مقاطعة الانتخابات من قبل غالبية الشعب والأحزاب
جابر احمد
2024 / 6 / 30
مواضيع وابحاث سياسية
أصبحت مقاطعة انتخابات رئاسة الجمهورية الإسلامية الإيرانية موضوعًا هامًا لعدة أسباب. السبب الأول هو وجود مجلس صيانة الدستور الذي يفرض الرقابة المسبقة على المرشحين، مما يحد من عدد الذين يرشحون أنفسهم لهذا المنصب ويسمح فقط لأولئك الذين تتم الموافقة على صلاحيتهم من قبل المجلس. هذا القيد يعني عمليًا حرمان العديد من المرشحين، سواء كانوا مستقلين أو إصلاحيين، من المشاركة في هذه الانتخابات، مما يجعلها غير حرة وغير ديمقراطية.
السبب الثاني هو تدخل العسكريين في العملية الانتخابية، حيث يتدخل الحرس الثوري الإيراني والمؤسسات الأمنية الأخرى بشكل مباشر وغير مباشر في عملية الانتخابات، ويستخدمون قوتهم للتأثير لصالح المرشحين. هذه التدخلات لا تضر بنزاهة الانتخابات فقط، بل تقلل أيضًا من ثقة العامة في العملية الانتخابية.
السبب الثالث هو هيمنة المرشد الأعلى واستقلال سلطاته التي يمنحها له دستور الجمهورية الإسلامية. باعتباره أعلى سلطة في النظام، حيث لديه سلطات واسعة وجميع المؤسسات والسلطات تحت سيطرته وإشرافه. من هنا فإن منح السلطات لشخص واحد يكون حائلًا دون استقلال السلطة التشريعية والسلطة القضائية والسلطة التنفيذية من أداء مهماتها بشكل مستقل ودون ضغوط.
السبب الرابع هو فقدان حرية الصحافة والتعبير المفروضة على المجتمع والسياسيين والنشطاء المدنيين، حيث يواجه هؤلاء ضغوطًا أمنية وقضائية بسبب انتقادهم للحكومة، والكثير منهم يتم سجنه أو فصله من عمله. هذا يحد من حرية النقاش والحوار ويمنع إيجاد بيئة للمنافسة الصحية والشفافة في فترة التمهيد لإجراء الانتخابات الرئاسية أو غيرها.
لعل مجموع هذه العوامل هي التي جعلت العديد من الأحزاب والمنظمات السياسية في إيران تقوم بمقاطعة هذه الانتخابات. لذلك فإن المظاهرات والدعوات إلى المقاطعة تعبر عن الاستياء العام من النظام ككل ومن مسرحياته الانتخابية، وبالتالي تسعى للعمل على إسقاط نظام ولاية الفقيه ومن ثم إجراء تغييرات جذرية لحل المشكلات الأساسية التي يعاني منها المجتمع سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي في إيران. ولعل هذا هو الذي دفع إلى مقاطعة مسرحية الانتخابات وازدياد السخط العام من قبل المواطنين ضد نظام ولاية الفقيه.
كما أن مقاطعة الانتخابات الرئاسية لم تقتصر على الرأي العام والجماعات المدنية التي دعت إلى مقاطعتها، بل إن العديد من الأحزاب السياسية في إيران قاطعتها معتبرة أنها انتخابات مسرحية يحاول النظام من خلالها تعزيز شرعيته. ولعل من بين هذه الأحزاب، هناك ستة أحزاب سياسية كردية تمثل سكان كردستان في إيران، قاطعت الانتخابات بسبب عدم اهتمام النظام بحقوق القوميات والتدخلات الواسعة من قبل الأجهزة الأمنية. هذه الأحزاب تعتقد أن المشاركة في الانتخابات تحت الظروف الحالية لا تساعد في تحسين وضع الأكراد، بل تساهم في إضفاء الشرعية على نظام غير ديمقراطي.
حزب توده إيران، الذي يعد واحدًا من أقدم الأحزاب اليسارية في إيران، قد أكد مرارًا على مقاطعة الانتخابات. حيث يعتقد الحزب أنه بدون وجود ظروف ديمقراطية وإزالة الرقابة من قبل مجلس صيانة الدستور، لا يمكن تحقيق انتخابات حرة وعادلة. ويرى حزب توده إيران بأن الإصلاحات الحقيقية لا يمكن تحقيقها إلا من خلال إجراء تغييرات جذرية في الهيكل الحكومي والانتخابي.
كما أن حزب التضامن الديمقراطي الأهوازي والمنظمات والجبهات العربية الأهوازية المؤتلفة معه أصدروا بيانًا مشتركًا أيضًا قاطعوا من خلاله هذه الانتخابات بسبب التمييز المنهجي ضد الشعب العربي الأهوازي والشعوب الإيرانية الأخرى وعدم الاهتمام بحقوقهم. ويعتقدون أن المشاركة في الانتخابات نتائجها محددة مسبقًا لن تؤدي إلى إزالة التمييز وعدم المساواة، ولا يمكن أن تحل المشكلات الأساسية للمجتمع العربي الأهوازي وباقي الشعوب في إيران.
الجبهة الوطنية الإيرانية، كواحدة من القوى الرئيسية الداعية إلى الديمقراطية والوطنية، دعت أيضًا مرارًا وتكرارًا إلى مقاطعة الانتخابات واعتبرتها وسيلة للاحتجاج على الوضع الحالي. وتعتقد الجبهة أنه بدون إجراء إصلاحات جذرية في الدستور وإجراء انتخابات حرة، لا يمكن تحقيق ديمقراطية حقيقية في البلاد.
حزب اليسار الإيراني، كأحد القوى اليسارية الأخرى، قاطع أيضًا هذه الانتخابات بسبب عدم الشفافية والعدالة في العملية الانتخابية. ويعتقد الحزب أنه طالما أن الهيئات الرقابية تستمر في التدخلات غير القانونية ولا تتيح مساحة حرة للنقد والحوار، فلا يمكن الأمل في انتخابات نزيهة وشفافة.
مقاطعة الانتخابات من قبل هذه الأحزاب تعبر عن احتجاج واسع على البنية غير الديمقراطية وغير العادلة للانتخابات في إيران. هذه القرارات استندت إلى تجارب سابقة وعدم وجود تغييرات ملموسة عبر العملية الانتخابية، وتظهر اليأس العميق من إمكانية الإصلاح ضمن إطار النظام الحالي العاجز تمامًا عن حل المشكلات الأساسية، ومن المحتمل أن تستمر مقاطعة الانتخابات وتزداد حالات عدم الرضا في الجولة الثانية من الانتخابات وكل الاحتمالات واردة لأن المجتمع الإيراني واقف على صفيح حامٍ من النار