أمير طاهري: في وقت ما من الأسبوع القادم، سينعقد مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمناقشة آخر تقرير حول البرنامج النووي الإيراني. ولن تكون هذه المرة الأولى التي يستمع فيها مجلس المحافظين، الذي يمثل 32 دولة، إلى تقرير حول هذه القضية، إلا أنهم سينصتون هذه المرة إلى نبرة مختلفة عما اعتادوه
وسيتعين عليهم اتخاذ قرار بشأن ما إذا كان ينبغي إعلان أن الجمهورية الإسلامية، بتجاهلها لخمسة قرارات صادرة عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، في خلاف فعلي مع الأمم المتحدة. ويجري إعداد الساحة الآن لمواجهة بين طهران والأمم المتحدة. على مدار قرابة 20 عاما، بذلت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهي منظمة رقابية معنية بالطاقة النووية، قصارى جهدها لغض الطرف عن جهود طهران البطيئة الحثيثة لبناء قدرات نووية عسكرية في إطار الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
في البداية، عمد هانز بليكس، المدير السويدي للوكالة، إلى حجب الحقيقة عن أعين المحافظين بادعائه أنه رغم أن طهران ربما تكون قد انتهكت التزاماتها في ظل معاهدة حظر الانتشار النووي، فإنها لا تزال جديرة بمنحها فرصة ثانية. وتمادى خلفه المصري، محمد البرادعي، بتنصيبه نفسه رئيس فريق المدافعين عن البرنامج النووي الإيراني. حتى عندما اكتشف فريق التفتيش التابع للوكالة الدولية للطاقة الذرية أدلة على تخصيب إيران سرا لليورانيوم، الأمر الذي نفاه الملالي مرارا، أصر البرادعي على أن نوايا الجمهورية الإسلامية كانت سلمية خالصة. الواضح أن المدير الجديد للوكالة، الياباني يوكيا أمانو، ليست لديه رغبة في الاضطلاع بمثل هذا الدور القائم على التدليس، وليست لديه طموحات رئاسية. لذلك، سمح أمانو بنشر تقرير جديد يؤكد الشكوك القائمة منذ عقد حول أن البرنامج النووي الإيراني ربما لا يعدو كونه واجهة لبناء ترسانة نووية.
من المقرر مناقشة التقرير خلال اجتماع لمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا في الفترة بين 1 و5 مارس (آذار). ومن المحتمل أن تسفر المناقشات عن تحويل الجمهورية الإسلامية إلى مجلس الأمن.
الملاحظ أن التقرير الأخير يكسر عددا من «التابوهات» التي أقرها كل من بليكس والبرادعي. ويستخدم التقرير كلمات وعبارات محظورة مثل «صواريخ» و«الحمولة» و«الأغراض العسكرية». ويضع التقرير القضية برمتها في إطار عمل جديد من خلال طرح أربع نقاط جوهرية:
1- أن إيران لم تتعاون على وجه كامل قط مع مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وأن مستوى التعاون خلال الشهور الأخيرة ازداد انحسارا.
2- ربما تملك إيران برنامجا نوويا مناظرا سريا منذ فترة.
3- هناك قلق حيال نشاطات لم يكشف عنها، فيما مضى أو في الحاضر، داخل إيران على صلة بتطوير الحمولة النووية للصواريخ.
4- إيران في حالة انتهاك لالتزاماتها في ظل معاهدة حظر الانتشار النووي وقرارات خمسة صادرة بشأنها عن مجلس الأمن. جدير بالذكر أن الرحلة النووية الإيرانية بدأت عام 1956 بالبدء في مشروع تحت مظلة برنامج «الذرة من أجل السلام» الذي أقره الرئيس دوايت أيزنهاور. وأرسلت أول مجموعة من الطلاب الإيرانيين الذين يدرسون الفيزياء النووية إلى الولايات المتحدة عام 1958. عام 1967، بدأ عمل أول مفاعل نووي في إيران في أمير آباد، وكان هدية من الولايات المتحدة. وكانت أمير آباد حينها إحدى ضواحي أطراف طهران، لكنها باتت جزءا من المدينة ذاتها.
بحلول عام 1970، أنشأت إيران «وكالة الطاقة الذرية» بهدف تولي الإشراف على بناء 20 منشأة لإنتاج الطاقة النووية في غضون عقد، لكن كان الهدف الواضح إتقان التقنية النووية برمتها، بما في ذلك القدرة على صنع رؤوس حربية. وبالفعل، جرى توقيع عقود لبناء منشآت الطاقة مع فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة.
إلا أنه بحلول وقت سقوط نظام الشاه عام 1979، لم يكن العمل جاريا داخل إيران سوى على بناء منشأة نووية واحدة، تولت تصميمها شركة ألمانية. وبعد أربع سنوات، دمرت طائرات فرنسية طراز «سوبر استاندرد»، كان قد جرى إقراضها إلى صدام حسين أثناء الحرب الإيرانية – العراقية، المنشأة غير المكتملة.
من جانبه، ادعى حاكم إيران الجديد، آية الله روح الله الخوميني، أن المشروع النووي للشاه لم يكن سوى مخطط «صهيوني – صليبي» وليس له مكان في الجمهورية الإسلامية الجديدة.
الآن، يدعي الجنرال المتقاعد محسن رضاي، القائد السابق للحرس الثوري الإسلامي، أن الخوميني بدل رأيه قبيل وفاته وأصدر أوامره باستئناف مشروع الشاه.
عام 1989، بعد أسابيع قلائل من وفاة الخوميني، أحيا خليفته، «المرشد الأعلى» علي خامنئي، «وكالة الطاقة الذرية» وأوكل إليها مهمة كبرى تتمثل في «إتقان جميع إمكانات هذه التقنية».
عام 1993، أقرت الجمهورية الإسلامية ما أطلق عليه «عقيدة دفاعية جديدة» بتوجيه من الرئيس آنذاك علي أكبر هاشمي رافسنجاني.
ونصت «العقيدة» الجديدة على تطوير قوة مشاة ضخمة وترسانة كبرى من الصواريخ وقدرة نووية.
على مدار العقدين الماضيين، تمكنت الجمهورية الإسلامية من تطوير عدة أجيال من الصواريخ بمساعدة روسيا والصين والهند وباكستان والبرازيل والنمسا وسويسرا، وقبل الجميع، كوريا الشمالية. عام 1994، أبرمت الجمهورية الإسلامية اتفاقا للتعاون الدفاعي مع كوريا الشمالية ينص، من بين أمور أخرى، على إقامة مشروع طموح لإنتاج الصواريخ.
اليوم، من المعتقد أن صواريخ «شهاب 1» و«شهاب 2»، قصيرة ومتوسطة المدى، التي بنتها الجمهورية الإسلامية من بين الأسلحة الأكثر فاعلية على مستوى المنطقة بأسرها. كما طورت طهران الجيل الأول من صواريخ «زلزال» و«سجيل» القادرة على حمل رؤوس نووية لاستخدامها ضد «نقاط تمركز قوات العدو». ويعتقد معظم الخبراء أن طهران تمتلك الآن صناعة محلية متكاملة قادرة على إنتاج أي شيء بداية من صواريخ «كاتيوشا» قصيرة المدى، التي قدمتها طهران إلى «حزب الله» اللبناني و«حماس» في غزة، وصولا إلى «شهاب 3» و«شهاب 4» القادرين على إصابة معظم الأهداف بمنطقة الشرق الأوسط وأوروبا. ونظرا لأن هذه الصواريخ لا تزود سوى بحمولات ضئيلة، فإنه لن يكون هناك طائل من وراء استخدامها كأسلحة تقليدية. على سبيل المثال، إصابة هدف في إيطاليا باستخدام 75 كيلو غراما من مواد متفجرة تقليدية لا يمكنه إلحاق سوى القليل من الدمار. إلا أن النتيجة ستكون مغايرة تماما إذا كانت هذه الحمولة نووية، وهذا هو السبب أن العماد الثاني للعقيدة الدفاعية الجديدة يصبح منطقيا فقط حال توافر العماد الثالث. ويتمثل العماد الثالث في المشروع النووي، الذي خضع للسيطرة المباشرة من قبل الحرس الثوري في التسعينات. وتمثل الهدف المبدئي في الشروع مباشرة في بناء قنبلة نووية.
الآن، يدعي الرئيس محمود أحمدي نجاد أن البنية التحتية اللازمة قائمة بالفعل. وتتمثل الخطوة التالية في تعلم كيفية تخصيب اليورانيوم بدرجة تصل إلى 90 درجة، وهو المستوى اللازم لصنع رأس حربي. ورغم وعودها المتكررة للأمم المتحدة، لا تزال الجمهورية الإسلامية مستمرة في برنامج تخصيب اليورانيوم. العام الماضي، عملت على تخصيب اليورانيوم بدرجة بلغت 3.5%. واليوم، تخصبه بدرجة تصل إلى 20%.
من جهته، يدعي رئيس «وكالة الطاقة الذرية» الإيرانية، علي أكبر صالحي، الذي تخرج في «معهد ماساتشوسيتس للتقنية»، أن تخصيب اليورانيوم لنسبة 80% «سيصبح في متناولنا في غضون شهور قلائل». ورغم استمرار صعوبات فنية، ربما تتمكن الجمهورية الإسلامية من إنتاج قدر كاف من اليورانيوم المخصب من منشأتها في ناتانز لبناء قرابة 12 قنبلة نووية في غضون الفترة ما بين 18 و24 شهرا القادمة. كما أنها تعكف على بناء منشأة نووية في أراك لصنع رؤوس حربية باستخدام البلوتونيوم.
ويدرك أي شخص مطلع على فكر القيادات الإيرانية الحالية أن الجمهورية الإسلامية لن تتخلى عن طموحاتها النووية تحت وطأة ضغوط دبلوماسية أو بسبب سحر الرئيس أوباما الذي لا يقاوم. وسيتعين على من ينظرون إلى نظام خوميني مسلح نوويا، باتت تهيمن عليه الآن بصورة متزايدة نخبة عسكرية – أمنية، باعتباره تهديدا للسلام الإقليمي والعالم، التفكير في شيء أكثر فاعلية للتعامل مع نظام عاقد العزم على تحدي الأمم المتحدة.
امير طاهري – جريدة الشرق الاوسط