الثورتان التونسية والايرانية: التشابهات والفروقات

alquds
بقلم الاستاذ يوسف عزيزي – كنت مهووسا بقصيدة الشاعر التونسي الكبير ابوالقاسم الشابي التي مطلعها “اذا الشعب يوماً اراد الحياة – فلا بد ان يستجيب القدر”، عندما كنت ادرس في جامعة طهران اوائل السبعينات من القرن المنصرم،

اذ كنا طلبة ثوريين نقوم برحلات الى الغابات والجبال الايرانية الشاهقة وكنت انشد على زملائي في تلك الرحلات تلك القصيدة واترجمها للفارسية لنستلهم منها من اجل اضاءة طريقنا الثوري. غير ان ثورتنا المقبلة التي كنا نأمل ان تكون اشتراكية خذلتنا في 1979 ولم تكن حتى ديمقراطية بل ولدت مشلولة مصابة بفايروس التعصب الديني والشوفيني. ويشاهد العالم الان كيف اخذت تأكل بالتدريج ابناءها وتقمع شعوبها وتدمر اقتصادها على حساب التطور النووي والعسكري والانعزال من العالم الخارجي. وقد تم ذلك بفعل استئار رجال الدين المتشددين للسلطة واقصاء القوى الثورية والديمقراطية الاخرى التي شاركت في قيام ثورة فبراير الجماهيرية العظيمة.

وقد زرت تونس مع صديق ايراني في عهد الحبيب بورقيبة في عام 1976 بعد ان اصبنا نحن الشباب المتحمسين للثورة ضد الشاه بخيبة امل اثر توجيه قوات الامن الملكية ضربات موجعة للحركة اليسارية التي كانت تخوض حرب عصابات ضد حكم الشاه في المدن الايرانية الكبرى. وقد اعترف لي اخيراً (صيف 2005) كبير المحققين في ملفي بسجن الاهواز ان جهاز الاستخبارات في عهد الشاه (سافاك) كان يركز على قمع القوى اليسارية انذاك مثل فدائيي الشعب ومجاهدي خلق وحزب تودة الشيوعي اكثر من تركيزها على القوى الاسلامية ومنها الموالية لاية الله الخميني وذلك بسبب تجاور ايران للاتحاد السوفيتي.

يمكن ان نقوم بنوعين من المقارنة بين الثورة التونسية الوليدة والثورة الاسلامية التي مضى 32 عاما على عمرها. الاول هو التماثل بين النظام الملكي السابق ونظام زين العابدين بن علي. كان الاثنان نظامين علمانيين، يعتمدان على مؤسستين امنيتين رهيبتين ويرأسهما طاغيتان (بن علي والشاه) مع حاشية جد فاسدة – البلاط الملكي وعائلة بن علي وليلى الطرابلسي – بل ان ليلى هي نسخة وفق الاصل لشقيقة الشاه اشرف بهلوي. وقد هيمنت العائلتان الحاكمتان على معظم موارد الثروة في البلدين ما ادى الى تفاوت طبقي شاسع في المجتمعين الايراني (قبل ثورة 1979) والتونسي قبل ثورة 14 كانون الثاني (يناير) 2011. ويبدو ان القوة الجماهيرية الرئيسة المشاركة في الثورتين الايرانية والتونسية هي جيش المهمشين في المدن. غيران المعارضة ضد الشاه كانت تحظى بقيادة كاريزمية هي شخصية اية الله الخميني، فيما لا تحظى الثورة التونسية بمثل هذه الشخصية. كما ان الثورة الايرانية نحت، بسبب وجود الخميني على رأسها، نحو سيطرة رجال الدين وهيمنة الخطاب الديني وتصفية القوى الاخرى المشاركة في الثورة كالاحزاب والفصائل اليسارية والديمقراطية والليبرالية والتابعة للقوميات غير الفارسية، تصفية دموية.

وقد شهدت ايران في عهد الشاه وتونس في عهد بن علي تطورا اقتصاديا اكدته الاوساط الدولية غير ان التجربتين الاقتصاديتين فشلتا بسبب عدم تلازم التنمية الاقتصادية والسياسية اي ان التنمية الاقتصادية المقرونة بالتفاوت الطبقي الهائل والديكتاتورية والقمع السياسي وعدم تكافؤ الفرص وغياب الشفافية والمحاسبة ستؤول الى الفشل ولربما الى ثورة في اي بلد مستعد للثورة.

والسؤال الان: هل محمد الغنوشي هو “شابور بختيار”، آخر رئيس وزراء عهد الشاه، او هو كرانسكي آخر رئيس وزراء في عهد القيصر الروسي رومانوف؟ الاثنان لم يصمدا امام المد الثوري وتجاوزتهما الثورتان الاسلامية في ايران والشيوعية في روسيا.

الثورة التونسية والانتفاضة الاخيرة في ايران

المقارنة الثانية يمكن ان تتم بين الثورة التونسية، والانتفاضة التي عمت ايران بعد التزوير في الانتخابات الرئاسية عام 2009 والمعروفة باسم الحركة الخضراء. وقد نجح التونسيون في ثورتهم فيما فشلت الانتفاضة في ايران في تحقيق اهدافها. وهنا يجب ان اؤكد ماقلته دائما من ان هناك جدلاً تاريخاً بين ما يقع من حركات وثورات في ايران من جهة والعالم العربي من جهة اخرى. ولاننسى ان الثورة الفلسطينية كانت نموذجا يحتدى به من قبل المناضلين ضد الشاه من اسلاميين ويساريين. وهذا ما نشاهده اليوم من جدل بين الثورة التونسية والحركة الديمقراطية المناوئة لحكم رجال الدين في ايران.

فقد نزل نحو ثلاثة مليون ايراني في 16 حزيران (يونيو) 2009 الى شوارع العاصمة طهران للمطالبة باصواتهم التي سرقها نظام ولاية الفقيه بتزويره وتلاعبه بالاصوات ونصبه احمدي نجاد رئيساً للبلاد. وقد تقلص عدد المتظاهرين يوما بعد يوم وشهرا بعد شهر حتى انتهت الانتفاضة بعد ثمانية شهور. وحدث عكس ذلك في تونس، اذ انطلقت المظاهرات في سيدي بوزيد باعداد قليلة وتطورت الى مظاهرات واسعة في العاصمة تونس. وهناك عدة اسباب لما ذكرناه آنفا، بعضها اساسي، منها اولا، ان قيادة الحركة الخضراء المعارضة للنظام الديني في ايران كانت جزءاً من النظام نفسه، اذ ان مير حسين موسوي كان رئيسا للوزراء وكان مهدي كروبي رئيسا للبرلمان لعدة سنوات، فيما تقع قيادة المعارضة التونسية خارج النظام بالكامل.

وقد واجهت قوات البسيج (التعبئة التابعة للحرس الثوري) والامن المظاهرات في ايران بقسوة وذلك بامر من مرشد الثورة الايرانية اية الله علي خامنئي الذي كان يخشى تكرار سيناريو الثورة ضد الشاه المخلوع. ولم يستخدم بن علي (كما لم يستخدم الشاه في عهده) مثل تلك القسوة التي لم يبال في استخدامها النظام الاستبدادي الحاكم حاليا في ايران. ويعود هذا الى انعزال النظام الاسلامي عن العالم فيما كانت علاقات واسعة تربط الرئيس التونسي المخلوع بن علي مع العالم وخاصة مع الدول الغربية. وبعبارة اخرى، التزم الجيش في تونس الحياد فيما وجهت القوات التابعة للحرس الثوري نيرانها الى صدور المتظاهرين العزل في ايران.

كما ان المظاهرات والاحتجاجات في ايران انحصرت بالعاصمة طهران وبعض المدن الوسطى ذات الغالبية الفارسية كاصفهان وشيراز، فيما لم تشارك فيها اقاليم تقطنها قوميات غير فارسية بشكل واسع كالاذريين والاكراد والعرب والبلوش. اما في تونس فقد عمَت المظاهرات معظم المدن والبلدات من جنوب البلاد الى شمالها ومن ساحلها الى صحرائها.

وقد ساعدت التكنولوجيا الحديثة الايرانيين والتونسيين على كسر احتكار السلطة للاعلام وخاصة المواقع الاجتماعية كالفيس بوك وتويتر. كما كان لقناتي “العربية” و”الجزيرة” دور مهم في تأجيج نيران الثورة في تونس اذ كانتا تغطيان هذه الثورة – خاصة في الايام الاولى – على مدار الساعة ومن قلب الحدث، فيما لم يتمتع الايرانيون بمثل هذه الامكانية اذ كانت قناتا “بي بي سي” و”صوت اميركا” باللغة الفارسية تخصصان بعض الساعات لتغطية الانتفاضة الخضراء من خارج ايران.

ويبدو من شعارات الثورة التونسية انها ليست دينية كما كانت في ايران بل يمكن وصفها بالثورة الديمقراطية. غيراننا لانعلم بما يخبئه المستقبل للثورة التونسية اذ هناك خطر تدخل الجيش داخليا او محاولات لانظمة عربية وغير عربية للتاثير على مسارها، ولا سيما دور النظام الايراني الذي تعرف تدخلاته في شؤون الدول العربية للجميع. وانا اشعر بهذا الخطر كون الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد وبعض رجال الدين الشيعة المحسوبين على المتشددين اخذوا يروجون لمقولة الثورة الاسلامية في تونس وهذا مؤشر الى محاولات سيقوم بها النظام الايراني للتأثير على بعض القوى الدينية في تونس. وهذا ما يجب ان تنتبه اليه الفصائل والاحزاب السياسية المشاركة في الثورة التونسية حتى لا تبتلى مثلنا نحن في ايران بنظام ديني مستبد في نهاية المطاف، وهو نظام يعادي حقوق الانسان ويكره الديمقراطية وينتهك حقوق المرأة وحقوق القوميات غير الفارسية والاقليات الدينية والمذهبية ويحكم بالحديد والنار واني متأكد من ان نجاح الثورة الديمقراطية في تونس سيلهم الجماهير الايرانية للتحرك ضد نظامها الاستبدادي آجلا ام عاجلا..

نقلا عن موقع القدس

 

شاهد أيضاً

القضية الأهوازية وانتفاضة تغيير النظام في إيران

ورقة صالح حميد في ندوة ” لا ديمقراطية بدون حقوق القوميات في إيران” لندن – …