ممارسات بعض المهام النضالية على ارض الواقع – رغم ان المرحوم المناضل خلف يعقوب الصخرواي ملم بمسالك وطرق سلسلة جبال مشداخ إلا ان امتداد هذا الجبل باتجاه ايلام والمناطق المحصورة بين طرفه، أي الطرف الذي باتجاه الكرخة والطرف الاخر الذي باتجاه العمارة وعلي الشرجي في داخل العمق الايراني غير معروف لديه، وكان دليل هذه المجموعة رجل ستيني يسمى ابو عطية ويقال انه عليم بمسالك هذه الطرق ومكامن امنها وخطورتها بشكل كامل، مع العلم كان رجل بسيط وعادي ولا يعرف من قضيته إلا كونه عربي فقط، وكانت الجبهة قد عملت بكل جهدها لكي تنظم هؤلاء الاشخاص كونهم امضوا حياتهم وهم هاربين من النظام في هذا الوديان والغابات والجبال.
مع الاسف الشديد وكما اشرت سابقا لم يكن انذاك أي في بدايات السبعينات للجبهة الشعبية برنامج تثقيفي تثقف به عناصرها، اما العناصر التي تثقفت وبرزت كان بجهد شخصي منها، واعتقد ان هذه المشكلة ما عدى بعض الاستثناءات لا تزال مستمرة لدى الغالبية العظمى من التنظيمات الاهوازية بكافة توجهاتها. وعلى القوى الوطنية والديمقراطية التوجه الى نقطة الضعف هذه من اجل تجاوزها .
وبعد ما اوصلنا المجموعة الى القرب من الحدود الايرانية، وهي منطقة وعرة تتوزع اراضيها بين تلال رميلة ومناطق صخرية قليلة الارتفاع، وهذه المنطقة وان كانت تاريخيا اراض تابعة لإقليم عربستان – او الاهواز إلا انها فصلت عنها تدريجيا وضمت الى محافظة جدية اسمها ايلام، وايلام كانت مدينة صغيرة إلا انها اليوم توسعت وأصبحت محافظة فان قسما من القبائل العربية مثل جنانة وبني اللام و قبائل اخرى مثل السادة البخات تسكن التي شمال مدينة الشوش بالإضافة الى القبائل العربية في الفكة وموسيان كلها اصبحت جزء من هذه المحافظة وكل هذه الامور تدور في اطار سياسية تغيير النسيج السكاني العربي للإقليم.
اثناء سيرنا ليلا لم نلاحظ الطريق جيدا فسارت سيارتنا في طريق رملي، وغاصت في الرمل وكلما حاولنا اخراجها من الرمل لم نتمكن، عندها قال شبل حمود رحمة الله عليه، ابقى في السيارة وسوف اذهب انا الى مخفر الشرطة لأطلب منهم مساعدتنا، وبالفعل بقيت انا في السيارة وسط الرمال وذهب شبل وبعد ساعة او اقل جاء ومعه سيارة الشرطة، ربطنا سيارتنا خلف سيارة الشرطة وسحبتنا من الرمال، عندها شكرنا الشرطة وباشرنا سيرنا باتجاه العمارة عائدين الى مقر الجبهة.
بعد هذه الرحلة ازدادت العلاقة بيني وبين المرحوم شبل كثيرا، فاخذ يحدثني عن كيفية انضمامه الى العمل الوطني عندما كان يعمل هناك، و قال لي على سبيل المثال ان الاخوة الذين تراهم اليوم من اعضاء ومؤسسي الجبهة الشعبية كلهم تنظموا بالكويت وذكر لي عدة اسماء منهم سيد فهد جليل حمود وخلف وحتى منصور مناحي الشهيد ابو عواد وابو عارف وغيرهم، كلهم قدموا من الكويت الى العراق، وقال لي رغم ان الامن الكويتي كان يعلم بتحركنا إلا انه كان يغض النظر عنا، رغم العلاقة الاستراتيجية التي كانت قائمة بين الكويت ونظام الشاه السابق، بالإضافة الى ان هناك بعض اللاجئين الاهوازيين الذين فروا من النظام عقب كشف تنظيم اللجنة القومية العليا، وجبهة تحرير عربستان متواجدين في الكويت ايضا .
بالإضافة الى ما ورد حدثني ايضا ان رموزا من حركة القوميين العرب من امثال احمد الخطيب وسامي المنيس، كانوا ينشرون الدراسات والإخبار عن عربستان وعن القضية العربستانية عبر مجلتهم التي كانت تسمى بمجلة الطليعة . حيث كانت حركة القوميين العرب في مرحلة الستينات والسبعينات قوية جدا في بلدان الخليج العربي ومنها الكويت و البحرين. وعليه يمكن القول، ان الكويت يعتبر البلد الثاني بعد العراق الذي احتضن الاهوازيين كما الجالية العربية الاهوازية في هذا البلد تعد بالآلاف .
بما ان المرحوم شبل كان يقيم قبلي في بغداد، فكنا نخرج كل يوم الى شوارع وحارات بغداد، وكان يشرح لي معالمها، ولعل اجمل ما في بغداد هو شارع ابو نواس ومطاعمه ونواديه وأنواره المختلفة التي تنعكس ليلا في مياه دجلة فتعطيك طيف من مختلف الالوان، كما قمت وبمعية الاخ شبل بزيارة الامام الكاظم وزيارة منطقة تسمى سلمان باك والمدائن حيث لا يزال طاق كسرى موجود هناك وهو بناء ضخم .
وعندما عاد شبل الى العمارة كلف بمهمة الى داخل الوطن، اثناءها حصلت اشتباكات بين مجموعته وبين دورية للشرطة الايرانية فأصيب شبل بطلق ناري في يده اليمني التي شلت نتيجة هذا الطلق، ولكن رغم اصابته استطاع ان ينسحب ومجموعته بسلام من ارض المعركة ونقل على الفور الى بغداد للمعالجة الى بغداد، وإثناء اقامته في المستشفى لم افارقة حتى تعافى قليلا وأرسل للعلاج للخارج .
هنا لا بد لي من الاشارة انه من المهام التنظيمية التي قمت بها في الداخل، عندما كنت في مدينة العمارة، دعانا المرحوم جليل حمود مسؤول مكتب العمارة للجهة الشعبية لتحرير الاحواز الى اجتماع لمناقشة القيام بمهمة نزول الى داخل الاراضي الحرام ( الاهواز ) وتحديدا الى مدينة البسيتين في مهمة تنظيمية يتم اللقاء فيها بأحد الاخوة من كوادر الجبهة الشعبية لتسليمه بعض ادبيات الجبهة والاطلاع من خلاله على الاوضاع الموجودة في هذه المدينة وكيفية تحرك التنظيم وسلامة عناصره، وفي هذه الاجتماع حدد الاخ رئيس المكتب اسماء الاشخاص الذين سوف يقومون بهذا المهمة، بالإضافة له سيشترك في هذه المهمة كل من انا والشهيد جبار عبد الله والشهيد عبد مصيخي قاسم ( استشهد في الثمانينات ) وكان مكان وزمان هذا الموعد قد عين من قبل بشكل دقيق .
وعندما اكتملت اسماء المجموعة تقرر تنفيذ المهمة، فجهزنا بعض البيانات السياسية وبعض الكتب وسرنا بالسيارة باتجاه الحدود، ومن ثم ابقينا السيارة والسائق على حافة الهور من الجانب العراقي، ومن هناك انطلقنا، مشيا على الاقدام عبر اليابس باتجاه البسيتين وعندما وصلنا بالقرب من المدينة، كان علينا اجتياز نهر الكرخة للجهة الثانية حيث توجد المدينة و في اسفلها المدينة وبموازاة النهر يكون موعد اللقاء.
ولتحقيق هذه الغاية لابد من الاستفادة من احد قوارب المواطنين، وبما ان القوارب كانت مقفولة فقمنا بخلع قفل احد الزوارق ، فبقي اثنان من رفاقنا هما عبد قاسم وجبار عبد الله في الصفة اليسرى من النهر وتوجهنا انا والأخ جليل الى الضفة الثانية، وعندما وصلنا الى ساحل النهر، اختبأنا حول شجيرات وهو مكان اللقاء، وبقينا ننتظر الشخص الذي نريد اللقاء به، عندها قال جليل نحن سوف ننتظر ساعة، وإذا لم يأت سوف نعود ادراجنا وبينما كنا نتهامس الحديث واذا بشاب يتجه نحو زروقنا ، عندها عرفنا انه رفيقنا، فسلم علينا و تعانقنا، وكان هذا اللقاء مفاجئة بالنسبة لي وللأخ المذكور، حيث تعرفت عليه وهو تعرف علي انه الاخ عزيز اميري بن حافظ شقیق فيلي اميري، حيث كنا فيما مضی نعمل في خلية واحدة تضم ثلاث اشخاص طلاب من اهالي البسيتين كانوا يدرسون في مدينة الاهواز ومستأجرين بيت في حي رفيش بالقرب من بيتنا، وإثناءها كان نستلم وعن طريق عزيز بعض الكتب و المنشورات ، ولم نعلم ان عزيز على ارتباط بالجبهة في الخارج ، في الحقيقة كان لقاءنا في تلك الليلة لقاء حار وصميمي جدا، و بعد ان سلمناها المنشورات و الكتب واستمعنا الى ارائه عدنا بالقارب الى نفس المكان، حيث يوجد عبد وجبار ، وبعد ان وضعنا القارب مكانه، انطلقنا بسرعة باتجاه الحدود العراقية عائدين وقبل طلوع الفجر كنا قد وصلنا الى الجانب العراقي حيث كانت السائق والسيارة بانتظارنا. فعندنا ادرجانا عائدين الى مقر المكتب في مدينة العمارة العراقية .
وهنا ارى من الضروري ان اشير الى ان مكتب الجبهة في العمارة كانت مسؤولته تنحصر في ادارة العمل التنظيمي والعسكري في قاطع المنطقة الوسطى والشمالية من اقليم الاهواز وكانت مسؤوليته وكما اشرت بيد الاخ جليل، اما مكتب البصرة للجبهة فكان من مسؤولية المرحوم خضير البو غبيش الملقب بابو الياس والمرحوم حسن شملكي عودة ابو شوقي . وإثناء تواجدي في العراق وفي بغداد علمت ان الجبهة الشعبية لتحرير الاحواز قد نسجت علاقات مميزة مع بعض اطراف الحركة السياسية في ايران، وكان في البداية أي بدايات تأسيس الجبهة عام 1968 مع تيمور بختيار الذي وعد الشعب العربي بمنحه الحكم الذاتي، ومن ثم مع وصولنا واستلام قيادة الجبهة من قبل الجيل الثالث والرابع بعد حركة محي الدين، اقامت الجبهة علاقات مميزة مع كل من منظمة فدائي خلق الايرانية وحركة الدكتور اعظمي في جبال البختيارية، بالإضافة الى البلوش كما اسلفت سابقا، ومجموعة صغيرة من الاتراك الاذريين، كما علمت ان الجبهة كانت تهرب السلاح لصالح الحركات المناوئة لنظام الشاه عبر عبادان والمحمرة وعبر الفكة وموسيان لسهولة النقل وقربه بدلا من تهريبه عبر كردستان ايران، وقد استمر هذا التعاون حتى خروج الكادر الاساسي من اعضاء الجبهة من العراق الى سورية ولبنان واليمنز بعض بلدان الخليج وخاصة الكويت .
وإثناء تواجدي في العراق تعرفت على بعض العناصر القيادية في منظمة فدائي الشعب الايراني، كان من بينهم محمد حرمتي بور ويكنى ابو جمال وهو مهندس من أهالي بابل في شمال ايران، وكان مسؤول المنظمة في الخارج، وكانت له علاقات مع الجهة الشعبية لتحرير الاحواز – عربستان، وقد حدثنا هذا الشخص عن تجاربهم في مجال حرب الاحراش او الغابات وعن اول حركة مسلحة لهم في الستينات في غابات سياهكل، وكيف قتل اعضاءها بعد محاصرتهم من قبل النظام، ولكن بعد مقتل قادتها اعاد ما تبقى منهم تجربة الكفاح المسلح في المدن، وقد استهدفوا في عملياتهم عناصر الساواك الايراني وقد قتلوا انذاك الساواكي عباس شهرياري المعروف ” بهزار جهره ” ابو الف وجه ، وعندما وقعت اتفاقية الجزائر بين ايران والعراق تعرفت على عناصر اخرين من قيادي هذه المنظمة منهم حماد شيباني وكان قد سمي نفسه عباس وشخص اسمه حسن، ومحسن نور بخش وهو مهندس زراعي وكانوا على علاقة مع المنظمات الفلسطينية، حيث يدربون عناصرهم و يرجعونهم الى ايران، وكانوا هؤلاء الشباب وكما قلت على علاقة مع الجبهة الشعبية لتحرير الاحواز – عربستان -. ومن التجارب التي نقلوها الينا هي عمليا تزوير الجوازات وكيفية صنع الاختام، حيث ان عملية حك اسم ووضع اسم محله تتطلب صبر ودقة ومواد خاصة، وقد اتقنت هذه الصنعة من خلالهم بشكل جيد حتى كانوا الشباب يمزحون معي عند تزوير او تمديد أي جواز منتهية صلاحية و يقولون ما لكم غير سفارة عدنان، وعن هذا الطريق ساعدنا الكثير من المناضلين العرب المنتهية صلاحيات مدة تمديد جوازات سفرهم، كما كنا نحصل من بعض الاخوة العرب على جوازات قديمة منتهية صلاحيتها، فنقوم بتغيير الاسم والصورة عبر اساليب خاصة ونضع عليها اسماء عناصر الجبهة ممن يريدون السفر ، حيث انذاك لم نملك غير هذه الجوازات .
ومن بين الشخصيات الأتراك التي تعرفت عليهم شخص تركي اذري اسمه الدكتور علي وهو رسام ماهر وكان عنصر الارتباط معه سيد جابر احمد، وكان هذا الرجل قد قدم الى بغداد من موسكو مع دكتور اخر لا اتذكر اسمه من اجل بناء تنظيم وكانوا من قدماء الحركة الاذرية. وقد عين احدهم مدرس في كلية الفنون الجميلة والأخر استاذ للغة التركية في جامعة بغداد .
وبعد انتهاء الدورة بقيت فترة في بغداد، اثناءها كان للجبهة نشاط واسع سواء في البر الاهوازي باتجاه غابات الكرخة والقرى الشمالية مثل مناطق كنانة وبني لام و شمال وقرب الشوش جعب اوشمال الشوش او في الاهوار وهي على اتصال دائم مع مختلف فئات الشعب وتقوم بتوزيع المنشورات، كما ان اللقاءات التي تتم بين عناصر الجبهة وعناصر الداخل تتم بواسطة هذه المجاميع، كما هذه المجموعات تقوم بعمليات تأديبية تستهدف العملاء والجواسيس، وقد كنت شاهدا ان الجبهة تمكنت من اسر ثلاث عناصر يعملون لصالح الساواك. وبعد الانتهاء من الدورة تم نقلي الى مكتب الجبهة في بغداد الى مكتب البصرة وكان يشرف عليه الاخ خضير البوغبيش ابو الياس وحسن شمكلي عودة ابو شوقي ،وهما من عناصر جبهة تحرير عربستان وقد كانوا من بين الاشخاص الذين شاركوا في تـأسيس الجبهة الشعبية وهما مناضلين شديدين وكلاهما اليوم قد توفي بعد ان ادى الواجب الوطني الملقى على عاتقه.
وكان من مهام مكتب البصرة التنسيق والاتصال مع عناصر الجبهة في داخل مدن الاهواز والفلاحية والمحمرة وعبادان، حيث التداخل الاسري والحدودي مع العراق مما يسهل عملية الاتصال، وقد كنا نسلم بعض الاخوة المنشورات و الخرائط والعلم الاهوازي الحالي ،اذ لا يوجد علم آخر غير هذا العلم الذي بقي مرفوعا في مكاتب الجبهة الشعبية لتحرير الاحواز حتى عقد اتفاقية الجزائر بين ايران والعراق عام 1975 .
انتهت الحلقة السابعة و تليها الحلقة الثامنة