماء شمال الخليج العربي (خزعل الكعبي من الأحواز وصباح المبارك من الكويت وطالب النقيب من العراق)، والدعم الذي قدّمه الأمير خزعل لفلسطين عندما زاره مفتي القدس أمين الحسيني في خريف عام 1924 في المحمرة، وكذلك رغبة الأمير خزعل الكعبي في توليه عرش العراق، لاسيما دوره الرئيس في تشكّل الحركة القومية العربية في منطقة الخليج العربي، والمناوئة للوجود التركي العثماني في تلك الحقبة من تاريخ المنطقة. خير دليل على ما قاله الباحث البريطاني Alan Rush في أحد أبحاثه عن الأسر الخليجية الحاكمة بأن الأمير خزعل الكعبي (حاكم الأحواز/المحمرة) كان من الساسة الأكثر ذكاءً، ورجل الدولة صاحب الكاريزما الشخصية والنظرة الثاقبة، والذي امتلك طموحاً عالياً مفعماً بالتطلعات المستقبلية.

ولسوء الحظ، هذا الطموح السياسي العروبي للأمير خزعل الكعبي اصطدم بالسياسات الاستعمارية لبريطانية وروسيا في منطقة الخليج العربي. وفي هذا السياق أيضاً، كان الصراع البريطاني الروسي للسيطرة على بلاد فارس على أشده. هذا الوضع، تطلب من بريطانيا إيجاد حكومة قوية موالية لها في بلاد فارس لمنع وصول الروس إلى الخليج العربي الذي تحول بعد اكتشاف النفط في شمال الأحواز عام 1906 إلى أهم مصادر الطاقة في العالم، وبالفعل وجدت بريطانيا ضالتها في راعي الإسطبل وحارس السفارة الهولندية: رضا ميربنج، الذي أصبح شاه إيران فيما بعد، وأسس الدولة البهلوية الأولى عام 1926. والملاحظ في الأمر، أن هذا الطموح السياسي المستقبلي للأمير خزعل الكعبي أمير المحمرة نجده في كتابه المعنون بـ «الرياض الخزعلية في السياسية الإنسانية» (1900م). حيث يقول خزعل في إحدى قصائده عن الحاكم والشعب، قوله: «وانهض بشعبكَ للعلا إذا أردت.. بأن تنال من العموم ثناء».

وفي هذا السياق، ومنذ تسعة عقود وعرب الأحواز في الجانب الثاني (الضفة الشرقية) من الخليج العربي يعانون من الاضطهاد والتمييز العرقي، ليتحول صراعهم السياسي والاجتماعي والاقتصادي خاصة في العقدين الأخيرين مع الدولة الإيرانية إلى صراع وجود، وما الاحتجاجات الأخيرة في إقليم الأحواز والتي سميت بـ «ثورة الكرامة»، إلا خير دليل على طبيعة هذا الصراع الوجودي بين الدولة الإيرانية والشعب العربي الأحوازي الذي يصارع من أجل البقاء في أرض الأجداد.

وبالنظر لتاريخ إقليم الأحواز الاجتماعي والسياسي، فيعتبر امتداداً طبيعياً لوادي الرافدين. وعليه، تشير أمات الكتب التاريخية إلى أنّ ذكر المجموعات البشرية التي كانت تسكن على ضفاف نهر كارون جاءت في النقوش السومرية القديمة، والسومريون هم من أطلق مفردة الآرامية عليهم. و”بيت باكين” كانت أولى عواصم الأراميين على ضفاف نهر كارون (قارون).

ومن ثم تلت الحضارة الآرامية، حضارات أخرى ومنها: العيلامية والبابلية والآشورية، والكلدانية التي كانت عاصمتها الشوش الحالية والسوس قديماً أو سوسيانا، التي سقطت على يد الأخمينيين الفرس في عام 538 قبل الميلاد.

إلا أن الأحواز عادت للحضن العربي الإسلامي في إثر معركتي القادسية والمدائن. وفي أواخر العهد العباسي قامت عدة إمارات عربية في الأحواز، ومنها: إمارة بني أسد وبني عامر وآل كثير وغيرها من الإمارات العربية الأخرى. كما أن الأحواز خضعت لحكم المغول كغيرها من الأراضي العربية، إلا أن محمد بن فلاح المشعشعي الحويزي حرّرها عام 1936ميلادي، وأسس الدولة المشعشعية العربية القوية، وكانت عاصمتها الحويزة. وأما المحمرة، عاصمة الدولة الكعبية التي تأسست في عام 1690، فقد سقطت في إثر احتلال عسكري قام به رضا شاه البهلوي وبمساعدة بريطانية، لتبدِّد طموح أميرها الشيخ خزعل الكعبي، بالرغم من علاقاته الطيبة مع البريطانيين، إلا أنهم غدروا به في نهاية المطاف، وسقطت عاصمته التي كانت تتطور بشكل حضاري ومتسارع.

وبالنظر لما نشاهده في السنوات الماضية من حراك سياسي ذات طابع قومي عروبي في إقليم الأحواز، والذي تجلى في الآونة الأخيرة من خلال «حراك الهوية» و«أنا عربي» و«ثورة الكرامة»، وغيره من الحراك السياسي الهوياتي هناك. مترافقاً بسياسات التطهير العرقي والتهجير القسري المبرمج والهادف للدولة الإيرانية تجاه المواطن الأحوازي، والتي عبّر عنها الجنرال محسن رضائي سكرتير أمين مجلس تشخيص مصلحة النظام عندما قال «إنه سيصل بالخيم الفارسية (اللّرية) حتى حدود شط العرب».

بالنظر إلى كل ذلك، هل يستطيع الشعب العربي الأحوازي، بعد مرور تسعة عقود من الاحتلال، أن يصمد ويبقي الأحواز عربية، أم أن الغلبة ستكون لمحسن رضائي ورفاقه في الحرس الثوري الذين باتوا يتباهون باحتلالهم ثانية للمدائن العربية؟

بقلم: جمال عبيدي

29 أبريل 2018

المصدر مركز مزماه للدراسات

شاهد أيضاً

رفيقنا المناضل مهدي ابو هيام الأحوازي

تلقينا في حزب التضامن الديمقراطي الأهوازي التغييرات الإيجابية في المكتب السياسي لحزبكم الموقر و الذي …