صادق هدايت أبو الرواية الفارسية وناشر البغضاء ضد العرب – يوسف عزيزي

الصوت العنصري من الفردوسي الى صادق هدايت”. تحت هذا العنوان تحدثت في مقالين سابقين عن نشاة العنصرية وبعدها الرئيسي المعادي للعرب في الفكر والأدب الفارسيين في القرن التاسع عشر. وهنا، في هذه المقالة، أصل إلى هدايت، الكاتب الأشهر الذي ساهم في تشكيل خطاب فكري وأدبي وسياسي إيراني معاصر يحتقر العنصر العربي ويزدريه، ويعلي من شأن العنصر الفارسي ويحن إلى تاريخ إيران قبل الاسلام. وقد طبق الشاه رضا البهلوي (1925 – 1941) هذا الخطاب النظري على الأرض بعد نحو 80 عاما من نشأته، حيث تجاوز المد الاستعلائي الفارسي المعادي للعرب في عهده، ليشمل الاتراك الأذريين أيضا باعتبارهم غيرآريين، وذلك رغم دورهم الأساسي والحاسم في قيام ثورة الدستور(1906 – 1909). وقد قضى الشاه رضا البهلوي، الذي وصل إلى السطة إثر انقلاب عسكري ضد الحكم القاجاري، على معظم انجازات تلك الثورة المعادية للاستبداد، وعلى جميع الكيانات السياسية والثقافية للشعوب غيرالفارسية. وقد طرح هو وزمرته المتكونة من المثقفين والسياسيين العنصريين شعار”لغة واحدة، عرق واحد ومذهب واحد”، وهذا ما يتناقض وطبيعة المجتمع الإيراني المتكون من عدة شعوب تختلف في اللغة والثقافة والمذهب، منها العرب والكرد والترك والبلوش والتركمان، فأصبحت الفارسية اللغة الوحيدة السائدة، وتمت محاربة اللغات والثقافات الأخرى. لكن من المفارقات التاريخية أن النخب المعارضة للحكم البهلوي الاستبدادي، كانت تحمل، بدورها، أفكارا شوفينية ومعادية للعرب في إيران.

لقد ساعد الأدب الفارسي المعاصر في إرساء مايسمى بالدولة – الأمة في إيران على حساب تدمير الهوية القومية والثقافية واللغوية لأكثر من 60 فيالمئة من سكان إيران أي غير الفرس.

 

الروائي الإيراني صادق هدايت
الروائي الإيراني صادق هدايت

كاتب الكراهي

صادق هدايت مؤسس الرواية الفارسية الحديثة وصاحب عدة روايات ودراسات لها قيمتها الفنية، لكنها مشفوعة بأفكاره المسمومة المعادية للعرب وحنينه الى الفردوس الايراني المفقود أي يوتوبيا الحضارة الفارسية قبل الاسلام. وقد ترجم المصريون بعض من أثاره ومنها “البومة العمياء” دون أي نقد لآرائه العنصرية. ولقت هذه الرواية صدى واسعا بين المهتمين بالأدب الفارسي في العالم العربي.

غلاف رواية البومة العمياء
غلاف رواية البومة العمياء

ترجم المصريون بعض أثار هدايت ومنها “البومة العمياء” دون أي نقد لآرائه العنصرية

يقول صادق هدايت في روايته “بروين بنت ساسان”: ” دخل أربعة من العرب – مدثرين بعباءات مهترئة، موثقينها بحبال حول خصورهم، الوجوه داكنة والمحاسن والشوارب سوداء كثة، مغطين رؤوسهم ورقابهم بقماش أبيض وأصفر، أقدامهم حافية مغبرة يحملون أنواع السيوف – يهتفون كالحيوانات المفترسة والمخيفة” (النسخة الفارسية).

ويضيف في نفس الرواية: ” كان هؤلاء العرب الرحل، آكلة الضب، تابعين لنا -نحن الايرانيين- ومنذ عهود وهم يدفعون لنا الجزية”.

وراء الضب

وفي كتابه الرحلي “أصفهان نصف العالم” يقول صادق هدايت: ” لم يزحف مثل السحلية بل كان يعدو بسرعة على قدميه رافعا رأسه عاليا، لقد خطر على بالي بان العرب ربما هاجموا إيران طمعا بهذا الضب. وكأن هذه الارض كلها وادغال الشوك هي مملكة السحليات. ربما هم لايرون هنا أصفهان، وسيحكي طفل السحلية لأمه بانه رأى غولا صحراويا هرب من يده بخدعة وشطارة” (النسخة الفارسية).

ويذكر أقرباء محمد العامري، وهو من أوائل الأهوازيين الذين درسوا في فرنسا، إنه كان صديقا حميما لصادق هدايت في أربعينيات القرن المنصرم في باريس. وقد خاطبه هدايت مرة قائلا: “أنت صديق وإنسان جيد لكن مع الأسف انت عربي ويا ليتك لم تكن عربيا”.

كتابات هدايت مسمومة بأفكاره المعادية للعرب وحنينه إلى الفردوس الإيراني المفقود

أفكار مسمومة

كما حدثني صديق من الأقلية غير العربية القاطنة في الأهواز إنه في الستينات من القرن الماضي عندما كان شابا يافعا ويقيم وعائلته بين أغلبية عربية في حي “آسيه أباد” قرأ رواية “مازيار” لصادق هدايت، وكادت أن تؤثر في أفكاره وتنعكس سلبا على صداقاته مع أقرانه من العرب. يقول صديقي: “صارت لدي مفارقة بسبب المواصفات السيئة التي يصف بها هدايت العرب والضغينة التي يكنها لهم من جهة، وقد قارنتها مع الطيبة والشهامة التي كنت أشعر بهما فعلا لدى أصدقائي العرب في الحي”.

ويضيف: “كنت أصارع في داخلي بين تلك وهذه، لكن وفي النهاية كانت الغلبة للثانية، فلم أذعن لما قرأته من هدايت”. غير أن صديقنا وأمثاله كانوا استثناء في قاعدة، فقد أثر صادق هدايت بواسطة سرده الأدبي ولغته المؤثرة والقوية على أجيال من الأدباء والمتلقين، وشارك، على نحو فادح، في نشر ثقافة الكراهية ضد العرب.

يقول صادق هدايت في كتابه “مدفعية اللؤلؤة” أو “توب مرواري” بالفارسي:”تجاوز المدى هؤلاء العرب، قبيحو الوجه والقيافة، آكلو الضب، النتنين، لقد صبرنا على كل ما فعلوه من موبقات.. كل أمورهم مشفوعة بالوساخة والرذالة والنفعية وفقدان الذوق والبؤس والموت. لماذا يثير هندامهم الحزن فينا ويؤذينا؟ ولماذا أشعارهم مراثي، وأغنياتهم أنين؟”.

تزوير التاريخ

ويصادر صادق هدايت في كتابه “أنغام عمر الخيام” هذا الشاعر الفيلسوف لصالح أفكاره المعادية للعرب مؤكدا أن عمر الخيام في رباعياته وأشعاره التي تتحدث عن عبثية الوجود ونفي الخالق واللجوء إلى الملذات، كان يعارض العرب والدين الاسلامي بشكل خاص. ويصور هدايت هذا الشاعر المبدع البعيد كل البعد عن العنصرية، شخصية قومية فارسية معادية للعرب. فحتى لو اعتقدنا بهرطقة الخيام ورفضه الفلسفي للمعايير الدينية، لكننا لانرى أي عنصرية في رباعياته وأشعاره التي تنحو منحا تشائميا ازاء الوجود.

ساعد الأدب الفارسي المعاصر على إرساء ما يسمى بالدولة – الأمة على حساب تدمير الهوية القومية والثقافية واللغوية لأكثر من 60 في المئة من سكان إيران

الإيراني الأبيض

وتؤكد عقلية هدايت على موضوع الإيراني الأبيض، والعربي الأسود وترسمه بهذا الشكل في رواياته وقصصه ودراساته الثقافية. فهذا يؤكد مدى جهله، لأنه لم يعرف أن معظم العرب هم من البيض وحتى لو كانوا من السود – وأقلية منهم كذلك – لايحق له ككاتب إيراني أن يستخدم ذلك كذريعة لغرس الكراهية بين الإيرانيين تجاه العرب، خاصة أن بعضا من أبناء وطنه هم عرب يقيمون في جنوب إيران. ويشكل موضوع الاستعلاء القومي وتفوق العرق الأبيض على الأسود والضغينة التي يحملها هدايت إزاء العرب واليهود أيضا، النواة الصلبة لإفكاره العرقية، حيث شاهدنا مثل هذا الأدب في ألمانيا الهتلرية وجنوب إفريقيا العنصرية. ويعتقد بعض الباحثين الإيرانيين أن الشارب الصغير الذي يزين وجه هدايت يماثل شارب أدولف هتلر زعيم المانية النازية، وهذا يظهر مدى حبه لهذا الزعيم العنصري المجرم.

فها هو ابو الرواية الفارسية والوجه البارز من الوجوه الثقافية التي تمثل الحداثة الأدبية والفكرية في ايران المعاصرة. فقد كان عدمي النزعة فلسفيا، وقومي فارسي سياسيا يعشق ايران الساسانية ويمجد حضارتها ليذم ايران بعد الاسلام. وقد نرى بصماته على أجيال من الروائيين والقصصين الايرانيين بل وتغلغلت افكاره الشوفينية الى صفوف الطبقات الوسطى من المجتمع الإيراني.

نقلاً عن العرب اللندنية

شاهد أيضاً

رفيقنا المناضل مهدي ابو هيام الأحوازي

تلقينا في حزب التضامن الديمقراطي الأهوازي التغييرات الإيجابية في المكتب السياسي لحزبكم الموقر و الذي …