ترجمها عن الفارسية : جابر احمد – مقدمة :كما هو معروف تتكون ايران من أقليات قومية ودينية متنوعة وفي كلمة واحدة يمكن القول أن ايران بلدا متنوع القوميات والأديان وقد كانت هذه الحالة وعلى مدى التاريخ مصدرا للكثير من التمييز و التمحور والاختلاف بين المواطنين ، إلا انه في مراحل مختلفة ومع تغيير الأنظمة لم يبقى هذا التميز على حاله بل تعرض هو الآخر للتغيير أيضا .
أن الأقليات القومية في ايران تعد في بعض الأحيان أقليات دينية ، كما هو الحال بالنسبة للأكراد و التركمان و البلوش الذين لا ينتمون عادة إلى المذهب الرسمي الشيعي السائد في البلاد ، مما يجعلهم يتعرضون إلى التمييز المزدوج ، أي انهم يعانون تمييزا مضاعفا من الناحيتين القومية و الدينية .
أن ما تسعى إليه هذه الدراسة هو إماطة اللثام عن التمييز الظالم الذي يتضمنه دستور الجمهورية الإسلامية بحق الأقليات القومية و الدينة في ايران ، أما بقية الأبعاد السياسية – الأخرى – المدنية – الثقافية – الاجتماعية – لهذا التميز ممكن ملاحظتها في القوانين وطوال فترات تحولات التاريخ الإيراني .
خطة البحث :
بما أن موضوع الديمقراطية ومن بينها الدستور يعتبران حديثي العهد في ايران ، كون أول دستور في ايران كان قد وضع عقب قيام ثورة الدستور وذلك عام 1906 ألا انه تعرض و بعد صدوره مباشرة للتغيير و لم يعمل به بشكل جيد في أي مرحلة من المراحل . كما أن الإيرانيين انفسهم وعلى اختلاف انتماءاتهم القومية والدينية لم يتعرفوا بعد على أهمية حقيقة الدستور وكان جل اهتمامهم ينحصر آنذاك بأسقاط النظام الملكي الجاثم على صدورهم منذ ألاف السنين و كانوا فرحين بالتخلص من الاستبداد والانتقال إلى الحرية ، لذلك لم يأخذوا بعين الاعتبار الأدوات القانونية للحفاظ على هذه الحرية و بالتالي تامين المساواة فيما بينهما والحفاظ عليها مستقلا .
أما الدستور الإيراني الراهن الذي تم إقراره عبر الاستفاء الشعبي العام وذلك في الأول من أبريل – نيسان عام 1979 قد نص في بعض مواده ومنها المادة 3 و المادة 19 و 20 على تأمين الحريات المشروعة وكذلك العدالة و المساواة ورفع التمييز بين أفراد المجتمع (1) ولكن جميع هذه الحقوق التي يتضمنها هذا الدستور بقيت منوطة بالامتثال لأصحاب المذهب الرسمي للبلاد ونعني بهم الشيعة الأمامية الاثني عشرية.
أن ضرورة انسجام جميع القوانين مع اللوائح والمقررات الإسلامية المنصوص عليها في المادة الرابعة من الدستور (2) وللابد و القبول بمبدأ ولاية الفقيه و قيادته للبلاد من جهة والتأكيد على تعميم اللغة و الكتابة باللغة الفارسية (3) وتمركز السلطة السياسية و الاختيارات بيد الولي الفقيه و القوى الخاضعة لأمرته من جهة أخرى (4) جعلت التنوع في المجتمع الإيراني يواجه مختلف أنواع التميز بما فيها التمييز الديني والقومي أو ” الاثني ” وهذا ما سوف نقوم بدراسته في جزئيين منفصلين .
الجزء الأول : التمييز ضد الأقليات الدينية في الدستور الجزء الثاني : التمييز ضد القوميات غير الفارسية في الدستور
الجزء الأول : التمييز ضد الأقليات الدينية في الدستور
بما أن الدستور الإيراني الحالي قد دون انطلاقا من الاعتقادات وغير الاعتقادات المرتبطة بالمذهب الشيعي الاثني عشر الأمامية باعتباره مذهب الأكثرية في ايران ، أو بنحو كما نشاهده في المادة وفي المقدمة و المواد 2 و 12 لا يحتوي اكثر واشد أنواع التمييز الخاطئ تجاه الأقليات الدينية و حسب ، و أنما يجعل التمتع بجميع الحقوق و الحريات المشروعة التزاما وبالضرورة تابعة وبشكل مطلق للمذهب الرسمي السائد في البلاد .
أتاحت المادة 13 من الدستور لبعض الأقليات الدينية مثل المسيحيين ، اليهود و الزرادشتيين ( المجوس ) و اتباع ساير المذاهب الإسلامية من غير الشيعة هامشا من الحرية راعى القواعد المذهبية أو الدينية المتعلقة بالأحوال الشخصية الخاصة بهم ، ألا أن هذه المادة أعطت الأفضلية لاتباع المذهب الشيعة الأمامية ، حيث فرضت على الجميع القبول بولاية الفقيه المطلقة مما جعلهم جميعا يواجهون التمييز واضطهاد
أن منح الأفضلية و ترجيح الحقوق لمعتقد واحد و تجاهل سائر المعتقدات الدينية الأخرى وبخاصة لمن لا يعتقدون بالإسلام و الأديان المعترف بها في المادة 12 من جهة و التأكيد على المادة 4 من الدستور وضرورة خضوع جميع القوانين لقواعد المذهب الشيعي و تدوين جميع القوانين ومختلف اللوائح على هذا الأساس من جهة أخرى ، جعل في السنوات الماضية و اليوم أيضا ممارسة أي نشاط ديني أو مذهبي لغير إتباع المذهب الشيعي امرأ غير ممكنا مما جعل التمييز يشكل سمة واضحة من سمات النظام الحاكم في ايران .
و أثناء ممارسة عملي كمحامي قمت بالدفاع في مختلف القضايا التي تخص الأقليات الدينية ،وعلى ضوء تجربتي الشخصية رأيت أن هناك تمييزا علنيا وواضحا بمارس ضد جماعات هذه الأقليات ،على سبيل المثال فمحامو الدفاع الاير اني و قضاة محاكم الثورة يسخرون معتقداتهم ضد الأقليات الدينية لصالحهم ويعتبرون نشاطات هذه المجموعات معادية ومعارضة للنظام ويعتبرونها خروجا على القيم الشيعية وذلك وفقا للمادة 500 من قانون العقوبات الإسلامي في ايران ( 5 ) ، وبما أن ” أساس النظام الإسلامي قائم على المعتقدات الشيعية ، لذلك فان أي نشاط دعائي لسائر الأديان الأخرى يعتبر مخالفة صريحة للمذهب الشيعي ويشكل جرما يعاقب عليه القانون ” ويشاهد مثل هذا الموضوع في جميع القضايا التي تخص سجناء العقيدة كأمثال البهائيين ، الدارويش و المتحولين للديانة المسيحية أو المسلمين من أهل السنة.
وعلى ضوء ذلك، فإنه يتم وبشدة قمع ومنع أي نشاط ديني مغاير للمذهب الشيعي الرسمي عبر القوانين المعمول بها وان قسم من حالات المنع هذه تشمل التالي:
1- تنص المادة 107 بصراحة على منع أي شخص من اتباع الديانات و المذهب الأخرى بما فيهم السنة الترشيح لمنصب القائد أو لعضوية في مجلس الخبراء في ايران و هذه المادة تجيز فقط لعدد قليل من رجال الدين الشيعة وفي ظروف خاصة التمتع بهذا الحق .
2- حرمان باقي الأقليات الدينية و المذهبية من تبوء جميع المناصب السياسية و القضائية و الرئاسية على سبيل المثال أن يكون رئيس الجمهورية من بين الرجال الشيعة المتدينين السياسيين حيث نصت الفقرة 5 من المادة 115 على يكون رئيس الجمهورية مؤمنا و معتقدا بمبادئ جمهورية ايران الإسلامية و المذهب الرسمي ( الشيعي ) للبلاد . كما ورد في قسم من المادة 121 من الدستور و المتعلقة بأداء القسم الخاص برئيس الجمهورية الإسلامية ” كونه حاميا للمذهب الرسمي” فقط (6 ) .
3- المادة 64 من الدستور تمنع ترشيح أي مواطن من اتباع الأقليات الدينية بما فيهم المسلمين السنة لمجلس الخبراء ومجلس الشورى الإسلامي منعا مطلقا.
4- أن المادة 61 والتي تتعلق بكيفية انتخاب ممثلي الديانات الأخرى في مجلس الشورى الإسلامي تصادر حق جميع أفراد الأقليات الدينية في الترشح . وهذا الأمر ينطبق على القضاة أيضا حيث يمنع منعا باتا على اتباع جميع الأقليات من تبوء أي من المناصب القضائية .
5- ومن بين أعمال التمييز ما نصت عليه المواد 12 و 13 حيث انه وباستثناء مذهب الأكثرية الشيعية لا يعترف بأي من معتقدات المذهب الأخرى و عمليا تسلب منهم كليا حق العبادة الدينية و إقامة الشعائر الخاصة بمذاهبهم أو التبشير السلمي لها ، وقد أدى هذا العمل إلى تدمير كل شيء يمت للمعتقد البهائي بصلة و كذلك بعض الأماكن المقدسة لدى الزرادشتيين و تدمير و تخريب حسينية الدراوويش من اتباع نعمة الله الكنابادي و الواقعة في مدينة قم بالإضافة إلى الامتناع من إصدار أي رخصة لبناء أي مسجد لأهل السنة في طهران أو في سائر المدن الإيرانية الأخرى .
6- تنص المادة الثانية، على أن نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية قائم على الأيمان بالإمامة و القيادة المستمرة والاجتهاد المستمر من قبل الفقهاء جامعي الشرائط ، والمقصود بالاجتهاد هنا اجتهاد علماء الشيعة دون غيرهم ، مما يجعل إمكانية أي نشاط لشعائر الأديان و المذاهب الأخرى عبر وسائل الأعلام و نشر الكتب لسائر تلك الأديان و المذاهب امرأ مستحيلا .
7- يشاهد بشكل واضح في الدستور الإيراني الأفضلية الشاملة للأغلبية لاتباع المذهب الشيعي على المذاهب السنية وعلى اتباع الديانات والأقليات الدينية الأخرى غير الإسلامية في إيران .
8- ادى التمييز المجحف وغير المبرر في الدستور الايراني تجاه الاقليات الدينية وبخاصة غير المسلمين و ارجاع جميع الامور الى الموازين الشرعية الى عدم انسجام في المعاشرة و تجاهل لحقوق غير المسلمين باعتبارهم كفار بسبب الاعتقاد السائد في المذهب الشيعي الرسمي ان الكفار هم افراد غير طاهرين (7) .
النظام السياسي ، الاجتماعي ، الثقافي القائم على الدستور الايراني ينفي و يقمع اي نوع من التفكير المخالف للمذهب الشيعي الرسمي ، كما ان الاحكام التنفيذية استنادا الى الدستور و بموجب المادة الرابعة منه تنص على ضرورة اخضاع جميع الاحكام التنفيذية التشريعة في المجتمع الايراني كنوع من العنف المنظم ضد اي تفكير معارض (8) .
ولايضاح هذا العنف المنظم ضد سائر الافكار و و المعتقدات يكفي ان نراجع المادة 513 من قانون العقوبات الاسلامي حيث تنص على اعدام ” كل من يهين المقدسات الاسلامية او اي من الانبياء العظام او الائمة الاطهار او السيدة الصديقة الطاهرة واذا كان مشمول بحكم ساب النبي وفي غير هذه الحالىة يحكم عليه بالسجن من عام الى خمس اعوام ” .
و بموجب هذا القانون عوقبت عام 2008 طفلة من اتباع المذهب البهائي في سن السادسة عشرة من عمرها اسمها نسيم بالطرد من مدرسته لمدة شهرين و قد كنت محاميا عنها وذلك بتهمة ” الضحك ” اثناء قراءة دعاء الصباح في مدرستها، و من ثم تم نقلها الى مدرسة اخرى والسبب ان زملائها في الدراسة قد علموا بمعتقدها و دينها . وفي هذه القضية نسقت كل من منظمة التربية و التعليم و محكمة الثورة و قوى الامن بشكل منظم . فقد رفعت المنظمة الانفة الذكر تقريرها الى قوى الامن و التي بدورها رفعت تقريرها الى محكمة الثورة التي اصدرت امرها باعتقال الطفلة وتفتيش منزلها من قبل قواى الامن.
لقد تم دعم المادة 513 من قانون العقوبات الاسلامي دستوريا وذلك من اجل حماية معتقدات الاكثرية ” الشيعية ” من هنا لم تخرج محاكمة الطفلة نسيم ومن ثم حرمانها من التعليم الا بفضل هذه القوانين كما ان هذه الحال ما ةهي الا نموذجا وعينة صغيرة لحالات العنف المنظم الذي يمارس من قبل القضاء الايراني ضد الاديان و المعتقدات الاخرى .