عمل النظام الإيراني طيلة الـ37 عاما الماضية ومنذ تأسيسه، على بثّ الفرقة بين أطياف المعارضة في الخارج، بهدف تشتيتها، وفي أغلب الأحيان تمكن من إنجاز هذه المهمة. ولكن بالمقابل هناك قوى تصدت لهذه المآرب اللئيمة، حيث دعا أكبر فصيل في المعارضة الإيرانية وهو المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، للوحدة بين أطياف المعارضة كافة، في مؤتمره السنوي في باريس الشهر الماضي، وخصوصا أن دعوته هذه المرة وجهت لأغلب الأطراف، ومن بينها تيارات سياسية تتبع لشعوب غير فارسية.
وألقت قضايا ومطالب القوميات والشعوب غير الفارسية بظلالها بشكل كبير على أعمال المؤتمر، الذي انعقد هذا العام تحت عنوان «الحرية لإيران» بحضور عشرات الآلاف، ومباركة ممثلين عن برلمانات 40 دولة عربية وغربية، وتميز بحضور سياسيين وممثلين عن حركات ليبرالية وديمقراطية من دول مختلفة في ظل تغطية إعلامية عالمية.
بيد أن هناك نظرة جديدة من جانب منظمة «مجاهدين خلق» الفصيل المؤسس للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، وكذلك من جانب مناصريهم العرب، ركزت على أن تكون المشاركة واسعة من جميع أطياف المجتمع الإيراني، وظهور معارضة أوسع.
وتمّت دعوتي للمرة الأولى للمشاركة في هذا الاجتماع، وترأست وفدا من النخبة الأهوازية المعتدلة، تلبية لطلب منظمة «مجاهدين خلق» للتباحث حول القضية العربية الأهوازية، وقضايا القوميات الأخرى في إيران. وبالطبع علاقتي بـ«مجاهدين خلق» ليست أمرا جديدا، بل أعرفهم معرفة جيدة منذ أن كنت سجينا سياسيا إبان حكم الشاه في سبعينات القرن الماضي، حيث كنت نزيلا مع بعض مؤسسي وقيادات المنظمة في السجن، وقضيت نحو عامين في سجن «إيفين» بالعاصمة طهران في نفس الفترة التي كان آية الله طالقاني، الأب الروحي لـ«مجاهدين خلق» مسجونا فيه. وفي السنوات الأخيرة، كانت لديّ قناعة ثابتة بأنه بمقدور منظمة «مجاهدين خلق» أن تلعب دورا بارزا ومهما، في توحيد المعارضة خارج إيران، لكن في نفس الوقت، كنت أشارك هاجسا مشتركا مع قيادات منظمات إيرانية يتمثل في أن «مجاهدين خلق» منظمة منطوية على نفسها، ولا تسمح بقبول الأطياف الأخرى من المعارضة، ولا تريد العمل معها، لا سيما الحركات والأحزاب والمنظمات التابعة للقوميات غير الفارسية.
في ثمانينات القرن الماضي كان الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني، بقيادة الراحل الدكتور عبد الرحمن قاسملو، عضوا في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، تحت زعامة «مجاهدين خلق»، قبل أن ينفصل عنهم بعد 4 سنوات. ولم تشارك أي منظمات قومية بعد ذلك في المجلس.
وفي عام 2000، توصل عدد من الأحزاب والمنظمات من عرب الأهواز والبلوش والأتراك الأذريين والأكراد والتركمان، إلى قناعة بأن المعارضة تهمل أو تتجاهل قضاياهم ومطالبهم، لذا قرروا شق طريقهم بأنفسهم وبشكل مستقل لمواصلة نضالهم من أجل الحصول على حقوقهم الأساسية، وإنشاء حركة جديدة تتركز على قضاياهم القومية العادلة، وفقا للمعايير الدولية لحقوق الإنسان والقوانين الدولية التي تعترف بحق تقرير المصير للشعوب المضطهدة.
وبعد رحلة طويلة من الدراسة والمناقشة، انبثق عن تلك المحادثات الطويلة «مؤتمر شعوب إيران الفيدرالية» في 19 فبراير (شباط) 2005 في لندن، والذي يعتبر أكبر تكتل من تكتلات المعارضة ضد نظام ولاية الفقيه، حيث ضم 13 حزبا ومنظمة من العرب والأتراك والبلوش والكُرد والتركمان واللور، يمثلون غالبية الشعوب الإيرانية بجميع أطيافها. وينص بيانه التأسيسي على أن إيران بلد متنوع قوميا وثقافيا ودينيا، وأن «الشرعية السياسية» تنبع فقط من إرادة الشعوب الإيرانية من خلال صناديق الاقتراع، ولا يمكن نقض هذا الحق تحت أي ظروف وذرائع كانت. وأن النظام السياسي المبني على «الفدرلة» علی أساس قومي وجغرافي يرتكز على مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان يضمن تطلعات الشعوب الإيرانية في حقها بتقرير مصيرها. ويؤكد المؤتمر أن وسائل النضال للوصول إلى هذا الهدف، هي طرق سلمية من خلال استخدام كل السبل المعترف بها في العالم الحُر.
كما يؤكد البيان التأسيسي على أن نظام الولي الفقيه معادٍ للديمقراطية والتعايش السلمي مع دول الجوار، ويصرح بفصل الدين عن الدولة وبناء علاقات ودية مع دول الجوار كافة، على أساس الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وعلى هذا الأساس يكون إسقاط النظام شرطا أساسیا للوصول إلى تلك الأهداف.
وبالعودة لمؤتمر «مجاهدين خلق» في باريس، فإن من أهم المؤشرات الإيجابية التي تركزت عليها أعماله، هو ترسيخ وتثبيت شعار «إسقاط النظام» وضرورة توحيد أطياف المعارضة كافة وأبناء الشعوب الإيرانية حول هذا الشعار. ومن أجل استثمار الجهود في الوقت الحالي يجب توسيع المعارضة على محورين: المحور الأول يأتي في ظل توحيد كل أطياف المعارضة الفارسية وبتنسيق وتعاون مع «مجاهدين خلق». والمحور الثاني يتركز على أساس التعاون التام مع الشق الثاني من المعارضة المجتمعة أساسا تحت مظلة «مؤتمر شعوب إيران الفيدرالية» والتي تشمل كل أطياف القوميات غير الفارسية بمختلف انتماءاتها وتطلعاتها.
وفي هذا السياق، بإمكان المجلس الوطني بقيادة «مجاهدين خلق» أن يلعب دورا محوريا لتوحید کل أطياف المعارضة الفارسیة، وأن يكون رائدا للمرحلة المقبلة في حال قبوله بحق القوميات الإيرانية في تقرير المصير، وإرساء نظام فيدرالي يضمن حقوق الجميع.
تجدر الإشارة إلى أن السيد محمد محدثين، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، قال في تصريحات أثناء مقابلة مع تلفزيون «الإخبارية» السعودية، وكذلك في مقابلة مع قناة «العربية» على هامش المؤتمر، إن المجلس يتبنى في برنامجه السياسي مشروع الحكم الذاتي في مناطق القوميات، على غرار ما طرحه المجلس الوطني قبل سنوات لمنطقة كردستان الإيرانية. ونحن بوصفنا قوى مطالبة بالفيدرالية بالطبع نختلف مع مشروع الحكم الذاتي الذي يطرحه المجلس، لكن بنفس الوقت نعتبره مؤشرا إيجابيا في سبيل توحيد قوى المعارضة، على أساس الاعتراف بالتنوع القومي والثقافي والديني والعرقي في إيران، ومطالب الديمقراطية والعدالة والمساواة للجميع. إضافة إلى ذلك، فإن الشعوب غير الفارسية تطالب بضمان دستوري لإرساء نظام لا مرکزي فيدرالي کحد أدنی لمعالجة عدم المساواة السیاسیة والاقتصادیة والاجتماعیة والثقافیة في إيران، وإنها غير مستعدة للتراجع عن هذا المطلب؛ لأنه يأتي في إطار التدابير اللازمة لضمان استمرارية الديمقراطية والتعايش السلمي بين جميع القوميات ومن بينها القومية الفارسية.
بنفس الوقت، یری کثیرون أن التمسك بالحد الأقصی من المطالب والغور في التفاصيل من قبل أي طرف من أطراف المعارضة، سيؤدي إلى عرقلة التحالف بين قوى المعارضة، وبالنهاية إطالة عمر النظام. لذا فإن الحل الأنسب هو التحالف المرحلي حول الحد الأدنى من المطالب، وتأجيل الخلافات والعمل على تضييق الفجوات، حتى تشكيل مجلس تأسيسي يضم أطياف المعارضة كافة، ويستطيع أن يكون «كعب أخيل» النظام الإيراني، الذي سيسرع بإسقاطه.
د. كريم عبديان بني سعيد
نقلاً عن “الشرق الأوسط“