العودة مجدداً إلى اليمن والدخول للأكاديمية العليا للعلوم السياسية و الاشتراكية في عدن
عدت مرة اخرى إلى عدن ، وفي البداية بقيت فترة في مكتب الجبهة في عدن ، وكان بالإضافة لي يوجد في المكتب عدد من الأخوة الفلسطينيين وعدد من الشباب الأوروبيين ،نساءً ورجالاً ،وكان كارلوس موجود في المكتب ،و بعد فترة من بقائي للمكتب انتقلت بعد ذلك إلى المعسكر الذي سبق و ان تدرب فيه عدد من شباب الجبهة الشعبية لتحرير الاحواز- عربستان وذلك بعد التنسيق مع مكتب الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وعادوا إلى العراق والتحقوا بمقرات الجبهة التي تتواجد في بغداد و العمارة و البصرة ،كما لابد من الإشارة أن اغلب عناصر الذين تدربوا في اليمن الجنوبي ممكن كانوا من مكتب العمارة وبما أن مكاتب الجبهة الشعبية لتحرير الأهواز قد أغلقت اثر عقد اتفاقية الجزائر،فالبعض منهم أعطته السلطات العراقية الإقامة وفرصة عمل و البعض الأخر الذي يعيشون في الأرياف بالقرب من الهور عادوا إلى ذويهم الذين يقيمون خارج العراق .
لقد تخلف عن العودة للعراق شخص واحد اسمه عبد الواحد الصخراوي فقط آثروا البقاء في اليمن في المعسكر المذكور ،وكان هذا الشخص أعطيت له مهمة التدريب الرياضي الصباحي للمقيمين ، وهكذا بقيت في المعسكر عدة أشهر ، وكان المعسكر إثناءها يدرب العناصر من مختلف الجنسيات. أثناء وجودي في المعسكر اخبروني بأنني قبلت في الأكاديمية العليا للعلوم السياسية في عدن ،ومدة الدراسة فيها سنتان ،وبالفعل باشرت في الدراسة ورغم ان الأكاديمية فيها قسم داخلي للمنامة وتقديم الأكل ،إلا أنني في تلك الفترة حصلت على بيت وهذا البيت عائد للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ،وكنت كلما شعرت بالملل داخل القسم الداخلي اذهب إلى هذا البيت ،كما انه أصبح في النهاية بمثابة مقر للجبهة الشعبية لتحريرالاحواز ،يستقبل قيادات وكوادر الجبهة ،وأتذكر في تلك الفترة كان يتردد على عدن ثلاث شخصيات من قيادة الجبهة وهم كل من الأخ سعيد جاسم والآخر الاخ جابر احمد والثالث أبو عارف احمد فلاحية ،الذي كان يتردد كثيرا على عدن ، وأيضا كان يعمل ضمن اطار مجموعة وديع حداد التابعة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين .
واصلت دراستي في الأكاديمية المذكورة ، وكانت هذه الأكاديمية تضم بالإضافة إلى الطلاب اليمنيين عدد من الطلبة الفلسطينيين ، بالإضافة لي وطالب اهوازي آخر هو جابر خضير البوغبيش ،بن خضير ابو الياس عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير الاحواز-عربستان . أما المواد التي كنا ندرسها في هذا الأكاديمية ، فتتضمن دروس في الفكر الاشتراكي ومصادره ، الدولة والقانون ، عملية البناء الحزبي ، خصائص النظام الرأسمالي ، نبذ قصيرة عن تاريخ حركات التحرر الوطني في آسيا وإفريقيا و أمريكا أللاتينية ، تاريخ اليمن القديم والمعاصر ، وهي مادة غير ملزمة للطلاب العرب و لكسب المعلومات فقط ،إما المدرسين فكانوا من ألمانية الديمقراطية ومن الاتحاد السوفيتي و لديهم مترجمين يمنيين .
اثناء فترة الدراسة انقطعت علاقتي التنظيمية مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ولكني كنت أتردد علي مكتبها كضيف باستمرار وكلما سنحت الفرصة بذلك ، وفي عطلة منتصف السنة وعندما كنت في مكتب الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – مكتب العمليات الخارجية – أبلغت من قبل المكتب أن هناك مجموعة من الإيرانيين ، جاءوا من أوروبا وهم ألان في المعسكر ، ورغم أنهم يتكلمون الانجليزية والألمانية و الفارسية ، إلا أن مدربهم الفلسطيني لغته الانجليزية ضعيفة وممكن أن أساعده على الترجمة ،فقبلت المسؤولية وذهبت بسيارة المكتب إلى المعسكر الذي سبق، وان تحدثت عنه في الفصول الماضية ،ولدى وصولي وجدت شخصين ترافقهم واحدة من ألمانيا طبعا اسمها حركي، إما الإيرانيين فكانت أسماءهم حقيقة لأنهم معروفين على الصعيد الأوروبي وأمريكا كنشطاء في الحركة الطلابية لعموم إيران ” فدراسيون دانشجويان إيران ” ، احدهم يدعى حسن مثالي و الآخر يدعى حميد أو حمدي على ما أتذكر ولدى لقائي معهم تعرفت أكثر على تنظيمهم ،فحسن مثالي كان ناشط أيام حركة مصدق الوطنية وفي الحقيقة كان قوميا إلا انه تخلى عن الأفكار القومية ومال إلى الفكر الاشتراكي ، وهو نموذج لتيار داخل الجبهة الوطنية الإيرانية ، وقد شكل هو ومجوعته ، تنظيم أطلقوا عليه ” المجموعة الشيوعية ” وآمنوا في الكفاح المسلح لإسقاط نظام الشاه ،ولهم علاقات مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – مكتب العمليات الخارجية ،إما المرأة و التي علمت فيما بعد أنها تنتمي إلى منظمة يقال لها منظمة بادر ما ينهوف وهي منظمة يسارية صغيرة فوضوية ظهرت في مطلع السبعينات في ألمانيا الاتحادية تؤمن بالكفاح المسلح من اجل إسقاط النظام القائم في ألمانيا ، في الحقيقة عملهم يندرج ضمن إطار الفوضوية السياسية ، لان كنت اعتقد ولا أزال أن أوروبا ، حيث الحريات فيها متاحة وإمكانيات تشكيل حزب سياسي و خوض الانتخابات وفي حال الفوز عبر صناديق الاقتراع بالإمكان الفوز الحكم وتنفيذ البرنامج الذي تريده أي جماعة أو حزب .
لقد استمرت الدورة العسكرية لهؤلاء الأشخاص ما يقارب 10 أيام تعلموا خلالها الرماية على مختلف أنواع الأسلحة الخفيفة بالإضافة إلى كيفية استخدام و التعامل مع المواد المتفجرة . وعندما سألوني عن وضعي المادي وكيف أتدبر أموري ،قلت لهم سابقا كنت عضوا مع الجبهة الشعبية لتحرير الاحواز- عربستان وهي التي تتكفل بمعيشتي وبعد الانتقال إلى اليمن للدراسة ، فالمدرسة ،هي التي تكفلت بهذا الوضع من حيث الأكل والشرب والمنامة . سألوني هل معك نقود ، هل بإمكانك تسافر إلى ألمانيا أو إلى بيروت قلت لهم ليس معي اي نقود ولكن الجبهة ممكن أن تمنحني أي جواز وإذا أريد فهي تساعدني على السفر ،قالوا هذا شي جيد ،وعندما اقترب وقت سفرهم أعطوني مبلغ من المال و أصروا علي لكي اقبله .
لقد تطورت علاقات الجبهة الشعبية لتحرير الاحواز مع الأخوة الفلسطينيين بكافة فصائلهم الوطنية وبخاصة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – مكتب العمليات الخارجية – فبعد التحاقي بالدراسة ، التحق بمكتب العمليات الخارجية ، جاء الى اليمن احد كوادر الجبهة الشعبية لتحرير الاحواز هو المرحوم المناضل احمد فلاحية المعروف بابوعارف ، ولكونه من حيث الشكل يشبه اليمنيين وعاش فترات طويلة معهم في الكويت و يعرف طباعهم و خصالهم جيدا و لهجة كلامهم ، فكان الشخص المناسب لكي يرسله المكتب بمهام استطلاعية أو نقل رسائل الى خلايا وتنظيمات الجبهة في بلدان الخليج العربي ، وفي الحقيقة وبحكم أسلوب العمل لم اطلع على مهامه ولا أريد الاطلاع عليها لأن طبيعة العمل آنذاك تتطلب ذلك ،وبالتالي بات أبو عارف يكثر من السفر ويقوم ببعض المهام الذي يكلف بها من قبل الدكتور وديع حداد شخصيا .
وعندما رجع أبو عارف من احد سفراته إلى عدن ،اخبرني أن هناك شخص من أهل الفلاحية ،كان قد تطوع في جيش تحرير فلسطين في مصر عندما كان في الكويت، وذلك في أعقاب حرب حزيران عام 1967 بين العرب و إسرائيل ، و بقي هناك فترة من الزمن وعندما حل جيش التحرير في مصر فيما بعد، ابعد ومجموعة من الفلسطينيين إلى اليمن الديمقراطية الشعبية ،التي رحبت بتواجدهم على ارض اليمن ،وان الشخص المذكور موجود في عدن واسمه حافظ ،ويعمل خياط في منطقة اسمها الشيخ عثمان احد أحياء عدن الشعبية .وبعد البحث عنه تم التعرف عليه ، فقال له أبو عارف أن اهلك بعد ما يئسوا من تقصي أخبارك ،كل هذه المدة أي من 1967 حتى 1976 اعتقدوا انك ميت ، ونحن جئنا هنا لنآخذك معنا ،فقال انه ليس لدي جواز سفر ولا مال فكيف استطيع العودة ، فقال له أبو عارف أن جميع هذه الأمور سوف تتكفل بها الجبهة الشعبية لتحرير الاحواز .
وهنا لابد لي من الإشارة أن وديع حداد ابوهاني قد عرف أعضاء قيادة الجبهة الشعبية لتحرير الاحواز على الإخوة اليمنيين، وعلى أثرها جرت لقاءات بين قيادة الجبهة و القيادات العليا في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ومن بين المكاسب التي حققتها الجبهة بعد هذا اللقاء موافقة جمهورية اليمن الديمقراطية على استقبال كوادر الجبهة لدخولهم المدارس الحزبية لدورات مختصرة في مجال العلوم السياسية والتنظيم الحزبي في مدارس العلوم السياسية، وبالفعل على اثر هذا الاتفاق كان قدم لليمن شخصان، هما علي اللوسي المعروف بأحمد عادل وصادق الطائي المعروف بأسعد الذين قدما إلى اليمن ودرسوا في مدرسة العلوم السياسية في جعار التابعة لمحافظة ابين ، بالإضافة تزويد بعض قيادات الجبهة بجوازات سفر يمينية حقيقیة، وعندما فاتحت الجبهة الشعبية لتحرير الاحواز الإخوة اليمنيين حول موضع حافظ ، صدرت موافقة بمنحه جواز سفر يمني فسافر على أثرها حافظ بمعية أبو عارف إلى دمشق والتحق مع الأخوة المتواجدين هناك ، ومن ثم سافر عن طريق البر وعبر العراق الى الكويت والتقى بذويه بعد انقطاع دام عشر سنوات وأصبح حافظ أيضا عضو منظما في الجبهة الشعبية لتحرير الاحواز- عربستان .
وبالعودة إلى دراستي هو إنني وبعد إنهاء دراستي بالأكاديمية رشحت من قبلها للسفر إلى موسكو لإكمال دراستي في مجال العلوم السياسية هناك ، و بينما كانت الدورة في نهايتها و تحديدا في آخر يوم منها وقعا حدثا غير متوقع ، حيث أعلن عن انشقاق خطير بين الحكومة الممثلة برئيس الجمهورية سالم اربيع علي و بين قيادة اللجنة المركزية والمكتب السياسي للجبهة القومية وهي الحزب الحاكم في اليمن بقيادة عبد الفتاح إسماعيل السكرتير الأول للجبهة من جهة أخرى ، وإذا لم تخونني ذاكرتي فان هذه الأحداث وقعت في عام 1977 ،وقد استخدمت في المعارك الدائرة بين الطرفين المدفعية والطيران ويقال طيارين كوبين والمدفعية الساحلية الروسية كانت تقصف مقر الرئاسة من عرض البحر .
لقد استمرت المعارك بين الطرفين من الصباح حتى الغروب ، وأعلنت إذاعة عدن عن خبر مفاده انه قد تم القضاء على الزمرة اليسارية المتطرفة وقد قتل جميع أعضاءها بما فيها الخائن سالم ربيع علي ، اما بالنسبة لي وللإخوة الفلسطينيين ،فقد كان هذا الخبر مؤلما لان سالم ربيع علي كان يتعاطى مع الحركات التي تغرد خارج السرب السوفيتي ،بينما تيار عبد الفتاح يتعامل مع الأحزاب الشيوعية الموالية لموسكو فقط ،و في اليوم التالي وجهت قيادة الحزب دعوة إلى ممثلي حركات التحرر الوطني في عدن للحضور إلى المكتب السياسي للجبهة القومية الذي تحول فيما بعد إلى الحزب الاشتراكي اليمني ، استمعنا خلال هذه الدعوة إلى ما قاله ممثل المكتب، لكن في الحقيقة لم يكن حديثه مقنعا لنا جميعا ،خاصة وأننا نعرف الرئيس ووطنيته و تواضعه ودعمه المستمر لقضايا الشعوب بما فيها القضية الفلسطينية .
في الحقيقة أن الصراع بين التيارين كان يدور حول سياسية اليمن الإقليمية و الدولية ، فبينما كان تيار رئيس الجمهورية يريد تطبيع العلاقات مع الدول الخليجية لاسيما السعودية ، وإقامة توازن دولي بين الصين والاتحاد السوفيتي ، كان التيار الثاني ينفذ حرفيا سياسية الاتحاد السوفيتي و التي تتضمن معادة الصين وعدم الاقتراب منها بالإضافة إلى موقفها المعادي للدول الخليجية .
وبينما كان السوفيت يقدمون السلاح والإسناد الدبلوماسي والسياسي للنظام اليمني باعتباره جزء من منظومة الدول الاشتراكية وقاعدة مهمة تشرف على باب المندب ،كان الصينيون يقدمون الدعم الاقتصادي ، على سيبل المثال بناء بعض مصانع التعليب والنسيج وتقديم أسطول بحري صغير لصيد الأسماك و انتقال الخبرة الصينية في هذا المجال ،بالإضافة إلى مد الطرق البرية ،وعلى ما يبدو أن السوفيت كانوا يخشون عواقب هذا التمدد الصيني الهادئ في اليمن ،وهذا ما دفع التيار الموالي للسوفيت من التصدي لهذا النهج و الذي أدى في نهاية المطاف إلى الصدام العسكري المباشر بين الجانبين .
بعد وقوع هذا الحادث، وما نتج عنه من تطورات ، وانتهاء دراستي تقرر أن أعود إلى سورية للالتحاق مع بقية الأخوة المقيمين هناك، وبالفعل غادرت عدن متوجها إلى دمشق مباشرة ، وأقمت في حي ركن الدين في بيت مؤجر من قبل الجبهة بأسماء جوازات مزورة وكان المقيمين في هذا البيت انا والأخ جابر احمد وناصر عجرش وسيد موسى، وفي الحقيقة كان البيت بمثابة مكتب ،ومقر للإخوة الذين يأتون إلى دمشق او يسافرون منه .
انتهت الحلقة 11 وتليها الحلقة 12
الجنة الإعلامیة لحزب التضامن الدیمقراطی الأهوازی