تحوّلت جنازته في لاهاي إلى تظاهرة واسعة نددت بتورط النظام الإيراني
لندن – يوسف عزيزي:
* يأتي اغتيال أحمد مولى إثر خشية النظام الإيراني من تنامي الحركة القومية في إقليم عربستان وسط توترات إقليمية ودولية بين إيران من جهة ودول الخليج وأميركا من جهة أخرى
* إحصاءات: النظام الإيراني اغتال أكثر من 300 ناشط ومعارض إيراني في أوروبا والولايات المتحدة بعد قيام الثورة الإيرانية عام 1979
اغتالت أياد آثمة يوم الأربعاء الثامن من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي الناشط السياسي الأهوازي البارز أحمد مولى النيسي (أبو ناهض) أمام منزله في مدينة لاهاي بهولندا. وقد اتجهت أصابع الاتهام ومنذ اللحظات الأولى إلى أجهزة الأمن الإيرانية الحافل سجلها بمثل هذه الجرائم.
وقد هز الحادث، ضمير الأهوازيين بل وأصحاب الضمير من سائر الشعوب الإيرانية والعربية، إذ تحول تشييعه وتأبينه بمدينة لاهاي في يوم الأحد 12 نوفمبر الحالي إلى تظاهرة واسعة توحدت خلالها عواطف الأهوازيين بمعظم اتجاهاتهم السياسية، حيث حضرت تلك التظاهرة، شخصيات ومجموعات مستقلة وفيدرالية وتحررية أهوازية، منددين بذلك العمل الإجرامي. وكان للدم الأهوازي المسال على أرصفة لاهاي، تأثير في تقارب القلوب في الخارج والداخل، بل وشهد قضاء الشعيبية في إقليم عربستان – مسقط رأس أبو ناهض – تشييعا رمزيا للجنازة المغطاة بعلم عربستان واجتمع لفيف من النساء في بيت والده رددن قصائد حماسية ووطنية رثاء للراحل؛ وأقام والده مجلس عزاء رغم تحذير الاستخبارات الإيرانية، مما أدى إلى اعتقال اثنين من أشقائه. كما تحدت الجماهير العربية الحواجز التي أقامها الأمن الإيراني على الطرقات المؤدية إلى قضاء الشعيبية للحضور في مجلس العزاء. وأكد شهود عيان أن عناصر من الاستخبارات كانت حاضرة بلباس مدني في المجلس لمراقبة الأوضاع ولمنع الناس من إلقاء القصائد وإقامة العزاء الأهوازي التقليدي المتمثل بالزجل (الهوسات) وما شابه ذلك.
لماذا تورط النظام الإيراني في عملية الاغتيال؟
توجد هناك أدلة تؤكد تورط النظام الإيراني باغتيال أحمد مولى، أشير هنا إلى البعض منها: أولا، في العام 2014 اتصل بي صديق أهوازي يختلف معي سياسيا، قائلا إنه تلقى مكالمة من مصدر أهوازي موثوق في الاستخبارات الإيرانية يطلعه بوجود خلية للاغتيالات في هولندا تتكون من لبنانيين وعراقيين. ومن ضمن أهدافها القيام باغتيالي أنا، طالبا مني أخذ الحذر والحيطة. فشكرته على تلك المعلومة. وقد اتصلت به بعد اغتيال أبو ناهض وطلبت منه أن يتصل بالشرطة الهولندية ويخبرهم بالمعلومة التي زودني بها قبل ثلاث سنوات.
ثانيا: غرد الصحافي الإيراني المخضرم أمير طاهري يوم 17/11/12 على صفحته في «تويتر» قائلا إنه سمع من أصدقائه الهولنديين أن «في العام 2015 أطلقت الحكومة الهولندية سراح 7 مشبوهين بالإرهاب تم إيفادهم من طهران، وذلك في صفقة سرية مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية مقابل إطلاق سراح عبد الله المنصوري الذي كان مسجونا في إيران آنذاك». وقد قضى الناشط الأهوازي فالح عبد الله المنصوري نحو 8 سنوات في السجون الإيرانية بعد زيارته إلى سوريا وتسليمه من قبل حكومة بشار الأسد إلى إيران عام 2007. ومن المحتمل أن هؤلاء السبعة المشبوهين هم الذين أخبرني عنهم صديقي الموجود في إحدى دول المغرب العربي
ثالثا: في 17/8/10 أعلن الجنرال حسين سلامي قائمقام القائد العام لقوات الحرس الثوري الإيراني: «إننا نعرف قدرات الأعداء جيدا ولدينا تراكم من القوة للتغلب عليهم»، مؤكدا: «نحن اليوم نطارد أعداءنا خارج حدودنا».
رابعا: إحصاءات سابقة نشرتها مؤسسات حقوق إنسان إيرانية تفيد بأن النظام الإيراني قام باغتيال أكثر من 300 ناشط ومعارض إيراني في أوروبا والولايات المتحدة بعد قيام الثورة الإيرانية عام 1979.
مخاوف عن استئناف الاغتيالات
لم تعلن الحكومة الهولندية حتى اللحظة عن هوية الجاني أو الجناة وهناك قلق أهوازي حول احتمال التستر على نتائج تحقيقات الشرطة الهولندية، خاصة وأن هناك صفقات اقتصادية مربحة عقدتها هولندا مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية بعد الاتفاق النووي بين إيران والدول 5+1 في العام 2015، أهمها عقد شركة شل، الهولندية – البريطانية، لتطوير حقول النفط والغاز في الضفة الشرقية للخليج في جنوب إيران. ويبدو أنه يتحتم على الأهوازيين أن يكثفوا من ضغوطهم على الحكومة الهولندية بشتى الطرق للحيلولة دون التعتيم والتستر على نتائج التحقيقات بشأن اغتيال أحمد مولى النيسي. ويعد هذا الأمر ملحا لأن عملية الاغتيال وهي الاولى من نوعها بهذا الشكل ضد نشطاء أهوازيين، أثارت المخاوف باستئناف الاغتيالات السياسية ليس ضد الأهوازيين فحسب، بل وسائر نشطاء القوميات الإيرانية. إذ تم اغتيال المعارض الإيراني سعيد كريميان مدير شبكة «جم تي في» (Gem TV) مع شريكه الكويتي محمد متعب الشلاحي في أبريل (نيسان) من هذا العام في إسطنبو. ورغم التوقف النسبي للاغتيالات في عهد محمد خاتمي فإنها لم تنقطع، بل استمرت ضد نشطاء أهوازيين وآخرين من سائر القوميات غير الفارسية. وقد شهدت مدن إقليم عربستان خلال الأعوام العشرة الماضية تصفيات جسدية لنشطاء وشعراء قوميين، إما بالتسمم وإما بحوادث سيارات مفبركة وإما بطرق غير مرئية أخرى. فمن أشهر الذين قتلتهم الاستخبارات الإيرانية بالتسمم في الأهواز هو الشاعر المناضل ستار صياحي (أبو سرور). كما تم اغتيال الناشط الأهوازي منصور سيلاوي الأهوازي في مارس (آذار) 2008 بشكل مفاجئ في لندن واتهم زملاؤه البريطانيون، الصحافي الشيعي الهندي أحمد كاظمي باغتياله حيث كان يتردد عليه في لندن. وقد اعتقلت السلطات الهندية، كاظمي في العام 2012 بعد أن قام بهجوم إرهابي على أحد الدبلوماسيين الأجانب في نيودلهي.ويأتي اغتيال أحمد مولى إثر خشية النظام الإيراني من تنامي الحركة القومية في إقليم عربستان – بشقيها الفيدرالي والاستقلالي – وسط توترات إقليمية ودولية بين إيران من جهة ودول الخليج والولايات المتحدة الأميركية من جهة أخرى. ولا ننسى أن النظام وظف منذ عقود عددا من الأهوازيين المخلصين له في صفوف استخباراته الناشطة في الدول العربية وأوروبا (اطلاعات برون مرزي) وبعث البعض منهم إلى أوروبا والولايات المتحدة ودول الخليج تحت تسميات ناشط سياسي وإعلامي وباحث وما شابه ذلك.
وقد حول أكراد إيران قضيتهم إلى قضية دولية وتمكنوا من كسب عطف الدول الأوروبية بعد اغتيال قادتهم الدكتور عبد الرحمن قاسملو (في 1989) والدكتور صادق شرفكندي (في 1992)، إذ أدى اغتيال الأخير إلى أزمة في العلاقات الإيرانية – الأوروبية استدعت معظم الدول الأوروبية خلالها سفراءها من طهران احتجاجا على ذلك.اذا تقوم السلطة الإيرانية بمثل هذه الجريمة؟
ربما يسأل سائل: لماذا تقوم السلطة الإيرانية بتنفيذ مثل هذه الجريمة وهي التي تحتاج إلى تلميع وجهها ومسح ماضيها الإرهابي في العالم والمنطقة، حيث تواجه توترا متصاعدا في علاقاتها مع الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية والدول الخليجية. وإنني أعتقد أن كافة أجنحة النظام الحاكم في إيران متفقون على تنفيذ هذا العمل الإرهابي للأسباب التي سأذكرها هنا، لكن حتى لو فرضنا جدلا عدم موافقة ما يسمى الجناح المعتدل المتمثل بحسن روحاني وجماعته في السلطة، فإن للجناح المتشدد اليد العليا والأقوى في هذه السلطة وهو الذي يهيمن فعلا على المؤسسات الأمنية والاستخبارية بما فيها المؤسسات الموازية التابعة للدولة العميقة، وأهمها مؤسسة الاستخبارات التابعة لقوات الحرس الثوري التي تضم فيلق القدس.
ويبدو أن الحسابات التالية تقع وراء قيام القوى الأمنية الإيرانية بتنفيذ هذه الجريمة بواسطة عناصرها أو أخرى مأجورة:1. التخلص من عدو لها كانت تطارده منذ العام 2005 أي منذ قيام مجموعته السياسية بعمليات مسلحة داخل إقليم عربستان.
2. زرع الفتنة بين المجموعات السياسية الأهوازية بواسطة الإيهام بأن المنافسين له هم الذين قاموا بذلك. وقد بدأت بعض وسائل الإعلام الإيرانية تشير إلى ذلك.
3. زرع الذعر والخوف في قلوب النشطاء الأهوازيين، بل وسائر النشطاء من القوميات الأخرى.
4. اعتقاد السلطة الإيرانية بأنه لن يتم الكشف عن القائمين بالجريمة بسبب المهنية العالية في تنفيذها، بل وحتى لو وصلت الشرطة إلى رؤوس خيوط في الكشف عن الجناة ستمتنع الحكومة الهولندية عن كشف ذلك بسبب العلاقات الاقتصادية المتطورة والعقود المربحة التي عقدتها الشركات الهولندية مع إيران. كما أن النظام الإيراني يأخذ بعين الاعتبار احتمال القيام بصفقة لتخليص الجناة بعد فترة من السجن في حال تم اعتقالهم. وهذا ما حدث بالفعل مع دول أخرى كفرنسا بعد اغتيال شابور بختيار، آخر رئيس وزراء في عهد الشاه في باريس، وكذلك في النمسا، عقب اغتيال أمين عام الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني الدكتور عبد الرحمن قاسملو، وفي برلين بعد اغتيال خلفه الدكتور صادق شرفكندي