نظرة على مضمون معاهدات أرضروم  

نظرة على مضمون معاهدات أرضروم

بقلم: د. عبد الله حویس (أستاذ التاريخ والاستشراق بجامعة بوخوم الألمانية)
تظرا لاهمية معاهدات ارض روم في تاريخ منطقة عربستان (خوزستان) طلب مني جمع من الأصدقاء والنشطاء نظراً ل
أن أقدم توضيحات من منظور تاريخي حول هذا المعاهدات وفي هذا المقال المختصر، سأحاول إلقاء نظرة على تلك المعاهدات وتقديم بعض التفسيرات. بالطبع، في البداية، اود ان اوضح انه بسبب الاعتماد المفرط لإيران في ذلك الوقت على روسيا وبريطانيا، لا ينبغي اعتبار هذه المعاهدات ذات أهمية كبيرة.
وماهو مهم ان ويجب ان اوضحه هنا هو النفوذ الهائل الذي كان يتمتع به الممثلون السياسيون لروسيا وبريطانيا في بلاط إيران وتدخلهم في الشؤون السياسية وحتى في الأمور اليومية الداخلية لإيران كما ان وزارة الخارجية، التي انذاك كانت مجرد اسم وعليه يمكن القول إنه منذ منتصف فترة فتحعلي شاه، الملك أي منذ توقيع معاهدات گلستان وتركمانچاي، أصبحت السياسة الخارجية لإيران تُحدد من قبل ممثلي روسيا وبريطانيا (المصدر: علي أصغر شميم، إيران في عهد القاجار، طهران 1387، ص 353).
بناءً على هذه الحقائق، يجب ألا ننسى أن الحدود “الوطنية” في إيران لم تُحدد من قبل السكان الأصليين، بل فُرضت من قبل القوى الاستعمارية وبناءً على مصالحها الخاصة على الحكومات الضعيفة التابعة لإيران والدولة العثمانية.
لذلك، هل للأمة التي قُرر مصيرها من قبل الاستعمار الغربي أو الدول التابعة للغرب مثل إيران في القرن التاسع عشر الحق في المطالبة بحق تقرير المصير كأمة؟ وهل يمكن الطعن في شرعية هذه المعاهدات من الناحية السياسية والثقافية، والتاريخية؟ ان كلة الأدلة تشير إلى أن بريطانيا وروسيا تصرفتا وفقاً لمصالحهما الاقتصادية والعسكرية والسياسية في عقد هذه المعاهدات. وبهذا، حُرم السكان العرب الأصليون في عربستان (خوزستان) والأكراد في إيران والعراق من أي حق في المشاركة في تقرير المصير أو إدارة شؤونهم.ةبانفسهم
قبل توقيع معاهدات أرضروم الأولى في 28 يوليو 1823 والثانية في 31 مايو 1847، وُقعت عدة معاهدات بين إيران والإمبراطورية العثمانية، وأهمها معاهدة قصر شيرين التي وُقعت في 17 مايو 1639، وكانت قد تمت وفقا للمعاهدات اللاحقة.
هذه المعاهدة بين الدولة الصفوية والعثمانية لم تحدد الحدود بوضوح، وكانت متأثرة بالدين والتوسع الذي حكم به على الشعوب والمناطق التي لم تكن لديها حكومة.
**هذه المعاهدة أُبرمت بين الدولة الصفوية والعثمانية* حيث لم تُحدد الحدود بوضوح بين الدولتين، وكانت تستند إلى الدين ونوع من التوسع الذي حكم به على الشعوب والمناطق التي لم يكن لديها حكومة اثناء توقيع هذه المعاهدة، تم ذكر أن الحدود بين الدولتين تمتد بين جبال زاغروس في الشرق ونهري دجلة والفرات في الغرب، وهي الجغرافيا التاريخية والإثنية لشعب منطقة الأحواز (خوزستان).
في نفس الوقت، تشير جميع المصادر التاريخية الموثوقة إلى أن الشعب العربي في هذه المنطقة كان يتمتع بحكم مستقل في جميع المراحل، والمقصود هنا هو دولة المشعشعيين التي استمرت من عام 1436 حتى 1727 ميلادية، والتي كانت تمتلك تنظيمات عسكرية واقتصادية وثقافية خاصة بها. وكانت هذه الدولة مجبرة على خوض العديد من الحروب مع الدولة الصفوية والعثمانية للحفاظ على استقلالها. لكن توسع الدولة الصفوية وحروبها المفروضة لا يمكن لها أن تحدد حدود أمة.
وفي علم التاريخ، لا ينبغي مساواة حدود الإمبراطورية بالحدود الوطنية. ومع ذلك، في كتابة التاريخ الذي نشهده في إيران، فإن معظم المصادر الفارسية وكتابة تاريخ القومية الفارسية تساوي بين حدود الإمبراطورية والحدود الوطنية.
على سبيل المثال، كانت حدود الإمبراطورية العربية في عهد بني أمية وبني العباس لا تقتصر على إيران، بل شملت أجزاء من قارات أفريقيا وأوروبا. ولكن على هذا الأساس، لا يمكن تحديد الحدود الوطنية للدول العربية.وفقا
للحدود الامبراطورية.
*نظرة موجزة على معاهدات أرض روم**
**بنود معاهدة أرضروم الأولى**
في نصوص هذه المعاهدة، لم يتم تحديد الحدود بشكل واضح نهائي بل ذُكر في المقدمة فقط أن الحدود بين الدولتين هي نفسها التي تم تحديدها في معاهدة عام 1747 ميلادية/1159 هجرية في عهد نادر شاه أفشار. لكن في تلك المعاهدة، بسبب عدم وضوح تبعية الشعبين العربي والكردي ومقاومتهما لسياسة التوسع للدولتين، استمرت هذه المقاومة ولم يستسلم الشعبان للقوة الغاشمة لقبيلة الأفشار.
لهذا السبب، قلَّت القيمة السياسية لهذه المعاهدة بمرور الوقت وفقدت أهميتها الأمنية و”القانونية”.و في تلك الفترة، لم تكن الدولة القاجاريةلوحدها غير راضية، بل كذلك الدولة العثمانيةايضا، ازاء، سياسة الاستقلال التي تبناها حكام كعب.
هذا الوضع أثار استياء والي بغداد العثماني علي رضا باشا، لأن ميناء المحمرة، بفضل نموه الاقتصادي والتجاري، تمكن من التفوق على ميناء البصرة، مما ألحق ضرراً كبيراً بالاقتصاد العثماني. لذلك قررت الدولة العثمانية مهاجمة المحمرة والإطاحة بحكومة كعب الناشئة، لكن الشعب العربيةالاهوازير، الذي لم يقبل أبداً تبعية الدولتين، اعتبر الهجوم العثماني على أراضيه اعتداءً على استقلاله السياسي والاقتصادي.
و هذا الهجوم الذي وقع عام 1254 هـ/1837 م، تمكنت القوات العثمانية من احتلال مدينة المحمرة. وقد الحق هذا الهجوم أضراراً بالغةبالبنية التحتية للميناء، لكن حاكم المحمرة الذكي في ذلك الوقت، الشيخ جابر بن مرداو، استطاع بمقاومته وسياساته الحكيمة طرد القوات العثمانية من المدينة وضواحيها.
وفي خضم هذه الاحداث اضطرت بريطانيا التي كانت تراقب الأوضاع، إلى التعاون مجدداً مع روسيا لحماية مصالحها وحل مسألة الحدود بين إيران والدولة العثمانية.
 تجدر الإشارة إلى أن إيران طالبت بتعويضات عن الأضرار التي لحقت بميناء المحمرة من الدولة العثمانية، بينما كانت إيران دائماً تدعي اسمياً سيادتها على هذه المنطقة، في حين أن الحقيقة كانت تشير إلى وضع قانوني خاص لمنطقة الأحواز.
يذكر نجم الملك في رحلته أن “الأهواز (خوزستان) لا يمكن اعتبارها جزءاً من إيران، إنها دولة منفصلة واسمياً فقط متصلة بإيران” (ص 18 من سفرنامه عربستان – خوزستان). هذه الشهادة تعتبر دليلاً كافياً ليفهم القارئ أن الشعب العربي كان ولا يزال مالكاً لتلك المنطقة.
**التدخل المباشر لروسيا وبريطانيا في معاهدة أرضروم الثانية**
روسيا وبريطانيا، اللتان كانتا قلقين على مصالحهما بسبب مقاومة الشعب العربي التي تسببت في عدم استقرار الحدود وتهديد مصالحهما، استغلتا نفوذهما وفي عام 1842 تم تشكيل لجنة مشتركة مفوضة بين ممثلي إيران والدولة العثمانية، شارك فيها ممثلوا روسيا وبريطانيا.
هذه اللجنة انشغلت بتحديد الحدود، وبعد أربع سنوات من المباحثات، تم توقيع معاهدة تتكون من 9 مواد في 31 مايو 1847.ادعت إيران أن ممثلها وقّع المعاهدة مقابل رشوة، بينما طالبت الدولة العثمانية بإجراء تعديلات على بعض بنود المعاهدة. هذا الأمر أدى إلى خلافات حدودية لا تزال قائمة حتى يومنا هذا بين إيران والعراق بعد استقلاله عن الدولة العثمانية.
خلاصة واستنتاج:
في القرن التاسع عشر الميلادي، فرضت العديد من الحروب على العرب وسكان المنطقة الأصلييين في “عربستان التاريخية” (الأهواز). حيث لم يقبل حكام عربستان أبداً بحكومة إيران التابعة لقوى الاستعمار والتي عانت من انعدام الكفاءة تحت حكم القاجاريين، لأنهم كانوا يدركون أن ممثلي الحكومة الروسية القيصرية قد أدرجوا في معاهدة تركمانچاي وملحقاتها بنوداً تعني نوعاً من التبعية والوصاية على إيران من قِبل روسيا. (ص 104 شميم).
في جميع هذه النزاعات السياسية والعسكرية، لم يستسلم العرب المقيمون في هذه المنطقة، وفي نهاية المطاف رأت بريطانيا الاستعمارية أن من الأنسب التوصل إلى اتفاق معهم، بحيث يتم إدارة هذه المنطقة الغنية من كل الجوانب من قِبل العائلات التي تمثل شعوبها.
كان حكام عربستان في تلك الفترة يدركون آليات القوة. فقد قاموا بتحليل هذه الآليات من الجوانب العسكرية والثقافية والسياسية بطريقة موضوعية، وسعوا إلى تهميش النزعات القبلية والانتماءات المناطقية قدر الإمكان، وتبنوا سياسة قومية جماعية، والتي كانت في ذلك الوقت فكرة متقدمة. وفقاً لهذه الفكرة، كان من الضروري أن يكون جميع شرائح المجتمع في مقدمة صنع السياسات المستقبلية من أجل تحقيق الحقوق الجماعية. فقد أدركوا أن السياسة الشاملة التي تتجاوز التفكير القبلي والديني هي وحدها القادرة على منع تفكك المجتمع العربي في عربستان.
وفي النهاية، من الضروري أن نشير إلى أن هذه هي إحدى آليات القوة التي توجد داخل كل فرد، ويمكن استغلالها في المستقبل.
*المصادر:*
– “إيران في فترة حكم القاجار”، علي أصغر شميم، الطبعة الرابعة 1387، منشورات زرياب
– “العلاقات الإيرانية العراقية ومسألة شط العرب”، د. محمود هاتف، طبع 1387، طهران
‏- “Probleme des iranisch-irakischen Konfliktes von 1968″، د. فاروق فرحان، طبع فرانكفورت، ألمانيا 1989.

Check Also

الذكرى الثانية لانتفاضة المرأة، الحياة، الحرية  

الذكرى الثانية لانتفاضة المرأة، الحياة، الحرية جابر احمد تمر علينا هذه الأيام الذكرى الثانية لانطلاقة …