يوسف عزيزي بني طرف - ايلاف - احتفل الشعب العربي في عربستان كل عام بذكرى الانتفاضة النيسانية التي انطلقت في الخامس عشر من نيسان 2005 ضد خطط النظام الايراني yusefلتغيير النسيج السكاني لصالح غير العرب في هذا الاقليم التي يصفه ب"خوزستان".

 

الانتفاضة النيسانية في عربستان

 

وتشكل هذه الانتفاضة التي لم نرى لها مثيل في تاريخ الشعب العربي منذ العام 2005 – هو عام سقوط الشيخ خزعل الحاج جابر آخر حاكم عربي للإقليم – تشكل منعطفا هاما في النضال الذي يخوضه هذا الشعب ضد الاضطهاد القومي والتمييز العنصري الممارس من قبل الانظمة الايرانية المتعاقبة.

نيسان، المفردة الآرامية التي دخلت العربية بواسطة اسماء الاشهر السريانية، لها وقع خاص على حافظة الشعب العربي في اقليم عربستان الواقع في جنوب غرب ايران.
نيسان تعني لنا، شهر الخير والبركة وموسم الحصاد، حصاد الحنطة والشعير، ولها وقع فردي ونفسي واجتماعي بين ابناء شعبنا العربي، وقد اصبح لها الان وبفعل الانتفاضة النيسانية المجيدة، رنين تاريخي نسمعه كل عام، لابل كل لحظة في حياتنا السياسية، على طول الوطن وعرضه. ونحن ابناء الجالية الاهوازية في المهجر، يذكرنا هذا الرنين بالمأساة التي يعيشها شعبنا المغلوب على امره.

لكن لشهر نيسان وكأي ظاهرة اخرى، وجه آخر، إن لم يكن قديما كنيسان الطبيعة والخير، لكنه حديث، حدث قبل 87 عاما وهو انهاء الحكم العربي لهذا الاقليم بالقوة العسكرية ومن قبل الجيش الشاهنشاهي الايراني، والغاء ما كان يتمتع به شعبنا من استقلال داخلي وحكم ذاتي واسع انذاك. ولن تعوض هذه الخسارة التاريخية لشعبنا الا بعد ان يستعيد هذا الشعب كافة حقوقه التاريخية والسياسية والثقافية المسلوبة.

الاسباب الاجتماعية

فاذا اردنا ان نبحث عن الاسباب الاجتماعية لإنتفاضة نيسان 2005 يجب ان نعود الى الوراء بعض الشيء، وذلك حين بدأ الرئيس هاشمي رفسنجاني في عهده(1989 – 1997) باحياء خطط موروثة من النظام الملكي السابق تهدف الى مصادرة اراضي المزارعين العرب واقتلاعهم من ارض ابائهم واجدادهم، وقذفهم في المدن الكبرى ليعيشوا في مدن الصفيح بغية تفريسهم. وقد تم ذلك بالفعل حيث صادرت السلطات الايرانية نحو 200 الف هكتار من الاراضي الزراعية الخصبة على ضفاف نهر كارون، من مدينة تستر (شوشتر) في شمال الاقليم الى مدينة المحمرة في جنوبه. كما انها صادرت اراضي لقرويين عرب في صحراء الجفير و في جزيرة صلبوخ (مينو) و في شمال الشوش وسلمتها الى وافدين غير عرب.

وقد تضخم حزام الفقر العربي في المدن الكبري بالاقليم لسببين: الاول، الحرب الايرانية – العراقية التي استمرت لمدة ثماني سنوات (80 – 1988) والثاني، مصادرة اراضي المزارعين العرب. وهذا ما شاهدناه في مدن عبادان والاهواز على وجه الخصوص. ويحيط هذا الحزام بنواة ثرية قوية غيرعربية مدعومة بشكل مباشر وغير مباشر من السلطة الحاكمة في طهران. كما سعى النظام الايراني بانشاء مستوطنات داخل المدن الكبرى او بالقرب منها للتسريع في عملية تغيير النسيج السكاني لإقليم عربستان لصالح غير العرب الذين كانوا دوما اقلية في هذا الاقليم. وتسمى هذه المستوطنات، “شهرك” بالفارسية. وخلال السنوات التي تمت فيها مصادرة اراضي العرب، وقعت مناوشات بين القرويين واجهزة الامن الايراني راح ضحيتها العشرات، وهذا ما اثر على ضمير المجتمع العربي في عربستان وخاصة على الفئات المثقفة والواعية سياسيا وقوميا واثار غضبها. وقد تفجر الموقف بعد تسريب رسالة منسوبة الى محمد علي ابطحي مساعد الرئيس الايراني السابق محمد خاتمي (1997 – 2005) وخرجت الجماهير العربية في تظاهرات احتجاجية على الخطط الشيطانية التي يحيكها النظام الديني – الآري ضد الشعب العربي الاهوازي.

الاسباب السياسية

تعد انتفاضة 15 نيسان 2005 نتيجة لتراكم من التجارب السابقة لنضالات خاضها الشعب العربي في عربستان. اذ اغتنم هذا الشعب او بالاحرى فئات منه، الفرصة خلال الانفتاح النسبي للاجواء السياسية في عهد خاتمي. ونحن نعلم ان نسبة تصويت العرب في اقليم عربستان لمحمد خاتمي في الدورة الاولى لرئاسته كانت الاعلى في ايران بعد اقليم يزد، مسقط رأسه. غير ان خاتمي والاصلاحيين بشكل عام خيبوا آمال الشعب العربي بعد تراجعهم امام المتشددين من المحافظين والقوميين الفرس. لكن عهد خاتمي، شبه الانفتاحي، وفر فرصة مناسبة للشعوب غير الفارسية ومنها العرب في ايران كي تقيم مؤسساتها الثقافية والمدنية، بل وتمكن النشطاء العرب من تشكيل حزب سياسي هو حزب الوفاق. اذ لعبت هذه المؤسسات، دورا هاما في نشر الوعي الثقافي والسياسي القومي بين الجماهير العربية في عربستان. وقد بلغ عدد المؤسسات الثقافية في مدينة الاهواز نحو21 مؤسسة لم يبق منها الا اثنين او ثلاثة بعد وصول احمدي نجاد والمتشددين الى السلطة في ايران. كما اسسنا “بيت العرب الاهوازي” في طهران والذي كان نشطا بين الجالية العربستانية في العاصمة الايرانية وكذلك في الاقليم نفسه.
وشكل الانفتاح السياسي النسبي في عهد الاصلاحيين، الاكسجين الذي تنشقه شعبنا بعد فترة مديدة من الاضطهاد والاحتقان.

وقد اثار المد القومي العارم بين الشعوب غير الفارسية بما فيهم العرب، قلق القوميين الفرس بل والاصلاحيين انفسهم، المتأثرين اساسا بالخطاب القومي الفارسي.
افقيا، اندلعت الشرارة الاولى للانتفاضة في 15 نيسان 2005 في مدينة الاهواز، عاصمة اقليم عربستان واتسعت في الايام التالية الى مدن الحميدية والفلاحية ومعشور والحويزة، سقط خلالها العشرات من القتلى، وتم اعتقال المئات من النشطاء العرب. ولولا الاعتقالات الاستباقية في مدن عبادان والمحمرة لربما شاهدنا حراكا في هاتين المدينتين الهامتين. وفي الوقت الراهن، يعد الحراك القومي والسياسي العربي في عبادان اكثر من المحمرة التي كانت عاصمة الشيخ خزعل وشهدت نشاطا سياسيا وثقافيا لامثيل له بعيد قيام الثورة الايرانية عام 1979. غير ان القمع الدامي للحركة الوطنية العربية في هذه المدينة العربية العريقة المعروفة فارسيا ب”خرمشهر” في ذلك العام، وكذلك الحرب الضروس بين الجيشين العراقي والايراني والتدمير الذي لحق بهذه المدينة حالت دون ان تستعيد عافيتها وتلعب دورها النضالي الطليعي.

وقد التحقت خلال الاعوام القليلة الماضية مدن “الشوش” و”خلف أباد” الى معركة النضال القومي التي كانت بعيدة عنه لفترة طويلة.
وفي الاهواز العاصمة، تركزت المظاهرات والاحتجاجات في منطقة “حزام الفقر العربي” – كما وصفتها منذ سنوات – كاحياء “الصياحي” و”الملاشية” و” كوت عبدالله” و”آخر اسفالت” و”ابوذر” و”الثورة”. وتقطن هذه الاحياء، الطبقات المسحوقة من العرب، ليس لديها شيء ان تخسره في قتالها ضد عدوها الطبقي والقومي المهيمن على الحكم في ايران الا سلاسلها. وقد وصفت هذه الاحياء بالمنطقة الحمراء في نضال الحركة الوطنية للشعب العربي في ايران. فلذا كانت المواجهة اشد واعنف من سائر الاحياء الاهوازية. غير ان مشاركة احياء “النهضة” (لشكرآباد) و”كمبلو” و”غولستان” و”الخزعلية” و”الناصرية” و”اهواز قديم” “آسيه أباد” و”الزوية” و”الزرقان” و” شيبان” و”ويس” لم تكن واسعة بل كانت معدومة احيانا. وقد وصفت قبل اعوام هذه الاحياء – سوسيولوجيا – بالاحياء الرمادية التي سوف تلتحق في المستقبل بحراك الشعب العربي في عربستان.
وترجح الطبقة الوسطى والنخب العربية المنتمية اليها في المناطق الرمادية، عدم القيام بمواجهة حادة وعنيفة مع النظام وتركز جل جهدها على النشاط الثقافي والاجتماعي.

من كان وراء الانتفاضة؟

بما اني عايشت الانتفاضة النيسانية و شاركت في اللجنة الاعلامية للدفاع عنها وعن حق الجماهير العربية في التظاهر السلمي وكنت على اتصال يومي بل بالساعات مع المتظاهرين على الساحة الاهوازية، يمكنني القول ان الانتفاضة، كانت انتفاضة عفوية لم يقم بها اي تنظيم او حزب سياسي، كما كانت من قبلها مظاهرات نيسان 1985 واحتجاجات الشباب في 2004 التي عرفت بانتفاضة “السي دي” في الاهواز العاصمة. لكن هناك شخصان يمكن ان نشير اليهم بالبنان لدورهم التحضيري للانتفاضة النيسانية في الاهواز وهما الناشطان البارزان، الراحل محمد نواصري، وكاظم مجدم. كما لعب الاعلام العربي وخاصة الجزيرة، وكذلك الاعلام الاهوازي في المهجر دورا في توسيع رقعة المظاهرات في اقليم عربستان.

الوضع الراهن

يرزح الشعب العربي كسائر الشعوب الايرانية تحت وطاة النظام الامني الاستبدادي المتمثل بولاية الفقيه؛ ويتسم الوضع في الاقليم بالاحتقان وغياب المؤسسات المدنية والاحزاب السياسية، وانكفاء الناس على انفسهم. اذ اصبح المواطن العربي يقضي معظم وقته مع افراد اسرته بعد ان كانت الاجتماعات والمؤسسات السياسية والثقافية والمدنية تجذب المواطنين. واخذت بعض البرامج التلفزيونية المشبعة بالروح السلفية التي تبث من الخارج تملئ اوقات هذا المواطن. لاشك ان النخب العربية المثقفة لم تتأثر بادبيات هذه التلفزة التي تحاول ان تبدل الخطاب القومي والنضال من اجل الحقوق القومية الى خطاب سلفي له اهداف لاهوتية صرفة.

وقد ادى غياب الحريات والمؤسسات المدنية، الى استفحال الظاهرتين القبلية والمذهبية، اذ تعمل الاولى بشكل تلقائي عندما ترى الساحة خالية من النشاط المدني، والثانية بواسطة القنوات المتطرفة التي تدعو الى السلفية وهي ظاهرة خطيرة لم يعرفها شعبنا من قبل، يمكن ان تقسم شعبنا العربي تقسيما مذهبيا وهي تهمل القضية القومية لصالح القضايا المذهبية والتي نحن بغنى عنها.

وفي النهاية يجب تذكير نشطاء مجتمعنا العربي بدور المرأة الاساسي في الحركة الوطنية في عربستان لانها شبه غائبة عن ذلك ويجب اشراكها اكثر فاكثر في نضال شعبنا من اجل نيل حقوقه القومية والتاريخية. ولايمكن ان نصل الى هذه الحقوق دون مشاركة المرأة التي تشكل نصف المجتمع العربي في عربستان.

وقد بدأت معظم الشخصيات والمجموعات الاهوازية المؤمنة بالمرحلية وحق تقريرالمصير للشعب العربي بشكل اقامة نظام فدرالي في ايران، بدأت ومنذ فترة ببعض الخطوات لتقريب وجهات نظرها. فمن المؤمل ان تصل الى نوع من التنسيق بينها وتمهد الطريق لائتلاف سائر القوى العربستانية المتواجدة على الساحة السياسية والثقافية.

• نص المحاضرة التي القيت بالفارسية في احتفال مركز مشداخ الثقافي الاهوازي يوم الاحد 15 نيسان 2012

شاهد أيضاً

فوز الأديبة الأهوازية الشابة سرور ناصر في المركز الاول للقصة القصيرة

فوز الأديبة الأهوازية الشابة سرور ناصر في المركز الاول للقصة القصيرة جابر احمد 2024 / …