مصنع الساعات تحول لمنشأة للطرد وواشنطن لم تأبه بمحاولات طهران

صلاح أحمد      
أولى محطات تاريخ الطموحات الإيرانية النووية
سلم العالم الباكستاني عبد القادر خان في العام 1987 رئيس لجنة الطاقة النووية الإيرانية خرائط المنشآت النووية الأولى ويُدعى لاحقًا إلى إيران ويوهب “فيللا” مطلة على بحر قزوين، وفي منتصف التسعينيات بدأ الإيرانيون ببناء المنشآت الخاصة بالطاردات، متلازمًا مع عملية طويلة من “التمويه” لا تزال مستمرة حتى اليوم.Iran_Nuclar_Bomb_350_x_283

يستمر الفصل الثاني من دراما القنبلة النووية الإيرانية متناولاً سيرة عبد القدير خان. ويقول إنه يختفي عن الأنظار تمامًا في أول 1976. وفي 1983 تدينه محكمة هولندية بتهمة التجسس الصناعي وتحكم عليه غيابيًا بأربع سنوات سجنًا. وبحلول 1985 كانت باكستان تخصب اليورانيوم بنجاح، مطلقة اسم هذا العالم على معهد الأبجاث النووية في كاهوتا بالقرب من إسلام أباد.

يتم اللقاء الأول بين خان والإيرانيين في دبي. وبحلول 1987 يسلم العالِم الباكستاني رئيس لجنة الطاقة النووية الإيرانية خرائط المنشآت الأولى. وتتسلم طهران أيضًا طاردتين حولهما لها خان من مفاعل كاهوتا. ومن جهة أخرى، يسافر خان أكثر من عشر مرات الى بيونغ يانغ ودبي وشمال افريقيا عارضًا معداته النووية للبيع. ثم يدعى الى ايران ويوهب فيللا مطلة على بحر قزوين.

وبحلول 1991 يبدأ المشروع النووي الإيراني تحركه وتقرر وكالات الاستخبارات الأميركية أن القيادة الإيرانية تسعى لامتلاك القنبلة «لكن برنامجها ضعيف ومشتت بحيث لا يمكن أخذه على محمل الجد» على حد قولها.

وبعد مرور سنة، يحصل روبرت غيتس (مدير «سي آي ايه» وقتها ووزير الدفاع حاليا) على معلومات إضافية من مسعود نرغي، مدير برنامج ايران النووي الذي انشق عن النظام وحصل على اللجوء في الولايات المتحدة، الذي يكشف له ايضًا عن دور خان. ومع ذلك لا يعير الأميركيون اهتمامًا كببرًا للرابط الباكستاني ولا يلفتون أنظار مفتشي وكالة الطاقة اليه.

احتفال في باكستان
في منتصف التسعينيات بدأ الإيرانيون بناء المنشآت الخاصة بالطاردات متلازمًا مع عملية طويلة من التمويه  لاتزال مستمرة حتى اليوم. فحولوا مصنع كلايه للساعات في طهران الى منشأة لطاردة، إضافة للىمنشآت أخرى في نتانز.

ايران تعاني الآن من آثار الحرب مع العراق. الملالي لا يعرفون كيف يتعاملون مع المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، والغرب لا يدري كيف يتصرف مع قيادة تظهر له حسن النية وترسل في الوقت نفسه مجموعات اغتيال معارضيه في الخارج.

وفي غضون هذا يحتفل خان مع باكستان بأكبر إنجازاته. ففي 28 مايو (ايار) 1998 تجرى البلاد خمس تجارب نووية ناجحة. خان يصبح بطلاً قوميًا، لكنه لا ينسى المساعدة التي قدمتها له اسرة من المهندسين السويسريين، كبيرها فريدريك تينير، منذ ايامه في هولندا. أصغر ابناء هذه الأسرة، واسمه اورس، يغرق في الديون ويصبح بالتالي لقمة سائغة لـ«سي آي ايه». وبتتبع خطاه تعرف أنه يقيم في دبي وأنه يعمل لدى بعض أصدقاء خان.

في العام 2000 كانت «سي آي ايه» قد نجحت في زرع جاسوس ذي صلات نافذة داخل شبكة العالم الباكستاني. فتعلم أن اورس يحظى بثقة رئيسه وحاصل على إذن خاص بتصوير ما أراد من وثائق تتعلق بخرئط منشآت نووية بغرض بيعها لأطراف ثالثة في السوق السوداء.

وفي منتصف ذلك العام يحالف الحظ جهود الأميركيين مع اكتشافهم ان ايران وليبيا وقعتا عددًا من العقود الجديدة مع خان. لكن واشنطن تقرر عدم التدخل في تلك المرحلة. على ان هجمات 11/9 تغير الأولويات فتصبح بحاجة الى تعاون باكستان. الأمم المتحدة تعطيها الضوء الأخضر لضرب مواقع اسامة بن لادن في افغانستان وإسلام أباد تقرر الانحياز الى جانبها في حربها على الإرهاب.

«سي آي ايه» من جهتها تقرر أن كل شي «تحت السيطرة» في ما يتعلق بخان. لكنه يثبت أنه ليس مجرد دمية معلقة بخيوط في أصابعها. وثمة لاعب آخر في برنامج ايران النووي لم يظهر على شاشة الرادار الأميركية حتى ذلك الوقت، ولا يزال دوره محاطًا بالغموض حتى الآن. الطريق يؤدي الآن الى روسيا.

العالِم الروسي والسبق التكنولوجي

فياتشيسلاف د خبير معروف دوليا في عالم التكنولوجيا الدقيقة «nanotechnology». وخلال الحرب الباردة عمل هذا العالم سنينا في البرنامج النووي السوفياتي. وكانت ابحاثه تتعلق، بين أشياء أخرى، بكيبفبة تصغير القنبلة.

وقد تنبّه الإيرانيون لهذا العالم في 1992 بعدما نشر مع زميل له ورقة تناولت التحدي وراء نشر الموجات الصادمة بشكل متساو بعد الانفجار عبر منافذ في الرؤوس الحربية، وهذا شيء لازم لصعق نوع معين من الرؤوس الحربية النووية. وتبعا لوكالة الطاقة، فإن هذا الرجل ظل يعمل للإيرانيين منذ حوالى العام 1995، لكنها ليست موقنة من أنه كان يعلم الغرض النهائي من برنامجهم النووي.

وفي اغسطس (اب) بواشنطن، يعقد «مجاهدو الشعب الإيراني» مؤتمرا صحافيا في فندق ويلارد انترناشونال، ويكشفون ان نظامهم يتستر على مفاعلين لإنتاج الماء الثقيل اللازم لصناعة القنبلة. ويتضح لاحقًا أن الإسرائيليين هم الذين قدموا الوثائق والصور للجماعة الإيرانية المعارضة.

الوضع يتغير فجأة، فحتى ذلك الوقت أفلحت طهران في الحفاظ على برنامجها سرا. لكن بقعة الضوء سلطت عليها الآن. وكان الرئيس جورج بوش قد أطلق تعبيره الشهير «محاور الشر» (العراق وإيران وكوريا الشمالية) لأنها تهدد السلام العالمي، على حد قوله، مضيفًا أن الولايات المتحدة لن تسمح لها باستخدام أسلحة الدمار.

وفي وسط جو جاء به المحافظون الأميركيون الجدد الساعون لتغيير العالم بالقوة، يخشى الزعيم علي خامنئي على الثورة الإسلامية. محمد البرادعي، مدير وكالة الطاقة، يتوجه الى طهران في يوليو (تموز) 2003 بعد أشهر من وجود مفتشيه في إيران. وكان واضحًا أن السر على وجه الانكشاف.

في صيف 2003 أجرى العلماء الإيرانيون تجارب تفجيرية قائمة على الطريقة السوفياتية. وكان الغرض من التجربة أيضا هو تطبيق نظرية الخبير الروسي فياتشيسلاف د عن إمكان توزيع موجات التصادم بالتساوي. فأحدثوا ثقوبًا في الرؤوس الحربية وصوروا التفجيرات بكاميرات عالية السرعة. وإذا كان للمرء أن يصدق تقارير أجهزة المخابرات الغربية فقد نجح الإيرانيون في هذا محدثين اختراقا تكنولوجيا لا سابقة له.

ولكن بحلول 2004 كانت الضغوط الدولية، القائمة أساسًا على التقارير الاستخبارية الغربية وعلى وجه الخصوص «سي آي ايه». قد تنامت على إيران بحيث أن الحكومة الإيرانية قالت – في معرض تفنيدها مزاعم أنها تسعى للقنبلة – إها قلصت في الواقع ميزانيتها المخصصة للبحوث العسكرية وإن العلماء يشتكون من شح المال المتوفر لهم. بل أن بعض تليفزونات العالم صور البلدوزرات أمام مبنى «مركز أبحاث الفيزياء» بشمال شرق طهران، وهو العقل المدبّر للبرنامج النووي الإيراني.

الدولفين والـ«لاب توب»
في هذا الفصل الثالث تجد ان الفضل في معرفة الغرب بما يدور داخل ايران يعود بشكل كبير الى جهلز المخابرات الألماني «بي إن دي». وقد كان لهذا الجهاز جاسوس إيراني مهم يطلق عليه الاسم الحركي «الدولفين». وهو رجل أعمال له معرفة ببعض بواطن البرنامج النووي بسبب عمله متعهدا للفولاذ والخرسانة لمنشآت الدولة اصفهان ونتانز وغيرهما.

وكان هذا الرجل يخزن ما يحصل عليه من أحاديث ووثائق وصور في كمبيوتر محمول «لاب توب» ويخبئه في خزانته الخاصة في البنك. وبسبب خطورة نشاطه فقد قرر الهرب من البلاد لطلب اللجوء في الولايات المتحدة على الأرجح. ولتسهيل هذا الأمر له، قدمه الجهاز الألماني للمسؤولين في «سي آي ايه».

لكن خطأ فادحا أدى لافتضاح أمره لدى المخابرات الإيرانية. فاعتقل ولا يعرف مصيره حتى اليوم. على أن زوجته تمكنت من الهرب مع أطفالهما وفي جعبتها ايضا اللاب توب الذي صار «بطاقتها الخضراء» في أميركا.

مشروع «الملح الأخضر»
احتوى اللاب توب على أكثر من ألف وثيقة عما يسميه الإيرانيون مشروع «الملح الأخضر» المتعلق بتحويل اوكسيد اليورانيوم الى يورانيوم التيترافلورايد. وكان الغرض من هذا المشروع هو انتاج طن من الملح الأخضر سنويًا بإشراف شركة تسمى «كيميا معدن». ورغم أن هذه مؤسسة مدنية في الظاهر، فهي في الواقع جزء من وزارة الدفاع الإيرانية.

وقد حاول الأميركيون في البدء استمالة الألمان للعمل سويا في تتبع مراحل هذا المشروع الإيراني. وكان دافعهم لهذا هو اقتسام المسؤولية مع جهة أخرى بعد الكارثة الاستخبارية في العراق. لكن الألمان قرروا أنهم لا يريدون الانصياع لهذه الرغبة لأنهم لا يثقون في جورج بوش أو «سي آي ايه». ولهذا قررت واشنطن إطلاع مفتشي وكالة الطاقة، وعلى رأسهم اولي هاينونين على الأسرار التي يحملها ما صار يسمى الآن «لاب توب الموت».

Check Also

الإضربات ودورها في إسقاط الأنظمة الديكتاتورية

الإضربات ودورها في إسقاط الأنظمة الديكتاتورية علي شبيبي لعبت الاضرابات التي قام بها العاملون في …