20/05/2024

تأصيل تسمية دورخوين

عارف نصر-لندن

ضمن الجهود التأريخية الرائعة التي تبذل من قبل بعض الأخوة الأهوازيين بداخل وخارج الوطن فيما يتعلق بتاريخنا الذي يستصرخ المزيد من البحث والتنقيب، شد انتباهي تأصيل تسمية دورخوين، بتاؤيل مختلففسرعان ما وجدت ذاكرتي تجمع شتات ما قراءته في أمهات الكتب البلدانية والتاريخية وتحثني لرأي مختلف يفيد أن التسمية عمرها أكثر ألف عام، بينما الروايات الشفهية او تلك الموجودة في الأرشيف البريطاني أما أنها سكتت او نسبت التسمية الى فترة لا تتجاوز ١٣٠ عاما الماضية.
السؤال المركزي هنا، إلى أي وقت مضى يعود هذا الاسم؟ ماهي جذوره؟ ومتى أطلق على هذه المنطقة:
بطبيعة الحال في ظل تشتت المعلومات وقلتها لن نستطيع أن نجزم بأي معلومة أو رأي قاطع وانما ستكون الآراء الواردة في هذا المقال القصير مجرد افتراضات بحثية لا أكثر.

بداية لنتفق أن تسمية دورخوين تتشكل من مفردتين همادور+ خوين الشق الأول هو جمع تكسير لدار التي تجمع ويشتق منها عدة مفاهيم أخرى منها دور وديار وديارات، أي ما يدار بالجدار، ويشمل مسكن الإنسان وتوابعه من مسكن حيوانه. وردت الدور اسماً علماً لمدن كثيرة كدار السلام وهي بغداد أو كمصطلح فقهي كدار الحربمقابل دار الإسلام ونجدها في الحضارة العيلامية تردفي مفردة دورانتاش وعرفت إحدى القرى الأهوازيةبالعصر العباسي باسم دور الراسبي يقول عنها ياقوت الحموي «كأنه منسوب إلى بني راسب بن ميدعان بن مالك بن نصر بن الأزد بن الغوث: بين الطيب وجندي سابور…، منه كان أبو الحسين عليّ بن أحمد الراسبي، ولست أدري هل الدور منسوب إليه أو هو منسوب إلى الدور.»(الحموي،ج٢ص٤٨١)
وأما الشق الثاني أي مفردة خوين فليس هنالك أتفاق على جذوره» فاذا كانت المفردة عربية فأصلها يعود الى «خَانَ، يَخُونُ،خَوْنٌ خَانَ أَصْدِقَاءهُ: وهي تعني لَمْ يُحَافِظْ عَلَى الْعَهْدِ، أَيْ غَدَرَ بِهِمْ ويقال خَانَتْهُ ذَاكِرَتُهُ: بمعنى لَمْ تُسْعِفْهُ، خَذَلَتْهُ».وهي صفة ذميمة لم تسمي العرب مواليدها بها، من هنا بعد رجوعنا الى موسوعة اللهجة الأهوازية للباحث الأهوازي عبد الأمير الشويكي لم نجد بأن الأهوازيين يطلقون هذه الصفة على مواليدهم وانما وجدنا يطلق هذا الاسم بمعناه الأعجمي ( التركي- التتري- الفارسي ) بمعنى الرتبة العسكرية أو الملك على غرار أسماء مشابه كسباهي ، سردال (سردار) شهباز،…الخ وقد عرفت أحدى العشائر الرئيسة لبني لام باسم عبد الخان وهو عبد الخان بن فرج بن حافظ البراك اللامي و الظاهر أن هذا الاسم أطلق تعبيراً لولاء بني لام لخان الحويزة أي ملك الدولة المشعشعية.

ويوجد معنى آخر لمفردة الخان في اللغة العربية دخلت عبر اللغات الأجنبية لها وهي الخان بمعنى المضافات أو الأنزال الكبيرة التي صممت لاستقبال التجار المسافرين وقوافلهم أثناء عبورهم الطرق التجارية. وكانت هذه الخانات المنتشرة في البلدان توفر فرصة دائمة للتجار لكي يستمتعوا بالطعام وينالوا قسطاً من الراحة ويستعدوا بأمان لمواصلة رحلتهم، ولكي يتبادلوا البضائع ويتاجروا في الأسواق المحلية ويلتقوا بغيرهم من التجار المسافرين أيضاً. ينقل الحموي في كتابه بذم أهل حلوان:
ما إن رأيت جواميسا مقرّنة إلا ذكرت ثناء عند حلوان

قوم، إذا ما أتى الأضياف دارهم لم ينزلوهم ودلوهم على ‌الخان(نفس المصدر،ج٢ص٢٩١)
اذاً بعد هذا الشرح السالف أعلاه سنكون أمام رأيين الأول يذهب كون الاسم يرجع لشخص بعينة مثلاً وليس حصراً عبد الخان وربما يصغر بصيغة عبدخوين ويحفف بأخويين بعد حذف مفردة العبد كما يقال لعبد الرحمن مثلاً أرحيم في اللهجة الأهوازية. وبالفعل هنالك رواية متداولة لدى الجمهور تفيد بأن أخوين هذا رجل من قبيلة بني خالد العربية وقيل من بني أسد، سكن هذه المنطقةفي زمن الشيخ خزعل وعرفت باسمه وأما الرأي الثاني الذي نذهب اليه يرجح كون عمر الاسم لا يقل عن ألف سنة وبالتحديد في العصر العباسي كون الموقع الحالي يقع في مسير القوافل التجارية وكانت بتلك المنطقه ثمة خان أي دار ضيافة أو فندق بلغة عصرنا للمسافرين والقوافل التجارية. وما يجعلنا نرجح هذه الرواية الثانية الدلائل التالية:

اولاً كون يقع بالقرب من مدينة دورخوين حاليا نهر فرعي يعود على الأقل إلى زمن الدولة المشعشعية، يعرف بشاخة الخان. إذ ورد هذا الاسم في مخطوطة تاريخ بني كعب ضمن الأحداث التي حدت بهم أن ينتقلوا من القبان الى الدورق، إذ جاء بما نصه:
«فشالوا كعب ونزلوا في شاخة الخان وكان الحاكميومئذٍ سلمان، فجعل سلمان يجيل الأفكار فصوّب نظره أن يشقّ نهراً عظيماً من كارون إلى الهور»(مخطوطة بني كعب،ص)، وهذا يعني أن التسمية كانت متداولة في زمن الشيخ سلمان الكعبي وتعود لفترات أقدم

ثانيا ورد في العديد من المصادر التاريخية والبلدانية هذا الاسم أي الخان بموقع تقريبي مشابه، إذ يقول صاحب نزهة المشتاق في اختراق الأفاق عن الطريق الواصل من مدينتي أرجان الى باسيان الأهوازيتين ما نصه «من أرجان إلى قرية آسك مرحلتان ومن آسك إلى ديرا مرحلة وديرا قرية ثم منها إلى ‌الدورق مرحلة ثم من ‌الدورق إلى خان تنزله السابلة يعرف ‌بالخان ثم إلى مدينة الباسيان…» (الادريسي،ج١ص٤٠١)
وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار مفردة المرحلة الواردة في هذا النص لتحديد مسافة الدورق الى الخان بأنهاتساوي في مسافاتنا الحالية ٣٥ كيلومتراً، نجد عملياً مسافة الدورق الى دورخوين الحالية هي نفس المسافة تقريباً، علماً أن مدينة الدورق المراد بها في النص أعلاه هي ليست مدينة الفلاحية الحالية بل كانت الدورق تقع في قرية المدينة على مسافة ١٠ كيلومترات خارج الفلاحية المعروفة بعصرنا.
ومما يضاف في هذا الصدد كي نشبع البحث، تحرياً و تنقيباً هو أسم السابلة الوارد في النص أعلاه إذ تعني السابلة كما يقول صاحب لسان العرب ‌«والسَّابِلَة: أَبناء السَّبيل الْمُخْتَلِفُونَ عَلَى الطُّرُقات فِي حَوَائِجِهِمْ، وَالْجَمْعُ السَّوَابِل»( ابن منظورج١١ص٣٢٠) كما يوردابن منظورفي مكان آخر من كتابه «عَنَى بِبُيُوتٍ غَيْرِ مَسْكُونَةٍ الْخَانَاتِ والفنادِقَ الَّتِي تَنْزِلُهَا ‌السابِلةُ وَلَا يُقيمون فِيهَا إِلا مُقامَ ظَاعِن».(نفس المصدرج٨ص٣٣٢)
وما يهمنا من هذا الاقتباس أن لا تزال تقع بالقرب من دور أخوين منطقة السابلة التي كان يتفرع منها نهر كارون ويصب الى مدينة القبان قبل خراب سدها المعروف بسد السابلة على يد كريم خان الزندي عام ١١٦٠ هـوهذا يجعلني أميل إلى هذا التأصيل كون هذه المنطقة معروفة بدورخوين منذ على الأقل ألف سنة وقد يكون أسم أخوين الخالدي ما هو إلا صدفة جمعته بهذا الاسمالقديم.

وقبل الانتهاء من هذا المقال علي أن أتوقف لما ذكره الإصطخري أيضا حيث تتميز رواية في مسافات المدن الأهوازية بملاحظة غاية في الأهمية تفيدنا في بحثنا كثيراً إذ يقول: «من أرّجان إلى آسك مرحلتان ثم إلى دبران مرحلة، ودبران قرية، وإلى ‌الدّورق مرحلة، ومن ‌الدورق إلى خان مردويه مرحلة، وهو خان تنزله السابلة»(الاصطخري ص٦٥)
إذاً في زمن الأصطخري كان يعرف الخان الذي نحن في صدده باسم خان مردويه و الاصطخري لم يصرح عن أصل التسمية و لا تفسيرها لكن بناءاً على ما يتوفر لنا من مصادر نعلم بأن بالقرب من دور أخوين تقع منطقة تعرف بالمارد تسكنها خليط من قبائل تابعة للمحيسن و لا يمكن أهمال الجذر المشترك بين مفردتي المارد و المردويةالتي قد تكون تصغيراُ لها و أن كان علينا الحذر قبل البت بصحة هذه النسبة خاصة وأن ذكر بعضا ممن أرخ للقبائل الأهوازية أعتماداً على التاريخ الشفهي «أن مارد هذا رجل من قبيلة المحيسن كان قائد ثلة من الأفراد جيءبهم لحراسة الطريق».( جابر جليل المنانع ص١٣٢)

علماً بان البحث الأنثروبولوجي حول النسب القبلي يذهب عادة الى اسطورية النسب واذا ما فتشنا أكثر في المصادر نصل الى نتيجة مفادها بأن لا وجود لمعظم هذه الشخصيات التي تورد باعتبارهم أجداد لعشائر أو قبائلوأنما الحقيقة أن أحدى مصادر تسمية القبائل والعشائر في الأهواز هي أماكن سكنى تلك القبائل مثلاً وليس حصرا، الجرفي، الكوتي، المشكوكي، البو بيان، الحويزي…الخ وكلها أماكن أصبحت القاب لعشائر عربية أهوازيةكماهو الحال باسم عرب مارد.

المصادر

1. الاصطخري، أبو اسحاق إبراهيم بن محمد: (ت ٣٤٦هـ) المسالك والممالك، الهيئة العامة لقصورالثقافة، القاهرة
2. الحموي، شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الرومي (ت ٦٢٦هـ) معجم البلدان، دار صادر،بيروت، الثانية، ١٩٩٥ م
3. ابن منظور، محمد بن مكرم بن على، أبو الفضل، جمال الدين (ت ٧١١هـ) لسان العرب ، تحقيق اليازجي وجماعة من اللغويين، دار صادر – بيروت، الثالثة – ١٤١٤ هـ
4. الادريسي، محمد بن محمد بن عبد الله بن إدريس الحسني الطالبي، المعروف بالشريف (ت ٥٦٠هـ) نزهة المشتاق في اختراق الآفاق، عالم الكتب، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤٠٩ هـ
5. مؤلف مجهول ، مخطوطة تاريخ بني كعب