النظام الإيراني وقضية اضطهاد الشعوب غير الفارسية

Ahwazs_flag

كلنا يعرف أنّ إيران تتكون من 55 الى 60 بالمائة من شعوب غير فارسية وهذه الشعوب هي :العر ب والكرد والبلوش والتركمان والأذريين . لكن النظام الرجعي المحتل في إيران يصادر أبسط الحقوق الإنسانية التي نصت عليها المواثيق الدولية لتلك الشعوب منذ أكثر من ثمانين عاماً . وضربت عرض الحائط المطالب الحقة للشعوب وقابلت مطالبهم العادلة  بقمع بربري متوحش .ومارست الانظمة الإيرانية المتتالية سياسات فاشية طيلة العقود المنصرمة سعياً منها لطمس هوية جميع الشعوب غير الفارسية حيث نلحظ يومياً جرائم جديدة يرتكبها هذا النظام ضد المطالب الجماهيرية للشعوب غير الفارسية مما دفع هذه الشعوب مواصلة نضالها القومي متحدية ألت القمع الرهيبة لهذا النظام .فلم يكن قمع السلطات الايرانية للمطالب القومية للشعوب غير الفارسية مجرد اضطهاد ثقافي وحسب وانما تجاوز هذا الأمرحدود الثقافة والفن والأدب ليصل الى تمييز سياسي واقتصادي يفرض بإحكام ضد هذه الشعوب المغلوب على أمرها .فقد عملت السلطات الايرانية على تكثيف مساعيها لزرع بؤر موالية لها بين الشعوب من خلال تقليد مناصب حساسة لإدارة شؤون الشعوب غير الفارسية مثل تنصيب أشخاص من مناطق خارج تلك الأقليم في مناصب المحافظيات والقائم مقاميات ورؤساء الدوائر الحكومية لتصب في إطار السياسة الشوفينية .فلا يمكننا حصر التمييز من خلال هذا المقال لكن يمكننا قراءة هذه الخطوات عبر معرفة الاهداف التي تقف وراءها حيث يمكن تلخيص ما يقوم به النظام في جملة واحدة وهي أن النظام الإيراني يتخذ هذه الخطوات والإجراءات الشوفينية ضد الشعوب غير الفارسية من أجل عزل هذه الشعوب عن واقعها ودمجها بقوة في الشعب الفارسي من خلال القضاء على لغاتها الأم في خطوة أولية للنظام لأنه يعرف تماماً أن هذه الخطوة التمهيدية ستجلب له فوائد جماً خدمة لمشروعه الإستعماري المتمثل بطمس هوية وثقافة وحضارة الشعوب غير الفارسية من هنا يمنع النظام الإيراني استخدام اللغات غير الفارسية في التعليم والنشر وبالنهاية يحول هذا الأمر لغات الشعوب الغير فارسية من لغات مكتوبة الى لغات شفهية وإثر ذلك تفقد اللغة عنصراً مهماً يتمثل في ديمومتها وحيويتها والذي يتمثل بالمنهاج الكتابي وبالنهاية يساعد هذا الحرمان في انقراض أي لغة بشكل تلقائي بعد مرور بعض الوقت عليه .

من هنا إذا ما أردنا تقسيم العقود الثمانية الماضية الى قسمين أي الى :العهد الملكي (الأب والإبن) وعهد الثورة الإسلامية الإيرانية يجب أن نلاحظ أن فترة حكم الملكيين الممتد الى حوالي 57 عاماً والذي يمثل الفترة التمهيدية لسلطة الفكر الشوفيني الفارسي في إيران والذي كان يسعى جاهداً نحو فرض نهج استعلائي لعرق وحيد ألا وهو العرق الفارسي على حساب بقية الأعراق منذ اللحظات الأولى لهيمنته على السلطة في إيران إثر هزيمة الحكم الملكي القاجاري وهم من أصول تركية فإننا سنجد أن النظام البهلوي الذي خلف الحكم القاجاري العتيد قد استغل مفاهيم الوحدة الوطنية و وحدة التراب والتركيز على المركزية المفرطة وتوحيد الهويات والثقافات المتعددة في إيران بالقوة خدمة لأجندته المعلنة منها وغير المعلنة .بناءاً على المفاهيم الشوفينية فإن إيران فهي أرض للفرس ومن هذا المنطلق يجب العمل على بسط الثقافة واللغة الفارسية بين بقية الشعوب (العرب والتركمان والبلوش والترك والأكراد)في جغرافية إيران وقد أقنع النظام الملكي الغرب وعلى رأسهم بريطانيا بسياساته بذريعة إنشاء قوة موحدة تقف بوجه المد الإشتراكي القادم من قبل الاتحاد السوفيتي لذا بدأت عملية تفريس الشعوب تحت غطاء مشروع شوفيني ودخلت في الأدبيات الفارسية نزعة عنصرية تجاه العرب والترك بوصفها شعوباً غازية دمرت الحضارة الفارسية بفتوحاتها واحتلالاتها لأيران وتغيرت اثرهذه النزعة الكثير من الطقوس والتواريخ وسلك النظام الملكي نهجاً تسيطر عليه النزعة القومية المفرطة وأعادوا تاريخهم الى الوراء حيث تغير من الهجري الى شاهنشاهي إخميني وصار يتهم كل من يعارض هذا النهج من الشعوب غير الفارسية بتهم مثل :الإنفصالي والشيوعي والجاسوس وغير ذلك بناءاً على الفكرة الإستعلائية للفرس وعمدت السلطات الى اطلاق صفة اللهجات على اللغات غير الفارسية وزرعت القلاقل والنعرات الإثنية بين الشعوب وهلم جرا. رغم ذلك يمكن القول بأن الحكم الملكي كان يمارس هذه الممارسات في إطار قومي شوفيني فما بالك بأن يستمر النظام الإيراني الديني بنهج يفوق ذلك حيث أن أول من دعم قيام الجمهورية الإيرانية الشعوب نفسها التي تقمع اليوم باسم الدين وقد قطع النظام الحالي في مطلع انتصاره على لسان زعيمه الروحي أية الله خوميني وعداً بتلبية مطالب الشعوب حيث التقى عدد مكن ممثلي الشعوب الغير فارسية بالخوميني ومن بين هذه الوفود ممثلين عن عرب الأهواز يتجاوز عددهم الثلاثين شخصاً يضم عدداً من الشعراء والكتاب والمثقفين يقودهم رجل الدين والزعيم الروحي للأهوازيين أية الله محمد طاهرشبير الخاقاني لكن سرعان ما تبخرت الوعود وصار يطارد أبناء الشعوب غير الفارسية وعلى رأسها الشعب العربي الأهوازي وقمعت مطالب العرب هناك أشد قمعاً على يد الأدميرال أحمد مدني قائد القوات البحرية وحدثت مجزرة رهيبة في مدن الأحواز عموماً والمحمرة خصوصاً في 29أيار1979 عرف هذا اليوم فيما بعد بالأربعاء الأسود للدلالة على وحشية القمع وشدته حيث تم اطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين واعتقل عدد كبير من الأهوازيين وتعرضو للتعذيب في السجون التي أقامتها السلطات الإيرانية فور انتصارها على الحكم الملكي السابق وتراوح عدد القتلى في الأربعاء الأسود نحو 300 شهيد .إذن يمكننا الوصول الى هذه النتيجة وهي أن النظامين الديكتاتوريين في إيران ؛ الملكي والجمهوري الإسلامي هما نظامان يقومان على نفس المنهج و التوجه العنصري الشوفيني المتمثل بتفضيل العرق الفارسي على بقية الأعراق ويتعاملان مع الشعوب غير الفارسية بنفس الأسلوب وخير شاهد على ما نقول محصلة المجازر والقمع التي سجلتها ذاكرة التأريخ في سجل النظامين ولا ننسى أبداً تصريحات المسؤولين الإيرانيين الحاليين والتي هي أكثر حقداً على الشعوب وعلى رأس هذه التصريحات الفجة ما أدلى به الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني عام 1985حيال العرب الأهوازيين في صحيفة رسمية تابعة للنظام الايراني حينما أنكر وجودهم و وصفهم بأنهم مجموعة من الغجرالرحّل والشروكيين .ما دفع أبناء الأهواز إثر هذا التصريح بالقيام بمظاهرات سلمية نددت بالنعت الذي وصفهم به رفسنجاني ولم تسلم مظاهرات العرب في تلك المرة أيضاً من القمع والتنكيل.

من هذا المنطلق يمكننا أن نصف مثل هذه السياسات على أنها تصدرمن مصدر واحد وتصب في إطار طمس هوية الشعب العربي الأهوازي طيلة العقود الثلاثة الماضية التي هي استمرارية للعقود التي سبقتها ولا يمكن أن ننسى 15 نيسان 2005 والإنتفاضة الجماهيرية للأهوازيين التي انطلقت ضد سياسة التغيير الدموغرافي للعرب إثر تسريب رسالة من مكتب رئيس الجمهورية أبطحي والتي يوصى فيها القوى الأمنية في إقليم الاهواز على بذل قصارى جهدهم من أجل تغيير التركيبة السكانية للعرب عبر استقطاب المهاجرين ليحلو محل العرب في تلك المنطقة وما نتج عن القمع الوحشي للسلطات الايرانية من قتل للمتظاهرين الذين تجاوز عددهم الـ300 شهيد بناءاً على تقارير صدرت من المنظمة الأهوازية لحقوق الإنسان واعتقال أكثر من خمسة الاف أهوازي شارك في الإحتجاجات التي انطلقت أنذاك .

وفي فترة ليست ببعيدة تنفس الحقد الإيراني الرسمي على لسان الشاعر الفارسي بادكوبه أي  ومن على منبر حكومي بنفس شوفيني صب جام غضبه بكلمات فجة وغير لائقة على العرب كأمة تحمل لواء الدين واعتبر العرب الأهوازيين على أنهم ليسوا بعرب بل عرب اللسان وقس على ذلك وحدث ولا حرج والأمثال لا تحصى من هذا القبيل المتشبع بالشوفينية والعنصرية .

وفيما يخص هذه الأيام التي يمر بها إقليمنا من مظاهرات إحتجاجية حاشدة تخليداً لذكرى الخامس عشر من نيسان 2005 والتي تصب في إطار الإنتفاضة المطلبية التي ينادي بها عرب الأهوازهذه المرة أيضاً وللأسف الشديد واجهت السلطات الايرانيه الإحتجاجات  السلمية بقمع مبرح وأطلقت الرصاص الحي على جموع المتظاهرين العرب الأهوازيين مما تسببت في سقوط عدد كبيرمن القتلى والجرحى حيث تجاوزعدد المعتقلين والمفقودين نسبة الخمسمائة شخص وترتفع أعداد المعتقلين والشهداء يومياً والسؤال الذي يطرح نفسه هنا بإلحاح هو أنه لماذا لم تدافع معظم المنظمات المعنية بحقوق الإنسان الفارسية عن العرب الأهوازيين العزل وحقوقهم العادلة ولم تتخذ موقفاً حيال ما يحدث من تطورات هناك !…هل يعتقد القائمون على منظمات حقوق الإنسان الإيرانية بأن الأهوازيين هم من عرب إيران فإذا كانوا كذلك لماذا لم يدافعوا عنهم ؟! أم أنهم يرون بأن الأهوازيين غير إيرانيين فرغم ذلك أيضاً من واجبهم الإنساني كمنظمات حقوق إنسان الدفاع عن حقوق هؤلاء مهما كانت ديانتهم وعرقهم وإنتماءهم القومي والإثني؟ أم أن هذه المنظمات كما النظام الإيراني يناقضون أنفسهم بازدواجية فاضحة في المواقف والتوجهات

توفيق نواصر.

Check Also

رفيقنا المناضل مهدي ابو هيام الأحوازي

تلقينا في حزب التضامن الديمقراطي الأهوازي التغييرات الإيجابية في المكتب السياسي لحزبكم الموقر و الذي …