منذ انتهاء الحرب الباردة قبل ما يزيد على عشرين عاماً، وتفكك الاتحاد السوفياتي وتحوّل اسمه إلى روسيا الاتحادية، اختفت دول من الوجود كيوغوسلافيا، وألمانيا
الشرقية، واليمن الجنوبي، وتشيكوسلوفاكيا وغيرها، وظهرت للوجود دول جديدة أكثر من تلك التي اختفت مثل أوكرانيا وقرغيزستان ولاتفيا واستونيا وتركمانستان وسلوفانيا وتيمور الشرقية وكرواتيا والبوسنة والجبل الأسود وغيرها كثير. حالة الانسلاخ والاندماج العارمة تلك جاءت وسط زلزال دولي اختلت فيه موازين القوى وتهاوت فيه الأشياء حتى ظن مَن ظن أن هناك نظاماً دولياً جديداً قد نشأ.
ويبدو أن تلك الحالة قد أغرت الباحثين والسياسيين والكتاب لكي يتبعوا ظاهرة ‘الفك والتركيب’ تلك، فيتخيلوا، ويفترضوا ويقصوا دولاً، ويلصقوا دولاً على دول.
خلال عملي في الصومال كممثل للأمين العام للأمم المتحدة قرابة العشر سنوات، كان مستغرباً بقاء الكيان الصومالي رغم كل الدمار والتفكيك وحالة الاحتراب وغياب حكومة مركزية فاعلة على مدى عشرين سنة مضت أي منذ ديسمبر 1990 مع ذهاب محمد سياد بري، ومع ذلك مازال المجتمع الدولي يتحدث عن جمهورية الصومال رغم أن عناصر التفكيك على الأرض أقوى من عناصر التماسك.
في مارس 2009 ظهرت دراسة للمخابرات المركزية الأميركية تتوقع زوال إسرائيل خلال 20 عاماً، ولم ينتبه إليها الكثيرون، ولكنها عادت للعلن منذ عدة أيام. وتحدد دراسة الـ ‘سي آي إيه’ أن الحل الوحيد لبقاء إسرائيل هو صرف النظر عن حل الدولتين والذهاب إلى دولة موحدة يعيش فيها الجميع بالتساوي، والسماح بعودة لاجئي 1948 و1967، كما تتوقع الدراسة مغادرة قرابة مليونَي إسرائيلي إلى أميركا خلال 15 سنة (حسب فرانكلين لامب هناك نصف مليون إسرائيلي يحملون جوازات أميركية وأكثر من 300 ألف إسرائيلي إضافي يعيشون في كاليفورنيا فقط). كما تتوقع الدراسة عودة حوالي مليونين ونصف مليون إسرائيلي إلى روسيا ودول أوروبية أخرى.
هل ستتحقق توقعات المخابرات الأميركية وتزول إسرائيل خلال عشرين سنة؟ بالتأكيد من الصعب الإجابة، ولكن من حيث المنطق والأخلاق والحقوق، فإن مآل أي دولة عنصرية إلى زوال، كما كان الأمر مع جنوب إفريقيا العنصرية قبل حوالي عشرين سنة، ولن يدمر إسرائيل إلا إسرائيل نفسها بغرورها وعنصريتها، وهي سائرة في هذا الاتجاه، ومن غير الواضح إن كان ذلك سيحدث في عشرين سنة أم أقل أم أكثر.
إغراءات إخفاء الدول ودمجها دفعت العديد من الدارسين إلى ذلك الاتجاه، فحسب مجلة فوربس فإن هناك أزمة سياسية طاحنة ستنفجر في المملكة العربية السعودية، أما إيران – حسب ‘لوس أنجلوس تايمز’ – فإنها في حالة احتضار، وحسب ‘وول سترتيت جورنال’ فإن دولة الإمارات العربية المتحدة في طريقها إلى التفكك، أما العراق فقد انقسم فعلياً إلى ثلاثة كيانات.
هواية إخفاء الدول، أو دمجها في كيانات أكبر أصبحت جزءاً من تمرينات استراتيجية ذهنية، يسعى إليها المخططون لفهم موازين القوى واحتمالات الانكسار والتفلش هنا أو هناك، ولكنها أن تتحول إلى سياسة، ويصدقها البعض ويبني حساباته عليها، فهنا تكمن الإشكالية وللحديث بقية.
المصدر