فتح الاهواز وهزيمة الهرمزان – قصة الأسلام

في ذلك الوقت تثور (دست ميسان) فبعث إليهم عتبة بن غزوان فرقة من جيش المسلمين على رأسها مجاشع بن مسعود، وتقع دست ميسان على نهر دجلة أو في شرق شط العرب، وانتصر مجاشع بن مسعود بفرقته على أهل دست ميسان وظفر بهم.

وبدأت القوات القابعة داخل الأهواز وعلى رأسها الهرمزان ترسل بعض الفرق لحرب المسلمين في هذه المنطقة، فكتب سيدنا عتبة إلى سيدنا عمر بن الخطاب يُعْلِمُه بخبر أهل الأهواز وإرسالهم الفرق لقتال المسلمين في الأبلة، فأمر سيدنا عمر بن الخطاب سيدنا سعد بن أبي وقاص بأن يرسل مددًا إلى سيدنا عتبة بن غزوان، وأخذ سيدنا عتبة بن غزوان يبحث عن مكان ليكون مقرًا له بدلا من الأبلة فإن أرضها طينية وكثيفة الأشجار ولم يتعود العرب على المعيشة في مثل هذا الأرض فانتقل بالجيش تدريجيًا إلى أربعة أماكن في الشمال حتى وصل إلى منطقة عسكرية فيها وبعد ذلك أصبحت منطقة البصرة.

وأرسل سيدنا سعد بن أبي وقاص مددًا إلى المسلمين في الأبلة فأرسل جيشين على رأس الجيش الأول سيدنا نعيم بن مقرن وأرضاه أحد الأخوة العشرة، وعلى الجيش الآخر سيدنا نعيم بن مسعود وأرضاه وهو من صحابة النبي وألقى الله في قلبه الإسلام في غزوة الأحزاب وجاء إلى النبي وشهد شهادة الحق وقبل منه النبي ، ثم قال للنبي : دُلَّني على عمل أعمله فقال له النبي : “إن استطعت أن تُخَذِّل عنا فاخذل”, فخرج نعيم بن مسعود حتى أتى بني قريظة وكان لهم نديمًا في الجاهلية فقال: يا بني قريظة قد عرفتم وُدِّى إياكم، وخاصة ما بيني وبينكم.

قالوا: صدقت لست عندنا بمتهم. فقال لهم: إن قريشًا وغطفان ليسوا كأنتم، البلد بلدكم، فيه أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم، لا تقدرون على أن تتحولوا منه إلى غيره، وإن قريشًا وغطفان قد جاءوا لحرب محمد وأصحابه، وقد ظاهرتموهم عليه، وبلدهم ونساؤهم وأموالهم بغيره، فليسوا كأنتم فإن رأوا نهزة أصابوها، وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل ببلدكم، ولا طاقة لكم به إن خلا بكم، فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رهنًا من أشرافهم، يكونون بأيديكم ثقة لكم على أن تقاتلوا معهم محمدًا حتى تناجزوه.

قالوا: لقد أشرت بالرأي. ثم خرج حتى أتى قريشًا فقال لأبي سفيان بن حرب ومن معه من رجال قريش: قد عرفتم ودي لكم وفراقي محمدًا، وإنه قد بلغني أمر قد رأيت علي حقًّا أن أبلغكموه نصحًا لكم فاكتموا عني.

قالوا: نفعل، قال: تعلموا أن معشر يهود قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم وبين محمد، وقد أرسلوا إليه: إنا قد ندمنا على ما فعلنا، فهل يرضيك أن نأخذ لك من القبيلتين من قريش وغطفان، رجالاً من أشرافهم فنعطيكهم فتضرب أعناقهم، ثم نكون معك على من بقي منهم حتى تستأصلهم؟ فأرسل إليهم: أن نعم.

فإن بعثت إليكم يهود يلتمسون منكم رهنًا من رجالكم فلا تدفعوا إليهم منكم رجلاً واحدًا. ثم خرج حتى أتى غطفان فقال: يا معشر غطفان إنكم أصلي وعشيرتي وأحب الناس إلي ولا أراكم تتهموني. قالوا: صدقت ما أنت عندنا بمتهم، قال: فاكتموا عني قالوا: نفعل. ثم قال لهم مثل ما قال لقريش وحذرهم ما حذرهم.

فلما كانت ليلة السبت من شوال سنة خمس من الهجرة، وكان من صنيع الله تعالى لرسوله أن أرسل أبو سفيان بن حرب ورءوس غطفان إلى بني قريظة عكرمة بن أبي جهل في نفر من قريش وغطفان فقال لهم: إنا لسنا بدار مقام، هلك الخُفُّ والحافر فأعدوا للقتال حتى نناجز محمدًا، ونفرغ مما بيننا وبينه.

فأرسلوا إليهم: إن اليوم يوم السبت وهو يوم لا نعمل فيه شيئًا، وقد كان أحدث فيه بعضنا حدثًا، فأصابهم ما لم يخف عليكم ولسنا مع ذلك بالذين نقاتل معكم محمدًا حتى تعطونا رهنًا من رجالكم، يكونون بأيدينا ثقة لنا، حتى نناجز محمدًا، فإنا نخشى إن ضرستكم الحرب، واشتد عليكم القتال أن تنشمروا إلى بلادكم وتتركونا، والرَّجُلُ في بلادنا، ولا طاقة لنا بذلك منه.

فلما رجعت إليهم الرسل بما قالت بنو قريظة؛ قالت قريش وغطفان: والله إن الذي حدثكم نعيم بن مسعود لَحَقٌّ. فأرسلوا إلى بني قريظة: إنا والله لا ندفع إليكم رجلاً واحدًا من رجالنا، فإن كنتم تريدون القتال فاخرجوا فقاتلوا.

فقالت بنو قريظة حين انتهت إليهم الرسل بهذا: إن الذي ذكر لكم نعيم بن مسعود لحقٌّ، ما يريد القوم إلا أن تقاتلوا فإن رأوا فرصة انتهزوها وإن كان غير ذلك انشمروا إلى بلادهم، وخلوا بينكم وبين الرجل في بلدكم.

فأرسلوا إلى قريش وغطفان: إنا والله ما نقاتل معكم حتى تعطونا رهنًا، فأبوا عليهم وخذل الله بينهم، وبعث الله الريح في ليلة شاتية شديدة البرد، فجعلت تكفأ قدورهم وتطرح آنيتهم. هذا هو سيدنا نعيم بن مسعود .

توجه سيدنا نعيم بن مقرن وسيدنا نعيم بن مسعود بجيشيهما من المدائن إلى منطقة تسمى (هويز)، وهي المدينة التي تقدم إليها جيش الهرمزان من داخل مدينة الأهواز إلى منطقة هويز.

ويرسل سيدنا عتبة بن غزوان من البصرة جيشين على رأس أحدهما سيدنا سلمى بن القين وعلى الجيش الآخر سيدنا حرملة بن مريط وكانا من المهاجرين مع رسول الله، ، وهما أول من التحق بجيش سيدنا خالد بن الوليد في فتوحات الفرس، ومن قبيلة تميم وكذلك نعيم بن مقرن ونعيم بن مسعود وكلهم من صحابة النبي فنِعْمَ القادة ونِعْمَ الجيش، وتقدمت هذه القوات الأربعة إلى المنطقة التي يعسكر فيها الهرمزان في مدينة الأهواز وقبل وصولهم راسل نعيم بن مسعود ونعيم بن مقرن أبناء العم: غالب الوائلي وكليب بن وائل وهما من قبيلة بني تميم وقد هاجرا إلى منطقة الأهواز وعاشا مع الفرس في الأهواز، فأرسلا إليهما وقالا لهما: إن المسلمين أتوكم بجيوش لا قبل لكم بها؛ فأسلموا تسلموا وخذلوا عنا من استطعتم من الفرس.

وفي هذا الوقت كان الحصار مضروبًا على مدينة جلولاء من جيش المسلمين وقد فرض الجيش الإسلامي الحصار على مدينة تكريت أيضًا، وفي الأهواز الجيش الإسلامي قادم إلى الهرمزان.

وتفكرت القبيلتان في الأمر فوجدتا أنه من الصعب مواجهة القوات الإسلامية في هذه المناطق المتعددة؛ فقبلتا بالإسلام وعملتا على مساعدة المسلمين ضد الفرس.

لما أقرت القبيلتان بالإسلام ووافقتا على نصرة المسلمين ضد الفرس قال لهما سيدنا نعيم بن مسعود: انتظرا حتى نناهد الهرمزان، فيثور غالب الوائلي في مدينة تيري وهي مدينة كبيرة من مدن الأهواز، ويثور كليب بن وائل في مدينة مناذر، وأمرهما سيدنا نعيم ألا يعلنوا إسلامهما إلا بعد عبور الهرمزان إلى هويز فتكون القبيلتان خلف الجيش الفارسي، وبالفعل عبر الهرمزان إلى هويز وتلتقي الجيوش الأربعة من أربع جهات مختلفة مع جيش الهرمزان في معركة من أشد المعارك الإسلامية في هذه المنطقة ودارت المعركة من الصباح إلى قبل الغروب، وعند الظهيرة ثار غالب بن وائل وكليب الوائلي في مدينتي تيري والمناذر فسقطتا وأتى الهرمزان الخبر بأن مناذر ونهر تيرى قد أُخِذا، فكسر ذلك قلب الهرمزان ومن معه وهزمه الله وإياهم، وانسحب إلى شرق نهر كارون عابرًا جسرًا عائمًا ثم قطع الجسر بعد عبوره، وعسكر في المنطقة الشرقية لنهر كارون.

وتوجهت الجيوش الستة: جيش سلمى وحرملة ونعيم بن مقرن ونعيم بن مسعود وغالب وكليب إلى غرب نهر كارون، على الناحية الأخرى من جيش الهرمزان، وكان عددها كبيرًا، فشعر الهرمزان بالهيبة تجاه جيوش المسلمين فرضي بالصلح والجزية يعطيها للمسلمين عن يد وهو صاغر على ما هو عليه من العظمة.

وكان الهرمزان أعطى للنبي عهدًا ألا يحارب المسلمين ثم خان العهد والتقى مع المسلمين في معركة القادسية وكان على ميمنة الجيش الفارسي وكان معه من الأهواز عشرون ألف مقاتل، ولما رأى الهرمزان قوة بأس المسلمين وكثرة عددهم ألقى الله الرعب في قلبه وخاف من لقاء المسلمين فطلب الصلح للمرة الثانية من المسلمين بعد نقضه للعهد الذي أخذه عليه النبي ، فيرسل نعيم بن مسعود إلى عتبة بن غزوان الذي عاد إلى البصرة يستشيره في أمر الصلح مع الهرمزان الذي يطلبه بعد نقضه للصلح الأول؛ فقبل سيدنا عتبة بن غزوان على أن يعقد المسلمون الصلح مع الهرمزان ووافق الهرمزان أن يعطي الجزية للمسلمين عن كل منطقة الأهواز بما فيها مناذر وتيري فرفض نعيم بن مسعود طلب الهرمزان للصلح على شرط الهرمزان وقال له نعيم: أصالحك على الأهواز ما عدا مناذر وتيري فقد سقطتا بحرب إسلامية..

فقبل الهرمزان وصالحه نعيم بن مسعود على شرق نهر كارون، ودفع الهرمزان الجزية عن هذه المناطق وكانت له حاميات في شرق منطقة تيري وفي شرق منطقة مناذر على حدود منطقته وأقام المسلمون حاميات لهم في مدينتي تيري ومناذر،وكان من بنود المعاهدة ألا يدخل المسلمون أرض الأهواز على أن يجمع لهم الهرمزان الجزية عن كل منطقة الأهواز وبقي الوضع على ذلك فترة من الزمن.

في ذلك الوقت كانت جلولاء تحت الحصار ولم تُفتَحْ بَعْدُ وكما ذكرنا من قبل أن حصار جلولاء استمر سبعة أشهر.

معركة سوق الأهواز :

أَلِفَ الهرمزان الخيانة وسوَّلت له نفسه خيانة المسلمين للمرة الثانية فأغار بقواته على الحاميات المسلمة في تيري ومناذر، ثم أرسل إلى نعيم بن مسعود مُدَّعيًا أن المسلمين غلبوه على أرضه، فخرج سيدنا نعيم بن مسعود بنفسه وكان أميرًا على هذه المنطقة من قِبَل سيدنا عتبة بن غزوان ليحقق بنفسه في الواقعة، وعندما حقق في الأمر علم أن الحق في صف المسلمين، وأن الهرمزان هو الذي اعتدى على حامية المسلمين، فلما قضى سيدنا نعيم بن مسعود للمسلمين غضب الهرمزان ونقض العهد والصلح، واستعان بطائفة من الأكراد، وغرَّته نفسه، وحسَّن له الشيطان عمله ذلك.

واجتمع بقواته شرقي نهر كارون لحرب المسلمين، فأرسل سيدنا عتبة بن غزوان رسالة إلى سيدنا عمر بن الخطاب يخبره بنقض الهرمزان للعقد، فأمده سيدنا عمر بن الخطاب بحرقوص بن زهير السعدي وأرضاه أحد صحابة النبي على رأس قوة إسلامية من المدينة وقال لسيدنا عتبة: إذا جاءك حرقوص فأَمِّرْه على القتال وعلى الجيوش.

وجمع سيدنا حرقوص بن زهير السعدي الجيوش الإسلامية الموجود في المنطقة وعسكر بها غربي نهر كارون، فراسله سيدنا حرقوص بن زهير فقال له: إما أن تعبر إلينا أو نعبر إليكم. فقال: اعبروا إلينا. فعبروا فوق الجسر، وقد استفاد سيدنا حرقوص من معركة الجسر ودرس خطة العبور إلى الهرمزان ولما تحقق أن العبور لن يضر المسلمين قرر العبور إليه؛ والتقى مع الهرمزان في موقعة (سوق الأهواز) واقتتل المسلمون قتالاً شديدًا يشبه قتال المسلمين في هويز، وأتمَّ الله النصر على المسلمين في آخر ذلك اليوم, وانهزمت القوات الفارسية وفرَّت من أمام المسلمين وعلى رأسها الهرمزان يجُرُّون وراءهم الهزيمة والخذلان.

وكان سيدنا عمر بن الخطاب قد وضع الخطة من المدينة في منتهى الدقة والتفصيل فقد أمر سيدنا حرقوص إن انتصر في المعركة مع الهرمزان بأن يرسل جَزْءَ بنَ مُعَاوية وأرضاه وهو من صحابة النبي في تتبع فلول الجيش الفارسي ويبقى هو في سوق الأهواز، فيتتبع سيدنا جزء بن معاوية فلول الجيش الفارسي ويفتح كل المدن التي في طريقه حتى مدينة (سُرَّق) وهي في عمق منطقة الأهواز، وانسحب الهرمزان بجيشه ليعسكر في منطقة (رامهرمز)، فأصبح للفرس جيشان: أحدهما في مدينة سرق وعلى رأسه أحد قواد الهرمزان، والآخر في مدينة رامهرمز وعليه الهرمزان نفسه.

ويبدأ سيدنا جزء بن معاوية بمحاصرة مدينة (سُرَّق) فاستعصت عليه لشدة حصانتها وقوة منعتها فيتركها متوجهًا إلى (رامهرمز) محاصرًا لها بعد وضع حامية على مدينة سرق، ولم يخرج إليه أحد الجيشين ليقاتلوه.

وفي نفس الوقت الذي يحاصر فيه سيدنا جزء بن معاوية رامهرمز ومدينة سرق يأتيهم نبأ سقوط جلولاء في الشمال والتي بها قوة الفرس العظمى وذلك في بداية شهر ذي القعدة وتصل أنباء سقوط جلولاء إلى الهرمزان فيعلن الهرمزان استسلامه وقبوله للصلح مرة أخرى، وهذه المرة الثالثة التي يطلب فيها من المسلمين العهد والصلح فقد صالح النبي على ألا يقاتل المسلمين ثم نقض عهده وحارب المسلمين في القادسية، ثم عاهد سيدنا عتبة بن غزوان للمرة الثانية وغرته نفسه فنكث عهده وحارب المسلمين للمرة الثانية في سوق الأهواز، ثم هو في رامهرمز وبعد سقوط جلولاء في الشمال وسقوط سوق الأهواز ثم حصاره في رامهرمز يطلب الصلح من المسلمين للمرة الثالثة على ما بقي له من البلاد، وكان أمرًا في غاية الصعوبة على قواد المسلمين أن يتخذوا فيه قرارًا..

فأرسل سيدنا جزء بن معاوية إلى حرقوص يخبره بطلب الهرمزان للصلح فأرسل حرقوص إلى عتبة بن غزوان فلم يستطع سيدنا عتبة أن يتخذ قرارًا بالصلح مع الهرمزان فبعث إلى سيدنا عمر بن الخطاب في المدينة يخبره بطلب الهرمزان للصلح للمرة الثالثة فيقبل سيدنا عمر بن الخطاب الصلح من الهرمزان ويرسل إلى حرقوص بقبول الأمر فيرسل إلى جزء بن معاوية ليصالح الهرمزان؛ فيصالحه جزء على كل منطقة شرق رامهرمز وشرق سُرَّق فيدفع الهرمزان عنها الجزية , ويبقى في يد المسلمين كل ما فتحوه لا يأخذون منه الجزية , وبذلك بقي في يد الهرمزان: رامهرمز وتستر وجنديسابور والسُّوس (وكانت عاصمة الأهواز كلها) , يدفع الهرمزان الجزية للمسلمين عن هذه المدن، أي كل ما هو في شرق نهر تيري وشرق مدينة رامهرمز وسرق.

دفاع المسلمين عن الهُرْمُزَان :

كما نعلم فإن الجزية التي أخذها المسلمون من الفرس كانت تساوي نصف ما كان يُفرَض عليهم من ضرائب ليزدجرد، وتُدفَع الجزية عن كل نفس من الفُرْس تستطيع القتال على أن يمنع المسلمون الفرس من أي عدو يهجم عليهم ويدافعوا عنهم في مقابل أخذهم الجزية، وفي المقابل لا يشترك الفُرسُ في القتال في حالة دفعهم الجزية.

وبعد صلح الهرمزان وقبوله بدفع الجزية يحدث حادث غريب مع الفرس، فقد انقضَّ الأكراد على الهرمزان ومن معه، وكانوا قد شجَّعوه من قبل على قتال المسلمين وكانوا معه في معركة سوق الأهواز، وبعد ثورة الأكراد على الهرمزان ومن معه وقتالهم للفرس يُخرج سيدنا عتبة بن غزوان جيشًا من المسلمين للدفاع عن الهرمزان وقتال الأكراد، وينتصر الجيش الإسلامي على الأكراد دفاعًا عن الهرمزان داخل أرضه التي لم يحكمها المسلمون ولم يبسطوا عليها أيديهم.

ورغم صعوبة المعركة وخطورتها على المسلمين إلا أن المسلمين دافعوا عن الهرمزان وعن الجيش الفارسي وذلك لعهدهم مع الفرس, وأخذ الجزية منهم في مقابل الدفاع عنهم.

في هذا الوقت تسقط كل هذه المنطقة من الأهواز وسقطت جلولاء وسقطت تكريت والموصل ونينوى.

فتح قُرْقُسْيَاء وهيت :

ثارت مدينة قُرْقُسْيَاء الواقعة في شمال المدائن في أقصى الشمال على نهر الفرات ومدينة هيت الواقعة في شمال الفرات، وثار بثورتهم أهل الجزيرة وهم ما بين دجلة والفرات، وكان ذلك في الوقت الذي خرجت فيه الجيوش الإسلامية لفتح جلولاء وتكريت والأبلة، فيرسل سيدنا سعد بن أبي وقاص من المدائن جيشا على رأسه سيدنا عمر بن مالك لفتح هيت وقُرْقُسْيَاء، فيحاصر هيت وتستعصي عليه فيحيط هيت بجيش على رأسه الحارث بن يزيد ويتوجه هو إلى قرقيساء مارًّا بمنطقة الفرات التي فتحها خالد بن الوليد من قبل ويحاصر قُرْقُسْيَاء واستسلم أهلها بسرعة فقد هاجمهم سيدنا عمر بن مالك فجاء وأخذهم على حين غِرَّة، وبعد استسلام قرقسياء توجه سيدنا عمر بن مالك إلى هيت يطلب تسليمهم فرفض أهل هيت التسليم فعرض عليهم أن يتركوا هيت إلى داخل بلادهم ويتركوا هيت للمسلمين على أن يؤمِّنَهُم المسلمون على دمائهم، فوافق أهل هيت على ذلك وكانت هي المنطقة الوحيدة التي حدث فيها الخيار بين المسلمين والفرس على أن يترك الفرس هيت إلى داخل الأراضي الفارسية في مقابل عدم دفعهم للجزية، وعلى أن يؤمنهم المسلمون على دمائهم، وبذلك فتحت مدينة هيت.

وكانت الجيوش الإسلامية في ذلك الوقت مسيطرة على جلولاء وتكريت ونينوى والموصل وقُرْقُسْيَاء وهيت ومنطقة الأبلة في الجنوب في هذا الوقت وبعد فتح كل هذه المنطقة، وبعد كثرة الغنائم التي جُلِبَتْ من الفتوحات خشي سيدنا عمر بن الخطاب على المسلمين من فتنة المال ومن فتنة الدنيا التي فتحت على المسلمين في ذلك الوقت وقد قال سيدنا عمر بن الخطاب لسيدنا عتبة بن غزوان: “وددتُ لو أن بيني وبين فارس سدًّا من نار لا أغزوهم ولا يغزونني بعد الآن. أَوْقِفوا الانسياح في بلاد فارس”.

رغم الانتصارات العظيمة التي حققها المسلمون فهم من نصر إلى نصر ومن فتح إلى فتح آخر، وكان سبب وقف الانسياح أن الدنيا قد فتحت على المسلمين أكثر مما توقع سيدنا عمر بن الخطاب ولم يكن يعرف ردَّ فعل المسلمين تجاه هذه النعمة التي فتحت عليهم فخاف عليهم من فتنة المال التي حذر منها الرسول في قوله: “فَوَاللَّهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ وَلَكِنِّي أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ قَبْلَكُمْ فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا فَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ”؛ فلهذا أوقف سيدنا عمر بن الخطاب الانسياح في بلاد فارس ليعرف حال المسلمين بعد تقلبهم في الأموال، وبهذا يمكن الرد على المستشرقين ومن سار على دربهم فيما ادعوا من أن غرض المسلمين من الفتح هو الغنائم، وكان سيدنا عمر بن الخطاب يوصي الجيوش الإسلامية بقوله: “أَرِدِ اللهَ ولا تُرِدِ الدنيا واتَّقِ مصارع الظالمين”.

وهذا القرار يوضح أن سيدنا عمر بن الخطاب هو والمسلمين لم يبغوا الدنيا أو الغنائم، وكان بإمكان الجيش الإسلامي التوغل في الأراضي الفارسية وبسهولة بعد فتح جلولاء فقد كُسِرَت شوكة الجيش الفارسي في القادسية ثم في المدائن ثم في جلولاء، وانهزم الجيش الفارسي في الأهواز وفي تكريت، وكانت فرصة بالنسبة للمسلمين, لكن سيدنا عمر بن الخطاب أوقف الفتوحات لخوفه على المسلمين من الغنائم ومن الدنيا.

فكان يخاف عليهم من النعمة أكثر من خوفه عليهم من المعصية, وكان يخاف عليهم من المعصية أكثر من خوفه عليهم من الجيش الفارسي.

وكان وقف الفتوحات في ذي القعدة من العام السادس عشر الهجري.

وأَمَّرَ سيدنا عمر بن الخطاب سيدنا سعد بن أبي وقاص على كل ما فتحه المسلمون، ويضع -وهو في المدينة- خمس حاميات رئيسية على حدود الجيش الإسلامي وعلى حدود المنطقة المسَيْطَر عليها من قِبَلِ المسلمين, ويحدد رؤساء الحاميات من قِبَلِه أيضًا.

 

شاهد أيضاً

رفيقنا المناضل مهدي ابو هيام الأحوازي

تلقينا في حزب التضامن الديمقراطي الأهوازي التغييرات الإيجابية في المكتب السياسي لحزبكم الموقر و الذي …