إثناء مكوثنا في مقاديشو استقبل وديع حداد الكثير من الشخصيات السياسية الصومالية وعقد اجتماعات معهم، ومن الطبيعي فإنني لا اعلم وما جرى إثناء هذه اللقاءات وبعد أسبوع على أو أكثر على بقاءنا في مقديشو قررنا العودة مرة ثانية إلى عدن ، فتحركنا من مطار مقديشو ونزلنا في مطار عدن ،و كالعادة توجهنا إلى مكتب الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الذي هو بيت سكن وهو مقر أيضا ،وبقيت في عدة أيام في عدن بعدها جاءتنا أوامر بالذهاب إنا ومجموعة من شباب الجبهة إلى معسكر يعود للجبهة يقع في منطقة جعار التابعة لمحافظة أبين اليمنية و ذلك من اجل التدريب على فنون الحروب الفدائية .
ويقع المعسكر في منطقة زراعية و يشرف عليها تل مرتفع وفوقه يوجد بيت كبير قيل لنا انه وقبل التحرير كان يعود لأحد الأئمة ، وقد منحته حكومة اليمن للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين كمقر وكسكن لعناصرها من الفلسطينيين عرب بما فيهم الاهوازيين ،وعدد من الأجانب من مناصري الثورة الفلسطينية من مختلف بلدان العالم .كما يوجد في هذا المعسكر مخازن للسلاح ، وإثناء وجودي في هذا المعسكر تعرفت على الكثير من حركات التحرر العالمية والعربية ، حيث كانت ترسل هذه الحركات و التنظيمات عناصرها للتدريب في هذا المعسكر.
وإثناء تواجدي في المعسكر تعرفت وأكثر على كارلوس ، فعرفت انه يتكلم عدة لغات منها الانجليزية والاسبانية والفرنسية والروسية بالإضافة إلى العربية ، وعرفت انه رجل يمتلك خبرة عسكرية عالية ،لأنه سبق و قاتل مع الفلسطينيين في الأردن ، كما أتذكر أننا في يوم من الأيام قمنا بتنفيذ بمناورات عسكرية لاحتلال مقر وهمي ،وكان من المفترض ان نهجم بالمسدسات والقنابل اليدوية ،وإما الطرف الأخر المتحصن كان من المفترض أن يتصدى لنا عبر تفجيرات معاكسة ، وكان على المجموعة المقتحمة والتي أفرادها من العرب والألمان اقتحام هذا الموقع حتى إذا تعرضوا لو تعرضوا للإصابة ، كان كارلوس متطرفا إلى درجة ليس في أفكاره الثورية وحسب وإنما في سلوكه العسكري أيضا، وقد جرت بيني وبينه في بعض الأحيان نقاشات حادة خاصة واني لا إميل ولا أؤمن بانتهاج الكفاح المسلح في البلدان ذات النظم الديمقراطية وكنت اعتقد ما يتمتعون به من حرية بإمكانهم الوصول إلى السلطة دون استخدام العنف .
و بعد الانتهاء من التدريب ولدى نزولي بعد فترة من المعسكر إلى مكتب الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في عدن ،علمت إن كارلوس ومجموعته كانت قد اختطفت وزراء نفط ابك في النمسا والعملية وتبعاتها معروفة للجميع و لعل هذه العملية من إفرازا الوضع العربي المعقدة آنذاك وذلك بسبب المواجهة بين العرب وإسرائيل وموضوع القضية الفلسطينية .
وهنا لابد لي من الإشارة أن الجبهة الشعبية لتحرير الاحواز – عربستان – أثناء وجودها في العراق كانت قد نسجت علاقات جيدة مع بعض قيادات منظمة فدائي الشعب الإيراني ، قد استمرت هذه العلاقة فيما بعد عندما كنا في سورية و لبنان ،ولكن في اليمن أتيحت لي انأ شخصيا فرصة التعرف على المناضلة الإيرانية عضو منظمة فدائي الشعب الإيراني اشرف دهقاني،فقد جاءت هذه المناضلة الإيرانية بدعوة من الجبهة الشعبية لتحرير عمان لحضور ذكرى احتفال الجبهة بانطلاقتها ،وإثناءها تمت استضافتها في نفس البيت الذي اسكن فيه ،وكما قلت هو بالأساس للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ،ثم أصبح فيما بعد مقر لنا نحن الاهوازيين المتواجدين في عدن وهو سكن أيضا ،وهذه المناضلة تم التخطيط لتهريبها بأعجوبة عندما كانت في سجن افين بطهران تقضي فترة حكم صدر بحقها إبان حكم الشاه ،وإثناءها حدثنني عن تجارب منظمتها السياسية وعن كثير من الأمور التي تخص إيران في شتى المجالات وعن معاناتها والتعذيب التي تعرضت له أثناء فترة الاعتقال .
وعندما عادت اشرف دهقاني إلى محل إقامتها (على ما يبدو في بيروت )،قالت أنها سوف ترسل مساعدات طبية إلى الجبهة الشعبية لتحرير عمان ،وقد أعطيتها عنوان لان احد العمانيين وزوجته الذي كان يقيم أحيانا معنا في البيت ،وبالفعل وفت اشرف بوعدها وأرسلت الشحنة الدوائية ،لأنها سبق و أن قالت لي أن المعسكر الذي كنا نتدرب به يفتقد للدواء وعندما وصلت الشحنة الدوائية ،من حسن الحظ كان معنا في المعسكر شاب من تنزانيا ،يجيد اللغة الانجليزية وعلى ما يبدو سبق وان درس الطب ،فأخذنا نفتح تعليمات كل دواء فيقوم هو بقراءة اسم الدواء واستخداماته وأقوم انأ،بكتاباتها بالعربية ،وكانت والأدوية تتراوح بين الحبوب المسكنة والخافضة للحرارة إلى حبوب الالتهاب ومراهم للجروح والضمادات ،وبعد التنسيق أصبحت لدينا عندنا صيدلية ،وكلما اشتكى مقاتل أو جرح أو حصل لديه التهاب كنا نعطيه الدواء المناسب ،إذا لا يوجد طبيب في المعسكر ولا حتى ممرض ومع الوقت و إشرافي المستمر على الصيدلية أصبحت اعرف بالصيدلي نضال وهو اسمي الحركي عندما كنت في عدن في فترة تعاوننا مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين -مكتب العمليات الخارجية – آنذاك
كما تعرفت في اليمن على الكاتب البريطاني الفرد هلداي المناصر لقضايا الشعوب وله عدة كتب حول مشاكل منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي فشرحت له قضية الشعب العربي الاهوازي ، وسألني أسئلة كثيرة عن القضية الاهوازية وعن أوضاع إيران وكان مرتاح لإجاباتي وكان يدونها .
وبعد فترة من بقائي في هذا المعسكر ،واستقرار كادر الجبهة في دمشق ، جاءتني أوامر بترك المعسكر و العودة الى مكتب الجبهة في عدن ،وإثناءها قالوا لي انك منذ فترة لم تلتق بإخوتك في الجبهة الشعبية لتحرير الاحواز المقيمين في دمشق وأننا سوف نوفر لك كل مستلزمات السفر وسوف تسافر عما قريب الى بيروت و من هناك تنطلق برا إلى دمشق .
ومن حسن الصدف،ان سفري ترافق مع إخوة من الحزب القومي الاجتماعي السوري، سبق و أن تعرفت عليهم إثناء تواجدي في مكتب الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – مكتب العمليات الخارجية – في عدن ،وكان مسؤولهم شخص يدعى احمد اصفهاني ،ومن حسن الصدف وبعد مضي سنوات عديدة على لقاءاتنا في عدن وفي بيروت شاهدته أثناء إقامتي في لندن يظهر في مقابلات على الفضائيات العربة ، فبحثت عنه فوجدته يعمل في جريدة الحياة اللندنية في لندن ،و لدى السؤال عنه تعرفت على رقم هاتفه و ذهبت لزيارته في مكتبه ، فتعجب من وجودي وانأ بدوري أعربت له عن مشاعري و قلت الحمد ولله خرجت سالما من الحرب الأهلية اللبنانية وانتهىت الأمور عند هذا الحد .
و تحركنا من مطار عدن باتجاه لبنان وعند ما وصلنا إلى مطار بيروت قلت لشباب الحزب القومي الاجتماعي،انأ أريد التوجه إلى دمشق ،فقالوا هذا مستحيل أنت ضيف عندنا و ستبقى ،كما أننا بحاجة إلى التعرف أكثر على قضيتكم وعلى نضالكم ،وأننا نريد أللقاء بكوادر جبهتكم ، ابقي هنا وسوف نخبرهم بوجودك ، لكي يأتوا إلى بيروت وبعد اللقاء تذهب برفقتهم ، لأنه من غير الجائز أن تذهب بمفرك إلى الشام ،فوافقت على الفكرة وبقيت انتظر مجيء إخواني في الجبهة الى بيروت وبعد مرور ثلاثة قدم من دمشق إلى بيروت كل من الأخ أمين عام الجبهة الأخ سعيد جاسم الطائي يرافقه عضو المكتب السياسي و المسؤول الإعلامي للجبهة الاخ جابر احمد ،حيث التقينا مع بعضنا البعض بعد انقطاع دام عدة شهور وكان لقاءً اخوياً حاراًٍ .
شاركت الإخوة سعيد وسيد جابر في اللقاءات التي أجريناها مع القوى الوطنية والديمقراطية الفلسطينية واللبنانية ، وبما إنني كنت ضيف على الإخوة في الحزب القومي الاجتماعي ،فكان أول لقاء لنا معهم ، فشرحوا نبذة عن حزبهم وعن مؤسسه انطون سعادة ، وكيف أن حزبهم لدية مشروع وحدوي هو وحدة الهلال الخصيب والتي تشمل سورية والعراق ولبنان والأردن وفلسطين ،كما انهم اجروا مقابلات معنا ونشروها على حلقات في جريدتهم التي تسمى الزوبعة حيث ساهمت هذه الجريدة بدورها بالتعريف بالقضية الاهوازية أو قضية عربستان – الاحواز وبنضال الجبهة الشعبية ضد نظام الشاه والتضحيات التي قدمتها في هذا المجال .
وبعدة انتهاء لقاءاتنا في بيروت سافرنا إلى الشام وإثناءها التقيت ببقية الأخوة كوادر الجبهة الذين خرجوا من العراق ،كما تعرفت على شخصيتين وطنيتين اهوازيتين هما عبد المهدي الصياحي “عيدي” وعباس لفته بيت جادر ” هاشم” وهم من كوادر الجبهة القدامى ،وأنهم سبق وان تركا العراق ، وطالبا اللجوء في سورية وذلك بعد استشهاد السيد فهد عام 1972 .
علمت وانا في سورية ان الجبهة الشعبية لتحرير الاحواز أرسلت وبمساعدة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مجموعة من عناصرها للتدريب إلى عدن ، وبعد فترة من تواجدي في دمشق تلقيت امراً بالعودة إلى عدن ، فسافرت من بيروت متوجها مرة ثانية إلى عدن.
انتهت الحلقة العاشرة وسوف تليها الحلقة الحادية العاشرة
الجنة الإعلامیة