رحل فارس الكلمة، ملك “الأبوذية”، بقية السيف للقصيدة العربية في عربستان، رائحة الطيب للنخيل الدورقية، المثقف المخضرم، المتمرد على حدود عصره السُفلي. رحل فاضل، حامل هموم “الضاد” في بلاد تعاديها. مات المحارب ولم يمت، حارب بحسام المفردات العاشقة وانقذ الحب والغزل و”الأبوذية”. حاولت يا فاضل، يا شاعر أن تثبت أركان لغة كادت تندثر في زحمة الأعجمية، وقد نهلت من مياه “الفلاحية”، من آبار امرئ القيس والمتنبي و أبي نواس وابن معتوق وكل فحول الكلمة العربية والأعجمية. لا والله لن يجف الشعر في أرضنا البعيدة عن أمنا العربية. شعرك يعشعش كالهزار في بساتين عربستان ويطير كالنورس في بحر عبادان. بل ويعبق بعطره، أرض الرافدين والكويت والبحرين. فيا صديقي المارد، يا مقيم أرض “سلمان” أين التقي بك بعد الآن؟ وأي باب أطرقه عندما أدخل “الفلاحية”؟ لابد لي وأن أسأل “الهور” عنك ومياه “الفلاحية”، فهل تتذكرك ذاكرة نهر “الجراحي”؟ فإني على يقين بأن المياه والنخيل والأجيال لن تنساك.
لم يكسب الملا فاضل السكراني، كل هذه الشهرة بسبب سمو شعره فحسب، بل وبمواقفه السياسية أيضا، حيث انتمى إلى التيار القومي العروبي في عربستان أوائل الستينات من القرن المنصرم وتم اعتقاله من قبل جهاز “السافاك” التابع للنظام الملكي البائد في إيران.
وفيما كان صديقي الشاعر فاضل السكراني أسوة أدبية لنا في حياته، أصبح نموذجا يحتذى به في مماته. إذ وخلال تشييع جنازته التي شارك فيها عشرات الآلاف من المواطنين العرب الأهوازيين، نرى غيابا كاملا للبيارق (الأعلام) العشائرية والقبلية وهذا الأمر يدل أولا على تطور الوعي القومي على حساب الوعي القبلي بين جماهير شعبنا العربي الأهوازي وخاصة لدى القائمين على التشييع. وثانيا، يدلّل على أن الجماهير الواعية قوميا وسياسيا في إقليم عربستان لا يقل تقديرها لشاعر خدم لغتها وأدبها، من تقدير شيخ ديني أو قبلي.
وقد اثبتت الاجتماعات الجماهيرية الاحتجاجية على تجفيف نهر “كارون” وكذلك تشييع الشاعر الملا فاضل أن شعبنا العربي الأهوازي وجد طريقه النضالي – الذي أكدناه دوما- وهو النضال الجماهيري الاجتماعي والثقافي والسياسي.