بدر عبدالملك – هناك ثلاثة أنواع من البراكين المعروفة، النوع الخامد تمامًا بلا انفجارات وحمم، مما يجعل السكان المجاورين له اكثر اطمئنانًا، أما النوع الثاني فهو قابل للانفجار بين الفينة والاخرى دون معرفة توقيت ذلك الانفجار وهذا كثيرا ما افزع السكان لمفاجأته كونهم يسكنون بالقرب من غضبه حين يثور، أما النوع الثالث فهو المستمر دون توقف عن انفجاراته وحممه مما ساعد السكان والعلماء على معرفة اسراره وسهولة التكيف معه ومع تلك الحمم.ويشكل شعب الاحواز بركانًا من النوع الثالث فهو في غليان شعبي مستمر وحمم ثورية متعطشة للحرية دون توقف، واقليم نفطي يستمد وهج تلك الشعلة الملتهبة داخله من البركان الداخلي المرتبط بعامل ديموغرافي وثقافي وسياسي واقتصادي وتاريخي لشعب يرى كل يوم عملية اجتثاث وجوده من خلال التفريس، الذي تلعبه الحكومة المركزية في طهران مع شعب الاقليم.
لقد اهتمت وكالات الانباء كثيرًا بالانتخابات الايرانية والباحثين المهتمين بالشأن الايراني، لكنهم لم يلتفتوا بما فيه الكفاية لمعاناة اقليم الاحواز وماهو موقف شعبه من الانتخابات ؟. يتم إهمال الجزء على حساب الكل والخاص على حساب العام، رغم اننا نرى ان هناك ترابط وانسجام وتجانس بين الخاص والعام والكل والجزء، ففي انتخابات مايو الرئاسية 2017 قررت المعارضة هذه المرة مع الاقليات العرقية الاخرى مقاطعة الانتخابات الرئاسية، ولكن الاضواء لتلك المقاطعة النيابية تمركزت في المدن الاساسية الايرانية الفارسية ولم تسلط بما فيه الكفاية الاضواء على الاعراق والاقاليم الاخرى، بالرغم من ان العنصر المشترك بين فصائل المعارضة باطيافها وتنوعها هو المقاطعة الجماعية لتلك الانتخابات.
ومن المعروف ان مسألة المقاطعة هو موقف شبه ثابت عند الشعب العربي في الاحواز، فهم من خلال تجربتهم الطويلة منذ اندلاع الثورة 79، وجدوا ان الوعود والكذب والتنصل من المواقف ديدن تلك الحكومة الطائفية الشوفينية، لذا لن يتوقع الشعب الاحوازي أي تغيير ازاء حقوقهم من حكومات متعاقبة ترتدي عمامة واحدة ونفس الجلباب، تلك التجربة التاريخية علمت شعب الاحواز انه لا يمكنه الاطمئنان لحقوقهم من مؤسسة تشريعية تقوم وقامت على لعبة التزييف والتزوير، ولكنهم في ذات الوقت، يجدون في انتخابات مجلس شورى البلديات حكمًا محليًا بإمكانهم انجاز وتحقيق بعض من مطالبهم إن لم يكن اغلبها، ومن الحكمة السياسية لشعب الاحواز ان يديروا شؤونهم المحلية باقتدار ويخلقوا ارباكًا وتناقضًا لمواقف الحكومة المركزية من مطالب الاقليم المشروعة.
وطالما ان التزوير والتزييف في انتخابات حكومة روحاني دامغة، فإن التزوير حتما ينتقل من العام الايراني الى الخاص الاحوازي، وكل ما هو جزئي وخاص للشعوب الاخرى، ولكون حكومة روحاني مارست التزوير ضد شعبها بقوميته الفارسية، فإن الاعراق الاخرى لن تنجو من ذلك التزوير.
هذا ما شهدته مجالس بلديات الاحواز مؤخرا والمتزامن مع انتخابات الرئاسة والاقاليم الاخرى. وكانت تدرك الحكومة دومًا ان الاغلبية الواسعة من السكان العرب في الاقليم يحوزون على اغلبية مطلقة من مقاعد الشورى في السابق، ولكن هذه التركيبة لم تعجب الحكومة، فما عليها إلا اللعب بالورقة بالديموغرافية السكانية، بجلب عناصر فارسية ومهاجرين (النزوح الداخلي) من اقليات مناطق اللور والبختيارية الى منطقة الاحواز لكي يتم تمزيق الشعب اولاً وتفتيت مركزية صراعه وتشتيت وحدة صف الطبقة العاملة في اهم معقل نفطي، بخداع جماعات فقيرة إمية من البلوش واللور والفرس وغيرهم، وبأنهم سيحظون بامتيازات مهنية ومعيشية متميزة. كانت فضيحة فرز اصوات مجلس شورى البلديات في الاحواز ذات الثلاثة عشر مقعدًا، إذ حصل العرب على صوت واحد (مقعد) مقابل 12 صوتًا من المهاجرين للاقليم من عرق اللور والبختيارية وغيرهم، فكانت بمثابة فضيحة احواز-غيت مصغرة، إذ لا يجوز في تلك الاغلبية العربية الحصول على تلك النسبة !! وبعد الاحتجاج العربي تم منحهم 5 مقاعد مقابل 8 مقاعد.
دون شك دخول العرب بقائمتين إئتلافيتين ساعد على تشتت قوتهم المشتركة ووجودهم، بالرغم من انهم في السابق داخل مجالسهم يعيشون حالة تنافس عربي – عربي، ولكن بحضور شبه مهيمن على البلديات. المقاعد 12 تمثل التيار الاصولي العربي وغير العربي والمقعد الوحيد يمثل التيار الاصلاحي. المثير للسخرية هو ان كيف اقليم الاحواز الذي يمثل العرب فيه 70% من السكان، يحصل على تلك النسبة غير المنطقية، فيما الاقليات العرقية الاخرى مجتمعة لا تشكل في احسن الحالات اكثر من 30%، لقد قلبت الحكومة المعادلة المنطقية للانتخابات بفضيحة التزوير، فما اسهل ان تضيف صفرًا من الشمال الى 80 صوتًا أو 800 صوت فذاك الصفر الفائض سينفخ بالاوراق الصناديق المزورة واكذوبة التصويت وزيفها.
بالطبع حكومة الملالي لا تحب ان تسمع صوت جاسم شديد زاده وغيره من الاصوات العربية الشريفة، التي تحدت في التسعينات النظام الفاشي، حيث سمعت صوتًا عربيًا لاول مرة داخل قبة البرلمان في طهران.
نقلا عن صحیفة الأیام البحرینیة