حسن هاشميان
كانت إيران ترصد جولة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى شرق آسيا بقلق في الأيام الأخيرة، خاصة المحطتين الصينية والكورية الجنوبية اللتين تعتبران من أهم نوافذ الاقتصاد الإيراني في شرق آسيا، حيث تشير الأرقام إلى أن حجم التبادل التجاري بين الصين وإيران يفوق الـ10 مليارات دولار، يضعها في المرتبة الأولى من حيث تصدير البضائع الى إيران، إضافة إلى التجارة الثابتة مع كوريا الجنوبية التي تبلغ 6 مليارات و37 مليون دولار سنوياً.
الاقتصاد الإيراني غير مبني على إنتاج بضائع تنافسية لها المقدرة للدخول في الأسواق الإقليمية، فمجموع البضائع التقليدية الإيرانية مثل السجاد والفستق والكافيار لا تشكل أكثر من 3% من الاقتصاد الإيراني
ووفقاً للإحصائيات الجمركية لعام 2016 في إيران، بلغت القيمة الإجمالية للبضائع والآليات الواردة لهذا البلد 39 ملياراً و988 مليون دولار، منها 16 ملياراً و753 مليون دولار، يعني قرابة 42% جاءت من الصين وكوريا الجنوبية. فالدولتان لهما حصة الأسد في الاقتصاد الإيراني وبإمكانهما لعب دور لتسرّع عجلة الاقتصاد الإيراني، أو في اتجاه معاكس، تكون ورقة حاسمة للضغط على اقتصاد الولي الفقيه.
ومن جانب الولايات المتحدة، تشهد العلاقة التجارية بين الصين وأمريكا، حساسية بالغة بعد مجيء ترامب للسلطة، حيث يحاول الرئيس الأمريكي تخفيض العجز التجاري مع الصين. وعلى هذا الأساس تتعامل الصين مع الجانب الأمريكي بمنتهى اليقظة والحذر، خاصةً فيما يتعلق بإيران والعقوبات الأمريكية المفروضة عليها.
في هذا السياق، وعشية زيارة ترامب إلى بكين، أعلن النظام المصرفي الصيني منع التعامل مع الريال الإيراني في جميع حساباته أمام الدولار الأمريكي واليوان الصيني، بما يؤدي إلى سحب العملة الإيرانية وإبعادها عن المبادلات التجارية حتى مع دول في شرق آسيا.
هذه الخطوة تعتبر انتكاسة كبيرة لطموح الرئيس الإيراني حسن روحاني الذي طالب السلطات الصينية في زيارته العام الماضي إلى بكين، برفع المبادلات التجارية بين البلدين إلى 60 مليار دولار. وأوضح أن السلطات الصينية لا تريد المجازفة تجاه الولايات المتحدة، بتعاملها مع الريال الإيراني، لذلك أخذت كل الخطوات الاحتياطية تجاه إيران قبل زيارة ترامب إليها.
وقبل ذلك في خطوة مسبقة، أغلقت السلطات المصرفية في الصين حسابات آلاف من المواطنين الإيرانيين في بنوكها، في مايو الماضي، خاصةً التجار منهم الذين واجهوا مشاكل جمة في سبيل عملهم التجاري، حيث لا يبقى لهم طريقة إلا التعامل بالريال الإيراني مقابل اليوان الصيني خارج المنظومة المصرفية وبضمانات من قبل البنك المركزي الإيراني. وهذه الخطوة تأتي بينما نشهد زيادة في صادرات الصين إلى إيران بنسبة 31% لنصف العام الجاري، دون أن يحصل انفتاح مصرفي صيني على إيران. وتبقى المبادلة التجارية بين البلدين محصورة بالسبل البدائية قبل النظام المصرفي، حيث تستورد الصين النفط الإيراني وفي المقابل تقوم بتصدير البضائع المطلوبة من الجانب الإيراني.
وفي سبتمبر الماضي، زار ولي الله سيف، رئيس البنك المركزي الإيراني، الصين من أجل تبديد المخاوف الإيرانية حول المبادلات التجارية مع أكبر طرف تجاري لإيران، واجتمع مع رئيس بنك الصين للتنمية، أعلى هيئة مصرفية في ذلك البلد، واستغرقت المحادثات يومين متتاليين، انتهت بتوقيع مذكرة تفاهم بين البلدين حول التعاون المصرفي، ولكن على الرغم من هذه المحاولة الإيرانية، ما زالت المصارف الصينية عصية على الانفتاح أمام مثيلتها في إيران، وقد تبدد التعاون المصرفي الصيني- الإيراني تماماً، حسب ما تطلبه طهران، بعد زيارة ترامب إلى الصين.
فيما يتعلق بكوريا الجنوبية، على الرغم من وجود طموح كبير لدى الإيرانيين لرفع حجم المبادلات التجارية بين البلدين من 6 مليارات دولار الحالي إلى 18 مليار خلال الخمس سنوات القادمة، لكن هناك مخاوف كبيرة لدى السلطات الإيرانية تجاه علاقة هذا البلد بالولايات المتحدة، حيث يعتبرون كوريا الجنوبية أكثر تأثيراً بـ”سياسات الولايات المتحدة” وأكثر ميولاً للمعاملة مع استراتيجية ترامب الجديدة تجاه إيران. وسبق أن جمدت كوريا الجنوبية الأرصدة المالية الإيرانية في بنوكها، على الرغم من الاستمرار في إيرادات النفط من إيران.
ويعتقد الإيرانيون أن نفس التجربة ستتكرر في حال ممارسة ضغوط عليها من قبل الولايات المتحدة في ظل التوجهات الجديدة تجاه إيران في إدارة ترامب. فالمتوقع في علاقة إيران التجارية مع كوريا الجنوبية، أن تستمر على حالها قبل الاتفاقية النووية، حيث تقوم باستيراد النفط من إيران وفي المقابل تصدر السيارات والبضائع الإلكترونية إلى ذلك البلد، دون انفتاح مصرفي ملموس على البنوك الإيرانية. وفي هذا السياق، شرط “كيم سيونج هو” السفير الكوري الجنوبي في طهران موضوع الانفتاح المصرفي بـ”تحسن العلاقة المصرفية بين إيران والدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة”، ويتوقع الخبراء أن كوريا الجنوبية لم تقم بخطوة في هذا الاتجاه، إلا بعد رفع العقوبات الأمريكية عن إيران.
وفي ظل هذه الظروف القاتمة حول التعاون المصرفي بين إيران والعالم ثم تنفيذ مشاريع الاستثمار الخارجي وتأثيرها على تحسن الأوضاع الاقتصادية في إيران، جاء المرشد علي خامنئي بتوصية معاكسة تماماً لما تخطط له الحكومة الإيرانية، وطلب سحب الدولار الأمريكي من الاقتصاد الإيراني وتبديله بعملة الدول الصديقة لنظام الولي الفقيه. هذا المقترح العمائمي قد يتجاهل الحقائق الدامغة التي تتعلق بالاقتصاد الإيراني، حيث إن أكثر من 80% من هذا الاقتصاد مبني على الموارد المالية التي تأتي من خلال بيع النفط، وفي حال سحب الدولار من الاقتصاد الإيراني، لا يتبقى شيء للولي الفقيه حتى يتعامل به.
الاقتصاد الإيراني غير مبني على إنتاج بضائع تنافسية، لها المقدرة للدخول في الأسواق الإقليمية، فمجموع البضائع التقليدية الإيرانية مثل السجاد والفستق والكافيار لا تشكل أكثر من 3% من الاقتصاد الإيراني، وبالتالي الولي الفقيه سيصبح خاوي الوفاض في حال سحب الدولار الأمريكي من الاقتصاد الإيراني، حتى مجموعة “بريكس”التي تسعى إلى إيجاد مؤسسات مالية واقتصادية خارج فلك الدولار الأمريكي وتضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا ترفض انضمام إيران إليها.
وفي زيارة بوتين إلى طهران الأخيرة طلب خامنئي من الرئيس الروسي بذل جهوده لمساعدة إيران للانضمام إلى مجموعة بريكس، وكان الرد غير واضح بهذا الصدد، أثار بعض الانتقادات لروسيا من داخل البرلمان الإيراني وامتدت هذه الانتقادات إلى بعض المسؤولين الإيرانيين ومن بينهم عسكر أولادي رئيس غرفة التجارة مع روسيا، الذي صرح بوضوح أن حجم المبادلات التجارية مع موسكو غير متوازنة.
لا الخروج من فلك الدولار الأمريكي ولا الرجوع إلى المبادلات التجارية مع الصين وكوريا الجنوبية على حالها قبل إبرام الاتفاقية النووية قادرة على تحسين الأوضاع الاقتصادية في إيران، إلا بحصول تغييرات مصيرية في سياسة إيران التوسعية المبنية على “التنمية المليشياوية” في المنطقة وختام خطابها العدائي تجاه الشعوب والدول في الشرق الأوسط.