بقلم أحمد الدريساوي – معظم الكتابات التي تتناول فكرة الفيدرالية المطروحة في الفكر السياسي الأهوازي الحديث إما مختزلة أو مشوهةً لها من دون ذكر إيجابياتها و كأن الأهوازيين قد كتب عليهم النضال للتحرير فقط!!! نعم، إنها تحصر أو تتنازل عن إيجابيات أطروحة الفيدرالية لأسباب لا يقبلها عقلياً أي مناضل يستشعر بخطورة استمرارية الإحتلال خاصةً ذلك النوع من الإحتلال الذي يسعى فيه المحتل تغيير الواقع الحقيقي و التاريخي للأرض المحتلة
إن النقد الذي يحاول كشف الإيجابيات و السلبيات لأطروحةٍ أو فكرةٍ ما بموضوعية قد يكون له أثراً كبيراً في تعديلها و تصحيحها. و لكن عندما يكون الرفض مبدئياً و لا يستند إلا على الرفض للرفض فقط حينها لن يكون نقداً بل مجرد معارضة الفكرة من دون أساس. إحدى الإنتقادات التي وجهت للأطروحة الفيدرالية هي إنه من خلالها ستكون الأهواز إيرانية بنفس الوتيرة الحالية و لكن بنوعٍ مختلف من الإدارة في الحكم فقط.
مع إنني لا أعلم حقاً كيف يقوم كاتبٍ بطرح نقد متناقض مثل هذا و لكن سأحاول البحث أولاً حول التفسير لهذه الجملة المتناقضة في قضيتين. 1. يمكن أن يكون قصد الكاتب بأن الفيدرالية ستختلف في طريقة الإدارة الحكم في الإقليم و لكنها لن تغير من المنظومة الثقافية التي تتبناها السلطة المركزية، بمعنى أخص الثقافة الفارسية و سائر سياساتها التي تتخذها الحكومة الإيرانية في الإقليم. 2. يمكن أن يكون قصد الكاتب بأنه لن يتم ضمان حقوق الشعب الأهوازي في صيغة الدولة الفيدرالية. على العموم فإن هذا النقد سنتقبله بدافع حوارٍ فكري و اسمحوا لي إخوتي القراء أن أجيب عليه بشكلٍ مختصر و سهلٌ ممتنع حتى لا ينطق كاتبٍ آخر بأن من يطرحون هذه الفكرة بأصحاب العقول الفارغة:
1. إن تفسير النقطة الأولي من نقد الفيدرالية بأنها مجرد إختلاف في إدارة الحكم هو اعتبار إن صيغة الإختلاف لا تكون ناشئة من التنوع الثقافي و الإثني في المجتمع و هذا يعد خطأً فادحاً. فهل من المعقول أن الحكومة الإيرانية تتقبل الفيدرالية كطريقة أخرى مغايرة للحكم المركزي الشمولي مادام أن التصنيف الفيدرالي لا يتضمن التنوع الإثني فيه؟
و كلنا نتذكركلمة ابوالحسن بني صدر الشهيرة: بأن الفيدرالية في إيران تعني تقسيمها. فإن كان الإيرانيين ينظرون للفيدرالية بأنها تقسيم لإيران فكيف يصنف هؤلاء الأهوازيون بأنها ستكون استمرارية الوضع فيها؟
2. إن هذا النقد يتنكر لفضائل الفيدرالية باعتبارها أبرز المعالجات لما بعد نظرية دولة القومية التي ترتكز على سيطرة شاملة لثقافة دون الأخرى. فأطروحة الفيدرالية قد ساهمت بالدفاع عن الثقافات التي قد لا تتبع السلطة المركزية فقط بل بتعزيزها و حمايتها من أي غزو ثقافي و نظام إجتماعي مغاير أو تغيير ديمغرافي فيها. و من دول العالم من تستخدم الصيغة الفيدرالية ضماناً لحقوق الأقليات كألمانيا، هند، إثيوبيا، سويسرا، جنوب أفريقيا و العراق حديثاً. فالأقليات في هذه الدول تمتلك نظاماً تعليمي، سياسي، إجتماعي و إقتصادي خاصٌ بها.
و من بعد ذلك نطرح هذا السؤال على الإخوة المؤمنين بالإنفصال فهل تأسيس مؤسسات تعليمية و ثقافية عربية أهوازية ضمن الفيدرالية أفضل أم ننتظر ساعة التحرير لنعلن ذلك؟
إن ما يطلبه بعض الإخوة من الكتاب حين ينتقدون الفكرة دون أن يكون لهم برنامج حقيقي و واقعي لتحرير الأهواز يكون مجرد ترفاً فكري لا أكثر. فهؤلاء حينما ينتقدون الفيدرالية لأنها يعني إن الأهواز ما زالت في قبضة إيران يتناسون حقيقةً تاريخية و هي إن الأهواز و وفقاً لمعاهدة أرض روم الثانية، تنازل عنها العثمانيين لإيران لصالح ولاية السليمانية. و كان حكام الأهواز يدركون هذه الحقيقة و لو إنهم لم يتقبلوا بأن إيران تحكم عليهم مثلما هو اليوم. و هذا يعني بأن الأهواز جزءً من الجغرافية السياسية لإيران و ليس يعني إمتلاك الفرس لها.
إن الإحتلال الإيراني للأهواز رسخ في أرضها واقعاً هو بالأساس تبعات هذا الإحتلال لا بد لأن يكون من أولويات عملنا النضالي لا أن يتم تأجيله مثلما يطلب البعض.
فضلاً على ذلك فإن الأحتلال و قد مر عليه 85 عاماً و بات يخطط لأن يستمرفي هذا الأرض، فهل هذا تخطيط استراتيجي بأن ندعوا للتحرير بينما شعبنا يعاني الأمرين و لا يجد قيادة حقيقية في الوطن؟
فالدعوة للتحرير ليست مجرد بيانات و شعارات تطلق من بلاد اللجوء السياسي و تنشر على المواقع الإنترنت، بل تتطلب كميات و قدرات هائلة من عمل فكري و تنظيمي بإضافة الى الدعم المادي و الذي نفتقده منذ انتهاء الحرب العراقية الإيرانية. مما يفرض علينا الواقعية و المرونة كمناضلين.
فالرجاء الإدراك لهذه الحقيقة المرة التي لابد لنا من معالجتها بدلاً من طلب شيئاً لسنا قادرين عليه نحن ألذين نسكن في بلاد المهجر و نطلبه من شعبنا في الداخل في الوقت الحاضر، و إلا فسوف نجد أنفسنا نحيي ذكرى المائة لإحتلال عربستان…..
و للحديث بقية…
أحمد الدريساوي