هناك دلائل كثيرة قد تكون سببا قد اوجدت الأقليات عبر التاريخ منها الهجرة والصراعات والنفوذ لكن الموكد ان كل هذه الأقليات لها تاريخ وتراث انساني وجذور تمتد الي أعماق التاريخ. الحقيقة انه معظم دول منطقة الشرق الأوسط تتنوع عرقيا ودينيا وحتى لغويا وينتشر هذا التنوع على طول الجغرافيا وهناك ما يفرقها وهناك ما يجمعها في التاريخ والآداب والثقافة. والحقيقة الأخرى انه في العصر الحديث وبسبب الصراعات والنفوذ بين القوي العظمي في منطقة الشرق الأوسط تحولت بعض المجتمعات البشرية الي كتل صغيرة ومتفرقة عبر الحدود ونشأت منها كيانات صغيرة اعتبرت اقلية في نظر السلطة الحاكمة على سبيل المثال عرب الاهواز والكورد والاذريين والبلوش في إيران الذين ينتشرون على حدود جغرافية تمتد بين عدة بلدان مجاورة.
يتشكل النسيج الاجتماعي في إيران من ألوان وعرقيات قومية ودينية مختلفة لكن يبقي التمييز الأبرز هو التنوع العرقي حيث ابتنت السلطة المركزية والدولة على تفوق العرق الفارسي واللغة الفارسية في القرن العشرين مع ان القومية الفارسية هي بالأساس اقلية قومية حالها كما حال القومية التركية الآذرية والكردية والعربية والبلوشية والقوميات الصغيرة الأخرى. كانت إيران الي زمن ليس ببعيد أي في زمن الصفوية والقاجارية تسمي ب “الممالك المحروسة ” حيث كانت المناطق والأقاليم تخضع لنفوذ السلطة المركزية من دون ان تفقد هذه المناطق سلطتها المحلية والإدارية وأنها كانت فقط تخضع للنفوذ السياسي للسلطة الحاكمة وليس بالضرورة تابعة لها جغرافيا.
تعتبر فترة حكومة رضا شاة البهلوي المؤسس للسلالة البهلوية في القرن العشرين من أبرز العصور في تاريخ إيران الحديث بالنسبة للشعوب الغير فارسية حيث تم أسقاط فكرة سلطة الأقاليم التي كانت تشبه الي حد كبير لنموذج الفدرالية في العصر الحديث وساعده في هذا الامر الظروف الدولية وصراع النفوذ بين القوي الاستعمارية البريطانية-الروسية وبعض النخبة الفارسية الشوفينية لاحقا التي استقت وبنيت ايدولوجيتها الفاشية والشوفينية الفارسية أساسا على فكرة عداوة وكراهية العرب والاتراك أولا. ونتيجة لذلك تم اسقاط الحكم العربي في الأهواز عام 1925 وتم تبني تسمية إيران ومنه تغيرت جذريا السياسة الداخلية والخارجية وبالتالي تغيرت ملامح هذه المناطق الغير فارسية وهويتها التاريخية لترمز أكثر الي الهوية الفارسية المهيمنة في البلد.
حقبة الشاة الابن في إيران ليست اقل شوفينية عن عصر الشاة الاب حيث كان يسعي الشاه جاهدا لأحياء والتمسك بفكرة وهوية فارسية مستسقاة من تاريخ وعظمة الإمبراطورية الفارسية التي انتهت علي يد العرب بعد الإسلام. ومن اجل الوصول الي هذا الغرض سعي الشاة ومعه النخبة الفارسية الشوفينية الي تمييع الهويات الأخرى في بوتقة الهوية الفارسية حتى ان جاءت ثورة الشعوب في إيران عام 1979 لتقضي على هذه الأحلام العنصرية النازية. الا انه البديل أي الإسلامي جاء أكثر سوءا حيث دأب النظام الي الترويج لفكرة الاخوة الإسلامية ونشر العدالة محل الاستبداد الملكي الشاهنشاهي ولكن سرعان ما تغيرت الشعارات الإسلامية بسبب الازمات التي خلقها النظام مع محيطه والاستبداد السياسي في الداخل التي انتجت جوا امنيا وغير مستقرا وأصبحت قضية الهوية والقوميات في إيران امرا يهدد كيان السلطة ومستقبلها.
بشكل عام النظام الإسلامي الذي اتي بعد الثورة في إيران لا يقبل بفكرة التنوع العرقي والاثني في إيران حسب ايدولوجية الثورة وصناعها من المراجع وآيات الله حيث لا توجد في ايدلوجيا الثورة أي اعتراف بحقوق الشعوب في إيران سوي وضع مادة او مادتين في الدستور حيث لم يتم تطبيقها حتى الان و بل اصبح المطالبة بها امرا يهدد النظام و يعاقب عليه الفرد.
وبعد فشل المشروع الأيديولوجي الإسلامي في انجاز أي من الاهداف الثورة في تحقيق الحرية والعدالة والتقدم، أصبح يوما بعد يوم تتأكل شرعية النظام الشعبية الجماهيرية ومن اجل البقاء في السلطة سعي ان يمزج بين شعار الدين وبين الاعتراف الضمني بالهوية الفارسية للبلد سعيا منه لسد رمق الشارع الفارسي الرافض للأيدولوجية الدينية والطامح للهوية الفارسية. وبدأت تظهر نخبة فارسية جديدة في الداخل من تحت عباءة النظام لا تختلف في أهدافها ومشروعها عن النخبة الفارسية الشوفينية المقيمة في الخارج حيث الاثنين يوكدون على اعتماد الهوية الفارسية الرسمية للبلد وتمجيد والحنين الي الماضي الامبراطوري الفارسي حيث ظهرت هذه الأصوات الي العلن منذ فترة رئاسة خاتمي وخصوصا فترة احمدي نجاد حيث مستشاره الخاص اسفنديار رحيم مشائي من أبرز تلك الشخصيات الرسمية. ايضا من أبرز داعمي هذا التوجه هم رؤساء الجمهور في إيران السابقين مثل هاشمي رفسنجاني والرئيس الحالي حسن روحاني وبدعم شديد من مؤسسات الامن والاستخبارات. ومن المفارقة ان يتحدث مستشار الرئيس الحالي في شؤون الأقليات السيد يونسي حيث لا يخفي شعوره بالتفاخر بالإمبراطورية الفارسية ويتباهى بها واسترجاع قوتها وهيمنتها حيث صرح ان العراق جزا من الإمبراطورية الفارسية القديمة. ايضا سيد ورمز الحكومة الإصلاحية الرئيس السابق لإيران السيد محمد خاتمي والذي كان يطلق شعار تأسيس المجتمع المدني كان يركز في خطاباته بشكل لا لبس فيه على سيادة الهوية الفارسية للبلد حيث قال ذات يوم اننا قبلنا الإسلام ولكن لم نقبل الهوية العربية أي رفضنا ان نذوب في هوية اخري.
تتنوع اضطهاد الأقليات في إيران علي يد السلطة الي عدة اشكال أهمها في توزيع السلطة والثروة والتدريس باللغة الام مع انه الدستور يسمح بذلك، الاضطهاد في التوظيف حيث نسبة ارقام البطالة الأعلى في المدن التي تقطنها شعوب غير فارسية مثل مدن الاهواز وكوردستان وبلوشستان، الاضطهاد في التنمية البشرية والبنية التحية للمدن والصحة والمياه والموارد الطبيعية والموارد الأخرى. في حين يتم اعمار المناطق ذات الأغلبية الفارسية مثل طهران وشيراز وأصفهان ومشهد وغيره من المدن الأخرى التي نشأت حديثا.