١-بدايات جمال نصاري انطلاقاً من سيرته الذاتية والابداعية.
شاعر عباداني يحن إلى ذاكرة الشط وظل النخيل وهو يترجل نحو مركز«ساوث بانك» الثقافي آتیاً من سوق «كوفنت غاردن» في لندن. ولد عام ١٩٧٨ على إيقاع الحرب والرصاص، محباً للشعر والفنون، درس اللغتين الفارسية والعربية وترجم لمجموعة من شعراء العالم العربي. يرى في التلاقح الثقافي والحوار الحضاري سبيلًا إلى تجاوز ويلات الحرب ومعاناة الهجرة وفساد الأنظمة الاستبدادية.
لم يعترف بمجموعاته الشعرية الأولى، ويرى في مجموعتي «عندما أموت » و« الجریمة» الانطلاقة الإبداعية والمختلفة في فضاء شعري أرحب. تُرجمت أشعاره إلى الفرنسية بواسطة المترجم التونسي أحمد كريستو بعنوان«من عبادان نحو العالم الفرنکفوني»، وإلى الإنجليزية بواسطة سعيد غاوي نصاري بعنوان«من رماد الشعر»، وإلى الفارسية بواسطة نسرين غبانجي بعنوان «زمن العدم»، واهتمت المترجمتان فرنسيسكا ريسنسكي وأسماء الغريب بالترجمة إلى الألمانية والإيطالية.
٢-لماذا يطلق عليك المؤرخ الشعري للبكاء؟
سُمّيت بالمؤرخ الشعري للبكاء؛ بسبب حياتي التي اعتمدت على أكثر من حزن، الأول أني فقدت والدي وأنا في الثانية من عمري ورأيت دموع والدتي مرارًا وتكرارا في طفولتي، والثاني هو انتمائي اللغوي والثقافي والجغرافي الذي احتضن دمعة شعرية اسمها الأرض والوطن.
٣- كيف تعرف قصيدة النثر العربية وهل تتباين مع نظيرتها الفارسية و من هم أبرز رموزها فارسيًا وعربيًا؟
قصيدة النثر العربية هي فعل تحرري من محددات القصيدة العمودية وقوالبها ومن قصيدة التفعيلة، مطالبة بحرية المعنى والمبنى، ومن أبرز المجلات التي أسهمت في إثراء المشهد الشعري النثري مجلة «شعر» اللبنانية، ومجلة « الکلمة» العراقية.
لا تختلف قصيدة النثرالعربية كثيرًا عن نظيرتها الفارسية إلا في الموتيفات والمضامين الشعرية؛ لأن التجربتين متأثرتان بقصيدة النثر الغربية في البناء الإيقاعي والشكلي، ومتجهتان نحو لا شكلية النص ومحتفظتان بالإيقاعات الداخلية. وسأذكر هنا من الشعراء الرواد في قصيدة النثر الفارسية أحمد شاملو وبيجن جلالي، وفي قصيدة النثر العربية محمد الماغوط وأنسي الحاج وسركون بولص.
٤- هل يمكن الحديث عن ثقافة أهوازية تشكل جسراً بين العربية والفارسية؟
تأريخيًا كانت الأهواز جسر تواصل ثقافي وحضاري بين العرب والإيرانيين، وكانت مدرسة جندي سابور من الأمكنة المهمة التي شكلت هذا الجسر العلمي والثقافي، فقد اهتمت بالعلوم الطبية، واعتبرت آنذاك المرجع الأول في الطب. فضلًا عن ذلك؛ أود الإشارة إلى علماء أهوازيين كانت لهم بصمة واضحة في مجالي علم الكلام وعلم اللغة، ومن أهم هؤلاء العلماء المعتزلي أبوعلي الجبائي الذي ولد في بلدة جبى في الأهواز عام ٨٤٩ م، ومن أهم مصنفاته كتاب«الأصول» و«النهي عن المنكر» و« التعدیل والتجویز»، إضافة إلى العالم النحوي ابن سكيت الدورقي الذي ولد عام ٨٥٨م في بلدة الدورق في الأهواز، ومن أهم مصنفاته كتاب «إصلاح المنطق» و«الأضداد» و«الألفاظ».
لم تكن الأهواز في الحراك الثقافي المعاصر ردة فعل، بل لعبت دورًا فاعلا في التقارب بين التجربتين الفارسية والعربية، من خلال عملية الترجمة وحركة «حبرأبيض» التي تعنى بقصيدة النثر، وقد اعتمدت قصيدة النثر الأهوازية على مهرجانها الشعري ومجلتها « حبر أبيض» التي شارك فيهما عدد كبير من شعراء ونقاد ومترجمين عرب وإيرانيين.
٥- علاني وجرئ في الكتابة الإبداعية ماالسر في ذلك؟ خاصة أنك شخص خجول في الحياة وتحب الوحدة والعزلة.
عندما أكتب أنسى تمامًا ما سيترتب على هذه الأشعار من ردة فعل من قبل المجتمع والسياسة، وأسلم نفسي لتجربتي الشعرية واللاوعي؛ حتى لا أكون رقيبًا على نصي.
٦-لماذا اخترت السياب لتنتقل من الاهتمام بالآداب الفارسية الى الآداب العربية؟
كنت وما زلت من محبي الشعر الحديث، وبينما في يوم من الأيام كنت أمشي في شارع« أميري » في مدينة عبادان اشتريت كتابًا للناقد محمد رضا شفيعي كدكني بعنوان « الشعر العربي المعاصر»، وعندما تصفحته أعجبت بحياة السياب وشعره، وهو الجيكوري الذي كان يبعد عني ساعة واحدة فقط. زرت جيكور وبيت السياب أكثر من مرة، وقارنت بينه وبين الشاعر الفارسي المعاصر نيمايوشيج في كتاب بعنوان« قراءات مقارنية في شعر السياب ونيمايوشيج».
۷-الى أي حد تذهب بعيداً بجرأتك وتمردك في ماتطرح في قصائدك؟
أشرت في سؤال سابق بأني أسلم نفسي لتجربتي الشعرية واللاوعي، وليس لدي نقطة معينة لأتوقف عندها بخصوص كسر التابوهات ونقد الأنظمة الاستبدادية، بل سأفسح المجال للقلم ليصور ما يراه ضروريًا في بناء التجربة الشعرية.
٨- متى ترى نفسك متحرراً من الحزن؟
أتمنى بأن ينتهي الألم وتنتهي الأحزان، ولكن ما دام عطش الأهواز مستمرًا فحزني مستمر؛ وما دامت المرأة تعاني في إيران فالكتابة الناقدة ستكون دمعة جرح تعانق الأوراق .
٩- تركك لعبادان اختياري أم اضطراري؟ ماذا بقى في ذهنك من ذكريات عبادان؟
كنت مضطرًا للخروج بسبب استدعاءات الدوائر الأمنية التي كانت ترى في أي عمل عربي تهديداً على أمنهم، وبسبب تهديدات بعض الصحفيين المنتمين إلى السلطة، وبالرغم من هذه الظروف الصعبة فقد حاولت جاهدًا أن اتواصل مع الإقليم العربي للتعريف بجغرافية الأهواز وثقافتها وأدبها.ثانياً لم أنس حب الجمهور وأصدقائي الذين ساندوني في العملية الثقافية أبدًا.
١٠- شاركت في أكثر من مهرجان شعري في تونس فهل لك أن تحدثنا عن مشاركاتك و من هي الأسماء الشعرية المهمة التي ترجمت لها الى الفارسية وكيف تلخص لنا المشهد الشعري التونسي المعاصر؟
نعم شاركت في أكثر من مهرجان شعري، وقدمت مجموعة من المحاضرات حول الشعر المعاصر التونسي وقصيدة النثر الأهوازية والشعر الفارسي، وتعرفت على مجموعة من الأدباء والشعراء التونسيين، وكتبت لهم أوراقًا بحثية باللغتين الفارسية والعربية وطبعتها في كتابي «الشعر التونسي المعاصر»، وقد ساعدتني في ترجمة بعض نصوصه إلى الفارسية المترجمة مهناز نصاري، وأذكر من هؤلاء الشعراء منصف الوهايبي الذي ولد في القيروان عام ١٩٤٩، وهو أستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بسوسة، وحاصل على الدكتوراه من كلية الآداب بمنوبة عام ٢٠٠٦، وكان موضوع أطروحته « صناعة الشعر عند أبي تمام ومكوناته: في قراءة القدامى وفي النص الشعري»، وقد اعتمد منصف الوهايبي في رؤيته الشعرية على نوستالجية القيروان وما تحمل من تفاصيل مهمة، واتموسفيرات شعرية متداخلة في الوجود الإنساني/ في الوجود الشعري.
وأيضا منهم محمد الصغير أولاد أحمد، وهو من شعراء مدينة سيدي بو زيد التي اندلعت منها الثورة التونسية عندما أشعل البوعزيزي النار في جسده، وهي مدينة فقيرة جدًا تجاهلها نظام بن علي وسياساته الخاطئة، مقارنة بمدينة المنستير ذات الطابع السياحي، وعندما كنت مشاركًا في مهرجان الحرية في مدينة سيدي بو زيد بدأت أقارن بين المدينتين، وتبين لي لماذا بدأت الثورة من سيدي بو زيد، ولماذا يسمون شعراءها بشعراء الثورة، ولماذا يغلب طابع العصيان على كتاباتهم، وكان أحد أهم الشعراء التونسيين والمعروف بشاعر الثورة والعصيان ومقاومة الفكر الأصولي السياسي والديني هو الشاعر محمد الصغير أولاد أحمد الذي توفي عام ٢٠١٦ بداء السرطان.
أما يوسف رزوقة فولد عام ١٩٥٧ بقصور الساف في تونس، وتزوج من رفيعة الصقعي التي أنجبت له ولدين أسماهما « أرز» و«أياد»، وصبية اسمها « رشا»، وقد توفيت رشا وهي في ربيعها السادس والعشرين، وأحدثت هذه الوفاة صدمة سببت ألما مريعًا يقول عنها « موت ابنتي الوحيدة حولني إلى مادة ضاجة بالحياة»
فضلًا عن البصمات الواضحة التي أشرت إليها في المشهد الشعري التونسي؛ أود الإشارة إلى حركة شعرية مهمة تأسست بعد ثورة جانفي عام ٢٠١١، وهي حركة « نص» المؤلفة من شعراء نثريين هم: عبدالفتاح بن حمودة وعبدالواحد السويح وإمامة الزاير ونزار الحميدي وخالد الهداجي والسيد التوي، ولهذه الحركة إصدارات مختلفة وبيانات جمعت في كتاب «حرکة نص» الذي أشرف عليه عبدالفتاح بن حمودة الصديق الروحي لزملائه، فهو من مواليد عام ١٩٧١ في المهدية، وإعلامي بجريدة الشعب التونسية، وعضو في اتحاد كتاب تونس ورابطة الكتاب الأحرار.
لا ننسى أيضًا بأن المشهد الشعري النسائي مهم جدًا، ولعل من أهم المؤسسات الثقافية التي لعبت دورًا بارزًا في إثراء المشهد الشعري النسائي التونسي مركز الكريديف الذي يهتم بالبحوث والدراسات والإعلام والتوثيق حول المرأة التونسية، ومن النشاطات الرئيسية لهذا المركز جائزة زبيدة بشير التي حصلت عليها مجموعة من شاعرات تونس المعاصرات، يمكن أن نذكر على سبيل المثال لا الحصر جميلة الماجري وفضيلة الشابي ونجاة الورغي وصالحة الجلاصي وآمال موسى وفاطمة بن فضيلة و…فضلًاعن ذلك نرى بأن الشاعرات التونسيات يرفضن مصطلح«الشعر النسوي» ویتشبثن بمصطلح «الشعرالنسائي » بحثًا عن حقوقهن وتجاوزاً لهيمنة النسق الثقافي الذكوري .ترى فوزية العكرمي بأنّ«مصطلح الشعر النسوي فيه الكثير من التجنّي والنظرة الدونية لما تكتبه المرأة وكأنّ مايكتبه الرجل أفضل ابداعًا وحسًا.هذا تقسيم وتمييز أوجدته عقلية ذكورية تفرقّ بين الابداع على أساس الجنس لا على أساس قيمة الاسهامات والاضافات.» وتضيف بسمة المرواني الحائزة على جائزة عليسة الدولية للمبدعات بأنّ«المبدعة كسرت الطوق الذي يمنع حرية التعبير عن ذاتها وبلورة رؤاها ومواقفها من الذات والعالم في مجتمع ذكوري ينتصب بمنظومته القيمية كمراقب على كتاباتها وحسيباً لها ومقيداً.فکتاباتها بمستوى الرجل بماینثره القلم والوجدان ولافصل بينهما في التعبيرعن مايمورفي جوانيتهما لأن الروح الكاتبة تكون دون تحديد الجنس.» وتؤكد سنية المدوري بأنّ«مصطلح الشعر النسوي هو مصطلح ملغّم فيه جندرية واضحة. کیف یمکن أن نقسّم الأدب من حيث جنس الكاتب؟ الأدب انسانّي والانسانّي في الابداع لايقبل الجندرية. يجب أن ينتقد الأدب من حيث جودة محتواه لا من حيث جنس كاتبه.»
في النهاية أرى بأن المشهد الشعري التونسي يبدو ناقصًا إذا لم أذكر تجارب شعرية ممتازة، كمنصف المزغني وجمال الجلاصي ومحمد العربي وآدم فتحي ورضوان العجرودي ونجاة المازني وشمس الدين
المصدر مجله کل العرب