د. كريم عبديان بني سعيد – لقد مضى على بدء رئاسة ترمب أكثر من 6 أشهر، ولا يزال العالم ينتظر رؤية ملامح سياسته تجاه إيران بوضوح، لكننا لغاية الآن لم نسمع شيئاً ملموساً، غير أن مركزاً يمينياً للدراسات والأبحاث مرتبطاً مع الجمهوريين قدم تقريراً أولياً حول سياسة البيت الأبيض في هذا المجال، وكان موجزاً تنفيذياً له وليس أكثر.
وكشخص معني بالشأن الإيراني، ومتشوق لكشف سياسة ترمب المستقبلية تجاه إيران، بدأت منذ فترة بالبحث والاستفسار في واشنطن، لمعرفة ما إذا كان يمكنني العثور على أي شيء في هذا الخصوص. لذلك في الأسبوعين الماضيين، بدأت بالتحرك للقاء بعض الزملاء السابقين من المدنيين والعسكريين في مختلف الوزارات والوكالات الحكومية للحصول على آخر المستجدات حول سياسة ترمب تجاه إيران.
والتقيت خلال جولاتي، مع زملاء سابقين في الكونغرس الأميركي ووزارة الخارجية والبيت الأبيض والبنتاغون ومؤسسات أخرى، كما اجتمعت مع مسؤولين من كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري وأساتذة جامعات يقومون بدراسات وبحوث حول إيران والشرق الأوسط.
وكانت الحوارات تدور حول كيفية وضع سياسة ترمب تجاه إيران. وهنا من الضروري أن أشير إلى بعض النقاط عن كيفية عمل الإدارة الأميركية.
إن الإدارة الأميركية باتت تفوض كثيراً من الوظائف لجهات وشخصيات خارج البيت الأبيض، وتكتفي هي بالإدارة والرقابة فقط، ويشمل ذلك نظام الأسلحة والاقتصاد والسياسات الخارجية والصحية والبيئية وغيرها. ومن خلال معرفتي المباشرة أعلم جيداً أن البنتاغون يتعامل أيضا ضمن عقود مبرمة مع الشركات الأميركية مثل بوينغ لبناء الطائرات الأميركية، وجنرال إلكتريك لتصميم محركات الطائرات، كما أن جنرال موتورز تقوم ببناء الشاحنات والدبابات، وجنرال ديناميك تصنع السفن، والصيغة ذاتها متبعة في صناعة القرار داخل الإدارة والكونغرس، حيث يتم الاستناد في كتابة القوانين على مراكز الدراسات واللوبيات وتقاريرها المقدمة التي تمثل مصالح أطراف شتى، ومن ثم تتم مناقشة تلك المقترحات والتصويت عليها لاعتمادها كقوانين.
وفيما يخص الشأن الإيراني فهناك مراكز دراسات ولوبيات عديدة بعضها تعمل لصالح الجمهوريين وأخرى للديمقراطيين، وتحظى تقارير ونفوذ هذه المراكز بأهمية كبيرة في رسم السياسات المستقبلية تجاه إيران.
ولقد اكتشفت من خلال متابعتي أن معلومات الأميركيين لم تتغير كثيرا، خلال السنوات الخمس الماضية منذ أن غادرتُ العمل الحكومي، فيما يخص الشأن الإيراني.
وبسبب اهتمامي بالسياسة، وكوني من عرب إيران ومسلم، كثيراً ما كانت تتم استشارتي بشأن حقوق الإنسان، وقضية الأقليات العرقية والدينية وديناميتها في إيران، وبما أن الولايات المتحدة لم تكن لديها سفارة في طهران منذ ما يقرب من 40 عاما، فقد كان ذلك مصدراً مهماً للمعلومات.
وخلال عملي مع العديد من الخبراء الأميركيين عن قضايا إيران منذ إدارة ريغان إلى الرئيس بوش الوالد إلى كلينتون وبوش الابن – ما عدا فترة أوباما الذي فضل التشاور مع اللوبي الإيراني في واشنطن – واكتشفت أن معرفتهم بالشأن الإيراني وخاصة حول المسائل الاجتماعية والسياسية والديموغرافية والأقليات والدين والمذهب والمعارضة قليلة وخاطئة وخطيرة بالوقت نفسه، رغم امتلاك الولايات المتحدة أدوات وتقنية تمكنهم من معرفة ما يجري في غرف النوم والأمور العسكرية وتفاصيل أخرى في إيران!
والملاحظ أن النقص نفسه في توفير المعلومات موجود وربما ازداد سوءاً. إن الرئيس ترمب، على عكس أوباما، يرغب في إسقاط الملالي، ووصفه بأنه مصدر للإرهاب وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط، وصرح وزير خارجيته تيلرسون، بأنهم يتمنون أن تطيح المعارضة بنظام طهران. لكن رغم كل هذا، يمكنني القول إنه لا توجد لدى الحكومة معلومات دقيقة وكافية عن جماعات المعارضة الإيرانية في الداخل والخارج، ولا عن قدراتهم لمواجهة النظام وإسقاطه، كما أنه لا توجد لديهم معلومات محدثة عن الكيانات السياسية المنتهية الصلاحية والإحصاءات والأرقام التي بحوزتهم ليست مؤكدة وجُمعت من مصادر مفتوحة، ومن المؤكد أنه ليس لديهم أي معرفة بقوة الأقليات العرقية والإثنية التي ربما يمكنها أن تشكل تحديا جديا للنظام بثقلها الديمغرافي الذي ربما يصل لنصف سكان إيران، ووعيها المتنامي وتفانيهم في الدفاع عن حقوقهم، ففي المناطق العربية والكردية والبلوشية مثلاً توجد مقاومة ضد النظام الإيراني يمكنها أن تلعب دوراً مؤثراً في إسقاط النظام، إذا ما استثمرت إمكانياتهم بصورة صحيحة، رغم معاداة اللوبي الإيراني الموجودة في أروقة الإدارة الأميركية والمعادي لقضايا هذه الشعوب غير الفارسية. كما أن اللوبي الإيراني في أميركا يعارض أي تغيير جذري في نظام إيران، ويقدمون معلومات خاطئة للإدارة الأميركية، بحجة أن إسقاط النظام سيؤدي إلى تقسيم إيران.
ومن ناحية أخرى، فإن مراكز الدراسات والجامعات في أميركا، وخاصة بعد نزوح نخب الحركة الخضراء إلى أميركا صارت تعيد وتكرر المعلومات والتقارير المقدمة من قبلهم دون أي محاولة للتوصل لأفكار جديدة.
لذلك يجب على الأطراف المستهدفة من قبل سياسات طهران التوسعية والتي تعول على الإدارة الأميركية للتصدي لإيران، وتقديم معلومات لها للحفاظ على أمنها ومواجهة الأطماع الإيرانية، أن تأخذ زمام المبادرة، وتسعى بنفسها للقيام بهذا الدور، وتبني علاقة أوثق مع المعارضة الإيرانية بشتى صفوفها. فالولايات المتحدة بما نشهده من نقص في المعلومات المتوفرة لديهم في كل المجالات السياسية والاجتماعية، وعدم امتلاكها سفارة في طهران، وفشل سفاراتها في تقدير الأمور والتكهن بها في العراق وأفغانستان واليمن وسوريا، لا يمكنها أن تلعب دوراً بارزاً في هذا المجال. وربما حان الوقت لكي تعتمد دول المنطقة على نفسها، وتقوم بالبحث والتخطيط ودعوة مستشارين وخبراء لجمع المعلومات والأرقام عن إيران، لامتلاك زمام المبادرة في المواجهة مع نظام الملالي. ويبدو أن الأيام القادمة لن تشهد سياسة أميركية أفضل من التي نشهدها. وعلى خلفية الخلافات الموجودة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حول موقفها تجاه طهران، ورغبة الأوروبيين للاستثمار في إيران وزيارة مورغيني الأخيرة للعاصمة الإيرانية، فإن سياسة البيت الأبيض المستقبلية تجاه طهران سوف تكون الترقب والانتظار وتوقع المعجزة، وهذا ما يبرهن أهمية التحرك المحلي للدول التي تستهدفها طهران بسياساتها التوسعية.
نقلا عن الشرق الاوسط