“الابن السيء” يحصد الجائزة التشريفية في مهرجان Big Syn السينمائي الدولي بلندن
أُعلن في لندن عن حصول الفيلم الوثائقي الطويل “الابن السيء”، من إخراج السوري غطفان غنوم وتأليف الكاتبة وفاء جابر أحمد، على الجائزة التشريفية الخاصة ضمن فئة الأفلام الوثائقية الدولية بمهرجان Big Syn السينمائي الدولي لعام 2024. هذا الإنجاز يأتي تتويجًا لرحلة ملهمة لفيلم عميق التأثير، يُلقي الضوء على قضايا مؤلمة وأصوات غير مسموعة. وقد أُقيمت فعاليات حفل توزيع الجوائز في مسرح Curzon Soho، بحضور حشد من نجوم وصناع السينما والشخصيات الدولية المعنية بقضايا الاستدامة.
رسالة إنسانية وحكايات من القهر والتحدي
يقدم “الابن السيء” رؤية فريدة ومؤثرة، تروي محنة الشعب السوري في مواجهة القمع والاضطهاد، مسلطًا الضوء على التشويه الإعلامي والدعاية المضللة التي استخدمها النظام لطمس الحقائق. يضم الفيلم مشاهد مؤلمة، بعضها لأطفال وقعوا ضحايا للرعب، وعائلات مزقتها الحرب، وأخرى تعكس أحلام جيل كبر وسط الدمار، ما يمنح العمل بُعدًا إنسانيًا يأسر القلوب، ويرسم صورة واقعية لمأساة مستمرة. الفيلم يواجه المشاهدين بلقطات حقيقية ومؤثرة، ليذكرهم بأن معاناة السوريين ليست مجرد حدث عابر، بل قصة تستحق أن تُروى وتُسمع.
أصوات متمردة ونضال ثقافي: دور الكاتب الأهوازي جابر أحمد
في قلب هذا العمل، يُبرز الفيلم قصة الكاتب والمفكر الأهوازي جابر أحمد، الذي يجسد مثالاً لصوت متمرد يبحث عن الحرية الحقيقية. فبينما عايش أحمد الثورة الإيرانية في بداياتها مؤمنًا بوعود التغيير، انتهت تجربته بخيبة أمل قاسية، ليصبح لاجئًا متنقلًا، من سوريا إلى فنلندا، بحثًا عن حياة كريمة. عبر إدخال قصته في الفيلم، يخلق “الابن السيء” حوارًا مشتركًا بين معاناة الشعبين السوري والأهوازي، موضحًا كيف أن طريق الثورات ليس دائمًا ورديًا، بل هو مملوء بخيبات الأمل والأثمان الثقيلة.
جابر أحمد، بمكانته كمفكر وكاتب من الأهواز، يضفي بعدًا جديدًا على السرد، ويعكس قوة الثقافة الأهوازية في التحدي والمثابرة. من خلاله، يجد المشاهد نفسه أمام تجربة إنسانية مشتركة، تُظهِر معاناة المجتمعات المضطهدة في سعيها للتحرر والانعتاق. حضور أحمد كرمز ثقافي أهوازي في الفيلم يجعل من القصة حكاية تُروى عن أمة بأكملها، ويؤكد أن الألم والأمل مشتركين بين الشعوب التي تكافح من أجل حقوقها.
مهرجان Big Syn: منصة لأفلام تُحدث التغيير
مهرجان Big Syn السينمائي الدولي ليس مجرد مهرجان اعتيادي؛ إنه منصة تهدف إلى نشر الوعي حول قضايا الاستدامة عبر قوة السينما. يضم المهرجان أفلامًا من أكثر من 120 دولة، ويصل تأثيره إلى نحو 50 مليون شخص حول العالم، ملهِمًا إياهم لتبني التغيير الإيجابي. ويهدف هذا الحدث إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، عبر تسليط الضوء على القضايا البيئية والاجتماعية التي تواجه البشرية، مما يجعله واحدًا من أهم المهرجانات التي تجمع بين الفن والمسؤولية الاجتماعية.
تكريم لجنة تحكيم رفيعة المستوى
تم اختيار “الابن السيء” ضمن مجموعة من الأفلام المتميزة، عبر لجنة تحكيم تضم نخبة من الأسماء العالمية في السينما والاستدامة، من بينهم شخصيات حائزة على جوائز الأوسكار والبافتا والإيمي. اللجنة التي ضمت شخصيات مثل روبرتا بوسكولو، رئيسة قسم المناخ والطاقة في المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، والبارونة بينيت عضو مجلس اللوردات البريطاني، وكريستين تشوي من جامعة نيويورك، وصانعي أفلام حائزين على جوائز كبرى، لم تجد صعوبة في تمييز “الابن السيء” كفيلم ينقل رسائل إنسانية قوية، ويُعد بمثابة شهادة على قدرة السينما في نقل تجارب الشعوب وتحدياتها إلى العالم.
ثلاث مفارقات أساسية تسردها قصة “الابن السيء”
يقدم الفيلم ثلاث مفارقات تسلط الضوء على تعقيد الرسالة التي يسعى لنقلها: أولاً، ينقل الفيلم الفرق بين الفنان الحقيقي الذي يتمسك بقيم الحرية والعدالة، وبين الفنان الذي ينحاز للسلطة. ثانيًا، رغم أن الفيلم يحمل عنوان “الابن السيء”، إلا أن حقيقته تكشف أنه ابن بار بقيم الحرية والديمقراطية، ويعكس رفضًا واعيًا للقمع والاستبداد. ثالثًا، يأتي العمل كتذكير للعالم بأن جرائم النظام السوري لم تُنسَ، رغم توجه بعض الأطراف الدولية لتطبيع العلاقات معه، ويذكر بآلام شعب لا يزال يرزح تحت القمع.
حفاوة عالمية ونقل لقضية إنسانية
شارك “الابن السيء” في أكثر من ثلاثين مهرجانًا دوليًا ونال أكثر من عشر جوائز، مما يعكس تأثيره العميق في المشهد السينمائي. وقد لقي استحسان النقاد والمشاهدين على حد سواء، ليصبح أحد الأعمال السينمائية التي تحمل رسالة إنسانية لا تُنسى.
كلمات المخرج غطفان غنوم: شهادة على النضال والأمل
وفي كلمة للمخرج غطفان غنوم خلال تسلمه الجائزة، عبّر عن شكره وتقديره للمهرجان، قائلاً: “الفيلم ليس مجرد سرد لأحداث مؤلمة، بل هو شهادة حية تجسد أمل الشعب السوري في الحرية والكرامة. آمل أن يحفز هذا العمل الجمهور على التفكير واتخاذ خطوات نحو عالم أفضل يدعم حقوق الإنسان ويقف ضد الظلم في أي مكان.”
عن مهرجان Big Syn ودوره في تعزيز السينما المستدامة
يعتبر مهرجان Big Syn جزءًا من مبادرة مركز Big Synergy التابع للأمم المتحدة، حيث يسعى لدمج السينما مع أهداف التنمية المستدامة. يهدف المهرجان إلى تحقيق تأثير حقيقي من خلال تقديم أفلام ترفع الوعي بقضايا مثل التغير المناخي وحقوق الإنسان والفقر، لتكون السينما أداة فعّالة في إلهام التغيير.
“الابن السيء” هو شهادة على قوة السينما في تسليط الضوء على أصوات مكبوتة وحكايات غير مروية، ويمثل تكريمًا لشعبين يعيشان ألمًا مشتركًا وطموحًا للتحرر، ليصبح فيلمًا يُعبر عن صوت الإنسان الباحث عن العدالة، ويجسد رسالة مفادها أن السينما قادرة على أن تكون نافذة للتغيير والتحرر.