خريف البطريرك ظننتها الرواية الاروع والاكثر ابداعا و قوة في رسم الواقع السياسي في بلدان العالم الثالث التي يتحدث فيها الكاتب الكولومبي جابريل ماركيز غارسيا عن جنرال لا يموت بل يموت عشرات المرات الا انه ظل حيا وفيها يصف جنراله بانه جنرال كل العصور الذي يقول في ذروة خريفه انا الرب عاش انا. بطل رواية الماركيز ينتهي به الأمر الى متاهة يفقد فيها كل أسس المنطق والموضوعية في الربط بين الأشياء، انتهى الجنرال الى مجرد رجل يعيش على تاريخ لا يتذكر منه شيئ ولم يتعلم منه شيء ملقيا اللوم على خادمه الملون الذي وصفه ماركيز بأنه نتيجة لقاء آثم بين أفريقية وإسباني
أما جنرال مقالي هذا فهو جنرال واقعي يعيش في إحدى الدول الواقعة على شاطىء من شواطىء الشرق الأوسط وصفت نشأته يوما بالخطأ التاريخي، الحلبة السياسية في ذلك البلد حابة اللامنطق واللادولة، الواقع السياسي في ذلك البلد مليء بالآمال والأحلام والمآسي، القاعدة في ذلك البلد لكي تصبح مليارديرا رغم أن والدك لم يكن يملك سوى قهوة بسيطة عليك أن تكون على صلة بسلطة ما، واذا كنت محظوظا تكون صهر الجنرال ووريثه السياسي.
أنا لا أثق بخريجي المدرسة العسكرية وعدم حسن ظني بهم لم يأتي من المعادلة التقليدية التي تصور العسكرتارية بأنهم رمز الغباء والتسلط والتي تضع دائما مقابلها المثقف الملتزم الذي هو دوما في السجون يتعرض للتعذيب بعد أن إستولى على البلاد حاكم ببذلة مدنية وفي حالتنا ببذلة مدنية مدعوما بجنرال ببذلة دينية يزرع الحقد والكره والرهاب في دول كثيرة لصالح دولة إقليمية عينت جنرالنا رئيسا، رغم نوبات النوم والهذيان الطويلة التي يمربها ليكون دمية بيدهم يصحى للحظات ليوقع لهم قرارات يصدرونها لصالح سيطرتهم على البلد مقابل أن يبقى الجنرال في قصره ولو بعزلة وغربة عن الناس والوطن.
مصدر تحفظي على خريجي المدرسة العسكرية نابع من طبيعة التربية التي تلغي عامل العقل وتجعل من خريجي تلك المدارس آلات قتل، مغرورة تجعلهم يعتقدون انهم دوما على صواب والتي يتلقونها في ما سمي بمصنع الرجال، بينما هي في حقيقة الأمر مصنع لجنون العظمة والوبال على البلاد والعباد والمال العام، وفي حالة ذلك البلد المتوسطي حتى المال الخاص، حيث تم إبتكار سياسات مالية تم بموجبها بالإستيلاء على جنى عمر الناس بوقاحة موصوفة وجعلوا من المواطن شحاذا يقف على باب البنوك يشحذ ماله، مما دفع بأحد الفمواطنين الى القول عادة تسرق البنوك من قبل عصابات يشكلها أشخاص، أما في حالة بلدنا فلقد سرقت البنوك جنى الناس وتعبها. كم من مال صرف على خريجي مصانع الرجال الذين لم يقتلوا عدوا أجنبيا واحدا بل تفننوا وتخصصوا بقتل وتعذيب ذوي القربى كما شهدنا في وسط تلك المدينة المتوسطية كما شاهد كل الناس على شاشات التلفزة منذ يومين، هؤلاء العسكريين خريجي مصانع الرجال ذو الرتب العالية غالبا ما يتمتعون أثناء اللقاءات العامة بوجه آخر يخفي وجه الذئب الكاسر، فهم يظهرون لباقة بحديثهم يتمتع بها خريجي مدارس الإستخبارات، فهم دوما يحرصون على معرفة ما يحب محاوره سماعه ولا يتورع في إسماعه إياه وهذا هو بيت الخدعة التي إنطلت على الكثيرين من الذين يعبدون الجزمة العسكرية لفترة طويلة، إلا ان جنرالنا هذا لا يتمتع حتى بهذا النوع من الذكاء فهو يعتقد إنه المسيح المنتظر، هو إبن الله فالناس لا تصل الى ” تحت زناره”. هذه الأنواع من الجنرالات التي تمارس السياسة من تحت زنارها تمارس السياسة عبر الفذلكة والكذب والنفاق وقليل من اللباقة ان وجدت وتضخيم الذات فيكون لسان حاله كحال جنرال كل العصور عند ماركيز في ذروة خريفه الذي لم يتورع في أن يصف نفسه بالرب، لم يمض الكثير على خطأ من رشح ذاك الجنرال وسوق لنظرية “عدم الوقوع في الفراغ”، ليكتشف سريعا أن ظنه خاب عندما ظن أن الجنرال ليس من مدرسة العسكريين الذين يعتقدون انهم دوما على حق لا لسبب إلا لانهم لا يخطئون، فهم صورة الرب وممثليه، وبغنكانهم الحلول مكانه. هذا النوع من الآلهة يتورطون في الكثير من قضايا الفساد والتصفيات الجسدية والتعذيب، وبيع الوهم لأنصارهم، فجنرالنا هذا الذي قال إنه سيكسر رأس حافظ الأسد وسيستشهد مع جنوده عام 1989، أذاع بيان هربه عبر الإذاعة وترك جنوده للأسر والقتل وخرج في عتمة الليل تاركا وراءه حتى عائلته زوجته وبناته، فهذا النوع من الجنرالات تكون الأنا عنده قوية لدرجة يكون فيها شعارهم الأكثر تعبيرا عن نرجسيتهم “فليكن من بعدي خراب البصرة”. وهذا النوع من الرجال يحسن الكلام عن المؤسسات وحكمها الا أنه فعليا لا يؤمن بها لا من قريب ولا من بعيد فهو التيار والحزب والدولة فهو المسؤول عن قيادة التنظيم والدولة على المستوى السياسي والعسكري والإقتصادي، وهو مسؤول عن تفاصيل التفاصيل، وهو يدمر كل المؤسسات ليبقى هو وحده مركز القرار، ويسخر في سبيل ذلك أجهزة الدعاية، والإعلام التي تتحدث عن إنجازات القائد المفدى، وهو ما ينفك يتحدث عن حكومات نظيفة، كتعبير عن ما ينقصه، فنظافة الكف ليست ميزة تلك الجنرالات التي لا يعود بوجودها فرق بين الخاص والعام، فيعلن نفسه راعيا، ويصبح الناس بنظره قطيعا يتبعه ولو الى الهاوية.
بفضل عبقرية جنرال ترك عسكره في عتمة الليل وهرب الى المنفى ليعود مفاوضا، من أهانه وقتل وأسر عسكره الموجود الى اليوم في سجون من أسقطه وأعاد تعيينه بشروطه، فطأطأ رأسه خاضعا مقابل كرسي يجلس عليه معزولا في غربته عن الوطن، أصبح لبنان ذلك البلد المتوسطي على حافة سقوط الدولة الوطنية وإعلانه دولة فاشلة.
ظن الناس إننا في عصر لم تعد فيه المعجزات متوفرة وحاضرة في حياتنا، إلا أن الشباب اللبناني أثبت عقم تلك النظرية، فأطلق ثورة 17 تشرين كرد على بلادة الجنرال والطبقة السياسية اللبنانية رافعة لشعار “كلن يعني كلن”، تلك الليلة وضع اللبنانيون مذاهبهم وطوائفهم وانتماءاتهم السياسية والحزبية جانبًا ونزلوا إلى الشارع وهتفوا: ثورة.. ثورة.. ثورة.
في اليومين الماضيين إعترض على العنف الثوري الذي مارسه شباب الثورة في الشارع، متجاهلين أن العنف كان من إنتاج السلطة التي تعاملت مع مطالب الناس بإستخفاف وجندت كل أجهزتها الأمنية لقمع إنتفاضة إنطلقت سلمية وأذهلت الناس بروح شبابها الذين رقصوا على لحن الهيلا هيلا هو وكلن يعني كلن، على عادته لم يسمع الجنرال المعزول بقصره صرخات الثوار، وأعطى أمرا بقمعهم، ودعى القوى الأمنية الى إنهاء ما يجري في وسط بيروت بكل وقاحة، فرد الشباب على العنف بالدفاع عن النفس المشروع بكل القيم والأعراف، ليس هناك ثورة نظيفة فكما قال الكاتب الشهيد مهدي عامل :
” كيف تكون الثورة نظيفة، وهي التي تخرج من أحشاء الحاضر مُتّسخة به، وتهدمه وتغتسل بوعدٍ أنّ الإنسان جميلٌ حراً؟ فلتتوضح كل المواقف، ولتتحدد كل المواقع، ولتكن المجابهة في الضوء. كيف يمكن للثقافة أن يكون لها موقع الهامش في معركة التغيير الثوري ضد الفاشية والطائفية؟ كيف يمكن للمثقف أن يستقيل من نضال ينتصر للديمقراطية، هو أكسجين الفكر والأدب والفن؟ بوضوح أقول، فالوضوح هو الحقيقة، من لا ينتصر للديمقراطية ضد الفاشية، للحرية ضد الإرهاب، للعقل والحب والخيال، وللجمال ضد العدمية وكل ظلامية، في كل بلد من عالمنا العربي، وعلى امتداد أرض الإنسان، من لا ينتصر للثورة في كل آن، مثقّف مزيف، وثقافته مخادعة مرائية.
نسيت أن أخبركم أن جنرال متاهتنا هو ميشال عون قائد جيش سابق، ورئيس حالي للجمهورية ساقط. والملياردير الذي حصد المليارات عبر مصاهرة السلطة والتقرب منها أعرفكم عليه عبر إبن شقيق الجنرال عون فلقد هاجم ابن شقيق الرئيس ميشال عون جوزيف الياس عون، شقيق نعيم عون، الوزير جبران باسيل بطريقة غير مسبوقة، وكتب عبر حسابه الشخصي على “فيسبوك”: “ما حدا اعتدى عليك جبران انت اعتديت على كل الناس وقف بكي متل النسوان ووقف تحط اللوم على غيرك!!!”.
واضاف: “نبهناك كتير بس ما كنت قاشع مبسوط بكم شلعوط على fb عم بطبلولك …جشعك وقلة وفائك لرفاق دربك يلّي حضنوك وقبلوا تكون واحد منّن هوّي لاوصلك لنقطة اللا رجوع…. اذا مع اهلك ما طلع منّك خير كيف الاخرين ممكن يأمنولك؟؟؟ انت زرعت الريح بس كلنا رح نحصد العاصفة!!!”.
وختم: “كثرة الدعاية لك دليل على انك منتج فاشل بالرغم من كل الدعم غير المسبوق اللي حصلت عليه”.
مسعود محمد
المصدر ابزوير بيروت