تساؤلات حول إنعكاسات الإتفاق النووي الإيراني على أمن الخليج

فيما تتوالى ردود الفعل الإقليمية والدولية على الإتفاق النووي الثلاثي بين إيران وتركيا والبرازيل ما بين مؤيد ومعارض ومتحفظ، وعرضت واشنطن أمس الثلاثاء مشروع قرار جديد على مجلس الامن الدولي يشدد العقوبات على إيران بسبب مواصلتها برنامجها النوويAbdoulrahman_Alatiyeh
.

ومشروع القرار جاء بعد يوم واحد فقط من توقيع إيران إتفاقًا تقوم عبره باستبدال اليورانيوم المنخفض التخصيب بالوقود النووي في تركيا وبضمانات برازيلية. وكشفت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون النقاب عن المسودة قبل ساعات من تقديمها الى اعضاء مجلس الامن واشارت الى موافقة مجموعة الدول الخمس دائمة العضوية في المجلس إضافة إلى ألمانيا عليها.

وفي لندن، صرح وكيل وزارة الخارجية البريطاني اليستر بيرت ان إيران لا تزال تشكل “مصدر قلق كبير”، خصوصًا بسبب عدم “تعاونها بشكل تام مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية” لكنه أكد في الوقت نفسه وجوب “مواصلة” العمل في الامم المتحدة لفرض عقوبات.

واعتبر الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الثلاثاء في بيان له ان العرض الايراني ينبغي ان “يترافق منطقيا مع وقف ايران عمليات التخصيب بنسبة 20 في المئة”. واعلن ساركوزي على مدى اشهر تأييده الصارم لواشنطن في هذا الملف.

وشدد فاليرو على ان “لب المشكلة النووية الإيرانية هو استمرار انشطة التخصيب في نطنز وبناء مفاعل المياه الثقيلة في اراك واخفاء موقع قم وبقاء اسئلة مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية من دون اجوبة الى الان”.

ورحبت كلّ من روسيا والصين بالإتفاق ودعت موسكو إلى فتح مشاورات جديدة حول هذا الملف. واعتبر الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى ان الاتفاق “خطوة ايجابية ونرجو ان تؤدي هذه الخطوة الى حل الازمة القائمة بين إيران والغرب”.

وفي المقابل عبرت إسرائيل عن قلقها الشديد إزاء ما وصفته بـ “المناورة الإيرانية”، وأن الأخيرة تلاعبت بتركيا والبرازيل. ومن ناحيته هدد وزير الخارجية التركى أحمد داوود أوغلو بإنسحاب بلاده من الإتفاق إذا ماتم فرض عقوبات جديدة على إيران.

وعلى صعيد منطقة الخليج العربي هناك حالة من الترقب والتحفظ إزاء الإتفاق والتريث في التعليق على الصعيد الرسمي، وقد رصدت “إيلاف” آراء بعض الخبراء في الإستراتيجية والسياسة حول الإتفاق وإنعكاساته على أمن دول الخليج العربي، وتصوراتهم للمشهد الخليجي – الإيراني الحالي والمستقبلي.

عبدالكريم الغربللي: الحاجة إلى قرار إيراني جريء

بداية تمنى الخبير الإستراتيجي عقيد طيار عبدالكريم الغربللي أن يكون إنعكاسات هذا الإتفاق إيجابية على أمن الخليج العربي، لكنه قال أن الإتفاق بين المجتمع الدولي من ناحية وإيران من ناحية أخرى هو أن تمتنع إيران عن التخصيب الذاتي لليورانيوم تماما، وذلك يستدعى عدة خطوات إجرائية وتنظيمية للتأكد من أن إبران توقفت وسوف تتوقف عن تخصيب اليورانيوم ذاتيا وكليا، وذلك وفق معايير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، حيث أن هناك شرطا للمراقبة مثل زيارة من مفتشي الوكالة الدولية لمرافقها النووية بصفة دورية وغير دورية للتأكد من أن إيران إلتزمت بهذا المبدأ، وحتى الآن يصدر عن طهران أي إلتزام بالتوقف نهائيا عن التخصيب الذاتى، وهذا ما يعنى أن الهدف الايراني هو تشتيت الضغوط الدولية التى تواجهها من قبل المجتمع الدولي بما فيها الدولة المصنعة للمفاعل النووي الإيراني وهى روسيا وبقيادة الولايات المتحدة.

وتابع الغربللي: “وكل ذلك لا يصب في مصلحة إيران ولا في مصلحة الدول في الخليج العربي ولا إستقرار المنطقة، لذلك نحن نرى بأن مازال التوتر قائما ويحتاج إلى قرار واقعي وجريء من إيران لنزع فتيل هذا التوتر الذى بات أو الذي لم يعد في فتيله الكثير قبل أن ينفجر الوضع في المنطقة”.

دراسات وافية

وحول توجه السعودية والإمارات والكويت إلى إنشاء مفاعلات نووية للأغراض السلمية لتوليد الطاقة الكهربائية أكد الغربللي: “أنه بشكل عام وبكل آسف أحيط هذا التوجه لإمتلاك الخليج العربي للطاقة النووية السلمية بشيء من التعتيم، ولم يطرح الموضوع للدراسات الوافية من قبل المؤسسات المختصة، خصوصًا البعدين البيئي والامني المطلوبين في مثل هذه المرافق”.

وكشف الغربللي أن هناك ثلاث دول خليجية لا يصلح إمتلاكها للطاقة النووية وهى الكويت، والبحرين، وقطر وذلك لأسباب متعدّدة منها صغر مساحاتهم فضلاً عن عدم توفر مناطق إخلاء فيما لو حدث أي خلل في أي من هذه المرافق النووية، إضافة إلى أن المنطقة برمتها غير مستقرة أمنيا بحيث يمكن بناء مرافق نووية بهذه الخطورة بوجود صواريخ طويلة المدى تصل إلى هذه المناطق، مضيفًا “بجانب ماتمثله هذه المرافق من تهديد مباشر لمياه الخليج العربي مصدر شربنا ومطعمنا ووريد إقتصادنا، فضلاً عن الخشية من أن نقع تحت وطأة إبتزاز الدول المصنعة لمثل هذه المرافق لإنعدام الخبراء والفنيين الوطنيين وهو مايعنى ذلك من إحتمال تصنيع هذه المرافق لتكون تحت سيطرة الدول المصنعة”.

مستقبل الاتفاق بيد إيران

وبشأن قراءته لمستقبل الإتفاق الثلاثي وإمكانية نجاحه من عدمه بيّن أن المسألة ليست بيد تركيا ولا بيد البرازيل وإنما بيد النظام الإيراني منفردًا وحتى ماقيل في التوقف عن تخصيب اليورانيوم ذاتيًا بخطوات يتفق عليها مع المجتمع الدولي، وهنا تكون المشكلة قد إنتهت خصوصًا أن إيران تدعي أن مشروعها النووي هو سلمي، لذلك فالحصول على اليورانيوم المخصب من المجتمع الدولي سوف يلبي لها إحتياجاتها ويجنبها مخاطر وتداعيات إستمرار المزاجهة غير المبررة وغير المتكافئة مع المجتمع الدولي.

سامي النصف: السلاح النووي معضلة إيران

وقال المحلل السياسي سامي النصف: أن الملف النووي الإيراني كلما مر عليه الزمن كلما زاد تعقيداً، بمعنى أن الموقف الدولي حول هذا الملف، وكذلك نهاية الملف النووي الإيراني في علم الغيب، لأن إيران تستخدمه لحيازة سلاح نووي وهذه هى المعضلة، وحقيقة الملف النووي الإيراني أشبه بحالة حمل ولا يعلم أحد بنوع الجنين، والحقيقة أن المجتمع الدولي أعطى إيران خيارات أكثر من ممتازة، وتعهد ببناء مفاعلات نووية جديدة وأعطاها الوقود النووي اللازم، لكن إيران تبدي الرفض وواقع الحال أنها لم تجرب هذه الخيارات المعروضة عليها والممنوحة لها ولكي تحكم بنقص الثقة أو عدم وجود جسر ثقة بينها وبين القوى الدولية، وهذا الرفض الإيراني للمقترحات الدولية يثير القلق بالخليج ويعطى دلالة قوية على أن إيران تريد من خلال هذه المفاعلات النووية الوصول إلى السلاح النووي الذى سيخل بالتوازن في الخليج.

توجه معاد

وتابع: أما الأمر المستغرب بشكل أكبر أن إيران هذه الأيام بدلا من أنها تحاول الحصول على ثقة دول الخليج ترى العكس من ذلك تماما سواء ما يخص التصعيد مع الإمارات من خلال سيطرها على الجزر الثلاث طنب الصغرى وطنب الكبرى وأبوموسى، وأيضًا ما أعلنته البحرين عن القبض على بعض الإيرانيين يحملون جوازات سفر مزورة وهو ما يطرح تساؤلاً عن الهدف والقصد من ذلك، وقبل ذلك الشبكة التى إكتشفت مؤخرا في الكويت وأيضًا ما يحدث في العراق وعرقلتها لتشكيل الحكومة الجديدة برئاسة أياد علاوي، وكلها تصب بتوجه معاد للدول العربية.

التوجه الخليج للتكنولوجيا النووي ردة فعل

وحول منظوره لتوجه دول الخليج إلى بناء مفاعلات نووية للأغراض السلمية أكد النصف: أن ذلك بالقطع ردة فعل على المشروع الإيراني لأن خيار المفاعلات النووية قضية دولية بدأت من ما يقارب الستين عاما، وبالتالى ليست إختراعًا جديدًا ولو كانت هناك حاجة حقيقة إلى الخيار النووي لإتجهت دول الخليج إليه منذ زمن بعيد علمًا أن أغلبية دول العالم التي إتجهت إلى المفاعلات النووية لتوليد الطاقة الكهربائية إما قد توقفت ولم تتوسع في هذا الخيار فمثلا أوروبا وأميركا لم تبن أي مفاعلات نووية جديدة منذ السبعينيات، وذلك نظرًا للمخاطر الكثيرة والتكالبف الضخمة وإشكالية دفن النفايات النووية.

الدكتور غانم النجار: مرحلة أولية صعب الحكم عليها

من جانبه، قال أستاذ العلوم السياسية الدكتور غانم النجار: انه بالنسبة للإتفاق الثلاثي بين إيران وتركيا والبرازيل حوا تبادل الوقود النووي فهذه مرحلة أولية ومن الصعب الحكم عليها وتحتاج إلى ان يكون هناك تصور واضح، وكان هناك مشروع روسي حول تبادل نصف اليورانيوم المخصب نسبيا، لكن الإتفاق فشل، أما الإتفاق الحالي فيتحدث عن ثلث الكمية التى كانت في السابق لأن كمية اليورانيوم الإيرانية حاليًا زادت ولذلك مشاريع من هذا النوع تأتي عبر المفاوضات ومن خلال الشد والجذب، وهذا الإتفاق الثلاثي لا يوجد به مشروع واضح لكيفية التوصل لإتفاق ينفذ بطريقة صحيحة ومؤكدة، ومن الصعب الوصول إلى نتائج في هذه اللحظة، ولا يزال الوقت مبكرًا للوصول إلى نتيجة في هذا الموضوع، وما زالت في مراحلها الأولى وعندما يتم التوصل إلى إتفاق رسمي ويتم تنفيذ هذه العملية تبدأ التداعيات.

مناورات

وحول إعلان المتحدث الرسمي للخارجبة الإيرانية عقب توقيع الإتفاق الثلاثي أن بلاده ستواصل إنتاج اليورانيوم المخصب ينسية 20% أكد النجار: أن ما أعلنه المتحدث الرسمي للخارجية الإيرانية يندرج في إطار أن المسألة ما زالت في مراحلها الأولى من مناورات سواء من المجتمع الغربى أو من جانب إيران.

توازن وضغوط

وفي ما يتعلق بتوجه دول الخليج نحو الخيار النووي السلمي لتوليد الطاقة الكهربائية بين النجار: أن الخيار النووي ومسألة التكنولوجيا النووية معقدة وطويل، ولكن لا علاقة بهذا الموضوع كله، وإنما هو نوع من إيجاد التوازن والضغط على إيران لفهم أنه بإمكان دول الخليج التوجه للإتجاه نفسه وهي مسألة ما زالت مفتوحة وكله يأتي في إطار المفاوضات والمناورات.

 

شاهد أيضاً

رفيقنا المناضل مهدي ابو هيام الأحوازي

تلقينا في حزب التضامن الديمقراطي الأهوازي التغييرات الإيجابية في المكتب السياسي لحزبكم الموقر و الذي …