العِراق.. خميني وخامنئي رمزان سياسيَّان لأهل إيران

د. رشيد الخيّون – ما حدث في جلسة البرلمان العِراقي مِن عراك (26 أغسطس 2013) ليس شاذًا. فكم عراك جرى بالأيدي في برلمانات دول متقدمة، سبقت العِراق في الحياة البرلمانية بعقود.

khomaini.khamenaei-iraq

لكن مِن غرائب هذا البرلمان، وما تفرَّد به، أن يبحث موضوع تعليق الصور، وما يتصل هذا بالولاءات السِّياسية والاتهامات، وأن يتعصب برلمانيون ضدها أو لها إلى حد التجاوز بالأيدي، مع أنها موضوع لا يحتاج إلى إرادة برلمان، ومِن البداهة أن الصور إذا مثلت بلادًا أخرى لا معنى لرفعها فوق الرؤوس، مهما كان الاتصال المتبادل بين العراق وبينها، خارج المناسبات وبحدود الرسميات

لا نتهم أحدًا بوطنيته مِن السِّياسيين العِراقيين، ولا نتهم أحدًا ببغض إيران على أساس طائفي، فذلك ليس محله. إنما هناك عواطف وولاءات حزبية لا نضعها بموضع الخيانة، بقدر ما نتفهمها مِن موقع المصلحة الحزبية، وهو أن قوى حزبية عراقية دينية عاشت ردحًا مِن الزَّمن بإيران، وتلقت الدعم والعون بكلِّ أشكالهما وهي في المعارضة، بالمقابل هناك قوى تضررت مِن إيران، فالنصف مليون عراقي، إذا صح عدد القتلى في حرب الثمان سنوات (1980-1988) لابد أن مِن ذويهم مَن يشعر بالألم، وكذلك حال ذوي القتلى الإيرانيين تجاه العِراق، وعلى وجه الخصوص أن نظام إيران ما زال قائمًا.

تركت سنوات الحرب تلك مشاعرَ مضطربة تجاه إيران، فرفع صورة آية الله الخميني -(ت 1989)، وهو المشجع الأول على استمرار الحرب- بشوارع العراق يفهم مِنه أنه المنتصر فيها، ويشي إلى أن شعار الحرب “تحرير القدس يبدأ مِن كربلاء” قد تحقق، وبان النَّصر العظيم! مع أخذنا الفهم العراقي تجاه الصورة، فعقود مِن الزَّمن وهي تعبر عن رمزية الدولة وقدسيتها بكثافة. لهذا يفهم رفع صورة مرشد الثَّورة والدولة الإيرانية الأول مِن هذا الباب، أنه يقابل الاجتياح، وبطبيعة الحال يُنسى تحقق النصر على النظام السابق بالاحتلال الأمريكي، إنما يتحول إلى امتداد إلى معركة الفاو، في أوسط الثمانينيات.

إن الخميني والخامنئي مرجعان سياسيان، يمثلان دولة إيران، وبهذا تسقط حجة مَن ادعى أنهما مرجعان دينيان، ويحق للعراقيين المعتقدين برفع صورهما، مع العِلم أن الشيعي العراقي الخالي من الحزبية والإسلام السياسي وتشكيلات الميليشيات، لم يرفعهما، إنما هما مرفوعان بتوجه وغرض سياسيين لا دينيين.

أما مَن احتج بأن صورًا عديدةً ترفع في شوارع العراق لشخصيات غير عراقية، كالمهاتما غاندي وجيفارا، وهذا ما لا يلاحظ، فلا حجة له، والسبب أن غاندي وجيفارا لم يبقيا يخصان دولة أو بلد محدد، وإن ذكرا لم تذكر الهند والأرجنتين، يضاف إلى ذلك ليس هناك جيرة عدائية تاريخية بين العراق وهذين البلدين، وهما مِن الشخصيات غير الفاعلة سياسيًّا وفكريًّا. فتمثال غاندي (اغتيل 1948) موجود في وسط العاصمة البريطانية، وهو الذي حاربها لعقود مِن أجل استقلال بلاده، وأن أرنست جيفارا (قتل 1967) كان مثالاً أمميًّا غير مرتبط بدولة أو فكرة ما، وإن كان يحسب على الشيوعيين، ولكنه أصبح شخصية عامة، تجد أبناء الرأسمالية ينقشون صورته في ملابسهم.

المشكلة ليس في شخصيتي الخميني أو الخامنئي ولا بقوميتهما، إنما بتوجههما السياسي. وإذا كانت هناك حساسية مِن العِرق الفارسي، فالأول تحدر مِن أصل كشميري، وصل جَده إلى النَّجف، وجاء جماعة من بلدة خُمين واصطحبوه معهم كعالم دين، وهكذا كانت أسرة الخميني (هويدي، إيران مِن الداخل). أما الثاني فأذربيجاني (آذري) ليس فارسيًّا، وكذلك العلماء الذين شيدوا إيران شيعية هم علماء لبنان الشيعة العرب، حتى عُرف علي عبد العال الكركي (ت 940 هـ) بمؤسس الشيعة على الطريقة الصَّفوية، وكان يُسمى بـ «مقتدى الشِّيعة» (التِّنكابني، قصص العلماء)، أي أرخوا له هكذا. ناهيك عن أن ملوك الدولة الصفوية هم أتراك وليسوا فُرساً، فصفي الدِّين إِسحق الأَردبيلي (ت 735ه) هو جد العائلة الصَّفوية الملكية، وطريقته الصفوية الصوفية.

الخميني والخامنئي مرجعان سياسيان، يمثلان دولة إيران، وبهذا تسقط حجة مَن ادعى أنهما مرجعان دينيان، ويحق للعراقيين المعتقدين برفع صورهما، مع العِلم أن الشيعي العراقي الخالي من الحزبية والإسلام السياسي وتشكيلات الميليشيات، لم يرفعهما، إنما هما مرفوعان بتوجه وغرض سياسيين لا دينيين

لم يبق الخميني مرجعًا دينيًّا، وحتى عندما كان بالنَّجف لم يُعرف له مقلدون مثل بقية المراجع، إلا أصحاب السياسة مِن المتدينين، وهو لما صار رمزًا لإيران كقائد ثورة ودولة، وصار بمواجهة العراق في الحرب المذكورة، يكون حضوره داخل العراق محل إشكال وجدل. فلولا توليه السُّلطة لكان كبقية المراجع.

إن الدين والمذهب عابران الحدود، وهذا الشيخ عبد القادر الكيلاني (ت 561 هـ) مازالت طريقته ممتدة مِن غرب الأرض إلى شرقها، بلا استنكار. كذلك في يوم مِن الأيام كان الشَّيخ جعفر الكبير (ت 1812) مؤسس أسرة آل كاشف الغطاء له أمر على الشَّاه القاجاري وهو عربي عراقي. هذا ولم يستنكر أحد لرفع صورة السيد علي السيستاني، إلا في وقت الانتخابات، والسبب واضح هناك توظيف سياسي لها، وهو يمثل مرجعية النَّجف العراقية.

هذا ما يخص السَّيد الخميني، فما بالك في السيد علي خامنئي فالرَّجل يستقبل المسئولين العراقيين كرمز لدولة أخرى، فكيف ترفع صوره، وفي هذه الظروف الحرجة داخل العِراق، مِن قِبل مَن يعتقد بولاية الفقيه، ومنهم مراجع سياسيون، كالسيد كاظم الحائري، والشيخ محمد مهدي الآصفي. لذا أرى المشكلة ليست بالأشخاص ولا الصُّور إنما في السِّياسة، فلولا ظرف العراق الطائفي الحرج، وآثار الحرب ما بين البلدين، لما كان هناك اعتراض، بل أقول: ليس هناك مَن يرفع الصورتين.

خلاصة القول: إن الخميني وخامنئي يمثلان نظامًا سياسيًّا وتوجهًا فكريًّا خاصًا، لا يجوز اتخاذهما كعناد سياسي أو حزبي، والرافعين هم -على ما يبدو- مِن أتباع ذلك التوجه، أو لحفظ مساعدة ودعم سابقين في زمن المعارضة، لكن المعارضة غير السُّلطة، فالأولى هدم والثَّانية بناء، وفي البناء لا تبدو صورتا الخميني والخامنئي، وهما رمزان إيرانيان في السياسة قبل الدِّيانة، يخدمان تجاوز الصّعاب ببلد مثل العِراق يموج ويمور.

نقلا عن مجلة المجلة

شاهد أيضاً

رفيقنا المناضل مهدي ابو هيام الأحوازي

تلقينا في حزب التضامن الديمقراطي الأهوازي التغييرات الإيجابية في المكتب السياسي لحزبكم الموقر و الذي …