30/04/2024

لقد شهدت العلاقات الايرانية العراقية في الفترة الواقعة ما بين 1968 أي مجي حزب البعث  للسلطة  حتى عام 1975 حالة من التوتر كادت ان تؤدي الى حرب  بين الدولتين ، ولكن كل منهما كان يحارب الاخر بطريقتيه الخاصة، فالنظام  الايراني أي نظام الشاه كان يدعم  الاكراد لا حبا بهم او دفاعا عن حقوقهم، وإنما كرها بالعراق  وحزب البعث، والعراق وفي سبيل الدفاع عن نفسه والضغط على  نظام الشاه  من الداخل كان يدعم الحركات الايرانية بكافة توجهاتها سواء كانت يسارية ام دينية، بالإضافة الى دعم  حركة ابناء القوميات في ايران، مثل حركة العرب والبلوش والأكراد والأتراك الاذريين .

ورغم  ان العراق  قد منح الحكم الذاتي  للأكراد في 11 اذار 1970 وهو ما لم يحصلوا عليه لا في ايران ولا تركيا، إلا ان هذا الدعم  لم يحول دون تخلي الحركة  الكردية العراقية عن الارتباط بإيران وبقيت النار مشتعلة تحت الرماد بين الاكراد والدولة المركزية العراقية، وظل هذا الوضع  المتوتر مستمر حتى تم عقد اتفاقية السلام  بين ايران والعراق والتي تمت برعاية  جزائرية وتم توقيع هذه الاتفاقية من قبل شاه ايران من جهة وصدام حسين الذي كان انذاك يشغل نائب الرئيس العراقي احمد حسن البكر من جهة اخرى، حيث انهارت على اثر توقيع هذه الاتفاقية الحركة الكردية في شمال العراق وفي المقابل اوقف العراق أي عمل مناهض لإيران، بما فيه نشاط العرب الاهوازيين والموضوع كله معروف ومنشور على الصحف العربية والإيرانية والأجنبية .

كما هو معروف ان هذه الاتفاقية كانت تحتوي على شقين، شق امني سياسي وشق يتعلق بإعادة رسم الحدود بين الجانبين، فنظام الشاه وبسبب قوته العسكرية ودعمه  من قبل  الدول الكبرى مثل امريكا، اراد ان يضغط على العراق، فرض الاتفاقيات السابقة بينه وبين العراق منذ اتفاقية ارضروم  الاولى والثانية وما تلاها من اتفاقيات، معتبرا ان خط التالوك أي اعمق نقطة في شط العرب هي الحد الفاصل  بين  ايران  والعراق ، وعلى اثرها بدل اسم شط العرب الى اروند رود، وقام  بتسيير دوريات عسكرية  لقواته  البحرية في مياه شط العرب منتهكا الاعراف التي كانت سائدة  سابقا باعتبار  شط العرب، نهر عراقي من الضفة الى الضفة .

 لظروف  داخلية منها حربه مع الاكراد  ودعم ايران المستمر لهم  وفقدان القدرات العسكرية، بالإضافة الى التحديات التي تتعلق بنهوض البنية  التنموية وبناء مؤسسات الدولة الجديدة بقيادة حزب البعث ومنها الجيش لم يستطع  العراق في حينه رفض الاملاءات الايرانية، وهذه هي باختصار الظروف التي اجبرت  العراق على توقيع مثل هذه الاتفاقية المذلة .وهي التي دفعته لذلك.وفي المقابل  شاه  ايران كان يشتط غضبا وهو يتابع نشاط المعارضة الايرانية  يشتد على حدوده بدء من  بلوشستان شرقا الى عربستان وكردستان غربا، فكانت الاتفاقية تنازل متبادل إلا انه على حساب السيادة الوطنية العراقية والرابح الاول شاه ايران وليس نظام حزب البعث الذي كان يحكم في العراق. أنه بعد توقيع الاتفاقية مباشرة اعلن الاكراد استسلامهم، وتم تشكيل لجان لرسم الحدود، تنازل العراق عن بعض من الاراضي العراقية بما فيها مياه الاقليمية في شط العرب.

إما فيما يخص موقف “الجبهة الشعبية لتحرير الاحواز” من هذه  الاتفاقية فهو الرفض المطلق لهذه الاتفاقية لأنها تكرس نهائيا  سيطرة ايران  على الاقليم و تمنع  أي نشاط سياسي  لهم  في العراق ويفقدهم الساحة العراقية نهائيا، لذلك اجتمع بعض الاخوة  من اعضاء المكتب السياسي في مكتب  بغداد  واذكر منهم  سعيد جاسم  الطائي امين سر الجبهة و مريبي كاظم  ابو حمزة المسؤول المالي، والسيد جابر احمد عضو اللجنة الاعلامية والاتصالات السياسية وكل من جليل حمود وخلف يعقوب  وخضير البو غبيش المعروف بابو الياس ، وتدارسوا مضمون الاتفاق والتحديات التي تواجه العمل النضالي للجبهة على الاراضي العراقية  مستقبلا ً، واتفق الجميع  على اصدار بيان يشجب هذه الاتفاقية، وقد كتب البيان من قبل  الاخ السيد جابر احمد  وبخط يده وبعد اجراء التعديلات والمناقشة تم الاتفاق على ان يرسل البيان الى تنظيم الجبهة في الكويت ليتولى طبعه ونشره وتوزيعه على وكالات الانباء  والصحف هناك .

كان للجبهة تنظيم قوي في الكويت وهم يترددون باستمرار على العراق، من بينهم  المرحوم  احمد فلاحية المعروف بابو عارف الذي توفي في مدينة الفلاحية وعبد الامير ابوخشب والشهيد منصور مناحي ابو عواد الذي توفي في ظروف غامضة في دولة الامارات وغيرهم .

وعندما  انتشر البيان استائت  السلطات  العراقية كثيرا لذلك  ولقد بذلت المخابرات العراقية جهودا حثيثة لمعرفة الاشخاص الذين  كانوا وراء اصدار مثل هذا البيان  فاتصلت بشخص كان انذاك قد فصل من الجبهة يدعى ابوكريم محمد حسن الكعبي …..، وطلبت منه، معرفة من هم وراء البيان ، فاتصل ابو كريم بالمرحوم  ابو عواد وهو بالمناسبة رجل محترم مناضل وقدير إلا انه كان انذاك على علاقة مع ابو كريم  بعد ان تزوج من ابنته وطلب منه معرفة  مصدر البيان، فماكان من ابو عواد  وبحسن النية ، حتى قال له ان مصدر البيان هو العراق و ان النص الاصلي مكتوب يدويا موجود لدينا  وأرسل كل ما لديه من معلومات الى ابو كريم .

وما ان علمت الاستخبارات العراقية التي كانت تشرف على ملف القضية  بذلك حتى استدعت كل من امين سر الجبهة سعيد جاسم الطائي وعضوي المكتب السياسي مريبي كاظم وسيد جابر احمد، وقامت بإهانتهم وأنذرتهم بأنكم اذا اردتم البقاء في العراق يجب ان تنسوا من الان فصاعدا أي شيء اسمه قضية احوازية ، وإلا سوف تحاسبون حسابا عسيرا .

لقد استمر حتى خروجنا من العراق ،فكنا وخلال الشهور الثلاث التي تلت اتفاقية الجزائر ، كما هو حبيس في داره و لم نخرج من المكتب إلا نادر وذلك لغرض شراء بعض الحاجيات الضرورية ،  فأخذت قيادة الجبهة تخطط لإخراج كادرها الاساسي من العراق .

كان العراق في زمن البعث حريص كل الحرص ان لا تخرج القضية الاهوازية من قبضته، فلا يرغب نهائيا ان تطرح القضية على  جامعة الدول العربية  او يكون للاهوازيين أي نشاط خارج العراق، في حين كان الاجدر به ان يطرح قضيتنا على الاشقاء العرب، كقضية قومية عربية، بل على العكس من ذلك فرض تعتيم اعلامي على القضية بشكل لا يمكن تصوره، فلا يجوز للاهوازيين اجراء أي مقابلات مع أي من الصحف العربية باستثناء الصحف العراقية الحكومية فقط ، ولا يحضرون أي مؤتمرات ما عدى تلك التي تعقد في العراق والتي تدعى اليها الجبهة احيانا ً، رغم ان العراق سمح لمراكز بحوثه ان تكتب الدراسات وان تصدر الكتب عن القضية الاهوازية من قبل العراقيين ،ولكن أي اصدار من قبل الجبهة الشعبية لتحرير الاحواز سواء نشرة او كتاب يتطلب كتابنا وكتابكم ، خلاصة القول اقولها وعلى ضوء تجاربي و تواجدي في العراق ، كان هناك تعتيم اعلامي على القضية خارج العراق وكانت  القضية تتصاعد وتتنازل وفقا لشدة الخلافات بين ايران و العرق على سبيل ، ما عدى العراق، لا يوجد أي مكتب للجبهة في أي  من الدول العربية او الاجنبية ولكن رغم هذا التعتيم والمنع استطاعت الجبهة ان تبني بعض العلاقات مع الاخوة الفلسطينيين وجبهاتهم الموجودة في العراق، ولعل من بين هذه الجبهات الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين بقيادة نايف حواتمة  .

وكما قلت سابقا، لما ضاق الخناق على الاهوازيين بعد توقيع اتفاقيات الجزائر وتوقف نشاطهم نهائيا، كان عليهم  ايجاد وسيلة  من اجل خروج كوادر الجبهة من العراق الى أي  بلد عربي آخر، فما كان  من قيادة الجبهة إلا ان تطرق  باب الجبهة الديمقراطية  لتحرير فلسطين،  فتم الاتصال بمكتب الجبهة  في بغداد، وطرح عليهم المساعدة في  اخراج كوادر الجبهة من العراق .

وبما انني انذاك كنت عضوا عاديا  في الجبهة  لم  استشار و لم  اعلم  ما دار في الاجتماع، ولكن علمت فيما بعد ان الاخوة في الجبهة الديمقراطية قالوا  لقيادة الجبهة انهم غير قادرين  على  اداء هذه المهمة، ولكن هناك جهة  ثانية قادرة على  القيام  بهذا  العمل، وهي الجبهة الشعبية  لتحرير فلسطين، مكتب العمليات الخارجية، وان هذا المكتب يدوره شخص يسمى وديع حداد، وأننا سوف نتصل به ونوفر لكم اجتماع معه، وبالفعل تم تحديد هذا الموعد، وجرى اجتماع بين بعض قيادة الجبهة والمكتب المذكور، وتم  طرح ما يعانونه بعد عقد اتفاق الجزائر وان الجبهة تريد اخراج بعض قيادتها خارج العراق و بحاجة الى مساعدتكم ، فابدى المكتب المذكور استعداده ، وطلب  التواصل وتكثيف الاجتماعات  لتحقيق ما تريده الجبهة الشعبية لتحرير الاحواز في اقرب فرصة ممكنة، ولكنهم طرحوا فكر التعاون بين المكتب والجبهة، وقد وافقت الجبهة على ذلك .

على اثر هذا الاتفاق رفعت الجبهة اسماء بعض الاشخاص من قيادة وكوادر الجبهة الذين يرغبون بالخروج من العراق، وفي المقابل طرح المكتب عملية التعاون فيما بين  المكتب والجبهة، وقالو نريد ان ترشحوا لنا اشخاص يكونون معنا في المكتب، فوافقت الجبهة فتم ترشيح عدة اسماء  منها اسمي و اسم الاخ المرحوم ابو عارف ، وتم اعتمادنا من قبل المكتب، و بعد اجتياز هذه المرحلة اصبحت  اطلع شي فشي  على ما يدور داخل  المكتب، كما ان المكتب طلب تزويده بأسماء وصور الاخوة  قادة وكوادر الجبهة الذين يريدون الخروج  الى خارج العراق، فأرسلت لهم  الجبهة كدفعة اولى ما يقارب 20 اسما ، حيث صدرت باسمهم جوازات عربية اغلبها خليجية، تحتوي على ختم الخروج من البلد الاصلي  ثم الدخول الى بغداد  بالإضافة الى دخول عدة  بلدان  اخرى بقصد التمويه .

لقد كانت الجبهة انذاك تضم قياديين شباب بالإضافة الى عدد محدود جدا من الاخوة  المخضرمين ، فمن بين القيادات الشابة ، سعيد جاسم الطائي امين سر الجبهة والذي كان قد تخرج من الكلية العسكرية في بغداد برتبة ملازم اول ، وخلف بعقوب وشبل حمود وسيد جابر احمد وجليل حمود وخضير البو غبيش الملقب بابو الياس ، ومن المخضرمين المرحوم حسن شملكي عودة ابو شوقي  ،والمرحوم مريبي كاظم  ابوحمزة و المرحوم فيصل يونس العاصي ،كما ان هناك قياديين عسكريين مثل حته وبطوش عزيز البوغيش الذي تم اغتياله من قبل المخابرات الايرانية وسيد فهد احد مؤسسي تنظيم الجبهة ورأسه المدبر إلا انه القي القبض عليه ومجموعته واعدموا عام 1972 وذلك عندما كانوا يستعدون لقيام بعملية عسكرية نوعية متخذين من سفوح مشداخ قاعدة لهم، والكثير من الكوادر الاخرى الذين لا تسعفني ذاكرتي بذكر اسمائهم جميعا بالإضافة الى كوادر قوية ومجربة في الكويت منهم ابو عارف و ابو عواد وعبد الامير ابو خشب وفي الداخل ايضا .

وهكذا تمكن الرعيل الاول من قادة الجبهة و بعض كوادرها وأعضاءها وبمساعدة  الجبهة الشعبية  لتحرير فلسطين مكتب العمليات الخارجية برئاسة وديع حداد من الخروج بسلام  بجوازات سفر مزيفة  من العراق  و الوصول الى سورية  و اليمن .

انتهت الحلقة الثامنة