بشأن ظاهرة الإمارات الإسلامية

د. أسعد عبدالرحمن: الظاهرة الأولى ليست جديدة. فالاعلان عن “إمارة اسلامية” بدأ في أفغانستان مع حركة طالبان، وهو قائم اليوم في الصومال. وكاد شمال لبنان يشهد ولادة حركة مماثلة لو لم يتمكّن الجيش اللبناني من القضاء عليها في مخيم نهر البارد وبثمن باهظ جداً.وتسجل الوقائع التي تنقلها وكالات الأنباء العالمية محاولات عديدة اخرى تخرج الى السطح من وقت الآخر. ففيا

أجرت الرابطة الاميركية لعلماء النفس وهي مؤسسة دولية تضمّ أكثر من 150 الف باحث أكاديمي من 60 دولة، دراسة استطلاعية للقضايا التي تهمّ وتقلق الانسان في العصر الحاضر. وجاءت نتيجة الاستطلاع لتشمل عشرين قضية. ومن هذه القضايا:

الاقتصاد، والارهاب، والأوبئة، والأمراض المزمنة، وأمن الطاقة، والحدّ من انتشار أسلحة الدمار الشامل، والفساد، والتجارة غير المشروعة، والحوار بين الاسلام والغرب، والتصدي للكوارث الطبيعية، والأمن الغذائي، والطاقة البديلة، وأمن المياه، وتدهور النظم البيئية.

غير ان ثمة قضية مهمة من نوع آخر لا أملك توصيفاً لها لم ترِد أي اشارة اليها في نتائج هذا الاستطلاع. وتتراوح معالم هذه القضية بين ظاهرة “أنصار جند الله” التي أعلنت عن نفسها في رفح في قطاع غزة، وظاهرة محاولة سيدة فرنسية مسلمة السباحة بالحجاب في أحد المسابح العامة في باريس.

الظاهرة الأولى ليست جديدة. فالاعلان عن “إمارة اسلامية” بدأ في أفغانستان مع حركة طالبان، وهو قائم اليوم في الصومال. وكاد شمال لبنان يشهد ولادة حركة مماثلة لو لم يتمكّن الجيش اللبناني من القضاء عليها في مخيم نهر البارد وبثمن باهظ جداً.

وتسجل الوقائع التي تنقلها وكالات الأنباء العالمية محاولات عديدة اخرى تخرج الى السطح من وقت لآخر. ففي نيجيريا مثلاً وقعت مجزرة كبيرة من أجل القضاء على حركة تستلهم من طالبان مشروع الامارة الاسلامية. وفي أندونيسيا لا تزال السلطات هناك تتعقب أحد “الأمراء” الذي لم يجد ما هو أفضل للاعلان عن إمارته سوى نسف الفنادق بنزلائها من الناس الأبرياء.

حبذا لو ان منظمة المؤتمر الاسلامي تنظم مؤتمراً لعلماء النفس المسلمين لدراسة هذه الظاهرة وتشريحها. فالقضية لا تبدو دينية، بقدر ما هي نفسية. وما الدين هنا سوى مادة للاستغلال وسوء التوظيف.

والأساس الذي يحتاج الى بحث هو: لماذا يبادر شخص ما الى اعلان نفسه أميراً باسم الاسلام؟ ولماذا يحاول أن يقتطع لنفسه من الدولة منطقة يعلنها امارة له؟ ولماذا يجد من الناس البسطاء من هم على استعداد للتضحية بحياتهم من أجله ومن أجل مشروعه؟ وما هي الوسائل التي يستخدمها لاقناعهم بأنه انما هو رسول الشريعة الاسلامية اليهم وانه رغم جهله بها، أو رغم سطحية معرفته بأصولها وبمقاصدها، مكلّف بالجهاد من أجل فرض تطبيقها بالقوة المسلحة؟.

هل هناك جهات خارجية تعمل على اثارة الفتن في المجتمعات الاسلامية؟. اذا كان الجواب بالإيجاب فلماذا تجد دائماً من يتجاوب معها؟. واذا كان الجواب بالسلب، فما هي العوامل التي تؤدي الى قيام هذه الظاهرة والى توالدها في العديد من الدول الاسلامية؟. ثم كيف يمكن التعامل معها بما يضع حداً لتشويه صورة الاسلام والاساءة اليه شرعةً ومنهاجاً؟.

في الصومال تغزو عصابات من القراصنة السفن التجارية، باسم تطبيق الشريعة. وفي باكستان تُبعد الفتيات عن المدارس وتُحرم من نور التعليم باسم تطبيق الشريعة. وفي نيجيريا يُعتدى على المسيحيين باسم تطبيق الشريعة. وفي أندونيسيا تُنسف الفنادق باسم تطبيق الشريعة.

وفي.. وفي.. حتى أصبحت كل المساوئ والموبقات والرذائل تُنسب الى تطبيق الشريعة. فهل هناك ما هو أكثر أذىً وتشويهاً للشريعة الاسلامية من هذه الادعاءات الباطلة؟. ألا تحرك هذه الظاهرة الخطيرة اهتمام منظمة المؤتمر الاسلامي أو منظمة الأسيسكو (منظمة الثقافة والعلوم والتربية الاسلامية) لدراستها ومعالجتها فكرياً وثقافياً؟.

لقد أثبتت المعالجات الأمنية عقمها. فهي لم تؤدِ إلا الى سقوط الضحايا على النحو الذي حدث مؤخراً في رفح.. ومن قبل في نهر البارد في شمال لبنان. ولذلك لا بد للعلماء الاختصاصيين من مواجهة هذه الحالة التدميرية بوسائل اخرى.

ومن هنا مسؤولية المؤسسات والمراجع الدينية والتربوية. فالاسلام يلقى على أيدي بعض من يدّعون الغيرة عليه من الأذى والاساءة أكثر مما يلقى من الذين يدّعون الخوف منه أو حتى ممن يخافونه فعلاً. وفي الواقع فإن هذه التصرفات السيئة تغذي هذه المخاوف وتبرّرها، الأمر الذي يزيد من اتساع هوّة اللاثقة والكراهية بين المجتمعات الاسلامية والمجتمعات المتعددة الأخرى في العالم.

ففي فرنسا مثلاً حيث تتمسك الدولة بالعلمانية أساساً لها منذ أكثر من مائة عام، لا نفهم لماذا تصرّ سيدة مسلمة على السباحة في حوض عام الى جانب رجال وسيدات فرنسيات يستخدمن ملابس البحر المؤلفة من قطعتين أو حتى من نصف قطعة، وهي بالحجاب!!. من الصعب أن لا ينظر الفرنسيون الى ذلك على انه تحدٍّ لهم ولمشاعرهم ولأذواقهم، وعلى انه تحدٍّ لقوانين الدولة في الدرجة الأولى. ان الرغبة في اثارة الضجة حول الذات

مرض نفسي لا بد من معالجته. ولكن خطورة هذا المرض تكمن في استخدامه الاسلام مطية ووسيلة. ولعل ما يزيد الطين بلّة، ان ينظر الى استهجان ظاهرة السباحة بالحجاب وكأنه استهجان للاسلام. أو أن يعتبر الدفاع عن هذه الظاهرة الشاذة واجباً من موجبات الدفاع عن الاسلام !!.

في حديث للنبي محمد صلى الله عليه وسلم انه قال: “أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً”. ولما سُئل نعرف كيف ننصره مظلوماً، فكيف ننصره ظالماً؟. أجاب: “بمنعه عن الظلم”.

ان سلوك هؤلاء المرضى النفسيين لا يظلم أنفسهم فقط، ولكنه يظلم الاسلام في الدرجة الأولى، ومن هنا الحاجة ماسة الى دراسة علمية جادة لمعالجة هذه الظاهرة قبل استفحالها. ترى ألم تستفحل بعد؟.

www.almustaqbal.com/Stories.aspx?=issueid=2338&CategoryID=17

شاهد أيضاً

رفيقنا المناضل مهدي ابو هيام الأحوازي

تلقينا في حزب التضامن الديمقراطي الأهوازي التغييرات الإيجابية في المكتب السياسي لحزبكم الموقر و الذي …