لندن – – يرى الكاتب العربي الايراني يوسف عزيزي ان الحكومة الايرانية الحالية في ايران اصبحت الان “زمرة منعزلة عن الجماهير الايرانية الواسعة”. وقال ان الحركة الطلابية المكونة من طلبة الجامعات تغذي الاحتجاجات ضد النظام وتتمتع بدعم شعبي واسع النطاق. وقال عزيزي في حوار اجرته معه ان النظام سيضطر امام تصاعد الاحتجات الى اجراء اصلاحات عميقة او ارتكاب مجازر، وهذا ما ما لا يستطيع التورط فيه. وهنا نص الحوار:
* شهدت طهران وسائر المدن الايرانية الكبرى تظاهرات للطلبة احتجاجا على اعمال القمع وما وصف بالتزوير في نتائج الانتخابات الرئاسية. كيف تقم اهمية تلك المظاهرات وهل ترى انها تكثف الاستقطاب بين الاصلاحيين والمحافظين؟
– التظاهرات عمت معظم جامعات العاصمة طهران من حكومية واهلية وكذلك جامعات معظم المدن – وليس الكبرى فقط – من اصفهان وكردستان وشيراز والاهواز الى قزوين ويزد وجيلان..الخ.
في كل عام وفي ذكرى اغتيال 3 طلاب في 7 كانون ااول (ديسمبر) من عام 1953 اثر تظاهرات طلابية ضد زيارة الرئيس الاميركي السابق ريتشارد نيكسون الى ايران يحتفى الطلبة الايرانيون بذكرى تلك الحادثة بتنظيم تظاهرات معادية للولايات المتحدة الاميركية. غير ان ما يميز تظاهرات هذا العام هو اولاً، انها كانت اعظم واكبر تظاهرات في تاريخ هذا اليوم، اذ لم يشارك فيها الطلبة الناشطون من الاصلاحيين والمعارضة فحسب، بل شاركت فيها ايضاً الجماهير الطلابية العادية التي توصف عادة بانها غيرسياسية.
وثانياً، ساد شعار “الموت للدكتاتور” بدل شعار “الموت لأميركا”؛ والسبب هو الوضع السياسي المتأزم في ايران خلال الاشهر الستة الماضية اثر ما تعتبره المعارضة الايرانية تزوير نتائج الانتخابات الرئاسية لصالح محمود احمدي نجاد.
لاشك ان هذه التظاهرات الطالبية التي اتسمت بدعم شعبي في بعض المدن، وخاصة في طهران، ستمنح الحركة الاحتجاجية المندلعة منذ اكثر من 6 اشهر اندفاعا قويا يمتن من عودها.
وقد اشار رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام اكبر هاشمي رفسنجاني بعد هذه التظاهرات الحاشدة في الجامعات الايرانية الى ان معارضة نحو 3 ملايين طالب هم من مثقفي البلاد لها معانيها ويجب على الحكومة ان تأخذها في الاعتبار.
ومنحت هذه التظاهرات اندفاعا جديدا وقويا للحركة الاحتجاجية من اجل الاستمرارية واثارت القلق لدى المسؤولين الامنيين في البلاد، اذ هدد المدعي العام محسني ايجئي بان قوات الامن لن تتهاون بعد الان مع المعارضة. لكن هذه التهديدات لن تؤثر كثيرا بسبب كثرة تكرارها خلال الاشهر الستة المنصرمة على لسان عدد من المسؤولين الحكوميين.
وستوسع تظاهرات بهذا الحجم الهوة بين الجماهير الطلابية والمعارضة والاصلاحيين من جهة، والمتشددين الذين يهيمنون على الحكم في ايران من جهة اخرى.
انني اؤكد هنا على “المتشددين” وليس “المحافظين” لان المتشددين المحيطين باحمدي نجاد ومرشد الثورة الايرانية – ومعظمهم من الحرس الثوري – ابعدوا عن صفوفهم حتى المحافظين المعتدلين وهذا ما نشاهده في مواقف الغالبية المحافظة في البرلمان المستاءة من اداء حكومة احمدي نجاد المتطرفة.
يمكنني القول ان الحكومة اصبحت الان زمرة منعزلة عن الجماهير الايرانية الواسعة وهي برأيي لم تتمتع الا بدعم نحو 10 – 20 في المئة من الايرانيين اي ان نحو 80 في المئة منهم اما معارضون لحكومة احمدي نجاد واما محايدون.
* ما هي الاسباب التي ادت الى احراق صور مؤسس الجمهورية الاسلامية اية الله الخميني الى جانب صور خامنئي واحمدي نجاد؟
– هناك تفسيران لهذا الامر: الاول هو قيام عناصر راديكالية بهذا العمل كتلك التي تطالب باسقاط النظام باكمله كمنظمة مجاهدي خلق، والثاني قيام عناصر مدسوسة من قوى الامن بذلك لتشويه صورة المعارضة والاصلاحيين بشكل خاص لتقول انهم يعادون اية الله الخميني والثورة ايضا ويريدون اسقاط النظام الحالي.
وقد اشار مهدي كروبي احد زعماء المعارضة الاصلاحية الى هذا الامر اذ عزا بث منظر احراق هذه الصور من التلفزيون الحكومي وفي عدة نشرات اخبارية الى خطة المتشددين المهيمنين علىذلك الان مثل هذا الامر يسهل على المتشددين قمع حركة المعارضة بسهولة. فحيث لم ار اي اثر لمتظاهرين وانما رأيت شخصاً واحداً منعزلاً يشعل الصور.
* طالما لعبت الحركة الطالبية دورا سياسيا سواء في عهد الشاه أم عشية قيام الثورة الايرانية وما بعدها. هل تتوقع استمرار دورها، وهل هي منقسمة بين المعسكرين المتصارعين وما هي تياراتها الرئيسية؟
– نهضت الحركة الطالبية في ايران منذ تأسيس جامعة طهران في الثلاثينات من القرن المنصرم. وقد لعبت دورا مهما في معارضتها لحكم الشاه الاستبدادي وبرز من بينهم قادة المعارضة لحكم الشاه. وقد كان هذا الدور اساسيا في دفع الجماهير الايرانية الى صفوف التظاهرات المليونية التي سبقت سقوط الشاه في العام 1979. كما انها لعبت دورا حاسما في انتخاب الرئيس السابق محمد خاتمي ووصول الحركة الاصلاحية الى السلطة.
ويشبه بعض المحللين ما يقوم به الطلبة اليوم في ايران بما قام به آبائهم في عهد الشاه وفي العامين السابقين للثورة الاسلامية.
فالحديث عن انقسام في الحركة الطلابية بين المعسكرين كلام غير صحيح تروج له الحكومة الحالية التي لا تحظى بشعبية وانما هي متهمة بالتزوير والكذب وارتكاب الجرائم ضد المعتقلين كالتعذيب والاغتصاب في السجون وماشابه ذلك من امور. كل ما في الامر هو ان جيوباً طلابية صغيرة جدا تتنقل من جامعة لجامعة وهي تنتمي الى قوات الباسيج التابعة لقوات الحرس الثوري ولاغير.
اكثرية الجماهير الطلابية تعارض هذه الحكومة المتشددة بما فيهم الطلبة المؤيدون للمحافظين المعتدلين حيث نشاهد طالبات محجبات مرتديات العباءة الايرانية (الشادور) بين المتظاهرين المحتجين.
وإما الحركة الخضراء المعارضة فتضم اطيافاً مختلفة، وبالطبع معظمهم ينتمون للمعسكر الاصلاحي وبعضهم ينتمي للمجموعات اليسارية وكذلك الليبرالية والقومية الفارسية والقوميات غيرالفارسية والقوى العلمانية. اي ان الحركة الخضراء بما فيها الحركة الطالبية المعارضة ليست في الواقع مجرد خضراء بل هي قوس قزح ملون.
* تهجم وزير الاستخبارات حجة الاسلام حيدر مصلحي في الاونة الاخيرة على رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني، ماهي خلفية ذلك الهجوم؟
– يعود هذا التهجم الى العداء بين حكومة الرئيس احمدي نجاد بما فيها وزير الاستخبارات حيدر مصلحي والرئيس السابق ورئيس مجلس الخبراء ورئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام اكبر هاشمي رفسنجاني وهذه العداوة معروفة للجميع اذ ان رفسنجاني المعروف باتجاهاته البراغماتية والمعتدلة ينتقد دوما سياسات احمدي نجاد الداخلية والخارجية.
لكن ما اثار حفيظة وزير الاستخبارات هو ما صرح به رفسنجاني قبل ايام في مدينة مشهد (شمال شرق) عندما قال بالحرف الواحد: ان على رجال الدين المهيمنين على السلطة في ايران بما فيهم ولي الفقيه -اي مرشد الثورة اية الله خامنئي– ان يتنحوا عن السلطة اذا لم يردهم الشعب.
وقد اشار مصلحي الى ما وصفه بموضوع مطاردة مهدي هاشمي رفسنجاني نجل اكبر هاشمي رفسنجاني ليذكر الاخيرمهددا بان ابناءه ايضا ليسوا محصنين من مطاردة قوات الامن.
*هل تتوقع ان يدوم الموقف المستعصي بين الاصلاحيين والمحافظين لمدة طويلة أم ترى انه سيحسم قريبا ولمصلحة من؟
– انني اكرر ان الصراع في ايران ليس بين الاصلاحيين والمحافظين وارى في هذا التصنيف تبسيطا للامور. اولا في معسكر المعارضة علاوة على الاصلاحيين وهم الفصيل الرئيسي في هذا المعسكر، هناك مجموعات علمانية وليبرالية ويسارية تطالب بالتغيير. كما لم يقف كل المحافظين ضد الاصلاحيين في الصراع السياسي المحتدم حاليا في البلاد. بل ووفق قراءتي للوضع الايراني هناك جماهير واسعة تشكل نحو 50 – 60 في المئة من الشعب الايراني تعارض حكومة احمدي نجاد التي اصبحت بدورها منعزلة من المحافظين ومحاطة بفئات متشددة لم تشكل الا نحو 10 – 20 في المئة من الايرانيين.
لاشك ان المؤسسة السياسية في ايران اذا ارادت ان تستمر في حياتها السياسة يجب ان تقوم باصلاحات جذرية بعد كل ما جرى في ايران من احداث وتحولات سياسية خلال الاشهر الستة التي اعقبت الانتخابات الرئاسية في ايران. واذا لم تقم السلطة الايرانية بمثل هذه الاصلاحات الجذرية فيمكن ان تواجه تهديدين توأمين: اولهما خارجي، اي فرض عقوبات اقتصادية قاسية بل وهجوم عسكري محتمل، وثانيهما داخلي اي ان تأخذ حركة المعارضة منحى راديكاليا يطالب باسقاط ليس احمدي نجاد فحسب بل خامنئي ايضا. وهذا ما نرى علائمه من خلال التظاهرات التي تمت في يوم القدس ويوم الطلبة. اي ان المتظاهرين بدأوا بشعار “الغاء الانتخابات” ووصلوا – او بعضهم وصل – الى شعار “الموت لخامنئي”. وهذا يبين ان الحركة اذا لم تلب مطالبها في مرحلة ما يمكن ان تتعمق وتصبح اكثر راديكالية. ويعتقد الاصلاحيون ان مثل هذه الشعارات يمكن ان تضر بالحركة وتشجع المتشددين للقيام بقمعها بشدة اكثر.
لكن وفي كل الاحوال لا ارى ان من الممكن بعد كل هذا النفس الطويل الذي ابدته المعارضة والجماهير الطلابية والطبقات الوسطى الداعمة لها انها ستكف عن مطالبها كما اثبتت الشهور الست الماضية. وهذا يعني ان المتشددين عليهم ان يرتكبوا مذابح كبيرة، وهذا ما استبعده في الوضع الراهن.
نقلا عن موقع القدس الفلسطيني