تقع الأهواز جنوبي غربي إيران على ضفاف نهر الكارون، ويسكنها العرب منذ القدم، وكانت قبل الإسلام امتداد لموطن القبائل العربية التي كانت متواجدة في جنوبي العراق والكويت وشمالي الجزيرة العربية، مثل إياد وبكر بن وائل، ولخم وتغلب وغيرها، إلا أنها كانت تحت الحكم الساساني شأنها شأن جنوبي العراق والسواحل الشمالية للخليج العربي.
وبعد انتصار المسلمين بقيادة سعد ابن أبي وقاص على الدولة الساسانية في معركة القادسية جنوبي العراق، تم فتح الأهواز بقيادة أبي موسى الأشعري، وظلت المنطقة تحت الحكم الإسلامي كأحد أقاليم ولاية البصرة لستة قرون حتى سقوط بغداد على يد المغول وانتهاء الخلافة العباسية عام 656 للهجرة (1258 للميلاد).
قام بعد ذلك في الأهواز حكم عربي يعرف بالدولة المشعشعية بزعامة محمد بن فلاح، واستطاع المشعشعيون الحفاظ على حكم عربي مستقل في المنطقة لثلاثة قرون، وهزمت قواتهم الجيش العثماني الذي حاول ضم المنطقة لولاية البصرة، قبل أن يعود العثمانيون ويساعدوا العرب الأهوازيين في إخراج قوات الدولة الصفوية في إيران من المنطقة وكانت النتيجة اعتراف الدولتين الصفوية والعثمانية باستقلال الأهواز، حتى تولي نادر شاه أول حكام السلالة الأفشارية في إيران الذي قام بغزو الأهواز وقتل أميرها المشعشعي محمد بن عبد الله.
خضعت المنطقة بعدها لسلطان بني كعب عام 1136 للهجرة (1724 للميلاد)، وكان حكامهم -الذين يعرفون أيضا في المراجع التاريخية بحكام المحمرة إحدى مدن منطقة الأهواز- يدفعون ضريبة سنوية للحكومة المركزية في طهران.
الشيخ خزعل -ثاني من اليسار- كان آخر حكام بني كعب في الأهواز
تمتعت الأهواز تحت قيادة بني كعب بحكم ذاتي، وكانت علاقتها بالعاصمة طهران تجسيد حي لمقولة التاريخ يعيد نفسه، فكما خضع المناذرة في الحيرة جنوب العرق على مضض لكسرى فارس، تكرر المشهد مع بني كعب بعد أكثر من عشر قرون، حيث اضطروا للانضواء تحت حكم السلالات الإيرانية المتعاقبة لأنهم لم يملكوا المقومات الكافية لتأسيس دولة مستقلة، خاصة بعد خسارة العثمانيين الحرب العالمية الأولى وانهيار دولتهم، الأمر الذي أدى إلى انكشاف ظهر جميع الأقاليم العربية في المشرق والمغرب العربي وتعرضها للاحتلال الفرنسي والبريطاني.
تولى الشيخ خزعل -آخر الأمراء الكعبيين في الأهواز- الحكم عام 1316 للهجرة (1898 للميلاد) واهتم بالعمران والتطوير على كافة الأصعدة، حيث عرف عنه حب العلم والمعرفة والشعر والأدب. وصفه الأديب اللبناني الراحل أمين الريحاني بـ “فيلسوف الأمراء”، وارتبط بحكام المنطقة وخاصة حاكم الكويت الشيخ مبارك الصباح بعلاقات طيبة.
لم تكن مهمة الشيخ خزعل في المحافظة على استقلال إمارته بالمهمة السهلة، فكان عليه تجنب بريطانيا القوة العظمى التي كانت متواجدة في الخليج العربي بقوة في ذلك الوقت، والمحافظة في نفس الوقت على علاقات هادئة مع طهران، خاصة بعد الأهمية الإستراتيجية التي اكتسبتها منطقة الأهواز إثر فتح قناة السويس، حيث أصبحت المنطقة منطقة تقاطع تجاري نشطة.
من جهة أخرى، أعطى اكتشاف النفط بكميات تجارية في الأهواز أملا قويا للشيخ خزعل بإمكانية الاستقلال بإمارته ورأى فرصته في الاضطرابات التي سادت إيران في العقد الأول من القرن العشرين الميلادي نتيجة الخلاف بشأن الدستور والتدهور الاقتصادي، فامتنع عن دفع الضريبة السنوية التي كان يؤديها لحكومة طهران أكثر من مرة.
وبعد نهاية الحرب العالمية الأولى آل العراق إلى بريطانيا حسب تقسيمات اتفاقية سايكس بيكو بين بريطانيا وفرنسا، ولكن الاحتلال البريطاني المباشر للعراق واجه ثورة شعبية عارمة تعرف بثورة العشرين نسبة إلى سنة 1920 للميلاد، فعمد البريطانيون إلى خطة لامتصاص النقمة الشعبية عن طريق تأسيس مملكة خاضعة لنفوذهم بشكل غير مباشر، فحاول الشيخ خزعل المنافسة على عرش العراق وضم الأهواز إليه، إلا أن البريطانيين نصبوا الملك فيصل الأول ابن الشريف حسين أول ملك للملكة العراقية عام 1339 للهجرة (1921 للميلاد) أي قبل أربع سنوات من نهاية إمارة الكعبيين في الأهواز.
في هذه الأثناء، كان نجم الضابط رضا خان آخذا في الصعود في إيران، حتى بنى جيشا إيرانيا قويا يدين بالولاء له شخصيا وأصبح أقوى شخصية متنفذة في إيران، والحاكم الفعلي رغم وجود أحمد شاه القاجاري على عرش البلاد.
من جهة أخرى، ساهمت التطورات الإقليمية المتمثلة في تأسيس الاتحاد السوفياتي الشيوعي في إثارة مخاوف القوى الرأسمالية الغربية، التي ألقت بثقلها خلف رضا خان لتكون إيران حاجزا بين الاتحاد السوفياتي وتحقيق الحلم الروسي القديم بالوصول إلى المياه الدافئة في الخليج العربي والمحيط الهندي.
وضع شاه إيران الشيخ خزعل تحت الإقامة الجبرية 11 عاما حتى وفاته
قاوم الشيخ خزعل محاولات رضا خان للاستئثار بالحكم، وامتنع عن دفع الضريبة السنوية، ووصل التوتر ذروته بأن وقعت معركة بين قوات الشيخ والجيش الإيراني قاتل فيها العرب بضراوة ولكن الجيش الإيراني فاقهم عدة وعددا.
وبعد المعركة بأشهر قام رضا خان بالإطاحة بأحمد شاه آخر حكام السلالة القاجارية في إيران وإعلان نفسه حاكما لإيران باسم رضا شاه بهلوي، وتوجه فورا إلى الأهواز وعزل الشيخ خزعل وأسره وجلبه إلى طهران ليضعه تحت الإقامة الجبرية عام 1343 للهجرة (1925 للميلاد).
فقدت الأهواز حكمها الذاتي بعد عزل الشيخ خزعل، الذي ظل حبيس طهران أحد عشر عاما حتى توفي وحيدا في منزله عام 1355 للهجرة (1936 للميلاد).
غيّر رضا شاه اسم الإقليم الذي تقع فيه الأهواز من عربستان إلى خوزستان، وتعرض بعدها عرب الأهواز إلى تمييز عنصري وعانت منطقتهم من الإهمال والتهميش طوال فترة حكم الأسرة البهلوية.
وبعد سقوط شاه إيران وإقامة الجمهورية الإيرانية الإسلامية، ارتفع سقف الحريات بشكل عام في الأهواز، وتمكن عرب الأهواز من الحصول على قسم من حقوقهم المدنية التي كانوا محرومين منها في عهد الشاه، إلا أنهم لا يزالون يدعون بأنهم أقل حظا من باقي الأقليات القومية في إيران، ويأملون أن توليهم الحكومة الإيرانية المزيد من الاهتمام.