وعند المراجعة لظاهرة الهجرة العربية من إقليم عربستان ( الأهواز ) جنوبي ايران و دراسة أسبابها و دوافعها نجد أن العنصر العربي في هذا الإقليم و بعد أربعة موجات من الهجرة أصبح أمام قرارخطير لا يأخذه بنفسه فقط و إنما يختار له أن يكون أو أن لا يكون.
تسببت السياسات الجائرة للحكومات الإيرانية المتتالية تجاه الشعب العربي في عربستان بإلحاق الكثير من الدمار و الأضرار في شتى المجالات السياسية و الاجتماعية والثقافية و الاقتصادية والتاريخية والبيئية و في جنوب هذا الاقليم ( الساحل الشرقي للخليج والجزر التابعة له) انقلبت التركيبة السكانية لصالح العنصرالفارسي حيث وصلت النسبة إلى مستويات خطيرة للغاية و أصبح العرب في هذا الجزء أقلية في أوطانهم بعد ما كانت لهم السيادة لمئات السنين هناك.
وبالقضاء على آخر إمارة في الساحل الشرقي للخليج عام 1925م وسلب السيادة العربية من العرب هيئت الحكومات الإيرانية المتتالية الأجواء الملائمة لتمرير مشروع عنصري خطط له المنظرين الفرس في الربع الأخير من القرن التاسع عشر و الذي يهدف إلى طرد العرب من الساحل الشرقي و الجزر و الأهواز وطمس المعالم التي تدل على وجودهم في هذه الأرض العربية حتى تتغيّر التركيبة السكانية لصالح العنصر الفارسي في المرحلة الأولى من تنفيذ هذا المشروع ليكتمل عند السيطرة على حوض الخليج بالكامل في المرحلة الثانية.
وتنقسم ظاهرة الهجرة العربية التي شهدتها قرى و مدن و موانئ عربستان طيلة الثمانية عقود الماضية إلى أربعة موجات من الهجرة و تكون على النحو التالي:
موجة الهجرة الأولى
بدأت الموجة الأولى لهجرة العنصر العربي من الجزر والساحل الشرقي للخليج في الثلاثينيات من القرن الماضي بعد ما قرر العديد من زعماء القبائل العربية آنذاك أن يضحوا بالأرض بدلا من العرض حيث هاجرت الكثير من الاسر العربية من مواطنها الأصلية بعد صدور القانون الجائر الذي أصدره رضا خان البهلوي ( والد الشاه السابق ) والمعروف بقانون كشف الحجاب فتوجهت هذه الاسر العربية إلى الساحل الغربي من الخليج حفاظا على شرفهم و كرامتهم و استقرت هناك حتى أصبح أفرادها من المواطنين لدول الساحل الغربي فيما بعد.
و في شمال عربستان و في منطقة بني طرف تحديدا أبعدت القوات الحكومية الآلاف من أفراد قبيلة بني طرف و العشائر التابعة لهما من منطقة البسيتين على الحدود العراقية إلى العاصمة طهران وشمالها بعد ما ثارت هذه القبيلة ضد الممارسات الإجرامية لقوى القزاق التابعة لرضا خان البهلوي عام 1936م وكانت قوافل المبعدين من هذه القبيلة الطائية تضم نساء و رجالا وشيوخا وأطفالا اجبروا على السير مشيا على الأقدام تحت ضرب السياط في طرق جبلية وعرة تزيد مسافتها ألف كيلومترا حيث قضى الكثير منهم حتفه في هذه الرحلة الشاقة، كما تمكنت الكثير من العشائر العربية من الإفلات من يد السلطات الإيرانية و التوجه إلى العراق حتى استقرت في المحافظات الجنوبية هناك.
موجة الهجرة الثانية
جاءت الموجة الثانية من الهجرة لأبناء عربستان بعد الحرب العالمية الثانية عندما دخلت دول الساحل الغربي للخليج في مرحلة تاريخية جديدة لتشهد هذه الدول المزيد من التطور والعمران والنموالاقتصادي ، فهاجر الكثير من أبناء عربستان خاصة سكان الساحل الشرقي و الجزر التابعة له و بدوافع اقتصادية إلى دول مجلس التعاون للبحث عن العمل و العيش الكريم هناك دون ان يعوا خطورة ترك ديارهم الأصلية و مصير ما تبقى من أبناء جلدتهم في الاقليم و كانت الحكومات الخليجية و من اجل تبرير تجنيس هولاء العرب و صهرهم في مجتمعاتها الحديثة كانت ومن خلال وسائلها الإعلامية تروّج لمقولة مغلوطة تعتبر أن هؤلاء العرب هم في الحقيقة مواطنون عائدون لموطنهم الأصلي بعد ما هاجروا الى الساحل الشرقي. و استمرت هذه الهجرة حتى الثورة الإيرانية عام 1978م.
موجة الهجرة الثالثة
كانت الموجة الثالثة من هجرة أبناء الشعب العربي و ترك ديارهم من اخطر موجات الهجرة التي شهدتها عربستان و أكثرها دموية حيث بدئت هذه الموجة منذ الأيام الأولى للثورة الإيرانية عام 1978م و استمرت حتى نهاية الألفية الثانية.
وتعد الظروف السياسية التي مرت بها إيران بعد الثورة والقمع المفرط الذي مارسه النظام الإيراني خاصة تلك الجريمة البشعة التي ارتكبها هذا النظام في حق أبناء الشعب العربي في المحمرة( 29 مايو 1979م )و المعروفة بـ ” الأربعاء السوداء ” من أهم أسباب هجرة العرب من ديارهم.
و اشتدت هذه الموجة بنيران الحرب حيث جاءت الحرب الإيرانية العراقية (1980-1988) لترغم الآلاف من سكان القرى والمدن الحدودية على النزوح من ديارهم خوفا من نيران المدافع و قصف الطيران الحربي لطرفي النزاع و نزحت هذه الجموع البشرية إلى الجانبين الداخل الإيراني و الداخل العراقي لتزيد مأساة جديدة لمآسي هذا الشعب وتصبح الديار خاوية من سكانها.
وعلى الصعيد البشري وصلت أعداد الضحايا العرب إلى 12000 ضحية حسب الإحصائيات الإيرانية الرسمية وتعرض العشرات من أبناء هذا الشعب لعمليات إعدام جائرة في إيران وذلك بعد اتهامهم بالطابور الخامس و التخابر لصالح النظام العراقي من جانب إيران.
و في الجانب العراقي قامت السلطات العراقية بإجبار الآلاف من الأهوازيين الهاربين من جحيم الحرب أن يلتحقوا بالجيش العراقي و أن يدخلوا ساحات الحرب حيث جرح المئات و استشهد أكثر من 150 لاجئ أهوازي في معركة واحدة و عندما انسحب باقي اللاجئين من ساحات القتال قامت السلطات الأمنية العراقية باعتقال المئات منهم في مخيم البتيرة غرب مدينة العمارة العراقية الذي كان يأوي عشرات الآلاف من اللاجئين الاهوازيين .
وبعد أيام من التحقيق و التعذيب نفذت السلطات الأمنية العراقية الإعدام في حق ثمانية عشر لاجئا من الذين رفضوا البقاء في جبهات القتال حيث طبقت عليهم قوانين العقوبات العسكرية باعتبارهم عسكريين وليس لاجئين حرب.
و اليوم و بعد مرور أكثر من ثلاثة عقود لا يزال ضحايا هذه الموجة من الهجرة القسرية يعيشون حالة الخوف و الهلع في مخيمات اللجوء خاصة اللاجئين في مخيّم الوليد على الحدود السورية-العراقية.
وتعود رحلة هؤلاء اللاجئين ومعاناتهم إلى نهاية شهر سبتمبر من عام 1980م، و بعد ما وصل الكثير منهم إلى الأراضي العراقية لم يجد معظمهم الا البقاء هناك حيث اعتبروا العراق الموطن الثاني و الآمن لهم في تلك الفترة و لكن تهب الرياح احيانا بما لا تشتهي السفن حيث الأحداث التي تلت احتلال العراق عام 2003م قضت على هذا الملاذ الآمن ولم تكون هذه الأحداث لصالح أللاجئين الاهوازيين في العراق فحسب و إنما قضت على أحلامهم و زادت من معاناتهم و وضعتهم أمام خيارين صعبين للغاية فأما أن يختاروا العودة إلى إيران و أما أن يغادروا العراق إلى مكاتب الأمم المتحدة ليتم توطينهم في اوروبا و استراليا وأميركا قبل أن تصل إليهم رشاشات المليشيات المرتبطة بإيران وفيلق القدس الإيراني.
موجة الهجرة الرابعة
تمتد الموجة الرابعة من هجرة العرب الإجبارية من عربستان من عام 2000م حتى يومنا هذا حيث فر الكثير من الناشطين السياسيين و الإعلاميين و المدافعين عن حقوق الإنسان من ديارهم بعد ما أصدرت السلطات الأمنية الإيرانية مذكرات اعتقال ضد معظمهم خاصة بعد انتفاضة نيسان لعام 2005م.
و تعرض الكثير من اللاجئين الاهوازيين للتصفية الجسدية في العراق أثناء رحلة لجوئهم ،كما اعتقل العديد منهم في كل من العراق و سوريا و قضى معظمهم عدة سنوات من الحبس والتعذيب في السجون السورية والعراقية قبل أن يتم تسليمهم إلى السلطات الأمنية الإيرانية لتقوم هي الأخرى بزجهم في السجون الإيرانية.
ما دفعني لكتابة هذه السطور هو حدة معاناة لاجئ الموجة الثالثة من هجرة أبناء الشعب العربي في عربستان و الخطر المحدق بهم في مخيم الوليد على الحدود السورية العراقية اليوم وترك غالبيتهم العراق بعد ما تعرض الكثير من رفاق دربهم لتصفيات جسدية على يد المليشيات المسلحة التابعة لفيلق القدس الإيراني في العراق بعد أن أصبحت حكومته تأتمر لأوامر الجنرال قاسم سليماني وقيادته في إيران.
فمنهم من اختار أن يخوض مغامرة صعبة و غير مأمونة العواقب و هي العودة إلى الوطن و أن يتقبل ما يمكن أن يتعرض له و ينتظره في إيران ومنهم من قرر أن يلجأ إلى مكاتب المفوضية السامية لشئون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.
وبالنسبة للذين اجبروا على العودة لإيران تعرض الكثير منهم إلى اعتقالات و تعذيب وحشي على يد المخابرات و الأجهزة الأمنية الإيرانية و لم تستثني هذه الأجهزة الأطفال الذين ولدوا ما بعد الهجرة في المخيمات العراقية.
وأصدرت المحاكم الإيرانية أحكاما جائرة على المعتقلين منهم كما تم تنفيذ أحكام الإعدام في حق العديد من الرجال و أصدرت السلطات الإيرانية أيضا أوامرها بحرمان أسرهم من الحقوق المدنية و منعوا كبارهم من تجديد وثائقهم الشخصية و لم تصدر دوائر الأحوال المدنية جنسيات وشهادات ميلاد حتى للذين ولدوا في العراق وهكذا تم حرمانهم من التمتع بالحقوق المدنية المنقوصة أصلا في إيران.
و أما القسم الثاني اختار أن يجرب اللجوء مرة أخرى فتوجه باتجاه الحدود الأردنية مع العراق و وصل معظمهم إلى مخيم طريبيل و هي منطقة صحراوية على الحدود الأردنية للعراق حيث استقرت العديد من الأسر الاهوازية في مخيم طريبيل بعد معاناة سفر ورحلة شاقة و تعرض بعضهم إلى كمائن المليشيات المسلحة التابعة لفيلق القدس الإيراني في العراق حيث تم قتلهم بدم بارد على يد أفراد هذه المليشيات المجرمة ومن هذه الأسر التي تعرضت للتصفية على سبيل المثال لا الحصر أسرة حيدر عبدالحسين الطرفي التي تمت تصفيتها يوم الأربعاء الموافق 30 دسامبر 2009م وهي في طريقها إلى مكتب المفوضية السامية لشئون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة و كانت الأسرة مكونة من خمسة أشخاص تم قتلهم جميعا و هم:
– حيدر عبدالحسين الطرفي – العمر 42 سنة – رب الأسرة
– كاظمية محمد علي – العمر 31 سنة – الزوجة
– مهدي حيدر عبدالحسين الطرفي – العمر 9 سنوات – الإبن
– أياد حيدر عبدالحسين الطرفي – العمر 7 سنوات – الإبن
– حوراء حيدر عبدالحسين الطرفي – العمر 7 سنوات – البنت.
و في عام 2009م أغلقت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في العراق التابعة للأمم المتحدة مخيم طريبيل الصحراوي و قامت هذه المفوضية بنقل اللاجئين إلى مخيم الوليد ،و نوهت المفوضية حينها وقالت أن نقل اللاجئين من مخيم طريبيل الحدودية إلى مخيم الوليد يرجع لصعوبة توصيل المساعدات الأساسية وصعوبة توفير الأمن للاجئين في ذلك المخيم.
واليوم وبعد كل هذه المعاناة التي مرت على اللاجئين الاهوازيين في مخيمات اللجوء بدءا من مخيم البتيرة في مدينة العمارة جنوب العراق مرورا بمخيم طريبيل الصحراوي على الحدود الأردنية وصولا الى مخيم الوليد على الحدود العراقية السورية جاء القرارالجائر الذي أصدرته الحكومة العراقية أخيرا و القاضي بإغلاق مخيم الوليد الذي يضم عددا كبيرا من الأسر الأهوازية ويتضمن هذا القرارعودة اللاجئين الأهوازيين إلى إيران حتى وان تطلب ذلك الأمر استخدام القوة من قبل الحكومة العراقية دون الأخذ في الاعتبار المصير الذي ينتظرهم في حين عودتهم لإيران علما ان جميع اللاجئين في مخيم الوليد على الحدود السورية العراقية هم مقبولون لدي المفوضية ولكن ينتظرون ترحيلهم إلى بلد آمن من أجل توطينهم هناك.
ما قصدته من كتابة هذه السطور هو الطلب من أشقائنا في الخليج على الصعيدين الرسمي و الشعبي خاصة أولئك الذين تعاطفوا مع قضية شعبنا العربي أخيرا أن يتبنوا قضية اللاجئين الاهوازيين في معسكر الوليد وان يقوموا بنقلهم لإحدى دول مجلس التعاون الخليجي بشكل مؤقت حتى تجد المفوضية السامية لشئون اللاجئين من يؤويهم.
وحبذا لو بادرت الحكومة البحرينية بنقلهم وتوطينهم بشكل مؤقت في خيام تبنيها داخل دوار اللؤلؤة المعروف حتى تكون هذه الأسر العربية الاهوازية الشيعية خير سند ودليل على جرائم النظام الإيراني في حق الشيعة العرب و في أوطانهم التاريخية.
نقلا عن موقع العربية.نت