محمد حسن فلاحية – جاء قرار سحب والطعن بمرجعية أية الله صانعي من قبل إحدى المدارس الدينية الحكومية (الحوزة الدينية) في قم ليفتح الباب على مصراعيه أمام تناقم رجال الدين في إيران وتصويب فوهات مدافعهم نحو بعضهم البعض بعدما كانت في السابق فوهات هذه المدافع موجهة نحو الأخر؛
إنّ إصدار قرار يلغي مرجعية أية الله صانعي أو يشكك فيها هو عمل سياسي إتخذته الحوزة الدينية تحت ضغط حكومة نجاد والولي الفقيه الذي طعن صانعي فيما سبق بشرعيتهما. هذه المؤسسة الدينية التي أصدرت هذا القرار الجائر يترأسها أية الله محمد يزدي رجل الدين المتطرف والعضو الحالي بمجلس خبراء القيادة والمعروف بتأييده المستميت لحكومة نجاد وتوجهاته اليمينية الحادّة ضد الحركة الاصلاحية الخضراء. وبسبب هذا التطرف نأى البعض من رجال الدين عن التدريس الديني في هذه المؤسسة أمثال أية الله جوادي أملي وأية الله شيرازي رجلd الدين اللذان يعرفان بنهجهما الإعتدالي.
تعود جذور مثل هذا القرار الى بداية الثورة الاسلامية في إيران، ولم يكن وليد هذه الساعة. فقد اتخذت مؤسسة دينية في الثمانينات قراراً يشكك بمرجعية أية الله شريعتمداري المرجع الديني المنتقد لنهج أية الله خوميني. وتخذ ذلك القرار بضغط من قبل نجل أية الله الخوميني “أحمد الخوميني” أنذاك. واليوم فإن قرار سحب المرجعية من أية الله صانعي اتخذ من قبل النظام. ولكن البعض من خبراء الشأن الديني يرى إن مثل هذا القرار يؤسس لسابقة دينية خطيرة سوف تطال القادة الايرانيين أنفسهم ليصدر ربما قرار يشكك بمرجعيتهم التي هي بالاساس موضع تشكيك. ولم يجرؤ النظام فيما سبق إصدار قرارات مشابهة ضد رجال دين ومراجع منتقدين بارزين مثل أية الله منتظري واكتفى بحرمانه السياسي. فما هي مدلولات مثل هذا التمييزبالقرارات الدينية؟ يرى البعض بأن هنالك فرقا بين منتظري وصانعي وغيره من رجال الدين لأن منتظري مرجع يتميز بكل المواصفات وهو غريم لأية الله خوميني نفسه فما بالك بقرار عزله السياسي الذي دفع النظام ضريبة له. فمرجع ديني مثل أية الله صانعي يبقى دون مستوى منتظري رغم أنه في مستوى علمي متقدم. بالاضافة الى ذلك فإن مؤشر هذا القرار يدل على تدني شعبية النظام باسره وليس تدني شعبية المرجع الذي يتعرض لمثل هذا القرار الجائر.
إنّ لأية الله صانعي مواقف ورؤى دينية عصرية وأكثر إعتدالاً من بقية المراجع حيث أنه أصدر عدد كبير من الفتاوى الدينية التي تتلائم وروح العصر. وهذا ما جعله يتعرض للضغط من قبل السلطات التي يقودها الفكر التقليدي. فعلى سبيل المثال، أصدر فتوىً تؤكد مساواة الرجل والمرأة في بعض القضايا. وأكد أن سن بلوغ الرشد للمرأة هو سن الثالثة عشرة وليس التسعة أعوام كما يعتقد رجال دين أخرون وكما كان متبعا في السابق لتزويج البنات على أساس هذا السن. وكذلك يعتبر صانعي في عدد من وجهات نظره الدينية بأن إبن التبنّي هو كإلابن ويمتلك نفس الشروط والمواصفات. هذا الامر جعل الاعلام المتطرف في إيران ينهال عليه بالنقد اللاذع ويوجه له إنتقادات حادة.
والسبب الثاني والاهم وراء التشكيك بمرجعيته يعود لدعمه الى الحركة الخضراء وزعيميها موسوي وكروبي. في حين أنّ أية الله صانعي كان ملازماً للزعيم الروحي السابق في إيران أية الله خوميني لعدة أعوام وكان المدعي العام في أوائل الثورة الاسلامية في إيران وبعد رحيل أية الله خوميني اعتزل الرجل السياسة. ويقول البعض أن اعتزاله حدث قبل رحيل أية الله خوميني وذلك أثناء عزل أية الله منتظري من منصب خلافة الولي الفقيه، وجاء إعتزاله كردة فعل للدفاع عن أية الله منتظري. ويرى البعض من الخبراء الدينيين أنه هذا الرجل قد حصل على مرجعيته من قبل مراجع دين بارزين فلا يحق للنظام حرمانه من المرجعية لأن المرجعية لاتمنحها السلطة كي تقوم بسحبها من المرجع وإنما أساتذة المرجع والمقلدون هم من يقدم صفة المرجعية لرجل الدين في الشيعة.
بدأ صراع صانعي مع حكومة نجاد بعد الانتخابات الرئاسية الاخيرة وذلك بشكل معلن أكثر من قبل بعدما وصف نجاد بشكل غيررغم ذلك فإن الدعم لمرجعية أية الله صانعي المعارض لولي الفقيه وحكومة نجاد تضاعفت في ألاونة الاخيرة مما دفع المؤسسة التي أصدرت القرار الاخير بعدم شرعية مرجعية صانعي للتراجع عن رايها، واعتبر اية الله يزدي تصريحاته شخصية وليست قرار عزل. وهذا ما يؤكد إرتباكاً واضحاً في المؤسسة الدينية الايرانية وتخبطاً لم يسبق له مثيل. وهذا لم يحل دون ردة الافعال العنيفة للمتطرفين الذين أخذوا بقرار هذه المؤسسة الدينية وانهالوا على مكاتب أية الله صانعي وتجمهروا أمام بيته في “قم” وأحرقوا بعض مكاتبه الدينية ورددوا شعارات غير لائقة.
نخلص الى القول بأن قرار أيات الله المتشددين أمثال أية الله محمد يزدي وأية الله مصباح يزدي (المنظّر الايديولوجي لحكومة نجاد) وأية الله مهدوي، كني المرجع الديني المتطرف والمؤيد لحكومة نجاد وولي الفقيه، بتوجيه مدافعهم نحو أيات الله معتدلين وإصلاحيين في إيران أمثال أية الله صانعي وأية الله بيات زنجاني وأية الله دستغيب- الذي قامت السلطات في وقت متأخر من هذا الاسبوع بإغلاق مسجده بشيراز (جامع قبا)، وهذا قرار لم تشهد له ايران مثيلا منذ الاحتلال المغولي- تأتي هذه الخطوات تواصلاً لضغوط سابقة كانت قد مورست ضد مراجع كبارأمثال أية الله شريعتمداري واية الله منتظري لكنها لم تثمرعن شئ وأتت بنتيجة عكسية وازدادت شعبية هؤلاء بعكس ما كانت تتوقع السلطات. إن مثل هذه القرارات لهي قرارات سياسية بحتة لا تمت للمذهب الشيعي بصلة .
إنّ هذه المدافع التي تستخدم طلقات نارية حكومية للإنقضاض على مراجع دين وايات الله معارضين لنهج ولي الفقيه وحكومة نجاد مستخدمة ميليشيا الباسيج للوصول الى هذا الغرض ستبقي على الازمة في إيران الى أمد غير مسمّى. إن تأطير الحركة الاصلاحية بأطر إيديولوجية تستخدم المرجعية الدينية للوصول الى أهدافها وتطلّعاتها ومواصلة نشاطها لهو تكرار لما حدث في إيران قبل أكثر من ثلاثة عقود حيث إستغلّت الحركة الاحتجاجية للشعب الايراني أنذاك بمختلف تياراتها اليسارية والعلمانية والدينية المرجعية للإنقضاض على الحكم الملكي في إيران. وبغض النظر عمّا ألت اليه الامور بعد الثورة، فإن معركة اليوم تختلف كثيراً عن معركة الامس لأن المدافع المستخدمة في معركة اليوم هي مدافع أيات الله ضد مدافع أيات الله الحكومية. وهذا ما سيؤطّر الحركة الخضراء ويكون لها دافعاً لمواصلة الجهود لدمقرطة إيران الذي تطمح الشعوب الايرانية اليه لتأسيس مجتمع مدني يتمتع بحرية التعبيرعن الرأي وحرية التجمهر وحرية الاعلام والصحافة والتعددية الحزبية والحركيّة وحرية الانتخابات دون قيود وحرية تقرير المصير وبناء دستور يحترم جميع شرائح المجتمع دون تمييز.
falahiya25@yahoo.com
محمد حسن فلاحية صحفي إيراني ومعتقل سياسي سابق أطلق سراحه قبل حوالي الشهرين