مقدمة
بعد أن تغيّرت معادلات القوة على الأرض، انطلقت جولات جديدة من الحراك السياسي حول المسألة السورية في سوتشي والرياض وجنيف، في مسارين متوازيين، مسار جنيف برعاية الأمم المتحدة الذي لم يحقق نجاحًا يذكر، ومسار سوتشي الروسي الذي يقتصر على ما توصل إليه رؤساء روسيا وإيران وتركيا بمشاركة شبه رمزية من بشار الأسد، وهو مسار من الصعب أن يحظى بالقبول. إذ يبدو أن ما حدث بعيد عن جوهر المسألة السورية، لأن الأصل أن تكون عملية الانتقال السياسي هي الحصان الذي يجرُّ عربة الدستور والانتخابات وليس العكس.
أولًا: المشهد الإقليمي والدولي حول المسألة السورية
يتصدر هذا المشهد لقاء بوتين مع الأسد في سوتشي، ثم لقاء بوتين وأردوغان وروحاني في سوتشي أيضًا، واللقاءات بين موسكو والرياض، ولقاء بوتين وترامب في فيتنام، والبيان المقتضب الذي أعلناه، وأخيرًا جنيف 8. ويتضح من تضارب مسارات المفاوضات وكثرة المؤتمرات، إضافة إلى عدد اللاعبين المحليين والإقليميين والدوليين، أن المسألة السورية شهدت كمًّا لا يُضاهى من المناورات الدبلوماسية والرهانات المتنـاقضة، وفي موازاة ذلك تدميرًا للبشر والحجر.
1- المشهد الإقليمي
كانت المتغيّرات التي طالت السياسة التركية في سورية التطور الأهم خلال العامين الماضيين، ولم تأتِ هذه المتغيّرات من الأثر الهائل الذي أحدثه التدخل العسكري الروسي المباشر فحسب، بل من شعور متزايد لدى أنقرة بأن الولايات المتحدة الأميركية لن تقوم بمعادلة التدخل الروسي، وأنها تتبنى سياسة تحالف مع (قوات سورية الديمقراطية- قسد) الكردية، تمثل طعنًا في ظهر الحليف التركي. وعليه، فإن تركيا في المرحلة المقبلة ستكون في منزلة بيضة القبان ضمن منظومة التنافس الأميركية- الروسية. وليس مصادفة أن يتصل ترامب، بعد أيام قليلة من قمة سوتشي، بأردوغان لإبلاغه أن واشنطن قررت تعديل استراتيجيتها حيال دعم الوحدات الكردية في سورية، اتصال قال عنه السفير الأميركي السابق، جيمس جيفري، إنه حصل لأن واشنطن “لا يمكنها لعب دور على المدى الطويل في سورية، من دون القواعد التركية والمجال الجوي التركي، وإلى حدٍ ما، من دون الدعم الدبلوماسي التركي”.
أما إيران فتتمسّك ببقاء قواتها والميليشيات الموالية لها في سورية. لكنّ المشكلة الأكثر صعوبة بالنسبة إليها تكمن في رفض “إسرائيل” أيّ تواجد عسكري أو شبه عسكري إيراني على الأراضي السورية.
أسهم التوافق الروسي- السعودي، الذي بدأت تتكشف ملامحه منذ زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز إلى موسكو، في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، في استدارة سعودية تجاه الملفّ السوري، شبيهة بتلك التي قامت بها تركيا في عقب إسقاط القاذفة الروسية. وقد كان الموقف السعودي قد تبنى الرأي الروسي حيال سورية منذ أشهر، وهو ما اعترف به حكام موسكو والرياض، ربما على خلفية تعويل سعودي ما على أن يدفع ذلك الروس إلى التخلّي عن تحالفهم مع الإيرانيين في سورية، وهو ما يظهر عكسه فعليًا، إلى درجة أن موسكو اعتبرت الوجود الإيراني في سورية “شرعيًا بالكامل” بحسب مصطلحات وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، عندما كذّب الإعلان الأميركي عن اتفاق روسي- أميركي حول إخلاء المقاتلين الإيرانيين وحلفاء إيران وإبعادهم 50 كيلومترًا عن الجولان المحتل.
أما “إسرائيل” فتستمر في رفض كل الترتيبات الميدانية على الأراضي السورية، وتصرّ على امتلاك الحق في التدخُّل بحرية، بحجة الحفاظ على أمنها القومي من التمدّد الإيراني وتجذّره على الأرض، كما أنها تحتفظ بحرية العمل على منع (حزب الله) من تطوير ترسانته الصاروخية بدعم سوري وإيراني.
2– المشهد الدولي
ضمن مسارات الحل السوري التي تتزاحم، برز الموقف الأميركي “الصامت” لزمن طويل في جانبين: أولهما، إعلان هادئ مفاده بأن مسار مفاوضات جنيف هو المسار الوحيد للحل السوري، على ما جاء في تصريح لوزير الدفاع الأميركي أخيرًا؛ وثانيهما، تصريح بإرسال ألفي جندي أميركي إلى الشمال السوري. والغرض من هذين الإعلانين اللافتين هو تذكير الأطراف ا0لمعنية، ولا سيّما روسيا وإيران، بأن القوة الأميركية هي التي ترسم الحدود الفاصلة بين القوى النافذة في الصراع على سورية.
وإذا أُضيف تصريح وزير الخارجية، ريكس تيلرسون، الذي اعتبر جنيف “القاعدة الوحيدة الممكنة لإعادة إعمار البلاد، وتطبيق حل سياسي لا يترك أي دور لنظام الأسد أو لعائلته”، فإنّ مؤشرات التشويش الأميركي على الحل الروسي قد تكون ظهرت بالفعل.
بعد أن فازت موسكو بحربها ضد السوريين ورجّحت كفة سلطة آل الأسد، أخذت تسعى إلى كسب السلام والنأي بنفسها عن التكاليف الاقتصادية والسياسية والعسكرية الطويلة الأمد، المترتبة على الحفاظ على وحدة سورية. ولكنها تُدرك أنها لا تمسك بجميع الأوراق، ولا يُمكنها فرض إرادتها من دون مشاركة اللاعبين الخارجيين. ويبدو أن الرئيسين الأميركي والروسي توصّلا إلى تفاهم حول ملامح تسوية لـ “ما بعد داعش” في سورية. وفي مقابل تخفيف واشنطن نبرة دعواتها إلى رحيل الأسد، وافقت موسكو على مرابطة عسكرية أميركية طويلة الأمد في شرقي وجنوبي سورية. وعلى الرغم من محدودية قدرتها على احتواء نفوذ طهران، وحاجتها إلى قوات برية إيرانية الولاء، وافقت موسكو على قيود محدودة على انتشار القوات الشيعية المدعومة من إيران في جوار الحدود مع “إسرائيل”. وفي الواقع، وعلى الرغم من ظهور واشنطن إثر القمة الروسية- التركية- الإيرانية على أنها طرف مهمّش، إلا أن موسكو تنحو إلى المواءمة والتنسيق معها في سورية.
فروسيا تدوّر الزوايا قبل توافقها الكامل مع الأميركان، أي هي تمهّد، عبر المؤتمرات الخاصة بالسوريين، أو برؤساء الدول، لتؤكد أن هناك توافقات دولية، لا يُمكن تحقيق انتقال سياسي من دون أخذها في الحسبان، ومن هنا، فإن وظيفة تدوير هذه الزوايا هي الوصول إلى توافق أميركي- روسي حقيقي بخصوص سورية.
ومن يُسمَّون شركاء روسيا في الحل، هم قوى جرى ترويضها وتشذيب سلوكها، وإيصالها إلى هذا المكان. فإيران لم تكن تريد مفاوضات مع أي طرف سوري يعارض سلطة آل الأسد، بل كانت ترى أن لا حلول إلا في سحق المعارضة واستسلامها. أما تركيا، فكانت لها رؤية مختلفة تتمثل بإسقاط الأسد ووضع سورية كلها تحت جناحها. لكن ما حصل أن بوتين تلاعب، بهدوء، بمقادير المعطيات فتغيّرت اتجاهات الحدث كلية.
لكن ما هو ثابت أن الرئيس الروسي يستهدف من سوتشي ترسيخ رؤيته للتسوية، والذهاب بها إلى مجلس الأمن للحصول على شرعية دولية، لذلك لا يزال يأمل بتجاوب واضح من نظيره الأميركي الذي لا يزال يرفع حاجزين أمام التفاهم: القوات الأميركية باقية في سورية حتى قيام تسوية تحقق التغيير المنشود، ولا إعمار مع بقاء الأسد في السلطة. وليست الولايات المتحدة أو المعارضة السورية العقبتين الوحيدتين، تركيا أيضًا لم تكن ولن تكون راضية عن مشاركة (قوات سورية الديموقراطية) في مؤتمر سوتشي، ولا يُمكن لموسكو أن تتجاهل هذا المكوّن الذي يُسيطر على مساحة واسعة شرقي سورية وشمالها، والأهم أنه يوفر قواعد للحضور الأميركي في هذا البلد.
وعليه، فإن روسيا تنتهج سياسة الخطوات التراكمية في تثبيت امتلاكها الملف السوري، أمام حلفائها من جهة، وأمام المجتمع الدولي من جهة ثانية؛ وهي لا تنتظر من السوريين، نظامًا ومعارضة على السواء، موافقات معلنة على سلوكها، بقدر ما تريد أن تؤكد للمتصارعين على سورية أن تقاسم الغنائم يمرّ من خلال جملة تفاهماتها وخصوماتها مع الولايات المتحدة الأميركية.
وعلى ما تقدم تبني روسيا خطواتها في عملية إعادة صوغ مشروع الحل في سورية، بدءًا من تغيير مواقع الخصوم والأصدقاء في المعادلة الروسية، في محاولة منها لمقايضة ذلك بتخفيف الضغط الدولي عليها ورفع العقوبات التكنولوجية والاقتصادية عنها، واستعادة دورها كقطب مواز للقطب الأميركي عالميًا، وتماشيًا مع استثمار حالة الانسحاب الأميركي من الصراع المباشر في سورية، إلى مجرد رعاية المصالح الأميركية عبر وكلاء لها في الشمال والجنوب، وعبر الرغبة الروسية الجامحة في تقديم نفسها راعية للحرب والسلام في سورية، ما يهيئ اليوم فرص نجاحها في تجاوز العقبة الأممية، التي تحصر حل الصراع عبر مسار جنيف الذي ترعاه الأمم المتحدة، ويدعمه المجتمع الدولي، ويتطلع إليه معارضو النظام كمخلِّص لهم من الاستبداد، بينما يجهد النظام بعرقلته وتوفير حجج الخلاص من مساره. وبين رغبة موسكو في الحفاظ على شعرة ارتباطها بالمجتمع الدولي ومسار جنيف لحل الصراع في سورية، ورغبتها في حرف طريق المفاوضات لتمرّ عبر موسكو، كان مسار آستانة المعبر السالك إلى ما بعده في سوتشي.
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أطلق مبادرة الحد الأدنى، فدعا إلى مشاورات بين الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، وهاتف الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ليتفقا على أن جنيف هي المسار الشرعي للتسوية. وهكذا جدّد المجتمع الدولي دعمه مفاوضات جنيف، وتأكيد شرعيتها الوحيدة لحل الصراع السوري. وفي الإطار ذاته، تتكرر التصريحات الدولية، مع تنامي الحديث عن مفاوضات سوتشي، أن المفاوضات التي تجرى برعاية أممية، هي طريق الحل السياسي، ما يُتيح للمعارضة أن تُعيد بناء استراتيجيتها التفاوضية على أسس جديدة، تنطلق منها من دون أن تستسلم إلى خربشات منصة موسكو.
ربما حقق فلاديمير بوتين انتصارًا عسكريًا وديبلوماسيًا في حربه المتوحشة على السوريين، ولكنّ الأسئلة الأهم: هل هو قادر على كسب السلم وتحقيق تسوية قابلة للحياة؟ وكيف يُمكن لموسكو تحقيق ذلك وهي تقدم للعالم بشار الأسد، المسؤول الأول عن الجرائم، كطرف رابح في الحرب؟
ثانيًا: وقائع وأبعاد لقاءات سوتشي
لم يكن استدعاء بوتين لبشار الأسد إلى سوتشي لقاء بين زعيمين، بل كاد يكون اجتماعًا يعطي فيه السيد تعليماته، حيث أبلغه بمسودة ما تعتزم موسكو القيام به سياسيًا، وبتعليمات تتعلق بخارطة الطريق التي رسمتها لمؤتمر سوتشي الذي تُحضّر له. وقد أورد بيان روسي رسمي أن بوتين “أبلغ الأسد أنه بات من الضروري الآن التوصل إلى تسوية سياسية في سورية”، مشيرًا إلى أن الأسد مستعد للعمل مع كل من يريد السلام والاستقرار في سورية. وكانت الجملة الوحيدة ذات المغزى التي نقلها الإعلام الروسي عن بشار الأسد في سوتشي هي “قبوله بعملية سياسية سورية من دون تدخل خارجي”. وتشي الصورة التي أرادها بوتين من لقائه مع الأسد إبلاغ واشنطن أن الرعاية التي قدمتها الولايات المتحدة منذ عهد الرئيس السابق، باراك أوباما، للمهمة الروسية في سورية، انتهت إلى تسليم العالم بحصرية إمساك موسكو بالحلّ السوري.
ويبدو أنه بات مطلوبًا من الأسد الدخول في مفاوضات حقيقية في جنيف تؤدي إلى حل، ربما يبقيه في المرحلة الانتقالية، على أن تُنقل بعض صلاحياته إما إلى “حكومة وحدة وطنية”، أو “هيئة حكم” تشرف على كتابة دستور جديد.
كان اللقاء الأهم في سلسلة التحركات الروسية بشأن سورية، القمة التي عقدت بين رؤساء روسيا وتركيا وإيران في سوتشي، حيث وافقوا على المبادرة الروسية بعقد “المؤتمر الوطني السوري” في سوتشي للاتفاق على دستور جديد للبلاد وتحديد موعد للانتخابات البرلمانية والرئاسية، وأكد الإعلان الثلاثي الصادر عن القمة مشاركة المعارضة الملتزمة بالتسوية السلمية.
لقد أظهر الإعلام الروسي- الإيراني حرصًا خاصًا على الترويج لخبر إعلان الرئيس الحالي لمجلس الأمن الدولي أن بيان قمة سوتشي الثلاثية سيُنشر كوثيقة رسمية للمجلس بطلب من الدول الثلاث، وعلى الرغم من أن البيان يتضمن مواقف مبدئية، فقد ركّز ذلك الإعلام على “دعوة الحكومة والمعارضة في سورية إلى مؤتمر الحوار الوطني الواسع بمشاركة ممثلين عن جميع مكوّنات المجتمع السوري”.
وإذ أبدت موسكو تمسّكًا بمؤتمرها فقد عنى ذلك أنها غير راضية عن صيغة توحيد المعارضة كما أنجزت في الرياض، بل إن البيان الثلاثي لم يُشر إلى المرجعيات الدولية، بل استعار فقط بعضًا من عبارات القرار 2254 ليؤكد ما نُقل مرارًا عن موسكو بأن لديها تفسيرها الخاص لبنود عامة في القرار لا تحتّم، في نظرها، أن يجري التفاوض على النحو الذي تتّبعه الأمم المتحدة منذ البدء بجولات جنيف.
لكنّ تفاهمات سوتشي الثلاثية لم تزل هشّة إلى حد كبير، وهي تسير ببطء بالغ، ولم تصل بعد إلى التعامل مع عدد من المسائل الأكثر حساسية. فبين الحل السياسي بصيغته التركية و”التسوية الوطنية” بالتركيبة الروسية يكمن شيطان التفاصيل. يزيد المشهد غموضًا في العرف الدبلوماسي كلما دقق المراقبون في آليات الانتقال إلى المرحلة التالية من توصيات سوتشي، وفي المشاركة الإيرانية التي تبدو صامتة إزاء الكاميرات وباطنية خلف الستارة، وبصورة لا تزال تُقلق المؤسسة التركية على الأقل، وإن كانت نظيرتها الروسية تحاول مجددًا طمأنتها بأن طهران على السكة وملتزمة بما يُتَّفق عليه، في الوقت الذي لفتت فيه أنقرة أنظار شريكها الروسي الجديد إلى أن مشكلة إيران ليست في التزامها، ولكن بتعددية المراجع الأمنية عندها.
أما “مؤتمر السلام السوري” المزمع عقده في سوتشي، فقد أعلنت مصادر ديبلوماسية روسية لوكالة أنباء “نوفوستي” الروسية في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، تأجيل المؤتمر إلى شهر شباط/ فبراير المقبل. في موازاة ذلك، قال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إن المؤتمر يُراد منه أن يساهم في الإصلاح الدستوري في سورية والتحضير للانتخابات الرئاسية والبرلمانية. وقال في تصريح لوكالة “إنترفاكس” الروسية “نأمل بأن يكون ذلك مساهمة في المفاوضات التي من المقرر استئنافها في جنيف برعاية الأمم المتحدة”.
يبدو أن أهم الأوراق التي ستظهر في مؤتمر سوتشي المقبل، على ما يبدو، هي عودة فاروق الشرع إلى الظهور بعد غياب استمر لسنوات، ليترأس وفد الحكومة السورية إلى المؤتمر، ما يعني أن هذا المؤتمر، قد يرسم ملامح المرحلة المقبلة من الحل السياسي في سورية. لكنّ إقناع شركاء موسكو بالشرع قد لا يكون أمرًا سهلًا، إذ إن إيران ما زالت متمسكة ببشار الأسد في موقعه. ومن المرجح أن تسير الأمور في الاتجاه الذي تريده روسيا، بعدما أصبحت تُدير الملف السوري بتفاصيله كلها.
ومن الملاحظ أن مصدرًا مسؤولًا في وزارة الخارجية السورية أعلن عن ترحيب دمشق بـ “مؤتمر الحوار الوطني” الذي سيُعقد في مدينة سوتشي الروسية، وموافقتها على المشاركة في هذا المؤتمر.
من جانبه، يُدرك بوتين أنه لن يستطيع وحده جلب المعارضة السورية المؤثرة بقدراته السياسية والعسكرية، فأميركا، التي أُبعدت عن أستانا وعن سوتشي، يُمكنها أن تعرقل جهد موسكو بالضغط على بعض أطراف المعارضة السورية لعدم الحضور، وهي، بطبيعة الحال، ترفض الإسهام في حل سياسي تقوده روسيا وإيران في سورية أصلًا، بينما روسيا تسعى لإبعاد الضغوط الأميركية المباشرة وغير المباشرة عن سوتشي، حتى يمكنها إسدال الستار على الصراع في سورية.
ثالثًا: الاصطفاف الجديد للمعارضة السورية في (الرياض 2)
تعود التباسات الموقف من (مؤتمر الرياض2) إلى أنه ضيّع البوصلة الرئيسة للمسألة السورية، بوصفها قضية شعب عانى ما عاناه من قتل وتشريد وتهجير، ويطمح إلى الحرية والكرامة عبر عملية انتقال سياسي من الاستبداد إلى الديمقراطية، وحوّلها إلى قضية مكاسب تنظيمية أو شخصية، والبعض اختلطت عليه الأجندة المفترضة، وضاع مابين الهدف الرئيس للسوريين وهو التغيير العميق، والأهداف المرحلية المؤدية إلى تحسين الموقف السوري والمراكمة على الخطوات المرحلية في خدمة الهدف الرئيس الذي هو هدف الثورة بالتغيير الشامل، وبناء سورية جديدة، لامكان فيها للأسد وبطانته، وفق ما أقرته المرجعية الدولية للحل السوري القائم على بيان جنيف1 والقرارات الدولية، ولا سيّما القرار 2254، خاصة بعد أن أُدخلت منصات لم تحمل يومًا روح الثورة أو حلمها، بل كانت دومًا تحتفظ بعدائها لها.
وبعيدًا من البيان الختامي الهلامي، فإن مُنتج المؤتمر يقبل بوضع العربة قبل الحصان، خاصة حين يجري الحديث في أجندة جنيف8 عن صوغ دستور جديد قبل الحديث عن الانتقال السياسي، ما يجعل القرارات الدولية ذات الصلة مرهونة بالتوازنات الدولية والإقليمية، خاصة بعد الاستدارتين التركية والسعودية.
إن الأمر المثير للاهتمام هو ما ورد في الصفحة الثانية من البيان، والذي يؤكد ضرورة إنشاء دولة “مواطنة ديمقراطية” يُمثل فيها الطيف السوري جميعه بشكل متساوٍ، عرقيًا وطائفيًا وجنسيًا!؟ فما المقصود بالتمثيل الطائفي المتساوي؟ هل نحن إزاء “طائف” آخر، سوري هذه المرة!؟
وفي الخاتمة، نقرأ الآتي: “البيان الصادر عن المؤتمرين هو المرجعية الوحيدة للهيئة” من دون الإشارة إلى مرجعية الوفد التفاوضي، وهو ما يترك الباب مفتوحًا لإنشاء مرجعية جديدة. وهكذا، يبدو أن الالتباس في البيان كان متعمدًا ليلائم الظروف التي عُقد فيها المؤتمر ويحقق المخرجات التي كانت متوقعة.
إن الأصل في المسألة هو ثورة الشعب السوري ضد نظام استبداد وفساد عائلي وراثي يواصل حكم سورية منذ 47 سنة، وأي مقاربة لتسوية سياسية لا تبدأ من هذا المعطى الجوهري سوف تنتهي إلى وضع عالق وفشل ذريع.
رابعًا: فرص ومعوّقات (جنيف 8)
دخلت المسألة السورية منعطفًا سياسيًا جديدًا مع انطلاق جولة جديدة من مفاوضات جنيف بين المعارضة المصرّة على تطبيق قرارات دولية تنصّ على انتقال سياسي، والنظام الساعي دائمًا لإفشال هذه المفاوضات، مستندًا إلى دعم روسي وإيراني لا محدود، وعدم اتخاذ الإدارة الأميركية موقفًا حازمًا يدفع النظام للدخول في مفاوضات جادّة.
ويبدو أن القرار 2254 يحمل في بنيته ما يُسمى بـ “الغموض البنّاء” الذي صار معطِّلًا لإحراز أي تقدم في المفاوضات، فلا بدَّ أن يوافق الطرفان، ومن المحال أن يوافق فريق النظام على رحيل الأسد أو على الانتقال السياسي. وفي هذا السياق قال المبعوث الدولي دي ميستورا في 30 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، إن أجندة مفاوضات جنيف ستركز– خصوصًا- على العملية الدستورية وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية بإشراف الأمم المتحدة، مبيّنا أنه لن تتم مناقشة موضوع الرئاسة خلال المفاوضات. لذلك تبقى جولة جنيف الثامنة ضائعة بين القرار الأممي 2254، وبين جولات جنيف الأولى (التي ابتدأت باشتراط أن “أي تسوية سياسية” يجب أن تقدّم للشعب السوري “عملية انتقالية تتيح منظورًا مستقبليًا يمكن أن يتشاطره الجميع”).
وعلى الرغم من ذلك لا تزال الجولة الثامنة من مفاوضات جنيف، التي بدأت في 28 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، تراوح مكانها، في ظلّ رفض وفد سلطة آل الأسد إجراء مفاوضات مباشرة مع المعارضة، واستمراره في سيناريو إضاعة الوقت من دون تقديم شيء، مدفوعًا بدعم وغطاء روسي لمواقفه، عبّر عنه ممثل روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة في جنيف، ألكسي بورودافكين، الذي قال لوكالة “سبوتنيك” الروسية إن نصر الحريري “أعلن هنا في جنيف أنهم أتوا لكي يناقشوا مسألة رحيل الأسد، وهذا لا يمكن أن يكون مادة المحادثات السورية، وخصوصًا المفاوضات المباشرة”. واعتبر موقف النظام في مفاوضات جنيف8 “بنّاءً”، موضحًا أن الوفد أعرب عن رغبته في جعل أولوية هذه الجولة مناقشة مكافحة الإرهاب. ووصل إلى حدّ تشديد موسكو على أن رحيل بشار الأسد لا يمكن نقاشه تحت أي ظرف.
وفي مقابلة مع (فضائية الميادين)، قال الجعفري “نحن لا يمكن أن ننخرط في نقاش جدّي في جنيف طالما أن بيان الرياض لم يُسحب من التداول”. وأضاف أن الرياض “لغّمت طريق” جولة المفاوضات، ولم تُرد التوصل إلى حل سياسي للصراع. ولم يَسلَم دي ميستورا من انتقادات الجعفري الذي قال إن المبعوث الدولي تسلّم ورقة مبادئ أساسية للحل السياسي من وفده في آذار/ مارس الماضي لم يعرضها على الأطراف الأخرى و”وجدنا أنه يطرح علينا ورقة مبادئ أساسية من دون أن يتشاور معنا مسبقًا بحكم ولايته كوسيط”.
وهكذا، فإن تلويح النظام بالخروج من المفاوضات دليل على عدم جديته في إيجاد حل سياسي يُنهي المأساة السورية، وعلى مدى تمسّكه بالسلطة وتفريطه بمصير السوريين، خاصة بعد إدراكه أن رحيل الأسد هو هدف، وليس شرطًا مسبقًا، فوجد نفسه مضطرًا إلى التنصل من العملية التفاوضية؛ وهو في سباق مع الوقت، ويعزف على أوتار حسم التفاوض عسكريًا، كونه أكثر فاعلية في فرض الرؤية التفاوضية من قبله.
وفي ظل “صبر سياسي” من قبل ستيفان دي ميستورا، الساعي لتمديد الجولة إلى منتصف كانون الأول/ ديسمبر الحالي، وتأكيده على المفاوضات المباشرة بين الوفدين، وأنه “لن يقبل أي عذر حيال ذلك”؛ فإن هذا المسعى يصطدم باستمرار بعدم رغبة النظام في ذلك، على الرغم من محاولة تمريره مسائل جوهرية في ورقته (التي قال عنها في وقت سابق إنها “لاورقة” ولن يجري تضمينها في وثائق التفاوض) ذات البنود الاثني عشر التي ينص بندها السابع على “إقامة جيش وطني قوي، وموحد، ومتسم بالكفاءة يضطلع بواجباته بموجب الدستور ووفقًا لأعلى المعايير”، دون أي إشارة إلى إصلاحه وإعادة هيكلته. والشيء نفسه ينطبق على الأجهزة الأمنية.
في المقابل، فإن وفد المعارضة استمر في التعاطي بإيجابية مع المفاوضات، وسلّم المبعوث الأممي ردًّا على وثيقته من 12 بندًا، إلا أن هذا الردّ بدا ضعيفًا مقارنة بالمبادئ التي تشدِّد عليها المعارضة دائمًا، إذ تجاهل موضوع الانتقال السياسي والمرحلة الانتقالية، وتحوّل من فكرة إعادة بناء الجيش والهيكلة للأجهزة الأمنية إلى مجرد “إصلاح”. ومن المؤكد أن هذا التنازل، الذي قام به الوفد، سينزع ما تبقى من شرعية لجزء منه، فضلًا عن تعميق انقسام المعارضة.
ومع أنه لا يُتوقع حدوث اختراقات تفاوضية ذات قيمة، إلا أن الاهتمام الدولي بهذه الجولة قد يجعل منها نقطة تحوّل؛ فبخلاف الجولات السابقة من المفاوضات، أرسلت الولايات المتحدة ديفيد ساترفيلد، مساعد وزير الخارجية، إلى جنيف، في مؤشر على اهتمام أميركي بأن لا تكون الجولة الحالية مشابهة للجولات السابقة. وقد أيد ساترفيلد نهج الهيئة العليا بتوحيد صفوف المعارضة السورية، وعبّر عن “دعم الولايات المتحدة لعملية انتقال سياسي ذات صدقية تحت إشراف الأمم المتحدة”، وأوضح أن أي “عملية خارج جنيف ليس لها أي شرعية”. كما أن وزير الخارجية، ريكس تيلرسون، أعلن ليل 28 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي في واشنطن عن أن محادثات جنيف “تشكل القاعدة الوحيدة الممكنة لإعادة بناء البلاد وبدء تطبيق حلّ سياسي لا يتضمن أي دور لنظام الأسد أو لعائلته في الحكومة السورية”.
وفي مؤشر إلى دعم عملية جنيف، اتفق الرئيسان الأميركي دونالد ترامب والفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال محادثة هاتفية، على أن محادثات جنيف هي “المسار الشرعي الوحيد للتوصل إلى حل سياسي في سورية”، وفق بيان للبيت الأبيض. وعقدت الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن اجتماعًا في جنيف بطلب فرنسي، يندرج في إطار رغبة القوى الكبرى في الإمساك مجددًا بالملف السوري، في مواجهة ديبلوماسية نشطة تقودها موسكو على وقع انتصارات ميدانية وسياسية. ويندرج هذا الاجتماع في إطار رغبة القوى الكبرى في التحرك بنشاط في المسار الديبلوماسي لمواجهة الديبلوماسية الروسية- الإيرانية- التركية النشطة في الملف السوري.
إذًا نحن أمام مفاوضات من دون شروط مسبقة من طرف المعارضة فحسب، مقابل سلة متكاملة من الشروط المسبقة من طرف النظام، تبدأ باستبعاد أي مفاوضات مباشرة مع المعارضة، كما يأمل المبعوث الأممي، من شأن حصولها أن تنطوي ضمنًا على اعتراف سلطة آل الأسد بها، ولا تنتهي عند التدخل في تشكيلة الوفد المعارض.
ويبدو أنه مهما حصل في مفاوضات جنيف، فإن نتائجها ستقلِّل من صلاحيات بشار الأسد والأجهزة الأمنية، وستُعطي للمعارضة أدوارًا ليست هامشية فيها، بحيث تكون هناك حكومة تجمع مصالح كل من النظام والمعارضة، مع إلغاء فكرة رحيل الأسد، وعدم تجاهل مطالب المعارضة في تغييرٍ عميق في النظام؛ وربما سيكون هناك تفاوض بخصوص العدالة الانتقالية ومحاكمات المسؤولين عن الجرائم، وهذا أساسي لحدوث الحل السياسي، برعاية روسية– أميركية.
لكن بات من الواضح أن الجانب الروسي لم يمارس أي ضغط على النظام، من أجل الانخراط في العملية التفاوضية بشكل جدّي، في محاولة لـ تمييع (مسار جنيف) لمصلحة (مؤتمر سوتشي) المقرر عقده في شباط/ فبراير المقبل. ومن المرجح أن تكون هذه الجولة على مرحلتين، يتخللها مؤتمر (الحوار الوطني السوري).
خامسًا: معاني تزامن سوتشي والرياض وجنيف
يبدو أن روسيا صارت المتعهد الأكبر للتسوية السورية، على الرغم من أنها القوة العسكرية الأبرز التي تساند سلطة آل الأسد على الأرض. العناصر الصانعة لهذا التعهد يمكن أن تبدأ من تفاهمات الرئيسين الأميركي والروسي على هامش قمة دانانغ، وتمرّ باستدعاء بشار الأسد إلى سوتشي، والقمة الثلاثية، فاجتماع المعارضة السورية في (الرياض 2)، والجولة الثامنة من مفاوضات جنيف، قبيل اجتماع أستانة 8، وصولًا إلى ما سمّي (مؤتمر الشعوب السورية) المرتقب في سوتشي أيضًا.
جميع هذه العناصر مفخخة، سواء أُخذت مجتمعة متكاملة أم منفردة متعارضة، وهي أقرب إلى المزيج الانفجاري منها إلى السلة المتناسقة. ولكن، يبدو أن جولة جنيف الراهنة، ربما، ستكون ما قبل الأخيرة، وإذا سارت السفن بما تشتهي الرياح الروسية، ستليها جولة ختامية في الربيع المقبل، تعقب عقد المؤتمر الذي باشرت روسيا الاستعدادات لعقده في سوتشي. وعلى غرار ما حصل في مسار أستانة، سوف يضع الروس في سوتشي قاطرة الحل السوري على الطريق، بعد أن تفاهموا على العملية مع الدول الضامنة، وحصلوا على تأييد من السعودية ومصر و”إسرائيل”. وقد تكون جولة جنيف الأخيرة في الربيع المقبل مكرّسة من أجل وضع أختام الأمم المتحدة على وثائق الحل الروسي- الإيراني- التركي، كي تتحول إلى وثائق دولية.
رسائل بوتين جلية واضحة: سواء آثر العالم العبور نحو سورية الجديدة من مداخل جنيف (العزيزة على واشنطن) أو مداخل سوتشي (العزيزة على موسكو) أو الاثنين معًا، فإن مفتاح الحل الأساسي موجود في جيب موسكو. وإذا ما كانت أقصى مآلات التسوية تستدعي غياب بشار الأسد، فإن تغييبه يندرج على أجندة بوتين، إذ يكفي أن يستبقيه يومًا بعد استدعاء، فلا يعود أبدًا إلى قصر المهاجرين.
وفي أي حال، يعرف الأسد أن تغليب الإرهاب على الصراع الداخلي انتهى أو يكاد، كذلك الرهان على استحالة توحيد المعارضة، أي أن عليه أن يتهيّأ الآن لاستحقاقات الحل السياسي، تأسيسًا على أن الحليف الروسي مصرٌّ على حوار سوتشي لتكريس مكانة النظام وبقائه في أي حل، وعلى أن هذا الحليف عمل طويلًا مع المبعوث الأممي ديميستورا لتمييع مسألة “الانتقال السياسي”.
سادسًا: الأصل هو ثورة الشعب السوري
يفهم السوريون الأسباب الحقيقية لإدخال شخصيات ملتبسة في صلب الهيئة التفاوضية، والإكثار من الشخصيات والمنصات الهلامية التي تطرح مواقف ضبابية في غالب الأحيان، وكأنها شُكّلت خصيصًا لهذا اليوم.
ولا شك في أنّ الحلول التي تُبنى على أساس التوازنات الإقليمية والدولية هي، بالضرورة، حلول موقّتة، لا تحقق الاستقرار الدائم. ويُفترض بالمعارضة العمل جدّيًا على خلق دينامية سورية داخلية للحل، بعد أن اعتمدت، طوال السنوات الماضية، على ما يقدمه الخارج من تصوّرات ومبادرات.
وبناء على ما تقدم، يبقى العامل الذاتي الوطني حجر الأساس في أيِّ تعامل مع المبادرات التي تقارب المسألة السورية. فمن دون مركز سياسي متماسك للمعارضة يمتلك رؤية واضحة لمستقبل سورية، مُطَمئنة لسائر المكوِّنات السورية، على قاعدة احترام الحقوق والخصوصيات، وتكون بعيدة كل البعد من التعصب والتطرف، وتأخذ في حسبانها المعادلات الإقليمية والدولية، وتؤكد للجميع أنّ سورية المستقبل ستكون عامل استقرار وانسجام لمصلحة الجميع، ستبقى الأمور عائمة، مفتوحة على غير ما هو منشود.
ويستدعي هذا، قبل أي شيء آخر، العودة إلى ذاتنا، واستعادة روح الثورة والمبادئ التي كانت تمثلها، في الحرية والكرامة وحق الشعب السوري في تقرير مصيره، ورفض المساومة على القضية التي ضحَّى من أجلها ملايين السوريين، بعضهم بأرواحه وبعضهم بمستقبله وكل ما يملك، فمن دون إحياء روح الثورة من جديد، وتعميم إشعاعها في قلوب أغلب السوريين، لن يبقى هناك أيُّ أمل للانتقال من الاستبداد إلى الديمقراطية.
سابعًا: خاتمة
كل ما تقدم يفيد بأن مسار المفاوضات، في كل المسارات، وعلى الرغم من التصريحات الروسية التي تتحدث عن انتخابات برلمانية ورئاسية، لا يزال طويلًا ومعقدًا، وهو سيعبر إلى الأمور التقنية في أنفاق مظلمة، لأن روسيا لا تزال تتحدث عن المفاوضات على أنها مجرّد مصالحات بين مختلفين على السلطة، ومن أجلها، وليس على انتقال سياسي ينهي حقبة ديكتاتورية، ويؤسس لنظام جديد بلبوس جديد، لا يمكن للنظام القديم ارتداؤه، أو التلاعب بقياساته لمصلحة تحجيمه، وانتزاع روحه، من خلال إعادة طرح النظام نفسه من باب الانتخابات المراقبة أمميًا، بعد تعديلات أو إصلاحات دستورية، لن تطاول جوهر القضية السورية، وهو إبعاد شبح إنتاج النظام مجددًا من باب المفاوضات والمؤتمرات الدولية.
ما ينتظرنا خلال جولات التفاوض المقبلة، في مسارات جنيف وآستانة وسوتشي، ليس صوغ الطريق إلى الحل السوري، وإنما تمهيد الطريق لحل الصراع على سورية بين الدول المنخرطة فيه والراعية له. وما لم يتم التوافق بين الدولتين الأعظم على حل المسألة السورية وتحقق الإرادة في هذا السبيل، ستبقى هذه المسألة أسوأ كارثة ليس في تاريخ الامم المتحدة فحسب، بل وفي تاريخ البشرية أيضًا، ووصمة عار في جبين المجتمع الدولي والإنساني.
إن السلام لا يعني وقف الحرب فحسب، بل وإزالة أسبابها أيضًا، وهنا ينهض السؤال: أي سلام هذا الذي علينا توقّعه على أيدي من أذكَوا الحرب ويعملون اليوم على إعداد تسوية على مقاسهم؟
إن المقاربات المطروحة حاليًا من قبل روسيا، والتي تتجاهل جذور الكارثة في سورية، وتُعيد تأهيل منظومة الأسد، لن تساعد سوى في انتشار رقعة الفوضى، وربما تعجّل في انهيار المنطقة.
الكاتب: وحدة دراسة السياسات مركز حرمون