رحلة الخروج الى العراق والالتحاق بصفوف الجبهة الشعبية لتحرير الاحواز – عربستان
عندما شعرنا اننا مراقبين من قبل الامن الايراني “الساواك “ومخافة من يلقى القبض علينا ،حاولنا الهروب الى الخارج ،وقد علمنا اننا مراقبون من خلال الطلبة من ابناء البسيتين الذي سبق وان تحدثت عنهم في الفصل الثاني والمستأجرين لدى احد المواطنين العرب في حي ارفيش والذي تعرفنا عليهم عن طريق عزيز بن حافظ الضميد ،شقيق فيلي اميري ،والمعلم عبد العباس اميري، وكان عزيز منظم معنا في الخلية ،اما الشباب الاخرين فمعرفتنا بهم شخصية ، وهم الذين اخبرونا أن الامن جاء وسأل الجيران عنكم وقال لهم من هؤلاء الافراد الثلاث الذين احيانا يترددون على هؤلاء الطلاب ،فأنكروا معرفتهم بكم وقالوا هؤلاء طلاب يوميا يسلم عليهم الكثير من الطلية ولا نعرف احد منهم ،عندها نصحنا الشباب ،ان لا نراجعهم مرة ثانية ولا نتصل بهم نهائياً ،ولعل هذا الحادث هو الذي عزز في نفوسنا فكرة الخروج والالتحاق بصفوف الجبهة في العراق .
وفي يوم معين اجتمعنا انا وناصر عجرش وسيد موسى الموسوي المعروف حاليا به سيد علي في مدينة الاهواز، ثم ذهبنا بعد الظهر الى كراج البسيتين، ومن هناك ركبنا كمسافرين في احدى الباصات القديمة متجهين نحو البسيتين، وبما ان المسافة بين مدينة الاهواز والبسيتين ليس بعيدة ووصلنا عصر نفس اليوم، وبما اننا ننتظر حلول الظلام ،لذلك اخذنا نتجول في سوق المدينة ،وتناولنا اثناءها شيئا من الطعام ، وقبل غروب الشمس بساعة او أكثر عبرنا جسر البسيتين، باتجاه الطرف الآخر، أي في الجهة التي تقع بمحاذاة الوادي وسلسلة جبل مشداخ، حيث توجد جادة ترابية تنطلق من البسيتين باتجاه الشيب العراقي والفكة وموسيان بموازاة الحدود بين ايران والعراق ، وهذه الجادة قبل وصولها للشيب العراقي تمر عبر عدة قرى اهوازية، منها ابوجلاج والمنابيه والخرابة ،ثم تمر بمحاذاة الهور ومن ثم تصل الى مخفر الشيب العراقي، الذي يقع على يمين الجادة في منطقة صحراوية و يقابله وعلى بعد اقل من كيلومتر وفي المرتفعات الرملية المخفر الايراني .
قبل حلول الظلام اخذنا نسير في هذا الطريق الترابي باتجاه ابو جلاج ، وبما ان بعض من اقربائي يسكنون في قرية ابو جلاج شاهدنا بعض الفلاحين وعلمنا فيما بعد انهم نقلوا خبر تواجدنا الى جوار الجادة الى بعض من افراد اقرباءنا في قرية ابو جلاج ، وهم بيت شلش وموشر عباس ومولا وكلهم كانوا يسكنون في قرية ابو جلاج .
وبما ان سيد علي قبل اعتقاله سبق وان سافر الى العراق فكان يعرف مسالك الطريق جيدا وكان يقول كلما توغلنا في الرمال وبعدنا عن الجادة سنكون اكثر امنا من الوقوع بيد الدوريات الايرانية .
تجاوزنا الجادة ودخلنا الكثبان الرملية، فهذه الكثبان تقع بين جيل مشداخ من جهة والهور من جهة اخرى، اما فيما يخص معرفتي بسيد علي فكانت عن طريق اولاد عمي حج حسن وحيال، كما ان ناصر بدوره سبق وان تعرف على سيد علي بالسجن ابان فترة سجنهم معا .
مع حلول الظلام كنا قد توغلنا في عمق التلال الرميلة، وكلما اتجهنا شمالا زاد علو هذا التلال ارتفاعاً، حتى اننا كنا نواجه الصعاب عند صعودها، ورغم ان المسافة في خط مستقيم بين مركز مخفر الشيب والقرى الحدودية العراقية ليست بعيدة، إلا توغلنا في الرمال والسير بعيدا عن المخفرين الشيب الايراني والشيب العراقي ومن ثم الدخول الى عمق الاراضي العراقية من ناحية الشمال ،بعد ذلك توجهنا الى مخفر الشيب العراقي عبر الاراضي العراقية ،وما اقتربنا من المخفر حتى استقبلتنا كلاب المخفر بالنباح ،عندها استنفرت الشرطة، وصاحوا علينا محذرين ان نقف مكاننا، عندها اجبناهم اننا اصدقاء ونريد تسليم انفسنا للمخفر، فتقدم نحونا احد الشرطة ورافقنا حتى داخل المخفر، وعندما جلسنا وشرحنا لهم وضعنا وقلنا لهم اننا اعضاء في الجبهة الشعبية ونريد تسليم انفسنا الى اقرب مكتب للجبهة، وقد كان ذلك في شباط من عام 1974 .
بتنا ليلتنا في ضيافة المخفر، وفي اليوم التالي اتصل مخفر الشيب عبر جهاز اللاسلكي بمخفر المشرح و شرح له الوضع ، فما كان من المخفر المذكور إلا ان طلب ترحيلنا اليه .
وفي صباح اليوم التالي جاءت سيارة شرطة تحمل بضاعة لمخفر شرطة الشيب وعند عودتها ركبنا فيها متوجهين الى مخفر المشرح، وبعد الاستفسار عن وضعنا اتصل على ما يبدو بمديرية امن العمارة ،التي امرته بترحيلنا اليها، وما ان وصلنا لى العمارة حتى اتصلت دائرة الشرطة بمكتب الجبهة الشعبية لتحرير الاحواز ،الذي كان مسؤولا عنه السيد المرحوم جليل حمود الشرهاني ” ابوسعد ” واخبره بأسمائنا فتعرف علينا انا و سيد علي ، و لم يكن يعرف ناصر عجرش، وعلى الفور نقلنا بسيارة الشرطة الى مكتب الجبهة، فاستقبلنا بحفاوة من قبل الاخ رئيس المكتب، فشرحنا له قصتنا، وكيف اننا خلية من خلايا الجبهة كنا نعمل في مدينة الاهواز في حي لشكرباد ورفيش اباد، وشرحنا له وضع الداخل في التفصيل والظروف التي اجبرتنا على الخروج، مع العلم باننا لسنا الخلية الوحيدة والتنظيم الوحيد للجبهة، فالجبهة الشعبية تمتلك خلايا في عموم الاقليم بدء بالشوش ومدينة الاهواز وانتهاء بمدينة المحمرة ومدينة عبادان والفلاحية، بالإضافة الى مدينة الخفاجية والحويزة والبسيتين.
لقد اتصل جليل حمود هاتفيا في نفس اليوم بمكتب الجبهة في بغداد، فتحرك نحونا على الفور، الاخ سعيد جاسم طائي امين سر الجبهة الشعبية كان انذاك قد تخرج من الكلية العسكرية العراقية برتبة ملازم يرافقه عضو المكتب السياسي مريبى عباس كاظم الصياحي ابو حمزة ، الذي كان من بقايا اعضاء اللجنة القومية العليا لتحرير عربستان وعضو في المكتب السياسي للجبهة ،وهو من رفاق محي الدين آل ناصر وعيسى مذخور ودهراب شميل وكان امين السر يعرف ناصر عجرش وسيد علي فقط ، وفي اليوم الثاني تحركنا من العمارة الى بغداد، وفي بغداد تعرفنا على اخوة جدد منهم الاخ جابر احمد وكان انذاك عضوا في المكتب السياسي ومسؤول اللجنة الاعلامية للجبهة وعدد من فدائي الجبهة الشعبية المتواجدين في مكتب بغداد .
مكتب الجبهة في بغداد عبارة عن بيت واسع يتكون من طابقين ،ويحتوي كل طابق على عدة غرف ،الطابق الاول يستخدم كمكتب للجبهة والثاني سكن ،فسكنا في مكتب الجبهة لمدة اربع شهور ،بعدها تقرر ان نلتحق انا وسيد علي بمكتب العمارة ،ومن ثم الى قواعده في الاهوار، حيث كان للجبهة الشعبية قواعد ثابتة ومتحركة في داخل الاهوار، وبالمناسبة فقد سميت انا بعدنان وسيد موسى بسيد على وناصر عجرش باسم ابراهيم، وبقيت هذه الاسماء ملازمه لنا وخاصة انا حتى بعد عودتي الى الوطن بعد سقوط نظام الشاه بقيت على هذا الاسم، وكان الجميع بما فيهم افراد اسرتي يسمونني باسم عدنان، ونسي اسمي السابق حسن سلمان، حتى عندما جئت الى لندن عرفت نفسي بهذا الاسم، وأضفت له لقب الطرفي ، لأنه لم يعد احدا يعرفني باسمي القديم حتى في داخل الوطن باسم حسن زويري او حسن سلمان.
وفي اليوم المحدد تحركنا من بغداد الى العمارة، وبعد وصولنا الى مكتب الجبهة واستقرارنا هناك، وضعت خطة تحركنا نحو الهور ،فسلكنا نفس الطريق الذي جئنا منه، أي من العمارة الى المشرح ثم الحلفاية ومن ثم الهور.
طريقة تحرك فدائي الجبهة داخل الهور تتم عن طريق الزوارق، التي تسمى محليا ” بالطرادة ، او البلم ” وتتم الحركة عبر التجديف بما يسمى” الغرافة ” او دفع عبر ما يسمى “بالمردي” ،ولم تستخدم انذاك المحركات في تحريك هذه الزوارق .
كان فدائي الجبهة مسلحين ببنادق آلية من نوع كلاشينكوف وقنابل يدوية، وبما انهم سبق وان تدربوا على كيفية استخدامه ،ونحن لم نتدرب ، فعلمونا كيفية استخدام البندقية والقنابل اليدوية وعملية التخفي ،وبقينا في الهور لفترة طويلة نتحرك داخل الاهوار، وفي احد الايام جاء المرحوم جليل وقال : يا اخي يا عدنان سوف نذهب انا وأنت وسيد علي الى الداخل للقاء بعض الاخوة من تنظيمات الجبهة .
وكان نزولنا يتم وحسب الخطة ،انه بعد اجتياز مرحلة في الهور ننزل الى اليابسة وننطلق ليلا باتجاه التلال الرملية وذلك بعد اجتياز الجادة الترابية التي تصل البسيتين بمناطق الفكه وموسيان ودهلران ،وهو نفس الطريق الذي سلكناه اثناء ذهابنا الى العراق ولكن المسافة كانت اقرب ،وما ان حل الظلام حتى انطلقنا نحن الثلاث باتجاه قرية ابو جلاج ،وكنا مسلحين نحمل معنا بعض البيانات السياسية المناهضة للنظام ،وبعض ما توفر من ادبيات الجبهة ،وعندما وصلنا الى خارج قرية ابو جلاج ذهب الاخ سيد علي للاتصال بالشخص الرابط الذي يربطنا بالشباب ،وعندما وصل استقبلته زوجته وقالت له ان زوجها فلان ذهب وبعض من اصدقائه اليوم صباحا الى مدينة الاهواز، فعاد مسرعا واخبرنا بما حصل، فعدنا ادراجنا قبل ان يداهمنا الفجر وعدنا من نفس الطريق الى زوارقنا في الهور ومن ثم العودة الى البر العراقي .
اما انا فبقيت في قاعدة الهور لمدة شهرين تقريبا ، وتعرفت اثناءها على اخو لنا في تنظيم الجبهة منهم عبد قاسم ، وكريم الواعي وأولاده عكلو ومحسن ،وعلي العامر والشهيد جبار عبد الله الساعدي . وإثناء وجودي في الاهوار تعلمت الكثير من الامور لم اكن اعرفها من قبل كوني من سكان المدن ، مثل صيد الاسماك وقنص الطيور وتعرفت على بعض مسالك وطرق الاهوار، الذي تتطلب خبرة واسعة خاصة اثناء المسير ليلا وسط القصب والبردي الذي يتجاوز طول القصبة الواحدة 3 الى 4امتار .
اثناء اقامتنا في الهور عندما تنتهي مؤنا كنت اذهب بمعية الاخوة الى البر العراقي ومن ثم الى بيت كريم الواعي و لنستلم التموين وهوعبارة عن طحين ومعلبات ونرجع بها الى الهور، مع العلم كانت الحياة صعبة جدا في الاهوار، لكن معنوياتنا العالية وأملنا في المستقبل جعلنا نتغلب على كل هذا الصعاب .
وبعد فترة تلقيت اوامر من قيادة الجبهة في بغداد عبر مكتب العمارة، للالتحاق بمكتب بغداد لان هناك دورة عسكرية لابد علي من دخولها . لذلك تركت الهور ومكتب العمارة وتوجهت الى بغداد .
وبهذا ينتهى القسم الخامس ويليه القسم السادس