18/05/2024

لا يمكن فردا أن يسعد اذا كان يعيش في مجتمع شقي . و اولئك الذين يعيشون في مجتمع شقي و يحاولون تحقيق السعادة لأنفسهم يتخذون عادة أحد الطريقين. الطريق الاول الذي يسلكه الاكثرون

, الانفراديون,هو الهروب من المجتمع بالاعتكاف و الابتعاد عن مشاكله و ضغوطه.و يلجئون الي اعمال سلبية كي يغيبوا عن حقائق هذا المجتمع و هؤلاء سلبيون , و الطريق الثاني الذي يسلكه الأقلون , الاجتماعيون هو طريق الكفاح الذي يمارسونه كي يغيروا هذا المجتمع و يصلحوا مؤسساته التي تعفنت و يوجدوا الطمأنينة بدلا من الخوف و هؤلاء ايجابيون.

فعلی النخب فی کل منطقة أن تطل رأسها من شباک الانعزال و تصرخ نحو نجاح مجتمعها الذی اخذ یسقط فی بئر الجهل و الانحطاط .

علی مدی التاریخ برزت و ظهرت شخصیات اجتماعیة التی لعبت دور هام فی تحقیق السمات الانسانیة و ضحت بنفسها لأجل هذه السمات کی تصل رسالتها الی الاجیال القادمة من بعدها . من هؤلاء العباقرة هو “عنترة بن شداد العبسی” الذی کان ابوه احد اشراف عبس و أمه کانت “امة حبشیة” امتلکها شداد فی احد الحروب التی خاضتها “عبس” فی حبشة . فاخذ عنترة السواد من أمه . هذا السواد دفع شداد الی عدم الإعتناء بولده.فلهذا واجه عنترة ظلم الوالد منذ بدایة میلاده بتسمیته « عنترة » الذی یعنی « الذبابة السوداء او الزرقاء » . و بهذا الاضطهاد کبر و نمی تحت ظل المجتمع الجاهلی بتقالیده الجاهلیة العنصریة ، یصر و یرعی الإبل .نعم!!فکل ما یخص عنترة هی هذه الافعال التی هی من واجبی العبد لا ابن شیخ عبس.

يتبين لنا عند التعمق فی قصة عنترة بأنه كان يكافح المجتمع الجاهلي و لا يستسلم و يخضع لقانونه الشقي ، مهما كان قد يظن عند صغره(حسب معاملتهم اياه) ، بان السواد ختم علی جبینه حتی یولد عبد یصر و یحلب. لکن شعوره هذا بعثه علي الرغبة في التكمل . فمارس الفروسية و الخصال الحميدة حتي وصلت ضوء خصائله الانسانیة و سیف شجاعته المتمیزة الی کل شبه جزیرة العربیة بل تعدت الحدود و اخذ یتکلم عنه الروم و الفارس و غیرهما من بلاد الجوار.فنجد شعره مرآة صافیة التي انعكست فيه ما عاناه من هذا المجتمع و ما بذله من جهد لمكافحة هذه الآفات الاجتماعية حتي نرى اثبات نفسه بأن ليس السواد سواد الجلد و لیس الفخر بالماضی الذی صنعه غیره بل الفخر هو دور الشخص الذی یلعب لنجاح مجتمعه دون سواه و اثبات نفسه بأنه یستطع أن یکون حرا و بعیدا عن تقالید القبلیة المریرة .

فشداد وصل الی مکانة خاصة فی عبس بشجاعته ، اما عنترة فهل اخذ مکانة ابیه و وصل الی المکانة التی بلغت العالم و العصور.؟!

فعندما نتکلم عن عنترة بن شداد ، نتکلم عن سمات انسانیة نمت بکل معاناة و ضحت صاحبها حتی حلت محل السلبیات الاخلاقیة التی کانت سائرة آنذاک . و لکن فی عصرنا الحاضر و فی المنطقة التی نعیش فیها نری هذه السمات اخذت تنسحق تحت اقدام التأخر و التخلف . فالاتجاهات القبلیة و الطائفیة ولدت لنا عصر جاهلی آخر لکن بشکل حدیث. الفخر اخذ یلعب دورا سلبیا هاما فی تأجج نیران هذا التأخر .و هذا یطابق رکنا من ارکان نظام الشیوخ .اکثر شیوخ العرب فی منطقتنا ادت مجهودها الانسانی و لعبت دورها و خدمت مجتمعها القبلی حتی اصبحت قدوة للجیل من بعدها (بخصالها التی اشتهرت بها) ک”شداد الجاهلی” و لکن من سوء الحض اخذ اکثر ابناء هؤلاء الشیوخ لا یتوارثون من آبائهم الا الفخر بهم.الفخر الذی اصبح زی یلبسه هذه الفئة من الناس، ترسا لهم لمواجهة اسهام النقد ، یلتجئون به و کانه سکینة لهم .فاین هولاء من “عنترة”؟؟؟

انا بن شیخ فلان و انت بن من؟؟ انا ابی کان کذا و جدی کان کذا و انت کیف خلفوک سلفک؟؟؟ انا جدی کان شیخ و اجدادک رعیة تحت یده!!! هذه قلیل من الهجمات التی تلقی حینا بعد حین التی لا تسکن الا الالم التأخر و الم الجهل الذی یظهر فی هیکل هولاء الهامد ، فعندما شخص یکون صغیرا یستنجد بالأکبر منه