الفصل الثالث ، الحلقة الرابعة-تجربة العمل السياسي-لقد ارتبطت هذه المرحلة من حياتي بالعمل السياسي ، فبالإضافة الى الزواج اصبحت اب لطفلتين ، كما انني حصلت على فرصة عمل في معمل ” نورد” لصهر الحديد في قسم الحدادة، وكنت اثناءها على اتصال مع ناصرو شخص يدعى ابراهيم عجرش وهو زميل عمل، يرتبط مع صلة قرابة مع ناصر عجرش ، وعلى ما يبدو ان هذا الشخص ايضا منظم الى العمل السياسي ، الامر الذي قوى من صلتي و ثقتي وقوة علاقتي مع ناصر عجرش .
لقد استمر عملي في شركة” نورد ” لمدة عام والشركة هي شركة مساهمة ساهم في تأسيسها كما علمت كبار المستثمرين الفرس ولا ادري اذا كانت الدولة مشاركة فيها ام لا؟ وكنت اعمل، في الحدادة وهي قسم المسؤول عن استلام كافة انواع الحديد المستعمل ( الخردة ) وكان هذا الحديد وبعد اضافة بعض المواد اليه يتم صهره وصبه في قوالب، ومن ثم يتم ارساله الى فروع الشركة الاخرى، لإعادة صهره و تشكيله حسب الطلب.
لقد سجن ناصر عجرش لمدة قليلة ربما ستة شهور ثم اطلق سراحه لعدم وجود توفر الادلة ما عدى الكلام الذي يتكلم به كوننا عرب و قضايا العرب، أي لكونه مجرد يمتلك وعي سياسي وهو على اعتاب ال 18 عشرة من العمر، لكن رغم خروجه من السجن لم يكن يدر بخلدنا لا انا ولا هو ربما نكون مراقبين من قبل السلطات في الحي الذي اقيم به لم يكن هناك ما يجمع الشباب لا نادي و لا مكتبة ولا مؤسسة ، لذلك كان الشباب في الحي الذي اسكنه غالبا ما يجتمعون على جوانب الطرقات ، كما هناك مكان يسمى ساحة وحيدة هي فلكة لشكر أباد، حيث كثيرا ما يتواجد فيه الشباب في اوقات الماء والليالي ، وكنت كثيرا ما التقي بالشباب ومن بينهم ناصر عجرش في هذا المكان .
ما اثار اندهاشي ان ” قبضايات الحارة ” الذين خرجوا من السجن كانوا يحترمون نزلائهم السياسيين، وقد علمت فيما بعد، ان النظام وفي سبيل اذلال العرب وممارسة الضغط عليهم كان يسجنهم مع اللصوص والنشالين والبلطجية من عرب وغير عرب، إلا ان السجناء السياسين العرب بفهمهم وإدراكهم لهذه القضية، اخذوا يتعاطون مع هذه الفئة من ابناء العرب بكل صبر وحنكة، حتى اصبح هؤلاء يكنون كل الحب والاحترام لهم ويتصدون لاعتداءات المجرمين الفرس ضد السجناء، وقد خرج البعض من السجن وهو يحمل شعورا قوميا حتى ان الحكومة استطاعت ان تغتال بعضهم ومن بينهم المرحوم جليل بن حويزي .
وقد علمت ان السجناء السياسيين العرب اصبح له علاقة مع هؤلاء عبر نزلاء لهم وأصبح يتصل عبرهم بزملائه من السياسيين و يتبادل الرسائل معهم، كما هؤلاء كانوا ينقلون الرسائل من اخوانهم خارج السجن عبر هؤلاء السجناء، حتى ان السجناء الذين خرجوا فيما بعد من السجن ، قالوا ان منشورات الجبهة الشعبية لتحرير الاحواز ، كانت تصل اليهم في السجن عبر هؤلاء الاشخاص .
ومن مفارقات الامور شاهدت يوما احد هؤلاء وهو يسلم على احد المناضلين الذين خرجوا من السجن وهو يحني جسده احتراما له ويقول له كيفكم يا قوميين ” ، كما تستحضرني بعض الاسماء للمناضلين العرب الذين كانوا مسجونين في سجن كارون في الاهواز، الذين اثروا على” قبضايات الحارات ” ، ان اذكر فالح الساعدي و يونس اسدي وسهيل ناصري و سرحان ناصري غيرهم .
عندما انتقلت الى مرحلة كان الوضع الاقتصادي للدولة الايرانية قاظم على الاقتصاد الرأسمالي والصناعة التي ارتبطت بهذا الاقتصاد ارتبطت هي الاخرى بالتطورات الرأسمالية العالمية،لان الرأسمالية الوطنية الايرانية تراجعت او ضربت بعد ان جاء البريطانيين برجل اسمه رضا شاه و نصبوه ملكا على ايران ، ومن حينها اخذت علاقات الانتاج الرأسمالية في ايران والمرتبطة بالاقتصاد العالمي تتطور شيء فشيء من الاقطاع الى الرأسمالية، كما ادت هذه التبعية في الاقتصاد الى تبعية في السياسية، فمصانع الانتاج التي اسست في اقليم الاهواز وإيران اذا لم نقل كلها هي مصانع ” مونتاج ” بل غالبيتها، هي من هذا النوع .
ولقد ترافق هذا التطور الاقتصادي ونشوء بعض فروع الاقتصاد الرأسمالي والمنشئات المرتبطة به كالسكك الحديدية، مثلا مع هجرة العديد من المواطنين من الريف الى المدينة، وما يحيز في النفس ان الغالبية العظمى لا جميع المواطنين العرب ليس لهم دور في هذا التطور لان الغالبية من اصحاب الرأسمال هم من غير العرب، سواء على الصعيد القطاع العام الحكومي او القطاع الخاص. ام اليد العاملة البسيطة كانت تتشكل من اغلبية عربية وقلة من الاقلية البختيارية ومن المهجرين من عموم ايران، ولابد ان اشير كما اشرت سابقا ،ان ان الهجرة الى الاقليم و وتيرة عملية تغير النسيج السكاني ليس كما هي عليه الآن .
ولعل من اهم المنشأة الاقتصادية التي اسست انذاك في اواخر مرحلة الستينات، هي مصانع ” نورد ” لصهر الحديد التي تضم عدة اقسام، منه، فرع ” شهريار ” لصنع لاذابة مخلفات الحديد ” الخردة ” فالحديد المصهور في هذا لقسم من الصنع يعاد تدويره على شكل قوالب، ثم ينقل الى اقسام اخرى ،لإعادة صهر وإخراجه على شكل قضبان حديدية، وهنا وكما اشرت سابقا انني عملت في هذا القسم مع خالي رمضان، وكنت اعمل ايام العطلة الصيفية للمدارس في مجال البناء المرتبط بهذه المنشآت .
كما من بين المصانع التي اسست انذاك في مدينة الاهواز والمرتبطة بشكل مباشر بشركة صناعة حديد “نورد ” شركة ” بارسيت ” لصناعة الواح الاسبس، وبما ان هذه الشركات لا تتطلب اليد العاملة الماهرة ، فكان القسم الاكبر من العاملين فيها من العرب .
وبعد اعلان عن تأسيس جامع الاهواز وما تطلبته البنية التحتية للعمالة، عملت في مجال البناء في منشأة هذه الجامعة، والتي تضم فروع عديدة منها الطب والهندسةو ساير الفروع السياسية ،أي اعمل في فرصة الصيف كعمال .
اما في مجال التجارة ولأسباب تاريخية كانت التجارة وبكافة فروعها بدءا من الحوانيت الصغيرة لبيع البهارات وخاصة في مدينة الاهواز ما عدى بعض الاستثناءات كلها بيد ابناء اهالي شوشتر ودسبول، وهم مواطنين سكنوا تلك المنطقتين أي شوشتر ودسبول قبل الفتح الاسلامي ،لأن العرب ولأسباب اجتماعية لم ينخرطوا في مجال التجارة لأنهم يستعيبون العمل كباعة في المحلات على سبيل المثال كباعة بهارات او بيع خضار او بضائع اخرى ، إلا انه و بعد مرور العديد من السنوات ظهرت لدينا فئات اجتماعية وهي تعد على اصابع اليد تعمل ككسبة و اصحاب حوانيت ومنهم كحلاقين .
وتزامنا مع ذلك ظهرت شريحة اجتماعية تعد على اصابع اليد يسمون ” بالحلابة ” و ” العلافة ” يعملون في مجال تجارة الحبوب والصوف ، اما بقية فروع التجارة هي بيد غير العرب ، فلا غرابة اذا شاهدنا انذاك ان جميع المحلات التجارية دور السينما والمطاعم في مركز مدينة الاهواز وفي شارع بهلوي و سي متري والشارع المؤدي الى المستشفى الرئيسي 24 متري غالبتهم كم غير العرب حتى حي لشكر اباد ورفيش الذي كل سكانها عرب اصحاب الحوانيت من غير العرب .
وعلى العكس مما يحصل في المجال التجاري ، فان اليد العاملة العربية غير الماهرة وخاصة تلك التي في المؤسسات الصناعية في مدينة الاهواز ما عدى حي او حيين مثل زيتون “كارمندي ” و” زيتون كاري كري ” و”كمبلو ” غالبيتها من العرب ، وهي تنتمي الى مختلف احياء مدينة الاهواز رفيش، لشكرباد، العامرية ،الخزعلية وكوت عبدالله ،وكانت الباصات تنقلهم ليلا ونهارا ، أي ثلاث دوريات او شفتات .اما مدينة عبادان هي الاخرى ما عدى بعض ألاستثناءات فالعصب التجاري الرئيسي ايضا بيد غير العرب . عبادان و ساير المدن الاهوازية انذاك ايضا كان الغالبية العظمى من سكانها من العرب ايضا
إلا ان الهجرة الى المدن الاهوازية في زمن الشاه الابن وخاصة الى المدن الكبرى مثل مدينة الاهواز وعبادان ونوعاً من المحمرة لم تتوقف ،كانت الهجرة الوافدة الى عبادان الغالبية العظمى منها تأتي من مدن فارسية مثل شيراز واصفهان ، مع عديد قليل من البختاريين ،القسم الاعظم من المهاجرين يعملون في المؤسسات التابعة لشركة النفط ، والقسم الاخر يعمل في مجال التجارة ، وباستثناء عدد قليل من الاسر العربية التي تملم بعض النحلات في عبادان القديمة منطقة اميري وما جاورها ، فان الغالبة العظمى من التجار كانوا من غير العرب أي من الفرس ،حتى ان السوق الذي يسمى بسوق الكويت ” بازار كويت ” الغ تجاره من غير العرب ونادرا ما نجد عربي يمتلك متجرا في هذا السوق .
يوجد في عبادن ميناء لاستيراد وتصدير البضائع ، إلا ان ميناءها لا يضاهي ميناء المحمرة ، فميناء المحمرة يستقبل بواخر ضخمة تصل حمولتها من 700 و 1000 وحتى 5000 طن وهي تنقل البضائع عبر شد العرب والخليج العربي من كافة بلدان العالم وخاصة البلدان الخليجية الى مدينة المحمرة ، ومنها الى العمق الايراني .
كما ان اصحاب هذه البواخر يسعدون عند دخولهم المياه الحلوة في شطب العرب ، لانها تغسل وتنظف من الشوائب و الاملاح البحرية .وكانت الغالبية العظمى من اليد العاملة التي تعمل في ميناء المحمرة وخاصة في مرحلة الستينات والسبعينات من القرن الماضي ، هي يد عربية ، على سيبل المثال لا نبالغ اذا قلنا ان نسبة العرب في مدينة المحمرة تصل الى 95% اما في عبادان وخاصة في مركز المدينة تصل الى ما بين 25 % الى 30 % ، اما ساكني اطراف عبادان وقراها كلهم من العرب ،كما ان بقية المدن الاهوازية فالغالبية العظمى من سكانها انذاك هم من العرب .
هكذا كانت الاوضاع الاقتصادية في المدن الاهوازية ، وبالإضافة الى ما ورد هناك قسم من المواطنين في المحمرة و عبادان و بقية المدن يعملون في مجال الزراعة و تربية الماشية .
اما فيما يخص سياسة التفريس فهي مستمرة منذ دخول قوات رضا شاه الاقليم و استمرت في عهد ولدة محمد رضا ، ومن مظاهرة بالإضافة الى الهجرة منع وارتداء الزي العربي ، ولكن بما الغالبية العظمى من السكان انذاك من العرب فكان تطبيق هذه السياسية يواجه الكثير كمن الصعوبات لان الغالبية العظمى من العرب نساء ورجال يرتدون زيهم الخاص بهم .
في بداية الستينات حاول الشاه وضع قانون الاصلاح الزراعي فوزع قسم من الاراضي الكبيرة على الفلاحين سواء في اقليم الاهواز او في كل انحاء ايران .وفي ظل الثورة البيضاء حاول الشاه ايجاد كتائب التعليم وهي تظم خريجي البكلوريا أي الصف الثاني عشر ، واوكل اليها التدريس مهمة التدريس في الارياف في عموم ايران ،و في منطقتنا وذلك بعد اجتيازها دورات عسكرية ، ومهمة هذا الكتائب نشر اللغة الفارسية وترسيخها قراءة وكتابة داخل الارياف .
وشهدت مرحلة الستينات القضاء على ما تبقى من الكتاتيب العربية التي كانت تدرس القران منذ ايام الشيخ خزعل ، حيث من المعلوم ان وزمن خزعل شهد مثل هذا النوع من الكتاتيب التي يمكن ان نسميها كتاتيب دينية أي التعليم التقليدي على طريق الحوزات الدينية و في عهد الشيخ خزعل كانت هناك بعض الحوزات تدرس الى جانب العلوم الدينية الى جانب اللغة العربية ، ويمكن القول ان التعليم كان تعليما تقليديا .
في تلك الفترة أي في بدايات السبعينات كثفنا من نشطنا السياسيى وكنا على علاقة مع اخواننا ممن سبقونا في اللاحق في صفوف الجبهة في العراق وأثناء ذلك شعرنا اننا مراقبين من قبل الساواك ، ولعل عدم خبرتنا وقلة تجاربنا و تهورنا و هي التي جعلتنا نشعر باننا مراقبين لذلك قررنا وقبل ان يكشف امرنا قررنا ان نهرب الى العراق للالتحاق في الجبهة الشعبية لتحرير الاحواز – عربستان، الذي كان لها مقر في العراق