تاريخ الأهواز – عربستان – منذ عهد الأفشار حتى المرحلة الراهنة

تحت هذا العنوان يتحدث المؤلف عن النموذج القبلي و التنظيم الاجتماعي الاقتصادي  للقبيلة  حيث يقول : يمكن اعتبار الاتحاد  القبلي اكبر تنظيم يتمتع بالحكم الذاتي السياسي و الذي يقوم على سلسلة من المراتب الاجتماعية  ومن الناحية النظرية فان افراده   ينتمون الى جد واحد و يعيشون في منطقة  مشخصة

تأليف: موسى سيادت

عرض وترجمة: جابر احمد

النموذج القبلي ، التنظيم الاجتماعي – الاقتصادي :

تحت هذا العنوان يتحدث المؤلف عن النموذج القبلي و التنظيم الاجتماعي الاقتصادي  للقبيلة  حيث يقول : يمكن اعتبار الاتحاد  القبلي اكبر تنظيم يتمتع بالحكم الذاتي السياسي و الذي يقوم على سلسلة من المراتب الاجتماعية  ومن الناحية النظرية فان افراده   ينتمون الى جد واحد و يعيشون في منطقة  مشخصة

وكان  يوجد  في اقليم عربستان  – الاهواز – انذاك اعداد كبيرة من الانحادات القبلية ولعل من اهم  هذه الاتحادات هواتحاد قبيلة  كعب في الفلاحية ، واتحاد قبيلة المحيسن في المحمرة و اتحاد قبيلة  بني طرف في شط بني طرف ” الكرخة ” والحويزة  ، كما ان النموذج  الاجتماعي الاقتصادي لجميع هذه الاتحادات الثلاث من حيث المحتوى يشبه بعضه البعض، الا انه من حيث الشكل نرى اختلافا  بسيطا في البناء الاقتصادي و يجب البحث عن مثل هذا الاختلاف  في نوع كيفية  استثمار المصادر الطبيعية التي تستغل من قبل  المجتمع الزراعي بشقيه – الحضري – المستقروالبدوي المتنقل، ولعل هاتين الحالتين من اكثرالحالات شيوعا  بين الاتحادات  القبلية .

وعلى سبيل المثال  في الوقت الذي كانت فيه  قبيلة  بني طرف  تمثل المجتمع  القروي المتنقل  او ” البدوي “كان اتحاد  قبيلة المحيسن ، خليط من المجتمع البدوي الذي يمتهن تربية الماشية  والمجتمع المستقر  ” الحضري – المدني ” الذي يمتهن  الزراعة ، ولعل  بعض من عشيرة  ” النصار” افضل نموذج  للقبيلة المستقرة  وهذا الفرع من عشيرة كعب يعيش  في منطقة” القصبة ”  التابعة لجزيرة عبادان ، حيث تؤمن قوتها عن طريق زراعة  النخيل و رزاعة  الغلال ،  الفواكهة مثل  البطيخ و الرقي و كذلك زراعة الكتان وغيرهما، ولعل  المراحل المختلفة  للتنمية و الاستفادة من  المصادر الطبيعية ينعكس في اسلوب بناء البيوت السكنية ،على سبيل المثال كان  فيما مضى بيوت  اتحاد قبيلة بني طرف والتي تعيش على طريقة المجتمع البدوي المتنقل عبارة عن خيام منسوجة من صوف القطعان  وفي المقابل كانت قبائل اتحاد كعب  وكعب المحيسن تعيش في حالة نصف متنقلة و نصف مستقرة ، وبيوتهم مبنية من الطين  وتسمى ” بالكبر ” وهي تصنع من الطين الممزوج بالقش  والقصب والاخشاب  وتسثف بالحصران  وهذا الاسلوب من البناء يختلف  من منطقة الى اخرى ويعتمد على امكانيات الافراد المادية،فافراد عشيرة النصار المستقرين و الذين  يعتمدون على  الزراعة  في تامين  قوتهم كانوا يبنون بيوتهم من الطوب الطيني  وتسمى ” بالدار ” “وهي بيوت تقاوم لعدة سنيين ، اما سقوفها  فتصنع من جذوع النخيل حيث تفرش بعدها الحصران و القش و يضع فوقها الطين ، كما ان نوع البيت وحجمه يعبر عن مكانة صاحبه الاجتماعية ،على سبيل المثال في الوقت الذي كانت فيه بيوت الفلاحين في مدينة المحمرة تسقف  باشجارجذوع النخيل ، كانت المنازل الواقعة  في القسم الجنوبي  من المدينة  والتي هي محل سكنى اعوان الشيخ و مقربيه وساير اعيان المدينة ووجهها كانت تسقف بالخشب المستورد من بمبئ في الهند.

اما القبيلة  التي كانت تستثمر اقصى  امكانيات ميحطها  هي قبيلة المحيسن في مدينة المحمرة ،وقد كان اقتصاد هذه القبيلة متنوع المحاصيل ،  وهو يعتمد على زرعة وجنى القمح و الشعير و تربية  وزراعة اشجار النخيل ،بالاضافة الى  تربية الماشية و الصيد .ان التعقد النسبي في اقتصاد قبيلة ”  المحيسن ”  نرى انعكاساته في برامج الترحال الموسمي غير العادي  لافرادها ،  فافراد هذه القبيلة يخرجون في شهر نوفمبر –  كانون الاول –  كل عام من محل سكناهم في مدينة المحمرة  و المناطق الواقعة على  الضفة الشرقية من شط العرب ويذهبون بغرض الزراعة الى اراضيهم  الواقعة على الساحل الشرقي  لنهر كارون  والتي تقع  بني مدينتي الاهواز والمحمرة  ومن ثم يعودن في شهري جانوية  و فورية – كانون الثاني – و شباط –  الى محل سكناهم  في المحمرة و  الى ضفة شط العرب الشرقية  وذلك للقيام بعمليات تلقيح اشجار النخيل  ، ثم  يعدون في شهر مايو  – ايار  الى ناحية كارون   لحصاد  غلالهم ،  ومن ثم يعدون مرة ثانية  الى مدينة المحمرة  استعداد لجني محصول  التمر .

ان اساليب الزراعة  المتنوعة التي كانت تمارسها قبيلة المحيسن جعلت هذه القبيلة اكثر عرضة  للخطر من بين ساير  القبائل العربية الاخرى في اقليم عربستان امام الخسائر الاقتصادية الناتجة  عن الكوارث الطبيعية مثل  تلف المحاصيل الزراعية و الامراض التي تحل بالحيوانات و التي تؤدي الى نفوقها .

ان الموقع الجغرافي والسياسي   المناسب ” الجيو بو ليتيك ”  التي تحتله هذه القبيلة  جعلها في منئا  من الخسائر الاقتصادية  الناتجة عن الهجمات التي تشنها القبائل الاخرى عليها  وكانت هذه الموقعية  تحفظ قلب الاقتصاد لهذه القبيلة  بدءا من ناحية  كارون  بين المحمرة ومدينة الاهوازحتى الخليج وشط العرب وكذلك الغرب المحاذي لنهر كارون وحتى  حدود قبيلة ” الباوية” وان حدوها الوحيدة المفتوحة  تقع في الجانب الشرقي  حيث تلتحق اراضي بقية  قبيلة كعب باراضي قبيلة المحيسن  ، ان قبائل كعب الفلاحية وبني  طرف هم اقل حضا فيما اذا قارناهم مع قبيلة المحيسن ، لان اقتصاد هاذين الاتحادين  القبليين  لم يكن  متنوعا ، لذلك  لم يكن  بوسع هاتين القبيلتين تحمل اعباء الخسائر الناتجة عن الكوارث الطبيعية وهذا العجز في مواجهة الاضرار الناتجة عن الاضرار الاقتصادية  يعد العامل الاساسي في اضطراب اوضاعهم السياسية ، لان قبائل كعب  وبني طرف كانت عاجزة  عن ايجاد تغيير  في بناءهم  الاقتصادي و السياسي ،  ومن الطبيعي  ومع مرور الوقت  تلاشى  بناءهم السياسي  في مواجهة  الصراعات الداخلية وكانت النتيجة ان تم اجتذاب  هذين الاتحادين من قبل  شيخ المحمرة .

ويعدالاقتصادي القبلي اقتصاداستهلاكيا  وتشكل  قطعان الماشية  العنصر الاساسي في هذا الاقتصادي القبلي وهو  يؤمن مختلف المتنجات  الحيوانية  مثل الصوف ، والحليب  والتي من شانه ان يساهم  في رفع الاحتياجات الموجودة ومن اجل ديمومة الحياة ، على سبيل المثال  الصوف كان منتشر على نطاق واسع   ويستخرجون من الحليب  مختلف مشتقاته  مثل الجبن ، واللبن الرائب  والمجفف حيث تشكل هذه المشتقات الغذاء الرئيسي  لافراد القبيلة . كما ان السمن المستخرج من الحليب يسهل عملية  شراء الكثير من الاحتياجات والبضائع التي يحتاجها الافراد والغير متوفرة  في حدود القبيلة ،  مثل الشاي ، السكر ،  القماش ،  الادوية وحتى شراء الاسلحة النارية  .

وكان الدخل الستوي  لعائلة متوسطة الحال من افراد هذه القبيلة متدنية الى حد بعيد ،  حيث قدر معدله في الفترة الواقعة مابين عامي 1881 – 1882 بما يقارب 100 قران ” اي 100 ريال ايراني ”  وان هذه  الدخل  يجب مقارنته  مع اسعار  البضائع التي كانت سائدة انذاك ،  فسعر العباءة الواحدة انذاك كان يصل من 2 الى 3 قرانات ، اما سعر  الداشداشة العادية يصل الى 2 ريال، كما ان اسعار بعض  انواع  الاغذية واللحوم والبضائع هي على النحو التالي :

راس الغنم الواحد من 3 الى 6 قرانات ، لحم الغنم كل من شوشتري يساوي 30 شاهي (  كل قران يساوي20 شاهي وكل من شوشتري  يعادل 7 بوند  اي 3 كيلو ) ، الخبز كل من يساوي  4 شاهي ، القمح كل 5 من يساوي قران واحد ،  كما ان الاسلحة  النارية و التي  تصل من الخارج كان سوقها رائج انذاك وعليها اقبال شديد من قبل  افراد القبائل ،  وفي هذا المجال ينقل  المؤلف عن مذكرات المهندس  نجم  الملك الذي زار اقليم عربستان- الاهواز –  عام 1881  -1882  قوله “ان  نوع البندقية  التي يحملها صاحبها  تؤكد  على مكانته الاجتماعية ، فالافراد العاديين يحملون بنادق قديمة  اما  شيوخ القبائل وزعماءها فيحملون  بنادق حديثة ” اما السير آرنولد ويلسون  يصف حالة  احد ابناء القبائل يحاول بيع ماشيته  لشراء بندقية له   وكان الرجل القروي يخاطب  جاموسه التي يريد بيعها بالقول ”  عزيزتي قتلك  حلال  ! وانني ابيعك  لكي اشتري بندقية فيها  وذلك لكي تكتمل رجولتي ! ” .

تعد الاسلحة النارية انذاك  بضاعة غالية الثمن  فقد بلغ   عام 1890 سعر البندقية الواحدة من نوع ” مارتيني ”  مع 200 طلقة   ما يساوي بين 150 الى  200 ريال  في حين بلغ اجر العامل  البسيط ما يعادل ريال واحد يوميا ، من هنا فان شراء  سلاح ناري  يعد شكلا من اشكال ادخار  الرأسمال.

وان كان هناك اختلاف  في اقتصاد مختلف  القبائل العربية  ولكن  نماذج تنظيمه  الاجتماعية  والسياسية  تشبه الى حد بعيد بعضها  البعض فمن الطبيعي ان تكون  للمجاميع القبلية سلسلة من المراتب وهي على النحو التالي: اللواء ” الفيدرالية ” ، القبيلة ، العشيرة ، الحمولة ، البيت و اخيرا الاولاد .

هناك عامل مهم  في التنظيم  الاجتماعي  للقبائل العربية  في اقليم عربستان وهو احيانا ان هذه القبائل او الفيدراليات القبلية لم يكن النسب الاساس في تشكيلها ،وانما  عبار عن مجتمع حر تتشكل علاقاته من العلاقات الاسرية  سواءا الواقعية منها وغير الواقعية  ، وغالبا ماتكون لمثل هذه الفيدراليات غايات سياسية واقتصادية ،مثل  فيدرالية بني طرف ، كعب المحيسن، بنو لام  ، ال كثير ، الباوية وعيرهما من القبائل . ورغم ان شؤون القبيلة تدار من قبل الشيخ ، الا ان  سلطاته التنفيذية تتحددعن طريق وجهاء  القبيلة ،. ولم تكن  واجبات شورى  القبيلة وسطلتها واضحة تماما الا ان المصادر المتوفرة تؤكد على اهميتها ، وقد لخص  المستشرق الفرنسي ” لوئي ما سينون ” العلاقة  الموجودة بين  الشيخ وشورى القبيلة على ان الشيخ  في مثل هذه التجمعات القبلية يستند في اتخاذ قراراته على وجهاء العشائر التابعين  لقبيلته ، فبدون دعمهم وتأييدهم لا يمكنه اتخاذ اي قرار مهم  وليس لقراره اي صفة شرعية ، وعندما زار  نجم الملك اقليم عربستان سنة 1882 – 1881  وصف هذه العلاقة على النحو التالي ، ” ان جسارة  وجها اهل الفلاحية من قبيلة  البو ناصر تصل الى درجة بحيث انهم اذا لم يرتضوا اعمال شيخ المشايخ  يناولنه حذاءه ويقولون له اذهب مع السلامة ، عندها لايستطيع البقاء لانه اذا بقي فسوف يقتل ، وان مثل هذه الامور تكررت كثير في تاريخ هذه القبيلة ” .

كما  ان شورى القبيلة كان لديه  سلطات قضائية ، وهذه السلطات معمول بها بصورة رسمية وغير رسمية على نطاق واسع و هي بالاساس قائمة على الاعراف و التقاليد القبلية وهذ قابلة للتنفيذ ، وعادة  ما يجري حل الخلافات البسيطة من قبل  كبار الاسرة او البيت اما الخلافات الكبرى والتي تؤدي الى اندلاع معارك بين افراد القبائل او مع غيرها فانها يبت بها من قبل رؤساء القبائل ووجهها وفي الاختلافات التي تحدث حول الارض  و التي تشمل كل الاتحاد الفيدرالي  القبلي  فان امر مثل هذه الاختلافات يحال من اجل البت به الى شورى كبارزعماء القبائل العربية ، اما المنازعات  الشخصية و الناموسية  فانه في حال رغبة احد الاطراف يرجع البت بها الى نفس الشورى .

انتهىت الحلقة  الرابعة من  الفصل السادس ويليها الفصل السابع .

مصادر هذا الفصل سوف ندرجها في نهاية الفصل السابع

 

 

Check Also

المعلمون النقابيون أمام محكمة الثورة الإسلامية في الأهواز

المعلمون النقابيون أمام محكمة الثورة الإسلامية في الأهواز جابر احمد 2024 / 11 / 3 …