إحياء الأفكار “الآرية” من قبل القوميين العنصريين الفرس في نظام ولاية الفقيه – جابر أحمد

منذ سقوط نظام الشاه وقيام الجمهورية الإسلامية في إيران تم وتحت شعار ما يسمى “بالثورة الثقافية” إعادة النظر في كتابة التاريخ الإيراني وبما ينسجم مع ايدولوجيا النظام باعتباره نظاماُ إسلامياُ لابد من فصله عن  التاريخ العنصري الذي دون أثناء الفترة البهلوية وإرجاعه إلى حاضنته الإسلامية .

ولكن بعد إفلاس شعارات الجمهورية الإسلامية وفي ظل الخلافات الدائرة بين الأطراف المتصارعة على  السلطة في إيران ،ورغبة الشعوب غير الفارسية  في إيران بالحصول على حقوقها القومية سرعان ما عاد النهج العنصري مرة أخرى بقوة وأصبح الإسلاميون والعنصريون من القوميين الفرس وجهان لعملة واحدة ،وقد وصل هذا النهج في عهد احمدي نجاد إلى أوجه ،حينما اعتمد لأول مرة اعتبار 29 اكتوبر من كل عام يوماً خاصاً للاحتفال بكورش  .(1)

  ليس لدينا أي مشكلة فيما إذا أراد القوميون الفرس أو أي أحد آخر أن  يحيي  يوماً لكورش أو غيره ،ولكن أن يتبدل مثل هذا اليوم إلى مهرجان تردد فيه الشعارات العنصرية المعادية للعرب وغيرهم على سمع وبصر الحكومة الإسلامية في إيران ويعلن خلاله أن الفرس كشعب آري يتفوق على أقرانه من الشعوب الأخرى ،فهو أمر معيب ومدان ومرفوض من قبل جميع الشعوب غير الفارسية في إيران ،لأن هذا التوجه القائم على ما يسمى “بنظرية العرق الآري ” يوظف وللأسف ويستخدم ضد أبناء هذه الشعوب الذين يشكلون اليوم نصف المجتمع الايراني،حتى أصبح اليوم وعلى سبيل المثال لا الحصر في إقليم الاهواز – عربستان وفي ظل الجمهورية الاسلامية الإيرانية سياسية مبرمجة قائمة على تغيير النسيج السكاني تمارس قولاُ وعملاً ،ولعل أبرز مظاهرها الوثيقة التي تسربت إبان حكم الإصلاحيين والتي أسفرت عن قيام انتفاضة الخامس عشر من نيسان 2005 . (2)

 وفي هذه المقالة لا نريد الخوض في النظريات التي تحدثت عن تاريخ ما يسمى  بنظرية العرق الآري لأن البحث حولها طويل ومتشعب جداً ،قد يبعدنا عن تسليط الاضواء على المشكلة التي نريد التحدث حولها ، ولكن نرى أننا ملزمين بأن نشير باختصار الى المدلولات السياسية والعرقية الحديثة لهذه النظرية ،وكيف تأثر بها القوميين “الفرس” وما نتج عنها من عواقب وخيمة تجلت بأبشع صورها في بدايات القرن الماضي سواء داخل الخارطة الايرانية وما نتج عنها من إفرازات على المستوى العالمي والتي تجلت في الحرب العالمية الثانية والتي راح ضحيتها ولأسباب عرقية الكثير من الضحايا.

لقد اكتسب المصطلح اللغوي “الآري”على يد ممن آمنوا بهذه النظرية وخاصة في اواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين مدلولا عرقيا وسياسيا هو باختصار ” ان الشعوب الآرية وحدها لها الفضل في ابتكار المنجزات الحضارية قديماً وحديثاً ،كونها اعراق بشرية نقية ومتفوقة يقتصر عليها وحدها الإِبداع وبناء الحضارة الإِنسانية  .(3)

أما بالنسبة لإيران ،فإنه حتى بداية القرن العشرين لم يكن لهذه النظرية أي اثر ملموس داخل المجتمع  الايراني ،حيث كانت القرية أو المدينة هي بالنسبة للكثير منهم وطنهم  ولم يتبلور التفكير القومي  العنصري في إيران إلا لدى عدد معدود من النخب والمثقفين الإيرانيين الذين بدؤوا يبشرون بالقومية، متأثرين بما يجري في البلدان الأوربية. وقد ظهر مثل هذا التفكير لدى جيلين متواليين هما جيل فتح علي أخوند زاده (اخوندوف)، (4) وجيل ميرزا رضا كرماني (5)،وقد كان الأول أكثر تطرفاً في طرح المفهوم القومي واعتقد أنصاره أن القومية الفارسية موجودة وممتدة في عمق التاريخ ، وجاء العرب ليقضوا عليها ، وأن تخلف بلادهم يكمن في وجود الدين الإسلامي. ولم يكتفوا بذلك وحسب ،بل رأوا أنه لا يمكن لهم تحقيق أهدافهم في بناء إيران الحديثة ، إلا بالعودة إلى ماضي إيران القديم ؛ أي إيران ما قبل الإسلام ، حيث اعتبروا أن هجوم “العرب الحفاة والجياع ” (كما يقول اخوند زاده)، أو “الشعب الوحيد من بين الشعوب السامية الذي لا ثقافة له)”، حسب قول (أرامش دوستدار)، هو السبب الرئيس الكامن وراء تخلفهم عن ركب الحضارة الغربية ،وسرعان ما أصبحت هذه النظرة وبسرعة تغلف بالكامل خطابات المثقفين القوميين الحداثويين العنصريين الفرس .(6)

 لقد  تطور مفهوم العرق فيما بعد على  يد ميرزا أقاخان الكرماني الذي تأثر إلى حد كبير بأفكار فتح علي اخوند زاده ،حيث نجد في كتاباته جميع عناصر القومية الفارسية الجديدة. وهذا الشخص كان  يقول “وإن كنت بالظاهر تركياً إلا أنني عملياً أنتمي إلى العرق البارسي “الفارسي” وأملي هو أن يدرك الإيرانيون أننا أبناء البارسين وأن وطننا هو إيران ،ونحن نليق به ومن حقنا أن نفخر ونعتز به ” .(7)

وظهرت ازدواجية المثقفين القوميين الفرس في تعاملهم مع منجزات الحضارة الغربية. فمن جهة كانوا حداثويون يريدون السير بإيران نحو مستقبل أفضل ،ومن جهة أخرى كانوا يغالون في إحياء أمجاد الماضي في سبيل نضالهم ضد الاستعمار،لذلك عمدوا للتحوير والتحريف والتزوير من أجل إيصال أهدافهم إلى المواطنين ،الأمر الذي جعلهم يخفون الكثير من الأمور المتعلقة بالحضارة الغربية ومنها أهم منجزاتها المتمثلة في الديمقراطية والابتعاد عن التفكير العنصري.

ورغم أن المثقفين الفرس كانوا يدركون جيداً أن الفكر الغربي يفصل بين الدين والدولة ،إلا أنهم لم يدخروا جهداً في جذب رجال الدين الشيعة وتشجيعهم على إسقاط الملكية القاجارية ومحاولة أسلمة القوانين الأوربية بما يتماشى مع أهدافهم القومية العنصرية.

وتعد مرحلة رضا خان من أهم المراحل التي ساعدت على ترويج أفكار وايدولوجيا المثقفين القوميين العنصريين الفرس ،لأن رضا خان بانتهاجه العداء للقوميات غير الفارسية وخاصة الاتراك والعرب ، أوجد الأرضية الخصبة لنمو هذه الأفكار ،وفي عهده استطاع هؤلاء المثقفون مواصلة نشاطهم القومي العنصري من داخل إيران وليس فقط من خارجها ، كما كان عليه الحال في عهد القاجار وأصبح بالإمكان مواصلة هذا النضال في داخل إيران بعد السماح لهم بإصدار الصحف والمجلات ،حيث أخذوا يمجدون رضا خان ويدعمون توجهاته لإيجاد دولة مركزية قوية ،وبذلوا قصارى جهدهم من أجل تجميل صورته وتبرير أفعاله الاستبدادية أمام أبناء المجتمع الإيراني ومهدوا الطريق له لاستلام السلطة عبر التنظير الأيديولوجي والسياسي ،ولعل كل من أحمد كسروي، علي أكبر داور وعبد الحسين تيمور تاش ومحمد علي فروغي والدكتور محمود أفشار من أهم المثقفين القوميين والعنصريين الذين ساندوا رضا شاه في تلك المرحلة.

لقد قارن هؤلاء القوميين العنصريين الاخطار التي تحيط بهم بألوان الطيف الضوئي فعبروا عن خطر الاستعمار البريطاني باللون الأزرق والخطر الشيوعي باللون الأحمر،والخطر العربي الاسلامي باللون الاخضر وخطر الاتراك العثمانيين باللون  البرتقالي وأخيراً الخطر الأسود ويتمثل بالجهل والاستبداد .(8)

وفي الفترة الواقعة ما بين الحربين الاولى والثانية ومع استفحال نشوء ظاهرة الاحزاب العنصرية في أوروبا وخاصة النازية في المانيا والفاشية في ايطاليا تأثر العنصريون بهذه الافكار لاسيما النازية التي تبنت نظرية العرق الآري. وقد كان التأثر لدرجة حتى اعتبر البعض من هؤلاء المثقفين الصليب المعقوف “رمزاً” خاصاً بالإيرانيين وجميع من ينحدرون من العرق الآري،أنه علامة السعادة والنجاة. وأصبح “ميدالية” تشير إلى رمز اختاره الآريون الإيرانيون” الفرس ” سابقاً منذ ألفي عام قبل الميلاد واعتبروه رمزاً للسعادة ودلالة على انتماءهم  للعرق الآري”. وإن “علامة الفتح الآرية (الصليب المعقوف )محترمة أينما تواجد الآريون ،سواء على بناء مسجد شاه في أصفهان أو على أعمدة بوابات حكومة (طهران)، أو على العلم الألماني ، أو زين بها ساعد “هيتلر”.(9)

وتأتي هذه التصريحات من قبل العنصريين الفرس سواء في عهد المرحلة البهلوية أو في عهد الجمهورية الإسلامية ،في حين أن قسم دائرة الأعراق في الحزب القومي الديمقراطي الألماني قام بتقسيم الشعوب على أساس عرقي ،واعتبر شعوب الشرق باستثناء اليابانيين ،هم من الشعوب المنحطة ،وحرم زواج الإيرانيين من الألمانيات ،كما تم التبليغ للالتزام بهذا التحريم والمنع ،كما منع إقامة أي نوع من علاقات الحب بين الفتيات الألمانيات مع  أبناء الشرق .(10)

و ما يميز الاحتفال بذكرى كورش لهذا العام هو حضور الآلاف من العنصريين الفرس إلى نصب كورش في منطقة باساركاد (11) وترديد شعارات مقيتة ضد العرب والإسلام ومما يثير الانتباه هو سكوت مرشد النظام والحكومة على ذلك ،ولم ينتهي الامر عند هذا الحد ،بل ان موقع “تابناك” العائد لمحسن رضائي أمين  مجلس تشخيص مصلحة النظام اعتبر ان اسم كورش وقد ورد في القرآن في الايات 83 و 99 من سورة الكهف ،باسم  ذو القرنين وهو رجل موحد ومصلح وعادل وأن كتاب الله ذكره بالخير  … الخ !!

في الختام نود القول من الافضل للقوميين الفرس أن يتركوا عملية العزف على وتر “الافكار العنصرية الآرية ” لأن التاريخ القريب جداً يذكرنا أن مثل هذه الافكار قد تسببت في الكثير من الكوارث ولعل الكارثة الكبرى أول ما تصيب القائمين عليها  قبل غيرهم .

الهوامش :

.( 1)  كورش  أول ملوك فارس ( 560 – 529 ق م) حكم من (550-529) ق.م.

(2)   لمزيد من  الاطلاع  راجع مقالة الكاتب على الرابط التالي  http://www.alahwaz.info/ar/?p=11855

(3)  محمد الزين ، الاريون ، موقع الموسوعة العربية .

(4) میرزا فتحعلی آخوند زاده ،كاتب مسرحي واحد رواد الحركة القومية الايرانية الفارسية  من مواليد  1812

(5) كاتب ومجدد فارسي من مواليد مدينة كرمان الايرانية عام  1896

(6) مبلغ حسن، رؤية في الخطاب القومي الإيراني المعادي للعرب – بحث من خمس حلقات – ترجمة جابر أحمد راجع موقع  الكاتب  على الحوار  المتمدن

(7) / نفس المصدر السابق .

(8) صدرالإشرافي ضياء، كثرت قومي وهويت ملي إيرانيين، أنديشه نو، ص66، (1999)م،1377، ه.ش تهران

(9) نيك نأم بيجن،گذشته چراغ راه أينده ، تاريخ أيرن ميأن دوفاصله كوتاه ،نشر نيلوفر، ص 74، (1984م)1362 ه.ش تهرأن، نيك نأم بيجن، تاريخ إيران بين فاصلتين قصيرتين ، دار نشر نيلوفر، ص 74، (1984م)1362 ه.ش طهران .

(10) . نفس المصدر ،السابق

 (11) باساركاد ،هي مدينة في فارس القديمة كانت أول عاصمة للأخمينيين في أيّام كورش

 (12) راجع الرابط التالي :http://www.tabnak.ir/fa/pages/?cid=120125

شاهد أيضاً

رفيقنا المناضل مهدي ابو هيام الأحوازي

تلقينا في حزب التضامن الديمقراطي الأهوازي التغييرات الإيجابية في المكتب السياسي لحزبكم الموقر و الذي …