05/05/2024
هناك رحلة كبيرة تقوم بها الشعوب الايرانية منذ اكثر من قرن او بالتحديد منذ ثورة الدستور في العام (1906 ـــ 1908) وذلك من اجل الاستقلال والحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية. وفي هذا السياق تعتبر حياتي النضالية وخاصة الاعوام الاربعة الاخيرة منها جزء صغير جدا من هذه العملية المكللة بالمشقات والتضحيات.
يمكننا القول ان المثقفين ولاسيما الكتاب والصحفيين يواجهون ضغوطا يومية وقمعا متواصلا بسبب طبيعة عملهم الفكري والتنويري المتناقض وطبيعة النظام الشمولي الحاكم في ايران.
انني اشعر ان بلادي محصورة في سياج حديدي من اقصاها الي اقصاها وانني ككاتب اسعي لاختراق هذا السور المشؤوم اولا والحواجز التي تضعها بيني وبين قراء آثاري ثانيا. فهذه الاسوار تبدو كانها جدران للمستحيل لكنها في الحقيقة ليست بالمستحيل
ويمكن ثقبها و اختراقها مهما بدت سميكة.
انني اواجه عدة اتهامات تعد جرما في قاموس الشموليين: الاول، انتمائي الي الاقلية العربية والتي تشكل نحو 8 في المئة من سكان ايران. والاتهام الثاني هو مهنتي كصحافي، والاتهام الثالث هوايتي واعني الكتابة والترجمة، والاتهام الرابع انتقاداتي ومعارضتي السلمية لاداء النظام.
فقد بدأت نشاطي الادبي و السياسي منذ شبابي وناضلت ضد نظام الشاه السابق من اجل حرية التعبير دون قيد او شرط، حيث سجنت بسبب معارضتي لذلك النظام الدكتاتوري.
وعقب قيام الثورة في العام 1979 تابعت نشاطاتي واخذت انتقد الطبقة الحاكمة الجديدة بعد ان غدرت بطموحات الشعوب الايرانية من اجل الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
وقد اعتقلت عام 1981 بسبب نشاطاتي السياسية وبعد ذلك كانت اجهزة الاستخبارات الايرانية تستدعيني بين الحين والاخر. لكن ما تعرضت له في ابريل 2005 كان شيئا يختلف عن ما جري لي قبل ذلك. في نيسان/ابريل عام 2005 تسربت رسالة تحمل توقيع محمد علي ابطحي رئيس مكتب الرئيس الايراني السابق محمد خاتمي و يعود تاريخها الي العام 1998 اي العام الثاني من عهد خاتمي. وتتحدث الرسالة عن ضرورة تغيير النسيج السكاني في اقليم الاهواز (والذي يوصف بمحافظة خوزستان رسميا) لتصبح الاغلبية العربية في هذا الاقليم، اقلية خلال عشر سنوات.
مداهمة منزلي
في 15 نيسان/ ابريل 2005 شهدت مدينة الاهواز مظاهرات سلمية قام بها السكان العرب احتجاجا علي مضمون الرسالة، غير ان السلطات الايرانية واجهت المظاهرات بالحديد والنار حيث قتلت قوات الامن، العشرات من المتظاهرين.
فقد اثار ذلك احاسيسي ككاتب وكصحفي عربي ايراني حيث كنت اقطن في طهران ورفعت صوتي محتجا علي قتل المتظاهرين الابرياء وذلك بالقاء الكلمات واجراء المقابلات مع وسائل الاعلام العربية و الفارسية و الانجليزية.
في يوم الاثنين 25 من نيسان/ ابريل من ذلك العام القيت كلمة احتجاجية في رابطة الدفاع عن حقوق الانسان والتي ترأسها الحائزة علي جائزة نوبل المحامية شيرين عبادي. وقد انتقدت فيها ماقامت به السلطات الايرانية من اعمال قمع في مدينة الاهواز وسائر المدن الاهوازية الاخري التي شهدت مظاهرات مماثلة، لكن وبعد ساعة من عودتي الي بيتي داهم 8 اشخاص من رجال الامن، البيت
وقاموا بتصوير كل زواياه بكاميرا فيديو وبتفتيشه لمدة ساعتين
ونصف الساعة، و من ثم قاموا باعتقالي واخذوا معهم حافظة جهاز كمبيوتري وارشيف مقالاتي الورقية المنشورة في الصحف الايرانية والعربية ومخطوطاتي الشخصية بما فيه مقالاتي وقصصي
واشعاري غير المنشورة وذلك في 9 اكياس كبيرة. كما اخذوا معهم العشرات من اشرطة الفيديو الخاصة بمناسبات عائلية كعيد ميلاد ابنتي او ابني وماشابه ذلك. من سجن ايفين الي سجن مجهول
محطتي الاولي كانت سجن ايفين في شمال طهران حيث وضعوني في القسم 209 التابع لوزارة الاستخبارات، بعد ان اخذوا مني ساعتي ? التي كانت تعلن الخامسة مساءا – وحذائي ومعظم ملابسي.
فلم امكث كثيرا في هذا السجن حيث اصحوني فجرا في اليوم الثاني اي نحو الساعة الرابعة صباحا دون ان يتم ابلاغي بالمقصد الجديد. وقد نقلوني من السجن الي مطار طهران ومن ثم الي مطار مدينة الاهواز.
سرعان ما خرجنا من مطار الاهواز حيث كانت سيارة تابعة لدائرة
الاستخبارات تنتظرنا، وقد رفعوا ستائرها وقاموا بتعصيب عيني بعصابة سميكة حيث لم اكن استطع بعد ذلك مشاهدة اي شيء ولم افهم الي اي جهة اتجهت السيارة وبقيت علي هذه الحالة حتي يوم اطلاق سراحي من الزنزانة الانفرادية بعد 65 يوما.
عند دخولي السجن استغليت انشغال السجانين ورفعت عصابتي بعض الشيء حيث رايت الزنازين علي الجهتين الايمن والايسر،
وقد فهمت فيما بعد انها نحو 16 يستخدم بعضها غرف للتحقيق
ومكان لاستراحة السجانين.
فقد اودعوني منذ وصولي في زنزانة انفرادية مساحتها نحو 24 مترا فيها حمام ومرحاض وذلك بعد ان انتزعوا مني ساعتي اليدوية
وحزامي و نظارتي، بحجة انها مصنوعة من فلز؟ وجميع ملابسي و اعطوني ملابس السجن. وخلافا حتي لقوانين السجون في ايران منعوا عني فترة التنفس والصحف والراديو والتلفزيون والكتب.
وفي مساء اليوم الاول اخذوني مع شخصين اخرين لم اعرفهما كانا قد اعتقلا في الاهواز الي مركز للشرطة حيث تصورت انهم ياخذوننا الي مدينة الخفاجية (سوسنجرد) ولذا فكرت بان اقذف بنفسي تحت السيارة لتدهسني لانني كنت اكره استخباراتها بسبب معرفتي لشدة عملهم، خاصة وانهم يعرفونني حق المعرفة لانني ابن تلك المدينة. لكن ومن حسن الحظ لم نذهب الي تلك المدينة وعدنا الي السجن.
وقد بدأت ابحث في زوايا الزنزانة التي كنت وحيدا فيها واتدقق في ما تم كتابته وحكه علي جدرانها. خطوط ترمز لمحاسبة ايام الاعتقال
و اشعار و قصائد و كلمات قصار لمعتقلين قضوا ردحا من الزمن فيها. فاهم ما ساعد علي تعزيز معنوياتي شعار كتبه سجين يقول فيه باللهجة الاهوازية: “لاتحجي ترا تبجي” اي” لاتحكي لانك ستبكي”
و معناه انه عليك الاتتكلم او لاتعترف لانك وفي مثل هذه الحالة ستندم علي امرك.
في نفس الليلة الاولي بدأ التحقيق معي معصوب العينين و بواسطة محقق مبعوث من قبل وزارة الاستخبارات من طهران ( وهذا ما فهمته فيما بعد) وذلك في الساعة العاشرة مساءا واستمر حتي الواحدة بعد منتصف الليل.
وقد كان تحقيق صعب ومثير و استفزازي يقوم به شخص كان من مقربي نائب وزير الاستخبارات الاسبق، سيء الصيت سعيد امامي، حيث هددني و طلب مني بان اعترف بعملية ما وصفها بتزوير الرسالة المنتسبة الي مكتب الرئيس السابق و بمسؤولية تنظيم المظاهرات التي تمت في مدينة الاهواز، وهو امر يؤدي الاعتراف به بالاعدام او علي الاقل بالسجن الطويل الامد. فقد كنت نفسيا في وضع لم يحسد عليه حيث كان المحقق محترف يطرح اسئلة دقيقة. وقد فرض علي ضغوط نفسية اضافية رغم تجربتي السابقة مع محققي جهاز امن الشاه المعروف بالسافاك في شبابي و مع نفس اجهزة الامن في الجمهورية الاسلامية الايرانية خلال العقود الثلاث الماضية.
فقد شعرت بصراع يدور في باطني بين الاعتراف باشياء لم افعلها للتخلص من تلك الضغوط والتهديدات الرهيبة، و بين الصمود و قول الحقيقة فقط. كان صراعا نفسيا حادا انشطرت من خلاله الي نصفين متصارعين. لكن و في النهاية انتصر النصف الثاني من وجودي علي النصف الاول ولم يفلح المحقق من تحقيق مآربه. وقد كنت اعلم من خلال تجاربي السابقة مع السجانين وماكنت اعرفه من سائر السجناء السياسيين ان ” التحقيق الاول” هو الذي يقرر مسار التحقيقات التالية، فاذا استسلم السجين للسجان خلال هذا التحقيق، ستستمر التنازلات والتراجعات ? بحق او غير حق ? واذا وقف السجين وصمد فلم تفلح بعد ذلك التحقيقات والضغوط التالية و هذا ما حدث معي.
واتذكر من تهديداته “اننا سنقوم باعدامك في نفس مكان المظاهرات اي في حي الدائرة (شلينك آباد) اذا لم تتعاون معنا” او ” يجب ان تعترف هذه الليلة مهما بلغ الثمن وسآخذ الاعترافات منك حتي لو كنت اعلم ان الرئيس الامريكي جورج بوش يهاجم ايران من اجلك
ويشعل النيران في محافظة الاهواز”. وقد كنت اضحك في باطني
علي كلامه حيث قلت له ” انني لااحب جورج بوش ولا اعول عليه
و انتم تعرفون افكاري”.

التعاون مع السجانين
وبعد 4 ايام سمحوا لزوجتي ان تتصل بي، اذ كان الاتصال الاول والاخيرمن نوعه. كما جاء قاضي التحقيق ليقنعني بما فشل به المحققون اقناعي به، اي الاعتراف باعمال لم اقم بها. لكن ردي كان كالسابق، مما ادي الي نقلي الي زنزانة اصغر،عقابا علي عدم تعاوني مع السجانين وتأييد ما يريدون ان يملونه علي. ويعود عدم انصياعي لما يريد املائه السجانون الي ما اشرت اليه زوجتي في مكالمتها الهاتفية حيث اكدت لي بان اعتقالي اثار احتجاج واسع في اوساط الكتاب والصحفيين في الداخل ومنظمات حقوق الانسان والاوساط الصحافية والمعارضة الايرانية في الخارج.
وعقب ذلك تولي محقق محترف من استخبارات الاهواز- وهو في مرتبة كبير المحققين – الدور الاساسي في التحقيق. كما قام مبعوث من محكمة الثورة الاسلامية من طهران بالتحقيق معي لعدة ساعات في احد الايام الاولي لاعتقالي. و بعد مرور نحو شهر ونيف التقي بي مدير عام الدائرة القانونية في ادارة الاستخبارات في مدينة الاهواز ومعه استاذ محاضر،كان قد جاء من طهران. ويبدو لي انه كان يدرّس في كلية الاستخبارات في الاهواز او ربما في جامعات اخري هناك. وقد اختلف النقاش مع هؤلاء مع التحقيقات الامنية الروتينية المملة و الاستفزازية حيث تركزت حول قضايا نظرية وسياسية. وقدناقشا معي مايرتبط بقضايا القوميات غير الفارسية في ايران واشارا الي بعض مقالاتي و محاضراتي السابقة في الجامعات الايرانية حول هذا الموضوع منتقدين مواقفي في هذا المجال.

في زنزانة صغيرة
يا إلهي ماذا افعل في هذه الزنزانة التي لايتجاوز طولها 3 امتار و عرضها متران؟ فقد احتلت اغراضي المتواضعة مترا من عرض الزنزانة و خصصت المتر الاخر للمشي في طول الزنزانة حيث كنت امشي نحو 6 – 7 ساعات اي حوالي عشرين كلم يوميا وذلك لهضم الأكل و انقضاء الوقت الذي كان ثقيلا رتيبا بشكل لايحتمل وذلك بغياب الساعة ووسائل الاتصال و الاعلام. كنت وفي مرات عديدة استرق السمع لراديو خاص بالحراس يبعد عدة امتار من زنزانتي لاستمع بصعوبة الي بعض الاخبار.
رغم كل الوقت الذي كنت اقضيه في المشي والنوم، كان لدي المزيد من الوقت، حيث طلبت من السجانين كتباً للقراءة، فلم يعطوني شيئا. وقد حرموني حتي من القران وهو الكتاب المقدس لدي المسلمين والذي كان متوفرا في سجن ايفين ولاوجود له في هذا السجن الاهوازي. ويعود السبب الي ان معظم المعتلقين هنا هم من العرب ويتقنون العربية، فيما لايتقنها معظم المعتقلين في طهران. وبعد الحاح مني لطلب الكتب، اعطوني قرآنا لكنهم اخذوا نظارتي بحجة انها مصنوعة من فلز و يمكن ان تستخدم للانتحار! ومن حسن حظي كانت حروفه كبيرة سهّلت علي القراءة. لكن القران زاد من ضغوطي النفسية في تلك الزنزانة الصغيرة لانه مليئا باحاديث جهنم والنار والعقاب الشديد وماشابه ذلك من امور تثير الرهبة، خاصة في شخص مسجون يواجه جهنم السلطة لوحده. بعد مرتين او ثلاث من ختم القران بكل سوره، اخذت اركز فقط علي السور الشاعرية وتلك التي تحتوي علي مضامين حب واساليب ادبية وتكتيكات قصصية هامة كالسور المكية وسورة يوسف. وقد كتبت ملاحظاتي حول سور القران بالقلم الذي كنت اسرقه من غرفة المحقق لكن الحراس صادروا كل ما كتبته من ملاحظات واشعار.
وفي تلك العزلة الرهيبة يشعرالسجين بضرورة التحدث مع الاخرين ومع اي انسان اخر للخروج من وحدته القاتلة، وهنا تأكد لي ان الانسان لم يصبح آدميا الا بعد ان اصبح انسانا اجتماعيا.
وفي هذا المجال اصبت نفسيا بحالة من المفارقة، اي انني من جهة
ومن شدة العزلة والوحدة كنت ارغب التحدث مع اي شخص كان حتي لو كان محققي وجلادي، حيث كنت ابتهج عندما كان الحراس ينادونني للتحقيق لانني التقي بانسان ? ولو كان محققا – واتحدث معه لساعات وهو بالطبع يريد ان ينزع الاعترافات من المتهم كذبا او صدقا لتصدر عليه المحكمه حكمها الصارم، وهي في ايران تابعة لجهاز الاستخبارات. لكن من جهة اخري كنت انزعج من سؤالاته المطولة و المثيرة والمدمرة للاعصاب التي كانت تستمر لساعات في اليوم ? و احيانا في الليل – مشفوعة بالتهديد بالضرب و القتل
و السجن لفترات طويلة. وهنا يجب ان اذكر انهم و رغم تهديداتهم لم يضربوني جسديا لكنني تعرضت لتعذيب نفسي و هذا ما ذكرته في المحكمة دون ان يعير القاضي اي اهمية لكلامي. لكنني سمعت من المعتقلين العرب الاهوازيين بانهم تعرضوا للضرب و الجلد والتعذيب. ورغم وجود ساعات من الفراغ لدي السجناء غيران المحققين يقومون احيانا بالتحقيق معهم بعد منتصف الليل. هذا ما حدث معي، اذ في احدي الليالي بدأ المحقق التحقيق معي من الساعة الواحدة بعد منتصف الليل ولم ينتهي الا في الساعة الثامنة صباحا.
كما كان صوت العربة الصغيرة التي تحمل الأكل الي المعتقلين في ردهة السجن يبدو كموسيقي مريحة مفرحة لايضاهيها اي شيء في تلك الوحدة الرهيبة. ولايمكنك معرفة الوقت الا بواسطة الظلال
ودوران الشمس التي لم تراها الا من خلال نافذة صغيرة جدا.
بعد شهر تقريبا تمكنت من زيارة المحامي المسؤول عن الدفاع عني و هو صديقي الكردي القديم صالح نيكبخت بصحبة شقيقين لي
وشقيقتي وبعض ابنائهم. وقد سربت بواسطتهم خبر اضرابي عن الطعام الذي قمت به احتجاجا علي منع السجانين لزوجتي وبنتي من زيارتي و عدم معرفة مصيري في السجن.

مرة اخري الي زنزانة اكبر
بعد شهر ونصف الشهر عدت مرة اخري للزنزانة الاكبر ولم اعرف السبب، لكنني و رغم كل تهديداتهم وتحبيباتهم من اجل اللقاء برئيس الجمهورية انذاك محمد خاتمي للاعتذار منه بسبب ما يزعمون بدوري في تزوير وتوزيع رسالة ابطحي وفي مظاهرات الاهواز، او من اجل المشاركة في حوار متلفز للاعتراف والتصريح بالندم، لم اذعن لتلك الامور.
ويبدو ان الضجة الاعلامية وضغوط مؤسسات حقوق الانسان في
الخارج والاوساط الثقافية والصحافية في الداخل هي التي ادت الي نقلي للزنزانة الجديدة، ومن ثم اطلاق سراحي بكفالة مالي بعد 65 يوما من الاعتقال.
وقد تزامن ذلك مع عز الصيف في الاهواز حيث تصل درجة الحرارة 55 ? 60 درجة مئوية. اذ كانت السحليات و الصراصير تصول و تجول خارج الزنزانة حيث كنت اري السحليات من وراء زجاج النافذة وهي تشبه التماسيح. ومهما حاولت اغلاق المنافذ كانت بعض هذه السحليات تتسرب الي داخل الزنزانة ولم استطع من منعها، حيث طلبت من الحراس ان يستخدموا مواد سامة لإبادتها لكن دون جدوي. بل بالعكس لما شعروا بحساسيتي تجاه السحليات اخذوا يضغونها احيانا في فراشي الموجود دائما علي الارض.
وبعد هذه المدة كلها علمت من احد الحراس العرب في السجن انه يحق للسجين ان يذهب للتنفس خارج الزنزانة نصف ساعة يوميا. وقد اخذت اطالب بهذا الحق القانوني حتي سمحوا لي بين كل يومين او ثلاثة ايام ان اذهب للتنفس في فناء السجن المخصص لذلك والمحصور بجدران مرتفعة.
وفي يوم من الايام طلبت من الحارس ان يسمح لي بان ابقي لمدة ساعة – بدل النصف ساعة المقررة – لامارس الرياضة والركض في الباحة، وقد قبل بذلك. اذ ذهبت ذلك اليوم في الساعة العاشرة و النصف صباحا الي فناء السجن غير ان الحارس وبعد مرور ساعة لم يفتح لي الباب الحديدي الضخم لأعود الي زنزانتي. وبعد انتهاء الوقت المقرر بدأت ادق علي الباب بكل قوتي وانا تحت الشمس الحارقة. ورغم كل استغاثاتي وصراخي وضربي علي باب الفناء
و مرور اكثر من ساعتين علي وجودي تحت الشمس التي كانت تبلغ حرارتها نحو 60 درجة مئوية لم يفتحوا الباب. فقد اخذت اشعر بالارهاق والعطش الشديد والجوع و الدوار. في الساعة الثانية بعد الظهر وبعد ان اخذوا يوزعون الغداء، جاء مدير السجن وفتح باب الفناء متذرعا بان الحارس اخذ معه المفتاح الي خارج السجن. وقد قلت له هل يوجد في هذا السجن مفتاح واحد فقط لهذا الباب؟
في الحقيقة شاهدت الموت بام عيني ذلك اليوم وقد شعرت بان الامر كان مدبرا لايذائي ولربما لاغتيالي بتلك الطريقة.
الامر الذي يجب ان اشير اليه في الختام هو انهم وباستخدام اسلوب عزل السجين نهائيا عن محيطه وبيئته بواسطة حرمانه من كل وسائل الاتصال والاعلام والساعة وماشابه ذلك من امور يحاولون تفريغ ذهنه من افكاره وملئه بافكار يلقنونها له وقد ينجح هذا الاسلوب مع ناس غيرمجربين لم يعرفوا هذه الاساليب الخبيثة .
بعد اطلاق سراحي تواصلت التحقيقات معي في النيابة الثورية
ومن ثم في المحكمة الثورية في طهران، وقد استمر الامر لمدة تجاوزت الثلاث سنوات. وقد اصدرت المحكمة الثورية، الحكم بالسجن علي لمدة 5 سنوات و ابرمت محكمة الاستئناف هذا الحكم ليس لسبب الا لإستخدامي حق حرية التعبير لإنتقاد النظام الايراني لمواجهته الدامية للمظاهرات السلمية التي قام بها عرب الاهواز قبل 4 سنوات والتي سقط فيها العشرات من الناس العزل.

المحاضرة التي القاها الكاتب الاهوازي، عضو اتحاد الكتاب الايرانيين يوسف عزيزي باللغة الانجليزية في رابطة القلم البريطانية (إنجليش بن) قبل فترة. وقد نشرت الرابطة هذه المحاضرة علي موقعها. كما نشرت له في موقعها ومجلتها الورقية الصادرة في لندن، قصص ومقالات اخري ترتبط بحياة الشعب العربي الاهوازي .

نقلا عن جريدة الزمان اللندنية