الشعب الاهوازي … بين تسييس المذهب الشيعي و الدعوة الى اعتناق المذهب السني. في منتصف التسعينيات من القرن الماضي دعا بعض الناشطين القوميين الأهوازيين إلى ضرورة تغيير المذهب الشيعي وتسنن عرب الأهواز. كان هؤلاء يرون بأن التخلص من الهيمنة الفارسية وتحرير إقليم الأهواز لا يتم إلا بتغيير المذهب الشيعي أو إضعافه. وكانوا يفسرّون مشروعهم بعدة سباب
: كانوا يعتقدون بأن الإسلام والعروبة جزءان غير منفصلين ومكونان أساسيان للهوية العربية. ويعتبرون التشيّع هو عبارة عن القراءة والنسخة الفارسية من الدين الإسلامي التي تفتقد إلى العروبة،بل أن التشيّع إنما صنيعة شعوبية مجوسية ومشروع قومي فارسي وعنصري.فإذا ما اتجه الشعب الأهوازي نحو إعتناق المذهب السني وطرد العنصر الشعوبي/ الصفوي(التشيّع) سيُحلْ التناقض الموجود بين الإسلام والعروبة لدى عرب الأهواز وبالتالي يجد الإنسان الأهوازي هويته القومية العربية. 2ـ يقولون بأن حلقة الوصل الوحيدة بين عرب الأهواز وسائر شعوب جغرافية إيران هو المذهب الشيعي وعلى هذا الأساس فكل عامل يقطع أو يضعِفْ همزة الوصل هذه،فمن شأنه أن يطرد العناصر الإيرانية الدخيلة ويسرّع في عملية التحرير. 3ـ وكذلك فإن مكافحة هذا المذهب المزوّر ـ حسب زعمهم ـ يجب أن يبدأ بمكافحة رجال الدين الشيعة ومراجع التقليد على كل الصعد،لأن لهؤلاء انتماءات شوفينية فارسية/صفوية فبقائهم مرهون ببقاء النظام ومؤسساته الطائفية،لذلك فهم عبارة عن أبواق النظام لتوجيه سياساته الاستبدادية وهم أدوات الدعاية لمشروعية النظام. 4ـ مذهب التشيّع ـ حسب ادعائهم ـ فرقةٌ سياسية تأسست على أساس عداء العرب وثقافتهم،وأن الخطاب الشيعي مملوءٌ بالأفكار والمفاهيم والعبارات المعادية للعرب وحضارتهم وفيه الكثير من التمجيد لكل ما هو فارسي. 5ـ يقولون إن رجال الدين الشيعة أشبعوا المذهب الشيعي بأبشع أنواع الخرافة والبدع حيث سيطروا بذلك على عقول وقلوب الناس وعملوا على نهب أموالهم وأملاكهم،فعلى سبيل المثال يلجأ رجال الدين هؤلاء الى إستخدام “الخمس” و”حق الإمام” بهدف سلب أملاك وأموال البسطاء من الناس،وهم كثرة بطبيعة الحال،من جهة.وأن الدور التخديري لهذا المذهب يساعد الحكام المستبدين بشكل كبير على بسط سطوتهم ونفوذهم بين الناس دون مقاومة تذكر،من جهة أخرى. 6ـ يعتقدون بأن المذهب الشيعي ظاهرة جديدة على الشعب العربي الأهوازي وتاريخ التشيع في المنطقة يقتصر على فترة قصيرة معاصرة. 7ـ ومن الناحية السياسية يرون بأن دول الخليج ((السنية)) لا تقبل بظهور دولة شيعية مجاورة لهم،تحتوي على 15% من احتياطي النفط في العالم والثروات الطبيعية الهائلة كالغاز والماء والمحاصيل الزراعية،وبما أن الإقليم يقع في منطقة إستراتيجية جغرافياً في شمال الخليج وشعبه يعتنق المذهب الشيعي فإن الدول الخليجية السنية ستعرقل مشروع الاستقلال. 8ـ كما أنهم يرون بأنّ الخطاب القومي العربي بكل قراءاته:القومي الاجتماعي السوري،البعثي،الناصري،… بأنه سني التوجه والمضمون،فمن أجل كسب دعم الدول القومية العربية يجب أن نتجه نحو التسنن. ثمّ أن المساعدات المادية والمعنوية للشعوب العربية في جميع أنحاء العالم تـُجمع من خلال الجماعات السنية وبشكل خاص السلفية ومن أجل كسب الرأي العام العربي وكسب دعم تلك الجماعات يتوجب على الناشطين السياسيين الأهوازيين أن يبينوا بأنهم يعملون على ترسيخ المذهب السني في أوساط الشعب العربي الأهوازي. موقف القوى الديمقراطية والعلمانية في الأهواز : دارت نقاشات كثيرة وواسعة بين مختلف الأوساط السياسية والفكرية سواء داخل حزب الوفاق أو خارجه حول هذه القضية الهامة والمصيرية،وكان رد فعل القوى الديمقراطية والعلمانية يتلخص على النحو التالي : 1ـ إن شعبنا العربي الأهوازي أول من عانى ويعاني من تسييس الدين واستخدام المذهب لأغراض سياسية،حيث خدع في بداية الثورة بالشعارات الدينية البراقة التي رفعها نظام الجمهوريةالإسلامية كالعدالة والمساواة والتي لم يحصدوا منها سوى التمييز والاضطهاد والقمع.كما أن التوجه نحو مذهب التسنن أعطى الحجة للسلطة لقمع الكثير من الناشطين بحجة محاربة الوهابية وقد خلقت الحركة ردة فعل شعبي كبير لدى شرائح الشعب المختلفة واستغلت السلطة ردود الأفعال تلك،وعملت على تبرير سياساتها بغطاء ديني ومحبة آل البيت والشعارات الشيعية التي تحرك مشاعر الجماهير. وبذلك أصبح كل من ينادي “بالإصلاح الديني” يُتهم بالوهابية ويحارب رسميا وشعبيا. 2ـ لا نكران بأن المذهب الشيعي تعرض إلى التسييس ولكن المذهب الشيعي في أساسه ليس صنيعة شعوبية كما تثبت ذلك المعطيات التاريخية،بل أنه يعتبر مذهب فكري اجتهادي في الإسلام،نشأ عن الاختلاف والاجتهادات الفكرية والدينية وتمخض عنه فرق وطوائف كثيرة،سواءٌ من خلال المعتقدات المذهبية أو من خلال تسييس المذهب. 3ـ إن القوى الديمقراطية والعلمانية في الأهواز تطالب بفصل الدين عن السياسة ويحذرون من استخدام الدين كأداة ووسيلة للوصول الى المشاريع السياسية،الأمر الذي سيترتب عليه الضرر بالدين وبمفاهيمه المترسخة في المجتمع كما سيؤدي الى المس بمصداقيته والشك بالأخذ بتعاليمه في عيون وعقول الشباب…. 4ـ إن الدين أو المذهب عنصر من عناصر الهوية وبتغيير المذهب لا تتغير هوية الشعب بكاملها،كما أن التسنن وحده لا يعني العروبة فإن التشيع لا يعني الفارسية(الأعجمية) والذين يريدون تغيير المذهب لا يجب أن يدخلوا من باب السياسة بل يجب عليهم أن يعملوا في إطار الوعي الثقافي والديني وخارج مجال السياسة. 5ـ تبني الخطاب السلفي،يدخلنا في متاهات الصراع الشيعي ـ السني الطائفي العقيم و يبعدنا عن جوهر الصراع وهو سياسي بحت. 6ـ إن قضية ثقافية اجتماعية كالخرافة،مرتبطة ببنى المجتمع الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والمعيشية،فالخرافة مسألة معقدة وشائكة وسببها ليس المذهب الشيعي وما يحمل في طياته من طقوس وشعائر فقط،بل هناك أسباب ثقافية واجتماعية واقتصادية ومعتقدات بدائية تساعد على ترسيخ الخرافة وتوسيعها،وعلى ذلك فإننا لا نستطيع إزالتها بتغيير المذهب بل بالتوعية الثقافية والاجتماعية،ناهيك عن ضرورة السعي الى تغيير الظروف السياسية والمعيشية والاقتصادية. 7ـ العروبة جزء من هويتنا ووجود المذهب الشيعي لا يلغي هويتنا العربية،فالهوية الإنسانية متعددة الأبعاد وكلما كانت الهوية منفتحة كلما اغتنت من الهويات الأخرى وبالعكس،كلما انغلقت على ذاتها كلما اصطدمت مع ذات الآخر. 8ـ التشيع ليس الصلة الوحيدة التي تربطنا بالشعوب الإيرانية بل هناك وحدة المصير والمصالح المشتركة مع سائر الشعوب في إيران. 9ـ التاريخ الأهوازي حافل بالمآثر والتراث والعناصر التاريخية الشيعية ومن أهم الحقب التاريخية للشعب الأهوازي ظهور دولة المشعشعيين العربية الشيعية الذين أسسوا أول كيان مستقل وعربي على أرض الأهواز. 10ـ إن كسب تعاطف ودعم الرأي العام العربي لا يتم عن طريق الجماعات السلفية التي تنشر الإرهاب والعنف ولا عن طريق الأنظمة الدكتاتورية المستبدة،بل أنها تتم عن طرق مخاطبة الشريحة الواعية والمثقفة من أبناء الشعوب العربية والإسلامية التي تلتقي معنا في نشر قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان ومكافحة الظلم والاستبداد والقمع. ثم أننا يجب أن نعمل على كسب الرأي العام الدولي من خلال إبراز و((إستثمار)) قضيتنا بأننا رغم اشتراكنا مع الإيرانيين بالتشيع فان النظام يمارس الاضطهاد ضدنا لأننا عرب وهذا يشكل دليلا قاطعا لأحقية مطالبنا المشروعة. 11ـ أما ما يجعل عملية التسنن بعيدة عن المنطق والعقل هو إن الدعوة إلى التسنن يحدث شرخا وانقساما كبيرا بين فئات الشعب الواحد،(خاصة بين مثقفيه من جهة وسائر شرائحه)ويؤدي إلى ردات فعل راديكالية وعمياء إضافة إلى أن شعبنا يعاني من انقسامات قبليّة وعشائرية ومناطقية كثيرة وهذا الأمر سيزيد التفتيت والتمزق الحاصل في مجتمعنا العربي أصلا..