منذ بدايات تنظيم مباريات كاس العالم ، و الفرق المشاركة في هذه البطولة تكاد تنقسم إلى مجموعتين إحداهما المجموعة الذهبية وهي المجموعة المدللة و التي عليها العين و لا بد أن تتأهل للأدوار العليا و بالتالي تكون مرشحة للفوز بلقب البطولة ، و المجموعة الثانية هي المجموعة التنكية و التي لا يتعدى دورها الذي تلعبه في البطولة دور الكومبارس في أي مسرحية هزلية فما عليها إلا أن تظهر أمام الجمهور ليكون دورها الأخذ على قفاها و الخروج من الأدوار الأولى في هذه البطولة.
ودارت رحى الأيام بحلوها و مرها و مضى الزمن سريعا دون أن يعقب و البطولة لا تزال تقام بشكل دوري و منتظم و ازداد عدد المتنافسين و ازدادت حدة المنافسة حتى وصلنا إلى دورة هذه السنة و التي شهدت انقلابا بل و ثورة على ماضي و تاريخ هذه البطولة.
فالانقلاب الأكبر هو أن تجري هذه البطولة الحضارية في بلاد القمع و التمييز العنصري ، في بلاد لا فضل لاسود فيها على ابيض و لا حتى بالتقوى . إلا أن إرادة أحرار ذلك البلد أولجوا الجمل في سم الخياط ، و حصلوا على حريتهم و المساواة بينهم و بين جلاديهم بالأمس القريب ، بل و أصبحوا أسياد تلك البلاد بعد أن كانوا عبيدا فيها .
أما المفاجآت الكروية فكانت تأتي تترا و كانت بحاجة إلى رباعين من الوزن الثقيل لتحملها ،فقد سقطت تيجان و دمرت ممالك كروية و ترنحت أميرات كخاطئ أحاطت به خطيآته يتهادى على صراط مستقيم .
لقد خرجت كل من ايطاليا حاملة اللقب السابق و وصيفتها فرنسا في ذات البطولة من الدور الأول خرجتا مذمومتين مدحورتين على يد فرق لم تكونا تلقيان لها بالا و كانتا تظنان أن اللعب مع هذه الفرق سيكون استعراضيا لإمتاع الجمهور لا أكثر و حصل لهما ما حصل للأرنب في سباقه مع السلحفاة تلك
القصة المشهورة في أدب الأطفال ، و هاهي اسبانيا صاحبة اليد الطولى و الباع الأطول بالكاد حفظ الله
لها ماء وجهها في اللحظات الأخيرة و لم تتأهل إلى الدور الثاني إلا بشق الأنفس و بعد أن صلى لها محبوها في كل أصقاع الأرض و كل على طريقته و حسب ديانته ،و تلك البرازيل التي وصل صيتها أطناب العالم لدرجة أنها كانت تغلب منافسيها بالرعب مسيرة شهر تفقد الكثير من رونقها و تألقها كعروس فضت بكارتها في ليلة عرسها.
نعم إنها فرق عتيدة لها تاريخ طويل في مضمار هذه الرياضة زلزلت زلزالا عظيما هذه الدورة ، و يحق لنا أن نتساءل عن السبب ؟ هل هو الضعف في الإمكانات ؟ أم هو الكسل في التدريب ؟ أم هو عقم في وضع الخطط ؟ و هل و هل …؟
لا يوجد أي شيء من هذا على الإطلاق بل إن ما حصل هو أن الفرق التي كانت تعد واهنة كبيت لعنكبوت و لا يحسب لها حساب قد خلعت عن كاهلها رداء الخوف و اكتست بحلة جديدة و هي اللعب بروح الفريق الواحد و نزع الخوف من قلوب اللاعبين و من أقدامهم من الفرق القوية ذائعة الصيت و حلت عقدة الدونية لديها و بث فيها روح التحدي و أدركت أن الكل أولاد تسعة أشهر و لا فضل لأمريكي على غاني إلا باللعب الأجمل
و لو أردنا أن نسقط ما حصل في هذه البطولة من اختراق لنواميسها على واقعنا العربي المتردي و الذي لا يسر حبيبا و لا عدو ما العبرة التي يمكن أن نستخلصها مم حصل و ما هو الدرس و ما هي الفائدة التي يمكن أن نتحصلها ؟
إنها دروس كثيرة فيها من المواعظ و العبر ما يكفي لان نقود سفينتنا إلى بر الأمان في بحر لجي . يأت في مقدمها أن يكون مدربونا و إداريونا ( قادتنا ) منا و فينا قلبا و قالبا ، و أن يكون اختيار اللاعبين ( الصف الأول في الحكم و أصحاب القرار السياسي) من الأقوياء الأمناء ” إن خير من استأجرت القوي الأمين ” و من هذه الدروس أيضا وضع خطط ذات أهداف وطنية لا تنفيذ أجندات خارجية مسمومة على أراضينا ، زيادة ساعات التدريب و الإنفاق عليه و الإشراف الدائم على تنفيذ الخطط المرسومة تعزيز
الثقة بالنفوس و العمل بروح الفريق الواحد و منع المحسوبيات و معاملة المواطنين على أساس المواطنة و ليس على أساس الانتماءات المذهبية و العنصرية و الإقليمية البغضاء و محاولة العطاء دون انتظار المقابل الذي سيأتي كرد فعل طبيعي لأننا شعب عاطفي نحب من يحبنا و نخلص و نتفانى لمن يضحك في وجوهنا و منها و منها
…
عندها فقط يمكن أن نلبس الزى الرياضي الموحد و ننزل إلى الملاعب العالمية بكل ثقة لنبارز الخصم و بعد صراع طويل إن لم نفز عليه على الأقل نكون قد قمنا بما علينا القيام به و نكون قد قدمنا عذرا لأنفسنا و كسبنا احترامنا لأنفسنا و احترام كل من تابع نزالنا .
فاضل الاحوازي