18/05/2024

رغم التطور الحضاري المذهل الذي غير وجه الحياة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلي الأفضل في صورة إنجازات جبارة علي المستوي الصناعي والزراعي والعلمي والذي يظهر بوضوح في شكل بنية تحتية محترمة واكتفاء ذاتي من السلع الأساسية من غذاء وسلاح وصناعات ثقيلة بالتزامن مع الحصار والعقوبات الاقتصادية الغربية الجائرة، وجعل منها نموذجا يحتذي للدول النامية، ورغم ما تحاول وسائل الإعلام الإيرانية تصديره من صورة ذهنية إيجابية حول حكم الملالي من استقرار الأوضاع السياسية الداخلية، والتوافق بين نظام الحكم وفئات الشعب الإيراني علي اختلاف انتمائاتها العرقية والمذهبية، إلا أن ثمة ممارسات أمنية إيرانية تشوه الصورة وتثير علامات استفهام كبري حول مدي تطابق الصورة مع الواقع علي الأرض. فتكرار أخبار إعدامات الناشطين السياسيين المعارضين للنظام – لاسيّما بين العرب وسكان الأهواز – يدعو للشك في كل ما تبثه وسائل الإعلام المحلية حول مدي حيادها من أعراق ومذاهب بعينها وأعني العرب والسنة. وكالات الأنباء العالمية تناولت خبر إعدام الناشطين الأهوازيين هاشم شعباني وهادي راشدي بالتفصيل، وذكرت أن دائرة الاستخبارات في مدينة الأهواز استدعت أقاربهما وأبلغتهم بتنفيذ حكم الإعدام الصادر بحقهما مع تهديدهم من مغبة إثارة الشغب، وأكد لهم أنهم سيبلغونهم بمكان دفنهما في وقت لاحق، مع التحذير من عواقب عقد مراسم تأبين لهما. إلا أنه بعد ساعات من نشر خبر إعدام هادي راشدي وهاشم شعباني توافد الكثير من المواطنين العرب إلي منزل الأول لتقديم واجب العزاء، وأنشد بعضهم أناشيد وطنية بحقهما.

ما يثير الأسي أن الناشطين كانا معلمين ومن أعضاء مؤسسة “الحوار” وأنهما تعرضا للتعذيب للتوقيع علي اعترافات باتهامات ملفقة وهي محاربة الله ورسوله والعمل ضد الأمن القومي علي حد نص الحكم عليهما. العمل ضد الأمن القومي قد تتوفر شواهد وأدلة قطعية عليه، أما محاربة الله ورسوله فاتهام يصعب تصديقه فضلا عن إثباته، وهو يعني بالفعل تربص جمهورية الملالي بمن يخالفهم الرأي والمذهب، ويسقط مصداقية الدولة بمؤسساتها في أي ادعاءات تتعلق بوجود أي هامش لحرية التعبير والاعتقاد، أو المساواة بين الإيرانيين السنة والشيعة. ربما يكون للدولة الحق في الحفاظ علي أمنها القومي بالطريقة التي تراها، إلا أن انتزاع اعترافات تحت التعذيب يضعها ضمن الدول القمعية الديكتاتورية ويعيد للأذهان الممارسات البشعة والجرائم ضد الإنسانية التي كان نظام الشاه يرتكبها ضد المواطنين قبل الثورة التي قادها الإمام الخوميني، وأسفرت عن إسقاط حكم الشاه والإطاحة به. إعدام الناشطين بهذه الكثافة تصرف بالغ التطرف من جانب السلطات في طهران من شأنه القضاء علي أي جهد للآلة الإعلامية الإيرانية لتبييض وجهها حتي لدي أكثر المؤيدين لها.

عبدالخالق صبحي – الأهرام المصرية