الحكمة والاستراتيجية في نضال الشعب الأهوازي نحو الحرية

منصور الأهوازي:

الحكمة والاستراتيجية في نضال الشعب الأهوازي نحو الحرية

في أحدى أهم مقابلاته على تلفزيون الأهواز بتاريخ 23 نوفمبر 20٨07، التي شكلت بمثابة رسالة قوية وواضحة لمستقبل القضية الأهوازية، تحدث القائد الراحل منصور الأهوازي عن رؤيته الاستراتيجية العميقة والطموحات المستقبلية لشعبه. كانت تلك المقابلة إشراقة أمل حقيقية وبوابة جديدة لفهم أعمق وأكثر واقعية للقضية الأهوازية، حيث لم يكن منصور مجرد قائد سياسي تقليدي، بل كان حكيمًا استشرف المستقبل بعين بصيرة. تحدث بكل صدق عن التحديات الكبرى التي تواجه شعبه، مسلطًا الضوء على السبل التي يجب اتباعها لتجاوز هذه التحديات وإحراز التقدم في سبيل تحقيق العدالة والحرية لشعبنا. في حديثه، وضع منصور نصب عينيه هدفًا واحدًا لم يتراجع عنه أبدًا: حرية الشعب الأهوازي وتحقيق مطالبه العادلة في إطار من العزة والكرامة.

لكن في الوقت ذاته، وعندما نربط كلمات منصور بما يحدث اليوم في إيران، نجد أن الرؤية التي طرحها كانت تعبيرًا عن واقع نعيشه الآن. في ظل الأزمات المتتالية التي يواجهها النظام الإيراني، تتزايد احتمالية سقوطه بشكل ملحوظ. المجتمع الإيراني، الذي يعاني من القمع السياسي والاقتصادي الذي يفرضه النظام، يواصل التعبير عن سخطه عبر احتجاجات شعبية متزايدة على كافة الأصعدة. هذا يوضح تآكل شرعية النظام بشكل كبير. ففي الوقت الذي يعاني فيه الشعب من أزمة اقتصادية خانقة نتيجة للعقوبات الدولية وسوء الإدارة الداخلية، تزيد هذه الظروف من الاحتقان الاجتماعي، مما يهدد استقرار النظام السياسي بشكل متزايد.

على الجانب الداخلي، تشهد السلطة الإيرانية انقسامات حادة بين التيار المحافظ والتيارات الإصلاحية التي تتبنى أفكارًا مختلفة حول كيفية معالجة الأزمات، مما يعزز من هشاشة النظام داخليًا. هذه الانقسامات تُظهر أن النظام لم يعد متماسكًا كما كان في السابق، مما يزيد من احتمالية انهياره أو على الأقل تحوله إلى شكل آخر من الحكم. مع تصاعد الضغوط الداخلية والخارجية، يصبح من الواضح أن التراكم للأزمات – سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية – قد يؤدي إلى تغييرات جذرية ستنتهي بسقوط النظام الإيراني حتماً، مما يفتح المجال لاحتمالات جديدة لتغيير حقيقي في إيران، وضرورة الانفتاح على خيارات سياسية جديدة تشمل جميع الشعوب، بما في ذلك الشعب الأهوازي.

إننا في حزب التضامن الديمقراطي الأهوازي نؤمن أن القضية الأهوازية هي جزء من هذا التغيير التاريخي المرتقب. ومن خلال فهمنا العميق للتحديات التي تحدثنا عنها، نرى أن المرحلة المقبلة تحمل الكثير من الفرص، ولكنها أيضًا مليئة بالمخاطر التي تتطلب الوعي والتنظيم والعمل المستمر. إن كلمات منصور الأهوازي في آخر مقابلة له كانت بمثابة خارطة طريق لنا جميعًا، لنستمر في نضالنا السلمي والمستدام نحو الحرية والعدالة لشعبنا، ولنكون جزءًا من التغيير الذي يلوح في الأفق.

المرحلة الحاسمة: تحديات ومسؤوليات كبيرة

بدأ منصور الأهوازي حديثه بالتأكيد على أن “المرحلة الحاسمة تقترب”، مشيرًا إلى أن نضال الشعب الأهوازي لا يزال في مرحلة حرجة، تتطلب أكثر من أي وقت مضى الحذر والحكمة. فقد قال: “المرحلة الحاسمة تقترب، ويجب أن نتحلى بالحكمة والحيطة حتى نتمكن من تسيير الحركة الوطنية الأهوازية نحو مسار صحيح”. من خلال هذه الكلمات، كان منصور يعبر عن وعيه الكامل بالتحديات الكبرى التي سيواجهها الشعب الأهوازي في هذه المرحلة، والتي لا ينبغي أن تُترك للأهواء أو العواطف بل يجب أن تُوجه بناءً على فكر سياسي استراتيجي بعيد المدى.

تأتي أهمية هذه الكلمات من كونها تشير إلى أن النضال الأهوازي ليس مجرد حركة احتجاجية أو رد فعل عاطفي، بل هو نضال مدروس يستند إلى عقلانية وحذر. وكان منصور يشدد على أن ما تحقق من إنجازات حتى الآن كان نتيجة لجهود منظمة ومنهجية، وأن الحفاظ على هذه المكاسب يتطلب استراتيجية محكمة لتجنب الوقوع في الأخطاء.

دور الشهداء في مسيرة النضال الأهوازي

منصور الأهوازي كان دائمًا يؤكد في خطابه على دور الشهداء في تأسيس وتطوير الحركة الوطنية الأهوازية. في هذه المقابلة، لم يكن مجرد تكريم لتضحيات الشهداء بل كان يراها الأساس الذي بُني عليه النضال الأهوازي. فقد ذكر عددًا من الأبطال الذين ضحوا بحياتهم في سبيل القضية الأهوازية مثل الشهيد محي الزيبق، الشهيد محي الدين آل ناصر، والشهيد سيد فهد، حيث قال: “الحركة الوطنية الأهوازية تحصد اليوم ما زرعه بالأم الشهداء والمناضلون الأوائل الذين وضعوا المداميك الأولى لمقاومتنا الوطنية”.

تأكيد منصور على الشهداء ليس مجرد تعبير عن الوفاء لذكراهم بل هو دعوة للأجيال القادمة للاستمرار في حمل لواء المقاومة، مستلهمين من تضحياتهم ومبادئهم. فقد كان منصور يدرك تمامًا أن أي نضال حقيقي لا يمكن أن يكتمل دون إحياء ذكرى هؤلاء الشهداء الذين قدموا حياتهم في سبيل القضية. هذه التضحيات كانت بمثابة الوقود الذي أطلق شرارة النضال الأهوازي وجعلها تتسارع في الاتجاه الصحيح نحو المطالبة بالحقوق المشروعة.

الحذر والتخطيط الاستراتيجي: تجنب التسرع والعاطفة

بينما كان منصور يسلط الضوء على أهمية الشهداء، كان يعبر عن قلقه حيال المزالق التي قد يقع فيها بعض الأفراد أو الحركات نتيجة للتسرع والعاطفة. فقد قال منصور في حديثه: “تقتضي مسؤوليتنا الوطنية بعدم حرق المراحل وما تحمله من فرص تاريخية قد لا تتكرر من خلال السعي للقفز عليها قبل نضوجها”. هذه الكلمات تعكس فهمًا عميقًا لأهمية التخطيط الاستراتيجي والتمهل في اتخاذ القرارات. منصور كان يحذر من الاستعجال في اتخاذ خطوات قد تضر بالقضية على المدى الطويل، مشيرًا إلى أن النضال الوطني يحتاج إلى التدرج والواقعية.

لقد كان منصور يؤمن أن اتخاذ القرارات في وقت غير مناسب أو على أساس عاطفي قد يؤدي إلى فقدان مكاسب كبيرة أو التأثير سلبًا على الحركة. كما كان يعتقد أن المثالية المفرطة أو التسويق العاطفي قد يؤديان إلى مسار غير واقعي قد يضر بالقضية. ولذلك كان يدعو إلى التحلي بالصبر، ووضع استراتيجيات طويلة المدى مع الحفاظ على الحذر والوعي بالظروف الدولية والإقليمية.

بناء القوة الذاتية: أساس النضال المستدام

منصور الأهوازي كان من القادة الذين لا يراهنون على الدعم الخارجي كمفتاح لحل القضية الأهوازية. في رأيه، كان بناء “القوة الذاتية” هو العنصر الأساسي الذي يجب أن يركز عليه الشعب الأهوازي. حيث قال: “يجب أن نكون أقوياء في الداخل أولاً حتى نتمكن من التحدث بقوة إلى العالم”. هذه الرؤية تعكس فلسفة منصور في النضال، حيث يرى أن الشعب الأهوازي يجب أن يبني قدراته التنظيمية والمجتمعية الداخلية قبل أن يتمكن من المطالبة بحقوقه على الساحة الدولية.

إن تعزيز التنظيم الداخلي، وبناء المؤسسات المجتمعية، وتطوير القيم السياسية والاجتماعية في الداخل هي الخطوات الأساسية لتحقيق القوة الذاتية. منصور كان يرى أن هذا البناء الداخلي هو الذي سيمكن الشعب الأهوازي من الصمود في وجه التحديات والضغوط الخارجية. هذه الفلسفة تبرز كيف أن منصور كان يعول على قدرات شعبه الداخلية في مواجهة المستقبل، مع التأكيد على أهمية تطوير المؤسسات والنظام السياسي الداخلي بما يتناسب مع تطلعات الشعب الأهوازي.

التفاؤل بالنجاح في النهاية

على الرغم من التحديات الكبيرة التي قد تواجه الشعب الأهوازي، كان منصور يمتلك إيمانًا قويًا بأن الشعب قادر على تحقيق أهدافه في النهاية. فقد قال: “نحن على ثقة تامة بأن شعبنا العربي المقدام لهو قادر على اجتيازها وصولا إلى تحقيق كافة طموحاته الوطنية المشروعة”. هذا التصريح يعكس الثقة التي كان منصور يضعها في قدرة الشعب الأهوازي على تجاوز الصعاب والوصول إلى تحقيق حقوقه. كان منصور يؤمن أن التضحيات التي قدمها الشهداء والجهود المبذولة من قبل الأجيال السابقة ستؤتي ثمارها في النهاية، وأن النضال، رغم صعوباته، سينتصر في النهاية.

تقدير عميق لقائد عظيم

تقدم مقابلة الشهيد منصور الأهوازي نموذجًا متكاملاً للفكر السياسي الاستراتيجي الذي يعتمد على الحكمة والعقلانية في إدارة النضال الوطني. من خلال تأكيده على أهمية الحذر، الصبر، بناء القوة الذاتية، وتقدير تضحيات الشهداء، يظهر منصور كقائد حكيم يرى أن النضال ليس مجرد حركة عاطفية بل مسار طويل ومعقد يتطلب تخطيطًا دقيقًا. وفي هذه المقابلة، كان منصور يوجه رسالة قوية للأجيال القادمة بضرورة الاستمرار في الكفاح، ولكن بوعي كامل بالظروف المحيطة وبعقلانية استراتيجية.لقد كان منصور الأهوازي قائدًا استثنائيًا، كان يتسم بالواقعية والحكمة في مواقفه السياسية.بحيث قدم لنا رؤية واضحة للمستقبل، نحن، كرفاق له في حزب التضامن الديمقراطي الأهوازي، نحتفل بكل كلمة قالها منصور ونستمد قوتنا من رؤيته الحكيمة. إن إرثه سيظل حيًا فينا، وكلماته ستكون دائمًا مصدر إلهام في نضالنا المستمر.

 

 

 

شاهد أيضاً

رسالة وفاء ونضال: خريج أهوازي في بريطانيا يهدي أطروحته للدكتوراه إلى معتقلي الرأي

رسالة وفاء ونضال: خريج أهوازي في بريطانيا يهدي أطروحته للدكتوراه إلى معتقلي الرأي في مشهد …