السفر إلى الكويت :
بعد أن اتخذت الجبهة قرارها بالتخلي عن الكفاح المسلح واتجهت نحو النضال السياسي والإعلامي والتنظيمي ،و بما إني غير مرتبط بدراسة أو أي عمل آخر ،وكنت قادما من اليمن وبجواز عربي وقد دخلت دمشق رسميا ومسموح لمثل حامل هذا الجواز الدخول إلى الكويت دون أي تأشيرة دخول ،فتم تكليفي من قبل الجبهة للسفر إلى الكويت للاتصال بالإخوة أعضاء تنظيم الكويت التابع للجبهة الشعبية لتحرير الاحواز – عربستان – وان احمل معي إثناء سفر ، بعض أدبيات الجبهة ومنها منشورات أرشيفية متنوعة مع إعداد من مجلة الاحواز التي أصدرناها في بيروت بعد خروجنا من العراق ، وبما إني قد اكتسبت بعض الخبر في إخفاء الأشياء ، فذهبت للسوق و اشتريت حقيبة كبيرة نسبيا ، ثم نزعت غلافها الداخلي بدقة وقمت بحشو المنشورات تحت وفوق وعلى حواشي الحقيبة، واعدت غلافها وألصقتها بالصمغ جيداً ، وفي اليوم المقرر للسفر من دمشق متوجها إلى المطار ، وكان معي ناصر عجرش ،وفي المطار لم نلاحظ إننا مراقبين من قبل امن المطار، فاخذ ناصر عجرش بشكل عفوي يمزح ويضحك ويؤشر على الحقيبة ،الأمر الذي أثأر شكوك رجال الأمن ، وعندما أردت تقديم حقيبتي للوزن ، من اجل السفر ، قام احد رجال الأمن باستدعائي إلى مكتبه الخاص وقال هل بالإمكان ان تفتح لنا الحقيبة، فلم يكون بوسعي ان ارفض فقمت بفتحتها وعندما فتشها لم يجد غير ملابسي ،إلا انه لم يقتنع فقام و فتح جوانب الحقيبة وأسفلها في سكين كانت موجودة لديه ، و عندها عثر على المنشورات واخذ يتصفح عناوينها ،عندها ازداد شكه أكثر واخذ يدقق في جواز سفري قال هذا جوازك خليجي ما علاقتك بعربستان؟ ومن هم أصحاب هذه المنشورات ؟لا بد ان تقول لنا كل شيء ، عندئذٍ قلت له انا عربستاني وجوازي خليجي وان القيادة القومية للحزب البعث تعرف بتواجدنا ، وقلت له ان هناك شخص اسمه حسين قنطار في مكتب القيادة يعرفنا ، ونحن موجودين والحكومة السورية تعرف بتواجدنا ،وعندما شرحت له الأمور قال لي خذ حقبتك ،لكن في هذه الأثناء كانت الطائرة قد أقلعت وبالتالي تم إلغاء سفري إلى الكويت .
وبعد أسبوع او اقل حجزت تذكرة سفر مرة أخرى ، رغم ان ظروفنا المادية صعبة جدا ،وما نحصل عليه من مساعدات لا تكاد تكفي حتى للأكل والشرب وتسديد إيجار الشقة ، وفي اليوم المحدد توجهت إلى مطار دمشق مغادرا إلى الكويت ومعي نسخ ومجموعة كتب وضعتها وسط مجلات عربية مسكتها بيدي و أخرى في الحقيبة وكل شيء ظاهر حتى لا إثير الشك ،و بالفعل خرجت من مطار دمشق بسلام ، وتوجهت إلى الكويت .
ولدى وصولي إلى مطار الكويت ، كان في استقبالي احد الإخوة من كوادر تنظيم الجبهة في الكويت هو الأخ عبد الأمير محسني المعروف بأبي الخشب ،وهو إنسان أريحي وضحوك وصاحب نكتة ، وبعد خروجي من الجمارك اصطحبني إلى بيته ، وبتنا تلك الليلة في منزله ، ثم قال لي لدينا مكان مستقل ومريح إذا رغبت نذهب اليه فوافقت وذهبنا إلى المكان الذي حدثني عنه .
كان عبد الأمير ابو خشب يعمل موظف في وزارة المالية ،بالإضافة إلى شغله كموظف فقد كان تم توكيله من قبل تاجر كويتي كمشرف على الأمور المتعلقة بمعمل ثلج ،وهذا المعمل يقع في وسط مدينة الكويت وهو محاط بجدار عالي و في داخله ساحة كبيرة يقع المعمل في ركن منها و الباقي خصص غرف للموظفين ومخازن وكان لدى عبد الأمير غرفة كبيرة مجهزة بكل شيء أسرة و تلفزيون وهاتف وثلاجة وغيرها من الوسائل المنزلية ، وهذه الغرفة وضعها عبد الأمير في خدمة أعضاء الجبهة فكل من يسافر للكويت من الإخوة ينزل في هذه الغرفة ، كما ان البناء وما فيه يحرسه حارس يمني يسمى أبو سعيد .
أقمت في تلك الغرفة طيلة بقائي في الكويت وكان عبد الأميري يتردد علي صباحا و مساءا و إثناءها كان يأتي ومعه أشخاص و يقول هؤلاء من أعضاء الجبهة فكنت أتكلم لهم عن تاريخ الأهواز وعن مهمات النضال وأهمية التنظيم وارفع من معنوياتهم، كما كانوا يعطوننا بعض المعلومات عما يجري في الداخل ، كما أنني أتيحت لي الفرصة للقاء ببعض أقربائي في الكويت بعد انقطاع دام خمس سنوات .
وإثناء وجودي في الغرفة قلت لعبد الأمير هل بالإمكان استنساخ هذه المناشير لتوزيعها بما فيها أعداد مجلة الاحواز لتوزيعها على الشباب، عندها قال لي دعني أعرفك على جماعة الطليعة فهم جماعة محترمين من القومين العرب ،ولديهم مجلة اسمها الطليعة ولديهم مطبعة وهي موجودة في منطقة الشويخ الصناعية ،وبالفعل اتصل بهم وقال لهم هناك أخ عربستاني موجود قادم من سورية ونريد اللقاء بكم ، فرحبوا بالفكرة ، وفي اليوم التالي وحسب الموعد تم اللقاء و بعد انتهاء الاجتماع ، قال لنا احد الإخوة واعتقد سامي المنيس هل لديكم أمور نستطيع نقضيها ،فتبسم عبد الأمير اذا ممكن لدينا طلبين ،الأول المساعدة في تكثير منشورات ومجلة الجبهة الشعبية لتحرير الاحواز ، والثاني وتشفون شغل للأخ عدنان لان وجوده هنا ضروري ، فقال الطبع سهل ، ثم نظر لي وقال هل أنت صحفي هل قادر على كتابة المقالات ، فأجبته لا، قال تقدر تشتغل كعامل مطبعة ، قلت له نعم ، بالفعل تم تكثير المنشورات عبر المطبعة ، إما إنا فعملت عدة أيام ووجدت العمل يتطلب مهارة و يبعدني عن مهامي النضالية ، وبعد اقل من أسبوع اعتذرت منهم وودعتهم .
وإثناء فترة بقائي في الكويت كنت اشتري الصحف الإيرانية واشحنها بالبريد وأرسلها للإخوة في دمشق للإطلاع على مجريات ما يجري في إيران،بالإضافة إلى إنني كثفت اتصالاتي مع الإخوة العمال الأهوازيين وعن طريق أقربائي تقربت منهم وقسم من هؤلاء العمال يقيمون في مكان يقال له حوش محيسن ، وهو بيت كبير فيه العديد من الغرف تؤجر للعمال و كل 5 عمال وأحيانا 6 يسكنون في غرفة واحدة ، فبنيت صداقات معهم و نظمت قسم منهم بحيث إذا جاءوا إلى دمشق فيما بعد يتصلون بنا وأصبحوا جزء من تنظيم الجبهة .
بقيت أكثر من شهرين في الكويت وخشية ان ينكشف أمري وخاصة جوازي خليجي ومزور ،فجاءتني أوامر بالعودة إلى دمشق ،فعدت الى دمشق وكانت سفرتي سفرة ناجحة جدا .
وفي حوالي عام 1978 سافرت مرة ثانية إلى الكويت ،ولنفس الغرض ،وهو التنظيم والمساهمة فی رفع الوع القومي لدى أبناء شعبنا العاملين في الكويت ، حيث كان آنذاك الوعي القومي ليس كما هو عليه الآن ، بل كان متدني جدا ، وكان المواطن يلازمه الشعور بالخوف من النظام ، وذلك لأنه نظام ديكتاتوري لا يرحم أي شخص يقع بين يديه ، كما كان لدية عيون ترصد ليس الداخل وحسب بل حتى الخارج أيضا ، لكن و الحق يقال كانت إرادة التحدي لدى الأهوازيين اكبر من دعايات النظام الرامية إلى بث اليأس و الخوف في نفوس المواطنين ، حيث كان للجبهة دور فاعل في الكويت ، فلا غرابة إذا رائينا ان الرعيل الاول من كوادر الجبهة ومنهم سيد فهد ،جليل حمود احمد فلاحية أبو عارف ، أبو عواد ، خلف يعقوب شبل حمود عبد الأمير ابو خشب ، محمد تقي التميمي وغيرهم كلهم تثقفوا وتعرفوا على قضيتهم في الكويت بالإضافة إلى ذلك كان الشيخ راشد خلف الحزعل أيضا قد أسس الجبهة القومية لتحرير عربستان و اتخذ من الكويت مقر لنشاطه وجبهته .
وقد ترافقت سفرتي الثانية التي دامت ما يقارب ال4 شهور مع البدايات الأولى لانطلاق الثورة الإيرانية ،ولكن في هذه المرة تمكنت من الحصول على فرصة عمل عن طريق علاقات نضالية بنيت مع الحزب القومي الاجتماعي السوري ، حيث كان احد الإخوة من كوادر الحزب يملك شركة ديكور ، وعند وصولي إالى الكويت اتصلت به ، والتقينا حسب الموعد ، ثم ذهبنا معا إلى محل عمل الشركة وكانت مسؤولة عن ديكور مطار الكويت ،ورغم ان خبرتي بالعمل قليلة إلا ان الإخوة أرادوا مساعدتنا كقوى وطنية اهوازية ، فخصصوا لي راتب جيد وبقيت اعمل معهم طيلة مدة بقائي في الكويت.ومع اشتداد اندلاع الثورة الإيرانية ولضرورات أمنية ،تركت العمل في الكويت ورجعت إلى سورية .
في الحقيقة لم يدر ببالنا وحتى ببال الأحزاب والقوى الوطنية ان النظام الملكي سوف يسقط ، إلا ان الأوضاع أخذت تتطور بشكل دراماتيكي وعمت المظاهرات كافة أنحاء إيران .
وهنا لابد لي ان اذكر ان الجبهة الشعبية لتحرير الاحواز ، قد بنت إستراتيجيتها وخاصة بعد خروجها من العراق على أربع مرتكزات أساسية ،وهي :
أولا:تقوية بنيتها التنظيمية بالاعتماد على النضال السلمي والتأكيد على مبدأ حق تقرير المصير للشعب العربي الاهوازي .
ثانيا : بناء علاقة وطيدة مع الأحزاب والمنظمات الإيرانية التي تؤمن بحقوق القوميات في إيران .
ثالثا : بناء علاقات مع الأحزاب و القوى الإيرانية التي تناضل من اجل إسقاط النظام .
رابعا : بناء علاقات مميزة مع الأحزاب والقوى الوطنية من أبناء القوميات غير الفارسية في إيران.
وفي هذا المجال جرى تعاون بيننا سواء يوم كنا في العراق أو أثناء تواجدنا في سورية ولبنان و اليمن ، فكانت الجبهة وبحكم وجود عناصرها في سورية وعلاقاتها ، حتى تقوم أحيانا بمساعدة بعض فصائل المعارضة الإيرانية في عملية تهريب السلاح إلى إيران عبر الأراضي السورية إلى تركيا ومن ثم إيران .