د. حسن هاشميان
كشفت صحيفة “شرق” الإيرانية في تقرير مفصل حول تصدير المواد الأغذية إلى قطر التي كانت تنطلق يوميا من منطقتي “بوالخير” و”ديّر” الإيرانيتين على شاطي الخليج العربي والقريبتين من مدينة بوشهر، عن أن جميع المواد المصدرة لم تخضع لمعايير الصحية وفقيرة لسلسلة من الإجراءات اللازمة في العملية التجارية ومبادئ التغليف. وقبل المقاطعة العربية التي فرضتها الدول الداعية لمكافحة الإرهاب على قطر، إدارة الصحة القطرية؛ نظرا للمعايير الصحية، كانت ترفض استيراد المواد الأغذية من إيران وتعتبرها مليئة بالسموم والمزايدات الكيمياوية وتنقل بطريقة غير صحية، تلامس اليد العاملة البعيدة عن النظافة اللازمة، والتي تخلط بين مجاري الحمام وشحن الخضراوات والفواكه إلى بواخر صغيرة، تُرحل من شواطئ إيران إلى الدوحة وتسمى بـ”اللنجة الباكستانية”، حسبما كتبته جريدة “شرق” الإيرانية.
ولكن بعد التعنت القطري في استمرار سياستها الخارجية المضرة بالمصالح العربية العليا وفرض المقاطعة، فتحت دولة قطر أبوابها أمام السموم الإيرانية وغابت تماما المعايير الصحية لاستيراد المواد والأغذية، وأصبح المواطن القطري بلا حيلة في استهلاك المواد الأغذية التي تُرسل من إيران منذ يونيو الماضي، وبلغ وزنها 1200 طن في اليوم حسب آخر تقرير صدر من غرفة التجارة في مدينة شيراز في سبتمبر الماضي.
بحسب الأخبار المنتشرة داخل إيران؛ فإن الجهة التي أمسكت بزمام التجارة مع قطر غير معروفة بالتسمية، والصحافة الإيرانية دائما ما تتحدث عن “ذلك الشخص” أو “تلك المؤسسة” دون أن تكشف عن معلومات محددة عن الجهة الحقيقية التي تقوم بإدارة التجارة مع الدوحة
ومدينة شيراز في محافظة فارس، أصبحت المسؤولة والمشرفة على سير التجارة مع قطر. وكان المفروض أن إدارة هذه المدينة تلبي الاحتياجات القطرية في الخضراوات والفواكه الطازجة ومواد البناء وآليات الأبنية، ولكن سرعان ما تبيّن أن الأمور لم تسير بالشكل المطلوب؛ حيث حصل نزاع بين إدارة غرفة التجارة في مدينة شيراز وإدارة مطار المدينة، وصل إلى وقف شبه كامل لعملية “التصدير” إلى الدوحة. ويرجع هذا النزاع إلى التوجهات الربحية لدى الإدارتين في التعامل مع القضية القطرية؛ حيث يعتبر كل طرف من هذه “المنازلة” أنه لم يحصل على الإيرادات المطلوبة التي كان يأمل بها. السلطات في مطار شيراز كانت تأمل بالحصول على أربعة آلاف دولار حق الأجرة لتوفير الوقوف في المطار إلى طائرة شحن استُخدمت في نقل البضائع إلى الدوحة، وفي المقابل المسؤولون في غرفة التجارة يقولون إنه نظرا للأهمية “السياسية” للتجارة مع قطر، كان من المتوقع أن يحصلوا على إعفاء لدفع مثل هذه الرسومات. وبعيدا عن هذا النزاع وهوس الإيرانيين بالاستمتاع من “التيه” القطري، كشفت وكالة إيرنا الحكومية، في حوار مع المسؤول في مطار شيراز، عن أن هناك نقصا كبيرا في المواد اللازمة للتصدير إلى قطر تقف وراء وقف صادرات البضائع الإيرانية إلى الدوحة.
والقصة لم تنتهِ بهذا الحد من التوضيح، وهناك ملابسات خاصة تشير إلى وضع يد مليشيا الحرس على موضوع التجارة مع قطر؛ حيث تعتبرها قيادة الحرس فرصة ذهبية واستثمارا مربحا لها، يجب قطع الأيادي الأخرى التي تحاول الوصول إليها والاستئثار بها. وفي هذا السياق كتبت وكالة تسنيم للأنباء المتعلقة بمليشيا الحرس في يونيو الماضي تقريرا تحت عنوان “كنز قطر لإيران” سردت فيه ثروات واستثمارات القطريين في الداخل والخارج، خاصة في الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، وطالبت باغتنام الفرصة ودخول السوق القطرية بعد المقاطعة العربية. وهذا يكشف عن نوايا مليشيا الحرس إلى توظيف القطريين لتصدير إرهاب نظام الولي الفقيه إلى الولايات المتحدة ودول أوروبية من خلال شبكة التواصل الاقتصادي والتجاري القطري.
ووفقا لتقييم وكالة تسنيم، فإن الفرصة المتاحة أمام الإيرانيين بعد المقاطعة العربية “لن تعود مرة أخرى وعليهم استغلالها بشتى الوسائل”. ويضيف التقرير أن إيران أصبحت المنفذ الوحيد لقطر بعد إغلاق حدودها مع السعودية والإمارات، وعلاوة على الأرباح الاقتصادية التي ستأتي بعد رفع حجم المبادلات التجارية مع الدوحة، هناك فوائد سياسية لإيران بالتأثير على القرار القطري وإدارته من ضمن المصالح الإيرانية.
وبحسب الأخبار المنتشرة داخل إيران، فالجهة التي أمسكت بزمام التجارة مع قطر غير معروفة بالتسمية، والصحافة الإيرانية دائما تتحدث عن “ذلك الشخص” أو “تلك المؤسسة” دون أن تكشف عن معلومات محددة عن الجهة الحقيقية التي تقوم بإدارة التجارة مع الدوحة. ووفقا للتجارب السابقة، عندما يأتي الحديث عن جهات مجهولة في إدارة الشؤون الاقتصادية والتجارية على صفحات الجرائد في إيران، تشير الأصابع دائما إلى مليشيا الحرس أو الاستخبارات الإيرانية، وسبق من خلال هذه الطريقة غير المكشوفة في إيران، استحواذ الحرس الثوري والمؤسسات التابعة له على 40% من الاقتصاد الإيراني.
وفي إشارة إلى سجل مليشيا الحرس في مجال الاقتصاد والتجارة في إيران ومدى نجاحه في إكمال المشاريع الاقتصادية، فإن جميع المؤشرات تقول إن 65% من هذه المشاريع من المواصلات إلى الموانئ، ومن قطاع النفط إلى البناء، لم تكتمل بعد. والحرس عادةً يملك سطوة وقوة وعلاقات سرية بالحصول على المشاريع الاقتصادية وأخذ الموارد المالية المخصصة لها، ولكن لا يملك الكفاءة والإدارة لإنهاء وإكمال هذه المشاريع. والتجربة نفسها تتكرر مع قطر؛ حيث استأثرت مليشيا الحرس بالتجارة مع قطر كسوق يمكن ضخها بالخضراوات والفواكه ومواد البناء، دون الالتفات للجودة وتأثيرها السلبي على المستهلك القطري. وفي هذا السياق، يقول “رضا بديعي فرد” المسؤول عن إدارة المطارات في مدينة شيراز: “كانوا يأتون بخضراوات ملوثة وغير نظيفة داخل علب الموز، ويأمرون بتصديرها إلى الدوحة”، وهذا أحد الأمثلة على طريقة تعامل مليشيا الحرس مع موضوع الاقتصاد والتجارة.
والأخطر من ذلك، حسب التجربة العراقية واللبنانية، فإن مليشيا الحرس تدس تجارتها مع قطر بالمخدرات، كي يصبح المواطن القطري فريسة دون مدافع أمام هلوسات قاسم سليماني للسيطرة على مقدرات الشعوب وإخضاع الدول لأيديولوجية الولي الفقيه. التجربة العراقية تقول إن 90% من المخدرات المستوردة للعراق، حسب تقرير صحيفة الشرق الأوسط، جاءت أثناء التجارة مع الإيرانيين. والتجربة اللبنانية تتحدث عن مراكز تبديل وتطوير المواد الأفيونية في لبنان، أُنشئت تحت إمرة رجال ذوي نفوذ واسع في البلد محسوبين على مليشيا حزب الله.
وبعد التجربة العراقية واللبنانية في التجارة مع الحرس الثوري، يبقى السؤال هنا مطروحا: كيف ستكون التجربة القطرية؟