وإنما تعداه ليشمل كل حلفائه الذين عبروا بمستويات مختلفة عن استيائهم من التعاطي الملتبس للحزب في قضية خطيرة وحساسة تمس الأمن الوطني.
إلا أن الاستياء الأهم جاء من الداخل, وتحديداً من المستوى الأمني في الحزب, حيث عبرت القيادات والهيئات المتخصصة في مكافحة التجسس عن غضبها من الموقف الرسمي للحزب من عمالة أحد قياديي “التيار الوطني الحر” الحليف, والذي يتناقض تماماً مع سياسة الحزب, ومع أنظمته الداخلية.
وأدى هذا التناقض إلى ارتباك كبير داخل الحزب, بحيث انقسمت القيادات بين مواقف عدة, يدعو الأول, وهو الأكثر تشدداً, إلى قطع العلاقة مع التيار العوني, انسجاماً مع سياسة الحظر المنصوص عنها في نظام الحزب الداخلي, والتي تلزم القيادة العليا تصنيف أي جهة سياسية أو حزبية مخترقة من “الموساد” الإسرائيلي, على أنها جهة معادية بانتظار إعادة تقييمها.
ويدعو الموقف الثاني إلى الحفاظ على العلاقة مع بعض التيار العوني ولكن مع التبرؤ التام من كرم, والدعوة إلى التشدد في محاكمته.
أما الموقف الثالث وهو المعتمد من قبل الأمانة العامة للحزب, فهو الصمت المطبق و”عدم التدخل” رسمياً.
هذا اللاموقف زاد من مشاعر الريبة لدى القيادات الأخرى, وبدأت تسري شائعات عن تدخل مارسه الحزب لدى المعنيين لتخفيف الحكم عن كرم, لحفظ بعض ماء الوجه لفريق العماد ميشال عون.
وأكدت معطيات عدة هذه الشائعات بحيث أصبحت معلومات يقينية عند كثير من المعنيين داخل الحزب:
أولاً: عمد “حزب الله” في المرحلة الأولى من القضية, أي عند توقيف كرم وتبرؤ تياره منه, إلى تجاوز المسألة باعتبار أن أصحاب الشأن, أي عون, قد رضي وتخلص من عبء الدفاع عن متهم بالتعامل. ولكن في مرحلة ثانية, أي عندما بدأ التيار العوني حملة الدفاع عن كرم أعاد “حزب الله” تقييم موقفه وبات أكثر حذراً في التعاطي مع قيادات تيار عون. إلا أن المفاجأة أن الأمانة للحزب غيرت موقفها في المرحلة الأخيرة, أي مع اقتراب صدور الحكم, وفرضت تعتيماً إعلامياً على قضية كرم, ما أوحى للجهاز الأمني في الحزب أن القيادة تشتغل سياسة في موضوع حساس وخطير للغاية.
ثانياً: بالعودة إلى موقف “حزب الله” من شبكات العملاء, لاحظ الجهاز الأمني أن الأمانة العامة أوعزت بتصعيد التحريض الإعلامي على أشخاص معينين من غير الطوائف المسيحية, أما الآخرون فقد تم التعاطي مع قضاياهم إعلامياً وسياسياً بحذر شديد, إذ كان يصعب على الحزب أن يعرف بالضبط من هؤلاء العملاء على صلة مباشرة أو غير مباشرة بالتيار العوني. وهكذا لوحظ أن التغطية الإخبارية لإعلام “حزب الله”, لقضايا المتهمين بالعمالة, كانت مرتفعة وكثيفة إذا كان المتهم منسوباً إلى تيار “المستقبل” أو أي طرف آخر من الخصوم. وهنا أيضاً بدا “حزب الله” وكأنه يستغل هذه القضايا لتصفية الحسابات السياسية مع هؤلاء الخصوم.
ثالثاً: لوحظ أن تشدد “حزب الله” مع المتهمين كان الأشرس والأعنف عندما تعلق الأمر بأشخاص من المعارضين الشيعة لسياسته, وخصوصاً رجال الدين. وقد حفلت وسائل الإعلام اللبنانية (المستقلة عن نفوذ حزب الله) في اليومين الماضيين بمقالات وتقارير عن استهداف هؤلاء بقذفهم بتهمة العمالة.
والقضية الأولى كانت تخص الشيخ حسن مشيمش المعتقل منذ حوالي العام في سورية بإيعاز من الحزب, والقضية الثانية تخص الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي السيد محمد علي الحسيني. والتهمة الفعلية للرجلين هي معارضة سياسة الحزب داخل الطائفة الشيعية, وقد كان لافتاً أن توقيف الحسيني مثلاً, جاء مباشرة بعد أحداث البحرين التي دعا السيد حسن نصر الله إلى تأجيجها, في حين أن الحسيني عمل جاهداً لوقفها, محذراً من استغلالها من قبل الولي الفقيه الإيراني لزعزعة استقرار الخليج.
يعاني “حزب الله” حالياً من مشكلة صدقية في التعامل مع الحلفاء, والأهم في التعاطي الداخلي. فبعد سقوط نظرية الحزب غير المخترق, وبعد اتهام عناصر قيادية فيه بالاغتيال السياسي, تأتي قضية العمالة لإسرائيل ومواقفه الاستنسابية لتقضي على ما تبقى من مصداقيته.
شاهد أيضاً
فوز الأديبة الأهوازية الشابة سرور ناصر في المركز الاول للقصة القصيرة
فوز الأديبة الأهوازية الشابة سرور ناصر في المركز الاول للقصة القصيرة جابر احمد 2024 / …