شغل مستقبل الحركة الأهوازية في الآونة الأخيرة الكثير من أفكاري لذلك حاولت أن أسلط الأضواء وبشكل مختصر على هذه القضية في ظل التطورات الراهنة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، وحاولت أن أركز على ثلاثة محاور وهي:
وضع القضية الأهوازية في إطار أوضاع إيران، وفي المنطقة وعلى المستوی الدولي.
لا بد من القول إنه وبعد مرور أكثر من 10 سنوات على انتفاضة 15 أبريل (نيسان) الجماهيرية الكبرى، أظهرت لنا هذه الانتفاضة أن الشعب الأهوازي لن يخضع مطلقًا لأساليب الأنظمة المتعاقبة على دفة الحكم في إيران. فرغم التراجع النسبي الذي شهدته الحركة فقد وصلت إلى قناعة أن هذه المرحلة تتطلب منا أكثر من أي وقت مضى أن نقوم وبكل شجاعة بإجراء تقييم وتحلیل نزيه لحركتنا، بغية الخروج من هذا الإحباط والركود الذي تعاني منه الحركة، وإلا قد نصبح كما أصبح الشعب العربي فی الإسکندرون، الذي احتل بعدنا بعام واحد فقط (1926)، ولكن هذا الشعب لا يمكن القول إنه انصهر في المجتمع التركي نتيجة ممارسات الحكومات التركية المتعاقبة. وهي نفس السياسة التي يتعرض لها شعبنا على يد الحکومات المتعاقبة في إيران منذ عام 1925 حتى يومنا هذا. من هنا كحد أدنى من المهم أن نقدم تحليلاً يرتكز على جملة أمور منها: أ. الاتفاق النووي: فقد جاء هذا الاتفاق باعتباره المخرج الوحيد لبقاء نظام رجال الدين في السلطة، وبالتالي تجاوز الصعوبات الاجتماعية والسياسية العميقة التي يواجهها النظام. كما أظهر الاتفاق كيف أن جميع أجنحة النظام تتوحد عندما تشعر أن النظام الفارسي في خطر. كما أظهر هذا الاتفاق أيضا أن لدى النظام من الدبلوماسيين المخضرمين بما فيه الكفاية لاتخاذ قرارات مصيرية عندما يصل النظام إلى مرحلة يشعر أن وجوده كله مهدد بالخطر. من الناحية الاقتصادية من غير المتوقع أن ينجح النظام وبهذه السرعة في تجاوز أزماته الاقتصادية، لأن اقتصاده اقتصاد أحادي الجانب يعتمد أولاً وأخيرًا على النفط إذ إن 90 في المائة من الاقتصاد الإيراني يتم تأمينه من الثروة النفطية، وقد قام النظام باستنزاف آبار النفط الموجودة حاليا لآخر قطرة من دون الاستثمار في صيانة الآبار وإعادة إحياء صناعة النفط.
فبعد 36 عاما من الضخ المستمر للنفط انخفض الإنتاج من نحو 4 – 5 ملايين برمیل نفط یومیا فی عام انطلاق الثورة الإيرانية فی سنة 1979 إلى ملیون برمیل حالیا، وهو وما يكفي بالكاد لتوفير العوامل اللازمة للحفاظ على النظام. وتشير التقديرات إلى أن النظام يحتاج إلى نحو و200 مليار دولار من التكنولوجيا المتقدمة، كي يستعيد إنتاج النفط بمعدلات ما قبل الثورة، هذا بالإضافة إلى الضغوط الاجتماعية والاقتصادية التي يواجهها النظام. وهذا يكشف لنا بوضوح أن النظام لم يملك خيارا سوى السعي للانفتاح على العالم الغربي. فإيران حاليا لا تملك القدرة على الدخول في أي نزاع مع الغرب.
إن اتفاق 14 یوليو (تموز) النووي الذي دخل حيز التنفيذ في 18 أكتوبر (تشرين الأول) من هذا العام، أخر أجل سقوط النظام إلى حين لكن النظام آيل للسقوط، وإن كان هذا النظام، وهو ما يجب أن نقر به، قادرا على إطالة عمره. لذا لا بد من أن نبني سياستنا کشعب أهوازي معارض وفقا لذلك، لأن من الصعب المراهنة على سقوط جميع أركان الحكم دون مشاركة كل أطياف المعارضة في عمل جماعي لتحقيق هذه الغاية. أثبتت تجارب السنوات الأخيرة كيف أننا استطعنا وعبر العمل النضالي الدؤوب من كسر هيبة النظام وجبروته.
ب. تقييم المعارضة الإيرانية داخل النظام وفي المهجر.
أما بالنسبة للمعارضة داخل النظام، يبدو أن هناك اتساعا للفجوة بين المحافظين والإصلاحيين، وهناك أيضا صراع على السلطة في إيران والذي جعل نظام ولاية الفقيه يتآكل من الداخل. وخير شاهد على ذلك الصراع الدائر بين المرشد الأعلى علي خامنئي والحرس الثوري والقوى المتشددة والأصولية من جهة، وحسن روحاني والقوى الإصلاحیة داخل وخارج النظام، من جهة أخرى.
د. تقييم أوضاع الشعوب غير الفارسية داخل إيران، وهنا يمكن القول، إن الأحزاب المعارضة المنضوية في مؤتمر شعوب إيران الفيدرالية عبرت عن أهدافها المعلنة، واتجهت نحو تشكيل أحزاب ومنظمات قومية تتبنى خطاب قوميتها رافعة شعار أن تحقيق الديمقراطية لا يأتي إلا بإزالة التمييز الثقافي والديني واللغوي والقومي والتمييز ضد النساء، إضافة إلى أن الديمقراطية لن تتحقق إلا بإسقاط النظام وإقامة نظام لا مركزي في إيران، وتفويض السلطة من الهرم إلى القاعدة عبر إنشاء نظام فيدرالي. هذا القرار دفع كل القيادات القومية المعارضة الفارسية بأن ترتمي في أحضان النظام. إذ يساورها هاجس الخوف من تفكك إيران وانفصالها. لقد خانوا الشعوب غير الفارسية المعارضة وتخلوا عن مبادئهم لصالح الجمهورية الإسلامية وذلك من أجل الحافظ على هوية إيران الفارسية وسيطرة الفرس وهيمنتهم على إيران.
هـ. تقييم ما يدور في المنطقة والعالم.
وفي هذا المجال يمكن القول، إنه على الرغم من الأحداث المأساوية التي تشهدها المنطقة وما یجري في العراق وسوريا، لكن على المدى البعيد قد يكون هذا في مجمله لصالح القضية الأهوازية. الحقيقة هي أن شرارة التغيير في الشرق الأوسط انطلقت منذ عام 2003 وأن هذا التغير لا يمكن إيقافه.
كما أن ما يجري في المنطقة من تغييرات ينعكس بشكل مباشر على دور الأقليات القومية في الشرق الأوسط. إذ أصبحت القضايا أكثر بروزا للوقوف ضد السلطة والدیکتاتوریات، وخصوصا في البلدان المتعددة اللغات والقوميات مثل العراق وسوريا ولبنان. إيران هي الدولة الأكثر تنوعا بين جميع تلك الدول، حيث يقطنها ما لا يقل عن 6 مجموعات قومية رئيسية وهي العرب، والفرس، والأتراك، والأكراد، والبلوش والتركمان. لقد تغير الشرق الأوسط في الوقت الحالي أكثر من أي وقت مضى، ولم يعد بالإمكان إيقاف حركة التغيير وهو وما يعتبر فرصة كبرى للقضية الأهوازية.
لذا فإن الرياح الهائجة التي تحرك الرمال في المنطقة، قد تقدم للقضية فرصة عظيمة إذا أراد الأهوازيون استغلالها لأن هذه التطورات السريعة غيرت الكثير من السياسات والمعادلات، وهذه المستجدات من شأنها أن تكون إيجابية.
ز. تقييم ما يجري في إقليم الأهواز ودور الحكومات العربية والشارع العربي في دعم نضال أبناء الأهواز.
إن إيران لم تكن أبدا مكشوفة للعرب كما هو وحاصل اليوم، فبعد سيطرتها وبشكل غير مباشر على أربع عواصم عربية، إضافة لوقوفها إلى جانب نظام بشار الأسد، قد خلقت لنفسها جوا من الكراهية عند العرب، إضافة إلى اضطهادها أبناء الأهواز.
لا يخفى على أحد أن الأنظمة التي حكمت إيران خلال الـ100 سنة الماضية، تشعر بشكل أو بآخر بأنها وريثة الحركة الشعوبية المعادية للعرب والإسلام. ومن أجل تحقيق مصالحها التوسعية أخذت تحشد كل إمكانياتها البشرية والمادية والإعلامية على وجه الخصوص لتخرج منتصرة في صراعها العلني والخفي مع العرب، لقد استيقظ العرب فجأة وشاهدوا ازدياد حدة الخطر الإيراني، واتضح لهم أن السياسة الخارجية التوسعية لإيران في المنطقة لن تتغير مهما تداور التياران الإصلاحي أو المحافظ على الحكم في إيران.
كما أن أبناء الأهواز وعلى الصعيد الدولي، حققوا بعض النجاحات في طرح قضيتهم على المنظمات غير الحكومية المدافعة عن حقوق الإنسان، كقضية إنسانية وقضية شعب يعاني الاضطهاد بكل أشكاله. وقمنا بفضح النظام الإيراني على ارتكابه الانتهاكات ضد حقوق الإنسان في إيران عموما وضد الشعب الأهوازي خصوصا، وذلك على أعلى المستويات العالمية وفي الأمم المتحدة، ومنظمة العفو الدولية وهيومان رايتس ووتش، والمنظمات الدولية غير الحكومية والحكومات. وقدمنا تقارير موثقة حول انتهاكات حقوق الإنسان للمواطن العربي الأهوازي والانتهاكات التي تمارس في مجال انتهاك العقيدة للأقليات الأخرى، كأهل السنة والجماعات الدينية الأخری کالیهود والبهائیين والمندائيين. وقدمنا أبحاثا إلى هيئات الأمم المتحدة مختصة بحقوق الإنسان، عن معاناة الأقليات الإثنية والدینیة التي يتعرض أتباعها للاضطهاد والتمييز والمعاناة، وكذلك الاضطهاد المزدوج ضد مجمل الشعوب الإيرانية على يد النظام الإيراني منذ ما يزيد على ثلاثة عقود. تتمتع اليوم الشعوب التي تمارس السلطة الحاكمة، الاضطهاد القومي ضدها، بوعي كبير نتيجة للثورة المعلوماتية وزيادة انتشار استخدام القنوات الفضائية والإنترنت، وهي تقف في الصف الأول للنضال ضد النظام.
على الرغم من ذلك وللأسف الشديد لا تزال قضیتنا في الدول الغربية وبعض الدول العربیة موضوعة على الرف، وذلك بسبب اللوبي الإيراني القوي جدا.
وفي الوقت الذي تقابل فيه القضية الأهوازية بتجاهل سياسي على المستوى الرسمي، يجب على النيرين من أبناء الأهواز دراسة أسباب هذا التجاهل لكي تحظى قضيتنا بدعم أكبر في الشارع العربي، وعلينا أن نبحث أيضا عن كيفية الاستفادة من التعاطف الشعبي الذي بدأ ينشأ لدى الرأي العام العربي، ولا بد من الاستفادة من کسب هذا التعاطف وتوظيفه لصالح قضية الشعب العربي الأهوازي.
نقلا عن صحيفة الشرق الاوسط